إلى جنات الله في الخالدين يا أبا بشير

مؤمن محمد نديم كويفاتيه/ سوري في اليمن

[email protected]

في صبيحة هذا اليوم الثلاثاء 1252009 انتقل الى جوار ربه أبي محمد نديم كويفاتية الملقب بأبو بشير عن عمر ناهز التاسعة والسبعين من عمره لم ينعم في معظمها بأي راحة أو سعادة في ظل نظام العسكرة وهيمنة الحزب الواحد وأجواء الإستبداد والقهر والقمع وحجز الحريات وتكميم الأفواه التي لاتزال مهيمنة على جميع مناحي الحياة السورية ، والتي حرمتني وعشرات الألاف من المُبعدين قسرا عن سورية من رؤية ولقاء ممن رحلوا عن الدنيا من الأحبة والخلان حتى من القاء نظرة الوداع الأخيرة وحرمت أبناء شعبي من أبسط الحقوق المدنية في ظل الأنظمة والقوانين الإستثنائية الظالمة التي ليس لها مثيل وتطبيق جائر في العالم مثل بلدي وبلد الأحرار سوريتنا الحبيبة كقانون الطوارئ المقام والمسلط على شعبنا الحبيب منذ نصف قرن وقانون الظلم وجز الرقاب والقتل على الانتماء الفكري 49 لعام1980 والقوانين الجديدة بحق اخواننا الأكراد التي سلبتهم من حقوق المواطنة المتساوية ، وتلك هي قصتي وقصة وقصة أبي التي هي من لحن وقصص الكثير من أبناء شعبي ممزوجة بالحزن والآلام وكل أنواع الظلم التي لازالت الى يومنا هذا مطبقة في بلدنا سورية دون غيرها ، والتي ليس لها كاشفة إلا الله الذي وحده يستطيع تخليصنا من هذه البقعة السوداء ، ولن يتحقق ذلك إلا بمزيد من التضامن والتكاتف وجمع الكلمة وليس العمل على سحق الآخر وإنهاءه كما عملت بعض القوى المعارضة على ذلك ، ثم تراجعت وعادت عن ذلك النهج المدمر ، لنسجل ترحيبنا بهذا الموقف الطيب مع عدم اغفالنا عن بعض الأصوات النشاز ، وتأسفنا في الوقت نفسه على بعض الأصوات التي عملت على لي الحقائق عبر اتهامي بالمبادرة في رسائل النعوت في الوقت الذي تعامى فيه هذا الكاتب عن المسيئين الذين تجاوز البعض منهم على الذات الإلهية والرموز الاسلامية والوطنية

وبغض النظر عن تلك المهاترات التي اتوقف عن الرد عليها أمام جلال وعظمة الموت الذي ابتلي معظمنا بفقد من أحب ، حتى أن البعض لم يكن يستطيع حتى التواصل مع أهله وذويه للإطلاع على أوضاعهم ، وكذلك انسجاما مع مبادرة السيد البيانوني مراقب عام جماعة الاخوان المسليمين وتيارنا الاسلامي المستقل توقفت بغية تمهيد الطريق لوضع أدبيات وصياغة مبادئ شرف لاتبيح لأحد التجاوز فيها على الأديان والمعتقدات والرموز لأعود الى أبي الذي رحل عن الدنيا كما رحل كثير من أبناء الهجر القسري دون أن ينعم الأباء برؤية أبنائهم أو العكس

فلقد ابتدأ أبي حياته منذ صباه مابين اليتم والفقر والحاجة ليكون ذلك سببا في نهوضه واعتماده على الله سبحانه ، ليزيد من جهده وبذله وتفانيه من أجل تأمين حياة كريمة في أبسط المقومات للإستمرار ، ومن أجل تأمين الحياة الأفضل لأسرته وأبناءه ، فعمل بداومين شاقين الأول في مؤسسة النقل كمحاسب ، والثاني في أعمال حرة تجارية بسيطة ، وآثر الإبتعاد عن التدخل في الأمور السياسية مع ما يجيده في هذا المجال من حنكة وحكمة شأنه شأن الكثير من الأباء الذين سلموا البلاد الى العسكرة ليدفع الأبناء ثمنا غاليا لهذا التقصير ، وما كان ذلك الا نتيجة الخوف وأجواء الإرهاب التي مورست عليهم في فترة الستينات ، ولكنني كنت اناقشه على الدوام في كثير من القضايا مما كان يزيد من خوفه وقلقه مما قد ألقاه ومما قد خبره من الطغم العسكرية وتصرفاتها القمعية ، ولكن في نفس الوقت كنت أقرأ في قرارة نفسه سخطه واستيائه مما آل عليه حال شعبنا السوري ، وكان رحمه الله لايخفي سعادته وارتياحه والتحدث بأريحية عالية عن العهد الديمقراطي وأيام الحكم الوطني وهو يذكر شكري القوتلي والعابد والكيخيا و.. وهو يذكر المناضلين الأوائل الذين حرروا سورية من ربقة الاستعمار والقهر ، مما أورثني ذلك منه رحمه الله اصرارا للمضي في الأهداف السامية لنيل الحقوق ، وأورث هؤلاء الأباء جيلنا الذي استطيع ان اسميه بجيل التحدي اصرارا آخر لانتزاع الحقوق ، والحق في المشاركة السياسية كحق مشروع لايجوز التنازل عنه او التهاون فيه ، مما جعل ذلك كدافع لجيل شباب اليوم للاستمرار على خطانا ورفع سقف المطالب ، ولذلك نرى المئات منهم اليوم يصارعون باسلوب جديد ونفس عال لا توهنه المحاكمات والاعتقالات والأعمال التعسفية للوصول بسورية الى بر الأمان والى حرية أبنائها واشاعة اجواء الديمقراطية فيها

وأخيرا : لايسعني الا أن أنعي أبي كما كان يروق أن يُسمي نفسه حرا كريما أبيا شامخا مناضلا من الطراز الأول على طريقته مؤمنا صابرا محتسبا عند الله ظلامته الى أهلي وأحبائي وأنا بعيد عن الوطن وموضع الحدث ، والذي استطاع طوال فترة غيابي ونفي عن الوطن ان يزورني ثلاث مرات ، كان يُحدثني فيها عن أحلامه في عودتي واسرتي ، وما يمكن أن يقدمه لنا ان تحقق ذلك ، وكان رحمه الله يعتبر نفينا بالطامة الكبرى ، فما بالنا ممن بقي في السجون ولا زال مختفيا فيها ولا أحد يعرف عن عشرات الألاف منهم شيء ، وقبله رحلت أمي متأثرة بظروف ملاحقتي التي ركبتها الأمراض من كل اتجاه من السكري الى الضغط الى .. بسبب ما لحق بابنها من الأذى والإضطهاد وهو في أول شبابه ، ولم يتركها المرض الا جثة هامدة بعد سنوات ، وتلك هي قصص الكثير ممن هجروا قسرا ولا زالوا يعانون الى اليوم من أثار الغربة والظلم وطول البعاد والفراق