أمي.. أول عيد بدونك
ماميّز عيد هذا العام، أنه شهد وفاة أمي رحمة الله عليها ، فكان أول عيد دون أمي، فأصبح لزاما على الإبن أن يسترجع صورا زاهية، قضاها مع الأم، وهي..
في كل عيد، تنهض أمي باكرا، تعد قهوة الصباح، وتظل واقفة على الفرن لإعداد خبز الملوي بكل فخر واعتزاز.
كم تكون سعيدة حين أبدأ صباحي قبل الذهاب إلى المسجد بتناول فنجان القهوة وقطعة الملوي الطرية الساخنة.
تطلب مني أن ألبس أحسن عباءة، وآخذ أفضل عطر، وتنصحني دوما أن أتجه إلى المسجد باكرا.
بعد الانتهاء من صلاة العيد، أعود إلى البيت، أسلم عليها تسليمة العيد الخاصة بالأم، فتبادلني بالسلام والدعاء، فكان ذلكأفضل ماتحصل عليه الإبن ويفتقده الآن.
نتجه سويا إلى مقبرة سيدي العروسي، أزور أولا برفقتها أبي رحمة الله عليه، أقرأ وأدعو وتؤمن على دعائي، فكان أبي محظوظا، فهو يسمع تأمين الزوجة ودعاء الإبن، ودعاء الإبن يصل لوالديه لا محالة.
ثم تأخذني لقبر جدي الذي ضاع منه الهلال الذي كان يميّزه، ثم قبر أمها أي جدتي، وقبور أخرى لم أعد أحفظها. وفي كل قبر أقرأ ماتيسّر من القرآن، وأدعو لصاحب القبر بما استطعت، وتؤمن أمي على دعاء إبنها.
مايميّز مرافقتي لأمي للمقبرة، أنها كانت تعرف القبر وتحدد مكانه ولا تخطئه، رغم أنها لاتقرأ الأسماء الدالة على أصحاب القبور، وكانت تحدد مكانه بدقة بالغة، وكم كنت أتعب كثيرا في إيجاد القبور التي تطلبها مني أمي، وأنا أقرأ الأسماء وأتحس الأماكن، وغالبا ماكنت لاأعثر عليه، إذ بالأم تنادني من بعيد..
تعالى إنه هنا، أرأيت أنا لاأحسن القراءة مثلك، لكني أنا أحسن منك في الانتباه ، لذلك عثرت عليه.
وبعد زيارة أصحاب القبور الذين حددتهم أمي، وطلبت مني البحث عنهم، نعود إلى البيت، بعد أن تقدم لبعض المحتاجين بعض ماوفقها الله إليه من دراهم معدودات.
نعود إلى البيت مباشرة، باعتبار الضيوف من أبناء وأصهار وجيران وأقارب وأحباب، سيزرونها بقوة وكثرة، طيلة أسبوع دون توقف.
وطاعة لأمي وامتثالا لطلباتها، أظل طيلة الأسبوع في البيت، أستقبل الضيوف الذين أتون لزيارتها، فأخدمهم بالجلوس معهم، ومشاركتهم الحديث، وخدمتهم بما توفر من أكل وشراب بارد وساخن.
في عيد الفطر تكون زيارة المقبرة في اليوم الأول، وفي عيد الأضحى تكون زيارة المقبرة في اليوم الثاني، باعتبار اليوم الأول يكون للأضحية، الذي سنترك الحديث عنه عمدا حين يحين المقام وتسمح الفرصة بذلك.
وبعد الانتهاء من استقبال الضيوف، تطلب مني أن أحملها إلى خالتي خيرة، باعتبارها الأخت الأكبر منها سنا، أو إمرأة آخرى مريضة لم تزرها منذ مدة، وأخصص بدوري بعض الوقت لزيارة ضيوفي من الأصدقاء والأحباب والأئمة.
منذ ساعة من الزمن كتبت عبر صفحتي: يقول لي بعد صلاة المغرب..
ألا تجلس؟.. هل عندك ضيوف؟..
أجيبه.. لم يعد لي ضيوف، فقد ذهبت الأم التي كان يزورنا الضيوف لأجلها.
وسوم: العدد 625