مفاتيح أولية لمقاربة الوضع السياسي والثوري السوري
مفاتيح أولية
لمقاربة الوضع السياسي والثوري السوري
زهير سالم*
مدخل نظري قُدم لبعض المؤازرين العرب
أولا – في طبيعة المستبد الفاسد ..
لا شك أننا عجزنا خلال أربعين عاما عن جعل إخواننا والقريبين منا يشاركوننا القناعة أن هذه الزمرة الظالمة المستبدة المتحكمة في سورية تختلف في بنيتها وأخلاقيتها وطبيعة تكوينها عن كل المستبدين والفاسدين الآخرين . كان يؤلمنا دائما أن يظل البعض يشبه ما يجري في سورية بما يجري في هذا القطر أو ذاك .
لا نقرر هذا اليوم من باب العتب وإنما لأن لهذا أثره الاستراتيجي في تصور الحل لسورية المستقبل . يجب أن يدرك كل من يقارب الملف السوري اننا أمام حالة من الاحتلال الغريب من قبل قراصنة لا يملكون أي وازع أخلاقي أو سياسي .
وأنه بعد أن أحكم رجال هذه العصابة قبضتهم على مؤسسة الجيش والمؤسسة الأمنية سلبوا من السوريين كل شيء . إن أي حل سياسي يقترح لسورية ولا يقوم على تفكيك هاتين المنظومتين ويعيد بناءهما على أسس وطنية حقيقية هو إهدار للوقت والجهد واستهتار بدماء الشهداء ...
ثانيا – في الخوف على الدولة السورية ...
نسمع الكثيرين يتحدثون عن الدولة السورية ومؤسساتها . يجب أن يكون واضحا أن هذا النظام لم يبق في سورية أي مؤسسة وطنية ولو بالحد الأدنى . أليس عجيبا أننا لم نجد في مؤسسات بشار الأسد إلا القليل من أعداد المنشقين . على صعيد القضاء ومجلس الشعب والمؤسسة الأمنية والسلك الدبلوماسي .
. قد تكون الأسباب التي تمنع من تداعي الناس إلى الانشقاق كثيرة وعديدة منها طبيعة الصراع وسيرورته والمواقف الدولية والإقليمية ولكن هناك سببان رئيسان يمكن الوقوف عندهما : فساد الطبقة التي يختارها النظام . والخوف من انتقام النظام الذي يغمر قلوب الجميع على أنفسهم وأهليهم ومصالحهم .
الرسالة التي نريد أداءها انه ليس في سورية مؤسسات سيادية يمكن الخوف عليها بل أكثرها مما يجب فكفكته ومحاسبة القائمين عليه . أما المؤسسات الخدمية : التعليم والصحة والنقل والماء والكهرباء فهي مؤسسات قادرة في الحفاظ على ذاتها في كل الظروف ، دون أن نغفل ان النظام استهدف المدارس والمستشفيات والجامعات والبنية التحتية ..
ثالثا – في مسئولية القرار الثوري
يحاول البعض أن يجادل قوى المعارضة ببعض القرارات الثورية . ويحملهم مسئوليتها . ويتخذ موقفا منهم على أساسها . الحقيقة أن الثورة والثوار هي المسئولة عن قراراتها وكانت كل القوى السياسية ملتحمة بها . وهي كانت بين خيارين : إما أن تلتحم وتسدد وتقارب وتضبط وترشد ، وإما أن تعتزل فتعزل وتطلق النار على نفسها ...
رابعا – في تحميل السياسيين مسئولية عنف الثورة وإخراجها عن خيارها السلمي ...
من التبسيط الشديد أن يوضع ما يجري في سورية في سياق ما جرى في تونس أو في مصر أو في اليمن . هذا ظلم شديد . ولا يمكن لقطر أن يعتبر تجربته أنموذجا يفرضها على الآخرين ..
تعسكرت الثورة السورية برد فعل ثوري وليس بقرار سياسي , دفع إلى هذا : عنف النظام وشراسته وإقدامه على القتل والانتهاك .
والموقف الدولي والإقليمي اللامبالي والذي أدار ظهره للثورة السورية . هي الأسباب المباشرة التي دفعت إلى العنف ..
خامسا –في تهديد وطنية الثورة ...
ما زالت الثورة تحتفظ بطابعها الوطني رغم عمق التحديات ومحاولات النظام المتعددة جر الثورة إلى خندق الطائفية . ومن هذه الموقف الوطني نرفض ما يراه البعض أن ما يجري في سورية هو نوع من الحرب الأهلية . بل هو ثورة شعبية ضد زمرة متسلطة مستبدة وفاسدة . وكون هذه الزمرة تعتمد نوعا من العصبية الطائفية لم يستطع أن يخندق هذه الثورة في مواجهة هذه الطائفة . ولكن لا يجوز الاستهانة بخطر أن تنجح هذه العصابة في فرض هذا الشكل من أشكال الصراع . ربما ستكون تداعيات هذا أخطر على الحاضر والمستقبل ..
سادسا – في النخويف من شبح التقسيم ..
ربما يكون الانعزال أحد المخارج الحالمة التي يفكر فيها المستبد الفاسد . وهو حلم يعمل بشكل أو بآخر على التمهيد له . نعتقد أن الظروف الدولية والإقليمية والوطنية ستشكل عقبات حقيقية في وجه هذا المشروع . مع تحديات بنيوية ديمغرافية وجغرافية واقتصادية ستواجهه . ولكن كل هذا لا يمنع من استحضار الخطورة والعمل على قطع الطريق عليها . مع عدم التضخيم بشأنها ..
كان تقسيم سورية مشروعا فرنسيا ويبدو أن هذا المشروع ينتعش في بعض الرؤوس ويحتاج إلى الكثير من الحكمة واليقظة .
سابعا – في المجتمع المدني ومفاهيم الأقلية والأكثرية ...
يتنافى مفهوم المجتمع المدني ، والدولة المدنية التي تسوي بين أبنائها في الحقوق والواجبات على أساس المواطنة . ومع ذلك ظل الحديث عن الأقليات من المداخل الأساسية للتشكيك في مستقبل الثورة السورية وفي أداء المعارضة السياسية ...
نعتقد أنه في المجتمعات المدنية ينتفي مفهوم الأقلية والأكثرية إلا ببعده السياسي ..
ونؤكد أن ما أصدرته المعارضة السورية على هذا الصعيد كان كافيا . وأن الاستمرار في طلب التطمينات أصبح إلى الحالة الذرائعية أقرب .
ولن يكون المجتمع المدني الموحد الذي يطالب به الجميع معبرا لمجتمع الامتيازات لأي فريق وعلى أي خلفية ...
ثامنا – في التخوف من الإرهاب والمتطرفين ..
الاعتدال هو السمة العامة للمسلمين في سورية في الفهم والموقف والسلوك . ونتيجة عنف النظام المتجاوز لكل حد ، وتخلي المجتمع الدولي عن مسئولياته حدث في سورية نوع من فراغ القوة والقرار فلا عجب أن تملأه بعض القوى التي تقاطر القليل منها إلى سورية بحسن نية وبرغبة صادقة في نصرة إخوانهم . أطلق عليهم المجتمع الدولي لقب المتطرفين ..
ونحن نتخوف من التطرف ومن المتطرفين ولكننا لا نوزع هذه التهمة على الهوية بل على السلوك والممارسات . ومن هنا نقرر أن الإرهابي الأول والمتطرف الأول في سورية وفي العالم هو بشار الأسد وعصاباته وأنصاره من الروس والإيرانيين .
إن نوافذ تسرب المتطرفين إلى سورية يفتحها غياب الدور الدولي والإنساني الرشيد هذا أولا ...
كما أن جنوح المجتمع الثوري في سورية نحو التصلب والتشدد سيكون سببه غياب الحكمة والرشد والواقعية عن تصرفات الشركاء الآخرين ..
نعتبر أنفسنا جزء من مشروع تطويق التطرف في المنطقة وفي العالم . ولكن نجاح هذا المشروع يحتاج إلى حكمة وواقعية وتعاون جميع الشركاء .
ننتظر من قيادة جبهة النصرة مراجعة راشدة للموقف المخذل الذي تم الإعلان عنه . كما ننتظر من قواعد هذه الجبهة انحيازا حقيقيا لمشروع الثورة السورية في بعده الإسلامي الوطني .
تاسعا – في محاولة الالتفاف على مشروع الديمقراطية :
ما يزال هناك رفض خفي لمشروع ديمقراطي في سورية يصعب تفهمه دوليا وعربيا . ورغم كل تضحيات وبطولات السوريين التي لم يقدم مثلها أحد ما زال الموقف من الثورة والمعارضة السورية : انتقائيا سلبيا انتقاديا ودون أن يقف أحد عند إيجابيات الثورة وبطولات الثوار ..
حتى على المستوى العربي والإسلامي لم تستثر الانتهاكات المستفظعة الرأي العام بما يتناسب مع الحدث .
لماذا تتخلف السياسات وحراك الجماهير العربية والمدنية الإنسانية عن التفاعل مع ثورتنا جواب السؤال نتحمل جزء فقط من مسئوليته ولكن ليس كل المسئولية..
الأعجب من كل ذلك أن هناك قوى سورية تدعي الديمقراطية باتت تعلن تخوفها منها ..
عاشرا - غياب مشروع الأمة عن أفق الربيع العربي وانعكاس التجربة المصرية على الثورة السورية :
يلاحظ الكثير من المتابعين غياب مشروع الأمة عن أفق ثورات الربيع العربي . وهذا وجه ضربة قوية لهذا المفهوم . إن الأقطار التي انتصر فيها هذا الربيع أغرقت نفسها في بئر قطري . مما أفقد الروابط الكبرى مصداقيتها . بل إن البعض بات يغرق أكثر في مشروعه القطري التماسا للعذر : لكل امرئ يومئذ شأن يغنيه .
وبطريقة أكبر كان انعكاس التجربة المصرية على الثورة السورية سلبيا ، على أكثر من صعيد ؛ على الصعيد الدولي وواقع ما يجري في مصر ، وعلى الصعيد الإقليمي ولعبة المحاور العربية التي لا تخفى ووضع مصر في المواجهة مع أنظمة عربية ( موقف يستحق التحليل ) – وعلى الصعيد الشعبي والدعوي ومنها قضايا المصداقية بالنسبة للجماعة الأم ، وقضايا الأداء الرسمي والنزاع المثار بغض النظر عن أسبابه ..
أحد عشر في ضرورة الفعل الاستباقي لقطع الطريق على ضربة بشار اليائسة ..
لقد أصبح في حكم المؤكد استخدام بشار الأسد للسلاح الكيمائي . وثبت أن جميع التحذيرات التي وجهت إليه كانت كلامية . تصاعد المد الثوري ومسار الثورة يؤكد أن سقوط هذا النظام لن يكون بالضربة القاضية . وربما يظل بشار الأسد قادرا على التصرف بأسلحة الدمار الشامل حتى اللحظة الأخيرة . ومن هنا فإننا نحذر أن ضربة اليائس التي قد يوجهها بشار الأسد للشعب السوري قد تكون كارثية أكثر مما يفكر الكثيرون ...
ثاني عشر : في دور قوى المعارضة السياسية :
للحقيقة فإن المعارضة السياسية في سورية ليست في أفضل حالاتها . ورغم أن المعركة التي يخوضها شعبنا هي معركة وجودية ومصيرية نستطيع أن نتساءل :
نتساءل : هل نستطيع أن نشارك في خدمة الثورة بطريقة أفضل ؟ يقول الكثير من رموز المعارضة : نعم . ولكن دون أن يقدموا شيئا
إن الأداء السياسي العام لم يستطع حتى الآن إقناع الكثير من الأصدقاء والمقربين بتقديم النصرة المنتظرة منهم ..
إن العلاقات المتشابكة بين قوى المعارضة المختلفة وفي الأطر التحالفية تشتكي الكثير من الفردية التي يستشعرها الأعضاء المشاركون أنفسهم ...
كما أن قيادة الحراك الثوري على الأرض يشكو من الكثير وأقله الشعور بغياب العقل الجمعي الذي ينسق وينظم .
ندرك أن هناك أجهزة وقوى تعمل ليل نهار لتوهن موقف المعارضة والنيل منها . ولكن ذلك لا يحول دون إدراكنا للواقع ويطالبنا بتحمل مسئولية الثورة التاريخية بثقة وجدارة ...
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية