بحيرة توبليتز .. سر من أسرار النمسا
وسحرها وكنز مفقود
بدل رفو المزوري
إقليم شتايامارك- النمسا
في رحلة ربيعية بين جبال النمسا، في بلاد (سالزكامر كوت) الواقعة في إقليم شتايامارك وإقليم سالزبورغ النمساويين. شدني الحنين إلى النرجس في منطقة (بادآوسى) حيث يقام مهرجان النرجس السنوي خلال الشهر الخامس وهذه الأماكن مليئة ببحيرات النمسا الساحرة وجبالها الشاهقة ولكل بحيرة وجبل حكاية في التاريخ النمساوي القديم والحديث، وما زالت الجبال تغطيها الثلوج والتزحلق على الثلج لم ينقطع عنها بعد!! لغاية وصولنا بالسيارة بحيرة (كروندل) ومنها اتجهنا صوب قرية (اكسويل) ومن ساحة وقوف السيارات اتخذنا الطريق مشياً على الأقدام مسافة 2 كيلومتر والطريق عبر قرية (اكسويل)الساحرة أشبه بالخيال فمن جهة يطل جبل صخري شاهق ومن الجهة الأخرى يوجد جدول صغير آت من بحيرة (توبليتز).
بحيرة (توبليتز)..بحيرة تقع بين جبال شاهقة وغابات كثيفة ولكثرة ماسمعت عنها من أسرار قررت السفر الى بلاد (سالزكامر كوت) والكتابة عنها. فهناك مقولة تفيد بأن التاريخ والطبيعة يصنعان البحيرات ولكن بحيرة (توبليتز) هي من صنعت التاريخ في النمسا ومنحت الجبال والشلالات رومانسية لا حدود لها. واشتهرت البحيرة من خلال حكايات ورحلات الصيد التي كان يقوم بها دوق النمسا(ارنست هيرتزوك يوهان) إلى سلسلة الجبال الميتة وهناك حيث كان اللقاء التاريخي بين دوق النمسا و(آنا بلوخل) ابنة مدير مكتب بريد المنطقة وبعدها تزوجها الدوق وصارت حكاية زواجهما على ألسنة النمساويين بأن الدوق تزوج فتاة من العامة. للدوق(ارنست هيرتزوك يوهان) مكانة كبيرة في قلوب سكان إقليم شتايامارك النمساوي لما كان له من تأثير في نشاط صناعة الحديد وتبليط الشوارع واختلاطه بالشعب وإحساسه بمعاناتهم، وخلال جولتي على ضفاف البحيرة لمحت تذكاراً حجرياً مكتوب عليه اسم الدوق وحبيبته.
صيفاً حيث متعة السياحة بالقوارب لغاية الوصول إلى الشلال الذي يغذي البحيرة برفقة الرومانسية والسحر وزرقة السماء تنعكس على مياه البحيرة. يوجد على ضفة البحيرة مطعم شعبي شتاياماركي يمنح البحيرة جمالية إضافية ويسميه النمساويون كوخ السمك نظراً لجودة سمك البحيرة وفوقه ترفرف أعلام النمسا والمقاطعة ، بالاضافة إلى منحوتات خشبية ولوحة كبيرة للإعلام الذي نشر نتاجه حول البحيرة في العالم، ويقدم هذا المطعم وجبات تاريخية لزوار البحيرة، حيث السمك والأكلات والمشروبات النمساوية، ولا تزال القطع الأثرية التي تم استخراجها من البحيرة موجودة في المطعم...ويتميز المطعم بكونه مكسوا بالخشب والمقاعد أيضا ويتوفر على اكثر من 120 مقعداً في الحديقة التي تطل على البحيرة.
تقع بحيرة(توبليتز)على ارتفاع 718 مترا فوق مستوى سطح البحرويبلغ طولها كيلومترين وعرضها 400 متر وعمقها 103 مترا، وقد كتبت كتب وأبحاث حول هذه البحيرة، وكان يسود تصور بأن عمقها أكبر بكثير مما هو وبصورة خيالية مبالغ فيها، وبعد انهيار الرايخ الثالث سربت إشاعات وتكهنات بصورة ملفتة أنه في الأيام الأخيرة من الحرب ووفق شهادات شهود بأنه تمت مشاهدة عشرات الصناديق من الذهب والفضة تعود للرايخ الثالث تغرق في مياه البحيرة، ولهذا حاول الكثير من الغواصين الوصول غلى ذلك الكنز مما تسسبب في قضاء البعض نحبه نتيجة المتفجرات تحت الماء. لقد أصبحت البحيرة مسرحاً لتجارب الغواصين والباحثين وخلال عمليات البحث الكثيرة تم العثور على طوابع بريدية مزيفة ومتفجرات وأسلحة ولم يتم العثور على كنوز الذهب والفضة، ولكن كنزها الحقيقة هو الأسماك الجيدة لسكان ولزوار البحيرة بالإضافة لموقعها الجميل والساحر، اما مياه البحيرة في الطبقة السفلى تعد مالحة.
بحيرة (توبليتز)تعد إحدى بحيرات (سالزكامر كوت) الساحرة وهي تتغذى من شلالين بالإضافة الى المياه الجوفية، وكنز البحيرة المزعوم، فقد تصورت بريطانيا بأنه في نهاية الحرب العالمية قد غطست صناديق مليئة بالعملة البريطانية المزيفة من أجل إضعاف العملة الإنكليزية وقد حاولت جهات عديدة الوصول الى حقيقة الأمر لكن من دون جدوى وحتى مجلة(جيو) قامت ببحث كبير حول البحيرة والكنز. فكتب العديد من الكتاب والأدباء حول هذه البحيرة ومنهم(باول اوسييوس، ماركوس كوبلر، فيرنار توياكا، كيرهارد ساونار، يوهانيس بيخلير، هانز فريكة).
ظلت البحيرة سراً وحلماً يطارد النمساويين والأوربيين ولهذا راودتني فكرة زيارة البحيرة للمرة الثانية والكتابة عنها وتصويرها، فلم يعثر العالم على كنزالبحيرة ولكن الكنز الرائع سحرها الخلاب وجبالها الصخرية وشلالاتها وأما أنا فبدل أن أعثر على الكنز عثرت في طريق عودتي على ورقة نقدية فئة 5 يورو وهذه المرة الأولى طيلة 22 عاما في النمسا أعثر على عملة ولم تذهب رحلتي سدى وتظل البحيرة خالدة في ذاكرة كل من يزورها.
الصور بعدسة الكاتب
من بحيرة توبليتز في النمسا