قصة مدينة (غراتس) في النمسا
مشاهدات كوردستاني في غراتس النمساوية ..
عاصمة الثقافة الأوربية والإمبراطورية النمساوية
بدل رفو المزوري
النمسا\غراتس
القسم الأول
غراتس..مدينة نمساوية جميلة ساحرة وهي عاصمة إقليم شتايامارك النمساوي ويبلغ عدد نفوسها حسب آخر إحصائية في 1\1\2012 ب 296 آلاف نسمة. واسم مدينة غراتس مشتق من اللغات السلافية وتعني(البرج الصغير)نسبة إلى جبل القصر وبرج الساعة. وقد احتفظت المدينة بمكانة كبيرة لدى الإمبراطورية الهابسبوركية. و كانت لعقود مكان إقامتهم عبر مراحل كثيرة من تاريخ الإمبراطورية.وكذلك كانت غراتس مركز الدفاع وقوة لا تستهان بها ضد الإمبراطورية العثمانية .غراتس كانت عام 2003 عاصمة لاوربا الثقافية .لكل مدينة نمساوية طابعها الخاص فمثلا سالزبورغ مشهورة بالموسيقى والحدائق والبحيرات، وفيننا بفن العمارة وقصور القياصرة والفنون والأمم المتحدة والأوبك. أما غراتس فشهرتها بأنها مركز العلوم والطلبة في النمسا وهي مدينة طلابية وتضم عدة جامعات وأكثر من 45 ألف طالب وطالبة من النمسا وأوربا والعالم .تعودت في رحلاتي ومشاهداتي الماضية بأن أسافر بالقراء من مدينة إلى مدينة ومن بلاد لأخرى ومن قارة إلى قارة أخرى من دون التعمق في روح المدينة وقصص المدن والرحيل في عمقها الإنساني والحضاري. ولكن هذه المرة اختلف الأمر وسأرحل بالقراء في رحلة وسأطرق أبواب مدينة بجاليتها الكوردية والعراقية واكبر متحف للدروع في العالم وسجون الحرب العالمية الثانية التي غدت مسارح. وكذلك سأطرق أبواب معاناة الفنانين الكورد فيها. وسأتسلق جبل القصر وبرج الساعة الذي يرتكز شامخا في مركز المدينة. فمثلما تفتخر باريس ببرج ايفل فالغراتسيون يفتخرون أيضا بجبل القصر. حيث يقسم نهر مور العنيف المدينة إلى شطرين ،النهر الذي تغنى به شعراء النمسا. وسأحاور أدباءها وناسها وسياسييها كي اربط القراء بعالم مدينة جميلة نهل أبناء شعبي من مناهلها العلمية والفنية .في عام 1999تم ضم المدينة القديمة والتي تضم أزقة ضيقة وفناءات رائعة وبيوتا قديمة ذو فن معماري رائع إلى قوائم اليونسكو كإرث إنساني للتراث العالمي .الثقافة والفن والمهرجانات العالمية تحتل مكانة كبيرة في حاضر المدينة حيث دار الأوبرا في المدينة ودار المسرح الوطني بجانب العدد الكبير من المتاحف والغاليريات والمعارض والمهرجانات السينمائية ومنها مهرجان أفلام الجبال العالمي الذي يرأسه متسلق الجبال العالمي روبرت شاور ومهرجان الفلم النمساوي.وفي عام 2003 حين غدت المدينة عاصمة ثقافية لأوربا تم تشييد جزيرة مور الاصطناعية في قلب النهر وكذلك ترميم دار الفن واتخذ التصميم طابعا حداثويا. وكذلك الزخارف التي زينت المحطة الرئيسية للقطار إلى جانب مهرجانات موسيقية ومنها خريف شتايامارك،الذي يحضره كبار الموسيقيين وعلى رأسهم قائد الاوركسترا هارنكورت. وتقام الأمسيات الغنائية في فناء دار المقاطعة صيفا. ومن كثرة النشاطات الفنية والثقافية بدأت غراتس تقف في الصفوف الأولى في النمسا بقوة.
دائرة (كاميرة النمسا) في غراتس تحاول جاهدة ربط النمسا بالعالم من خلال المعارض الفوتوغرافية لمشاهير المصورين العالميين .أما متنزه المدينة والذي يسمى بالألمانية(شتادت بارك)فقد تم تأسيس هيكل اتحادي للثقافة والفنون فيه يسمى (شكل متنزه المدينة)عام 1958 كي يكون نقطة التقاء الفن والثقافة والفنانين والأدباء. وكذلك يضم المتنزه تماثيل للشعراء والفنانين والسياسيين الراحلين تذكارا لدورهم في مسيرة البلاد. ولأدباء مدينة غراتس حركة ثقافية كبيرة وخاصة ضمن اتحاد أدباء غراتس وكذلك دور حاملة جائزة نوبل للآداب(الفريدي يلينيك)والتي تنتمي إلى مدينة ميرتسوشلاك ضمن إقليم شتايامارك والذي تعد غراتس عاصمته.
دار الأوبرا في غراتس:يتسع الدار لأكثر من 1500 شخص. وهذه الدار محل دهشة وإعجاب الزوار وقد زينت بزخارف الروكوكو. وللأوبرا مساحة كبيرة وعلى خشبتها تقام أضخم أعمال الأوبرا والمسرحيات الغنائية ،فلقد تمكن المعماريان فيلنر و هيلر من تحديث دار الأوبرا في زيها الباروكي الجديد عام 1898ـ1899. وبالرغم من أنها رممت كثيرا وتعد من أجمل البنايات على الإطلاق في المدينة.أما سلالمها الداخلية فلها جمالية بالإضافة إلى التماثيل في الطابق الأول والتي تحرس الضيوف.وثمة شكل حديدي ضخم لإنسان وفي يده السيف عاليا يعلو دار الأوبرا. تقع دار الأوبرا على شارع رئيسي في المركز. وفي الجهة الأخرى من الشارع حيث سوق الفلاحين حافظ على تاريخه كي يمتزج الحداثة بالكلاسيكي في مدينة مزيجها من الإبداع الفني والثقافي الكلاسيكي والحديث. وقد اعتمدت سياسة الدولة بالحفاظ على سوق الفلاحين .وكذلك الشعب النمساوي الطيب يفضل التوجه صوب سوق الفلاحين بدلا من الأسواق الكبيرة حيث الفلاحون من الجيل القديم وبالأزياء القديمة. وعلى جوانب السوق تنتشر المقاهي الشعبية والمطاعم حيث الوجبات الخفيفة. وزيارة لهذا السوق رحلة إلى عمق الأرض وحبه وطبيعة الإنسان البسيط وبعيدا عن التعقيد والعولمة والمزايدات وكل شئ في هذه المدينة وقصتها تستحق وقفة تأمل... ولكن تستمر الرحلة.
القسم الثاني من قمة الجبل
جبل القصر هو أشهر معالم غراتس ومركز ثقل المدينة ونقطة ارتكازها عبر التاريخ.
مدينة غراتس النمساوية تعد من مدن النمسا الجميلة حيث كانت عاصمة الثقافة الأوربية عام 2003 وكانت العاصمة الثانية بعد فيننا للإمبراطورية النمساوية. والآن تعد مدينة الجامعات والعلم والطلبة وهي عاصمة إقليم شتيامارك النمساوي. كما يحلو للبعض تسميتها بقلب النمسا النابض . وفي آخر إحصائية حلت غراتس في المرتبة الثامنة من حيث توافد الزوار والسياح إليها .بالنسبة للكثيرين تعد المدينة منبعا للجمال والانبهار والسحر المتدفق من تاريخها ،ففي هذه المدينة ذاعت شهرة جبل القصر وبرج الساعة فوق الجبل في قلب المدينة اللذين يحتلان مكانة كبيرة عند السياح وتاريخ المدينة. وهذا الجبل لا يبعد عن الساحة الرئيسية للمدينة وقلبها سوى عدة دقائق مشياً على الأقدام. ومنذ العقد العاشر يعد هذا الجبل ذا أهمية كبيرة لأهالي غراتس في السلم والحرب. وفي عام 1809 وقف الجبل سداً منيعاً أمام قوات نابليون بونابرت لحين توقيع معاهدة سلام مع النمسا في قصر شونين برون في فيننا. ولهذا الجبل حكايات كثيرة مع النمساويين خلال الحرب العالمية الأولى والثانية. والآن تستمر الحكايات ولكن مع الثقافة والأدب والسياحة، حيث شيد داخل أروقة الجبل الداخلية صالة كبيرة للحفلات والندوات الثقافية وتضم أكثر من 600 شخص. وأما سلالم الجبل فيعجز القلم عن وصفها والبصر عن إعجابها.
رحلة إلى قمة الجبل أو أنفاقه وممراته والذي يعد لؤلؤة المدينة وأحد أبرز المعالم الحضارية والتاريخية التي تترك انطباعا كبيرا عند زائره. يبرز شاهقا في مركز المدينة ويمكن مشاهدته من بعد عدة كيلومترات. وهو جبل مشجر وحتى أشجار الرمان موجودة فيه وعلى جوانبه الصخور الكبيرة. وعلى الجبل يقع برج الساعة وتعد ساعته معلما آخر من معالم المدينة. وكذلك في كل سنة تستقبل المدينة كاتبا من العالم كي يقطن في أحد بيوت الجبل بالقرب من الساعة .
الصعود إلى الجبل يمكن عبر التلفريك الذي يتسلق الصخور الانحدارية ويعد بانوراما جميلة لمشاهدة المدينة. وقد شيد هذا التلفريك عام 1894 والكثير من الزوار يخشى السفر به لقوة انحدار الجبل. وكذلك يمكن السفر بالمصعد من قلب الجبل إلى برج الساعة وفرصة لمشاهدة الأنفاق الجبلية. أما عشاق التسلق والمشي والرياضة فهناك السلالم الحجرية وعددها 260 سلما. وعلى قمة الجبل حيث الحدائق الجميلة والمطاعم ورؤية المدينة وكل جهاتها وحيث تقع المدينة بين جبال شاهقة والمناظر الخلابة ومشاهدة السطوح الحمراء وأحواش غراتس التاريخية. والحركة على الجبل لا تتوقف على مدار السنة.
على قمة الجبل آثار الحروب العالمية ما زالت بارزة ومنها السجن في زمن الحرب العالمية الثانية حيث تحول الآن إلى مسرح كبير وتعرض فيه الفعاليات والكونسيرتات. وكذلك بئر الأتراك وكرسي المطران ومقهى خيالي معلق بانحدارات الجبل. أما أسد(هاكير) ذلك الجنرال النمساوي الذي صد جيش نابليون فقد تحولت قصته إلى أفلام سينمائية وأفلام وثائقية ، وشيد له تمثال تذكارا وتقديرا لبطولاته. وذكرني بأسد بابل المسكين. وكذلك شيد المتحف التاريخي للأسلحة والمدافع النمساوية وملابس القيصر وأسلحة تعود للإمبراطورية النمساوية. وكذلك القطار الخيالي وحكاية المغارة للأطفال ويقع هذا الجبل على نهر مور العنيف .
يعد جبل القصر اليوم إرث العالم الإنساني(اليونسكو) ويتدفق عليه الزوار بكثرة من العالم. وهو أشبه ببرج ايفل باريس للنمساويين. وقد رافقت شخصيات كوردية إلى قمة الجبل ومنهم الأديب المعروف عبد الكريم فندي وقائد البيشمركة الشيخ علو والجراح الكوردي الكبير علي حسين حبيب خلال زيارتهم لي .
لقد حاولت جيوش وإمبراطوريات احتلال هذا الجبل ولكن لم يكن بمقدور احد أن يغزوه.وفي ليالي راس السنة حيث يجتمع أهالي غراتس على قمة الجبل لمشاهدة تغيير السنة وسط الأهازيج والأغاني .رحلة إلى قمة الجبل تعد رحلة إلى عمق التاريخ الإنساني والإمبراطوريات والحروب والسفر إلى قلب الطبيعة الجميلة في غراتس النمساوية وتستمر الرحلة.
القسم الثالث
يقول الشاعر الكوردي (محفوظ مايي) بأنه يرى مدينة غراتس مدينة السحر والجمال. وجبل القصر تحفة رائعة تبهر العين والخيال .هذا هو انطباع شاعر كوردي حين زارها ضمن وفد كوردي للفنون الشعبية للمشاركة في مهرجان الشعوب عام 1987.
بعد النزول من جبل القصر والاستمتاع بالسلالم الحجرية التي تسمى أيضا بسلالم الحرب التي تطل على ساحة جبل القصر، ومنها الطريق في شارع (ساك )أي الكيس وفيه تباع التحف الأثرية ويقع فيه متحف المدينة وقصر (هيربرت شتاين )للتوجه إلى الساحة الرئيسية في المدينة حيث تقع فيها دار المحافظة. وكذلك في وسط الساحة تقع اشهر نافورة في مدينة غراتس وهي نافورة(ارشيدوق النمسا يوهان )وتسمى النافورة باسمه وهي نقطة التقاء الناس والعشاق. وتمثال الارشيدوق يطل بارزاً .وقد أحب أهل غراتس ومقاطعة شتايامارك هذا الرجل كثيرا وله مكانة كبيرة في قلوب النمساويين. وهذا التمثال يعد كلمة شكر للارشيدوق. وقد قام وقتها في زمن الإمبراطورية النمساوية بتنشيط الحركة الزراعية والتقنية وكذلك كان له الدور في الصناعات الجبلية.
جزيرة مور..تحفة من تحف عام 2003..
بالقرب من مركز المدينة حيث تقع جزيرة مور الفولاذية هذه الجزيرة مشروع كبير تم بناؤه بمناسبة استقبال غراتس النمساوية عامها 2003 كعاصمة ثقافية لأوروبا. والهدف من بنائه جذب الزوار من النمسا وأوروبا والعالم. وتعد هذه التحفة من أعمال الفن الحديث ويقع في وسط نهر مور العنيف .صمم هذه الجزيرة الفنان والمصمم النيويوركي الأمريكي(فيتو اسونسي)على شكل قوقعة مفتوحة من الأعلى وجوانب زجاجية. وفي جانب من الجزيرة في الوسط هناك المدرجات لمشاهدة العروض والحفلات. ويربطها بجانبي النهر جسران طويلان. وكذلك في زاوية أخرى مقهى مغلق على الأسلوب الحديث وجوانبه زجاجية.يقول الإعلام الغراتسي بأن هذه الجزيرة أعادت الحياة إلى غراتس ونهر مور والثقة به بعد أن كان مهملا لكثرة تلوثه والقاذورات فيه. وعملت المدينة بوضع الصخور الكبيرة تحت الجسور كي يرتطم الماء بها وتهدر هديرا ويسمع صوت الماء كشلال.نهر مور يقسم غراتس إلى قسمين. وقد تم حفر أساسات عميقة كي تثبت الجزيرة الفولاذية. ويقول علماء التكنولوجيا في جامعة غراتس ربما ستحتفظ هذه الجزيرة في الماء لعقود وستظل الأجيال تتذكر المدينة كعاصمة أوربا الثقافية لدى مشاهدتهم وزيارتهم للجزيرة. وكذلك ليس بوسع الفيضانات تدميرها وكأنها تشبه القذيفة.جزيرة مور طولها 50 مترا وعرضها 12 مترا ومعلقة بجسرين. وهكذا يمكنها أن تسع 300 شخص وتقع الجزيرة بين جبل القصر وساحة كاتدرائية مينو ريتن. في هذه الساحة يقام المهرجان السنوي للموسيقى العالمية للجاز في الشهر الثامن.بهذا تلتحم المدينة بالموسيقى بالجمال والرومانسية والمدينة القديمة وقتها يصبح للحياة معنى.
فنان نمساوي عالمي من غراتس للكورد يتحدث:
الفنان والفيلسوف النمساوي د. بيتر يراك ،من مواليد 1938 ـ مدينة ماريبو السلوفينية وتحس بأنه اللطيف تيتو اليوغسلافي والمحارب الشيوعي والمواطن النمساوي فقد درس اللغات السلافية والفلسفة والرسم في فيننا وزغرب. ويعيش منذ أعوام متنقلا ما بين ايطاليا وميونيخ الألمانية. التقيت به في غراتس بمناسبة وفاة أخيه الرسام جورج يراك في غراتس. ودار بيننا حديث طويل حول الحضارات والتاريخ والرسم ووجدت في تخطيطاته إلى جانب اللوحة نصاً كتابياً يضاف إلى جمالية اللوحة.وقد أقام الفنان معارض تشكيلية شخصية في النمسا وستوكهولم وميونيخ وايطاليا. وعن أعماله قال بأن له طريقا إلى البداوة والجبال من خلال لوحاته وفي هذا الأفق الواسع يجد الكورد ذوي تاريخ قديم ولهم عاداتهم و تقاليدهم ومن خلال هذا التاريخ يبحثون عن الحرية. وأضاف :"أنا اعتقد بان الكورد قد طوروا أنفسهم كثيرا. وقد أمضيت أعواما مع الكورد في تجمعات كوردية وتعرفت على الشخصيات الكوردية الشيوعية ولي أصدقاء أدباء وفنانين كورد في ميونيخ الألمانية. وأنا بكل مشاعري وأحاسيسي وعواطفي مع دولة كوردية مستقلة وكذلك استقلال كل الشعوب وتقرير مصيرها. وقد سمعت كثيرا عن كوردستان الجنوبية(كوردستان العراق) واحلم أن ازور هذه البلاد." أحاديث في عمق الفلسفة الإنسانية والفن والكورد وربما تنسي الفنان د . بيتر القادم من ميونيخ مأساة رحيل أخيه الفنان.
في غراتس تمتزج اللحظات بجمالية المكان وفن العمارة والبنايات الملونة وضحك الأطفال تحت سماء صافية وموسيقى الشوارع من جنسيات متعددة في بلاد تعشق الإبداع... ولكن تستمر الرحلة.
القسم الرابع
مدينة غراتس القديمة والمتمثلة بشارعيها الرئيسين في المركز وهما(شارع هيرن ـ الاسياد) وكان يقطن فيه طبقة النبلاء والحاكمة والشخصيات الكبيرة والشارع الاخر هو(شارع شميد ـ الحدادين) وهو مجاور وموازي. وقد غدا اليوم الاجمل والأهدأ من شارع الاسياد الذي يبدأ من بيت الزاوية الركن والذي يقع ما بين الاسياد وشارع شبور. ويعد بيت الركن تحفة معمارية حيث تغطيه زخارف الباروك وكأن الزخارف تطالع المتفرج بوجوه تصرخ. وكذلك تكثر مثل هذه البيوت القديمة المستندة على اقواس كبيرة تقي الناس حر الصيف ومطر الشتاء. وبالقرب منه تحفة اخرى وهي البيت الملون .فلغاية 1450 كان البيت الملون بلاط اقامة ارشيدوق النمسا ارنست يوهان. وبعدها سكنه نبلاء النمسا. ومقابل اقامة الارشيدوق في القصر كان يعفى صاحب القصر من الضرائب التي يتوجب عليه دفعها على املاكه .في مركز المدينة توجد ازقة ضيقة للغاية وترتبط بالساحة الرئيسية في مركز المدينة وتذكرني بأزقة الموصل القديمة في الميدان وباب الطوب .وهذه الازقة تؤدي ايضا الى الاحواش الداخلية وهو المكان الذي يرمز للنمساويين لهدوء الروح بعيدا عن ضوضاء المركز. وفي هذه الاماكن حيث المقاهي التاريخية والاحواش هي محل انبهار للزوار القادمين من خارج النمسا.
تقع دار المحافظة في الساحة الرئيسية ويجلس في مكتب المحافظ شخصية لطيفة شابه اسمه سيغفريد ناكل ومنذ 10 سنوات وهو يدير امور هذه المحافظة .واراه احيانا يتمشى وحده من دون حراسة في المدينة القديمة. وهذه هي المرة الثالثة التي يتم فيها ترميم دار المحافظة فقد كانت سابقا مركز الحراسات وأيضا السجن. وقبل اكثر من 100 عام تم تحويلها الى دار المحافظة وبأسلوب معماري قديم وتعد احدى معالم غراتس الجميلة. ولها شرفة كبيرة تطل على ساحة الاحتفالات وهي الساحة الرئيسية. وفي هذه الدار يداوم اعضاء مجلس المحافظة ايضا .في القرن 19 تم اضفاء الاسلوب التاريخي على فن عمارة هذه البناية التاريخية .لمدينة غراتس جسور عديدة تقع على نهر مور ومنها جسر مور وجسر (كيبلر)نسبة الى العالم الفلكي النمساوي (يوهانيس كيبلر).
شعار اقليم شتايامارك:غراتس عاصمة اقليم شتايامارك وشعارها هو النمر .صورة الشعار هو النمر وأرجله كأنها لصقر والجسد كحصان والنار التي تخرج من ثغره كأنها من التنين.فكل رموز القوة والبأس تتكون من شعار وعلم الاقليم .في شارع الاسياد يقع اكبر متحف للدروع في اوربا . وقد احتفظ النمساويون بالمدافع النمساوية من زمن نابليون بونابرت حيث تم اخفائها في يوغسلافيا السابقة خشية تدميرها من قبل جيش بونابرت.ومن معروضات المتحف الذي يقع في 4 طوابق هناك المسدسات والبنادق والرماح والخوذات والدروع والملابس والسيوف. ويقع المتحف بجنب دار المقاطعة في بناية جميلة وله باب ضخم.
يعتبر متحف الترسانة الحربية والدروع من اهم معالم مدينة غراتس وجوهرتها الحضارية ..لقد شيد المتحف عام 1642/ 1645 بامر من طبقة النبلاء والقساوسة وتحت اشراف المعماري انتونيو سولار من منطقة تسين في سويسرا.. تقدر محتويات المتحف باثنتان وثلاثون ألف قطعة حربية تقريبا ، تعود الى القرن السادس والسابع عشر وكذلك الادوات الحربية تعود الى القرون الخامس والثامن والتاسع عشر والمتحف يفخر بمحتوياته لان المعروضات كلها طبيعية ولا تزال تحتفظ بجودتها بقيت كما هي .. وسبق ان عرضت محتويات المتحف خارج النمسا ،في الولايات المتحدة وكندا واستراليا.واليوم يعتبر المتحف من اجود الترسانات في العالم.
الشارع الرئيسي الثاني هو شارع الحدادين. ويعد من الشوارع القديمة في المدينة ويحتفظ بتراثه القديم من قرون منصرمة. وفيه كان يعيش الحدادون وأصحاب الحرف وعامة الناس. ويختلف اختلافا كليا عن شارع الاسياد. وهناك دلالات على تاريخ الشارع بوجود كتابات على الدور تبين تاريخ تشييدها. فمثلا بعضها يعود الى 1563. وكذلك اسلوب البناء وفن العمارة يختلف اختلافا كليا عن بنايات شارع الاسياد. وفي نهاية شارع الحدادين كان يقع سور المدينة. وهذا يعني ان المدينة القديمة كانت تنتهي هناك.في المدينة القديمة وبالأخص في شارع النساء يمكن مشاهدة دار اشهر رجل غراتسي يعود لعام 1656 ويعد اشهر استاذ في فن العمارة، ليس لأنه خطط لضريح القيصر في غراتس، بل لأنه خطط لقصر (شونين برون )للقيصر في فيننا والذي يعتبر احدى التحف الخالدة للنمسا على الاطلاق.
أحب الادباء والشعراء في غراتس النمساوية الشعب الكوردي وثقافته من خلال الجسور الثقافية التي شيدت بين الشعبين والحضارتين. فقد اعرب شاعر النمسا الكبير الفريد كولريتش عن سعادته لترجمة اعماله. وكذلك الشاعر فرانس هوفر والشاعرة ايميلي يوحنا فورست. أما الشاعرة الرائعة اندريا سايلر فلا زالت تحتفظ بتخطيط صورتها في مجلة به يف الكوردية حين ترجمت قصائدها للكوردية. أما الشاعرة والروائية ماريا انغيبورك اورتنر فأبدت اعجابها ببطولات الكورد ومآثرهم وحقهم وحق كل الشعوب في تقرير مصيرهم .
جولة حرة بين اراء المثقفين النمساويين حول التبادل الثقافي وهم يفتقدون الشرق وأعماله على رفوف مكتباتهم.غراتس بعيدة عن الشرق والشرق بعيد عنها ولكن تظل الكلمة تترجم وتقرب وتشيد الجسور من اجل التلاحم الثقافي الانساني ومن غراتس تستمر الرحلة.
القسم الخامس
يعتبر شارع شبور من اهم الشوارع والدروب الرومانسية في غراتس. والشارع يلتوي الى الاعلى كالتواءات الثعبان ويقع بمحاذاة جبل القصر. وكان يقع في هذا الشارع ( قصر الفرسان) وكذلك قصر (ساوراو) . وعلى الجانب الاخر من الشارع يبدأ شارع (هوف) وفيه أقدم واشهر مخبز في تاريخ غراتس (مخبز البلاط).
جولة في المدينة القديمة تجعلك محل انبهار وانطباع جميل حول فنون العمارة والزخرفة والأزقة الضيقة. ففي نهاية الشارع الرومانسي (شبور) كما يحلو للبعض تسميته يقع قصر(البرج). وقد تم بناؤه كي يكون محل اقامة القيصر فريدريك الثالث. ومع مرور الزمن تم توسيع قصر البرج. واليوم ليس هناك قيصر يسكنه ،فقد صار دار رئاسة اقليم شتايامارك النمساوي. وفي حوش القصر تم العثور على شاخصة قبر وهذه الشاخصة شهادة على وجود اليهود في غراتس خلال القرون الوسطى وعليها اسم شخص (رابي نسيم)وقد توفي في 27 حزيران 1387. وهناك نص على الشاخصة.وفي حديقة القصر التي تجاور منتزه المدينة تمثال الحرية وهو من المعدن الصلب. وقد اعدت حكومة الاقليم مشروعه تذكارا لحرية النمسا. وهذا العمل من صنع الفنان النحات الغراتسي فولفانك شالكه وقد تم نصبه عام 1960.
بالقرب من قصر البرج تقع اكبر كاتدرائية في المدينة وقتها شيدت ككنيسة للقيصر فردريك الثالث خلال الاعوام 1438 ـ 1462 على طراز الاسلوب القوطي المتأخر. وفي داخل الكاتدرائية حيث الفن المعماري الجميل واللوحات التشكيلية الرائعة، وكذلك ضريح القيصر الذي اضفى جمالية اكبر على الكاتدرائية. وقام بتصميم الضريح الفنان المصمم (بيترو دى بوميو).والمصمم قام بعمل كبير وكان عليه ان يعمل الضريح مابين الكاتدرائية وفنائها. وابواب الضريح لها اوقات محددة لفتحها للزوار .المصمم بيترو (1569 ـ1633) هو رسام الاحواش للقيصر في غراتس، وكذلك خطط لكنيسة مينوريتن وقصر ايككين بيرك احد معالم الانسانية الخالدة والتي تم ضمها الى معالم الارث الانساني(اليونسكو).وأما اهم اعماله فيعد ضريح القيصر فرديناند. وكذلك تعد الرسوم الارضية النمساوية لتلك الفترة من اهم الرسوم لوجودها في الكاتدرائية وكنيسة مينوريتن. وعلى حائط الكاتدرائية توجد اهم الرسومات الرائعة وهي شهادة على ان مدينة غراتس تحتفظ بأقدم اللوحات عنها. فقد رسمت هذه الرسومات عام 1485 من قبل(توماس فان فيلاخ) وكما تسمى بالالمانية(فريسكو) ومشهورة للغاية عند الغراتسيين. فمن لا يعرف شيئا عنها فهو ليس غراتسيا. ولكن نتيجة الريح والاجواء السيئة، فقد تاثرت ولهذا وضعت في معرض كبير على حائط الكاتدرائية الخارجي. وهذه اللوحة تحكي حكاية اقليم شتايامارك ومدينة غراتس. ففي عام 1480 كان عام الكوارث للبلاد فقد انتشر وباء الجراد وغزا الحقول وصور الجراد موجودة في اللوحة الجدارية، والقسم الثاني وباء الطاعون الذي خلف وراءه مأساة كبيرة في البلاد. والقسم الثالث تهديد الاتراك للبلاد فقد كانت غراتس مهددة بصورة مستمرة للأتراك. وحتى هناك تمثال في احد بيوت شارع شبور وجندي تركي يطل براسه من اعلى الدار وهو يشهر سيفه. والبعض يقول بانه اخر جندي تركي يغادر الاقليم وهناك الكثير من النكات على التمثال. واخرون يقولون بان هناك من سرق وجبته وهو ينادي من سرق وجبتي ؟بالقرب من الكاتدرائية تقع دار مسرح المدينة منذ 170 عاما. فقد احترقت دار المسرح للمرة الاولى وبعد ذلك تم تشييد الدار للمرة الثانية لتكون هي دار مسرح المدينة وبجانبها ينتصب تمثال القيصر شامخا في ساحة الحرية .
بروفيسور نمساوي يشكر الشرق ...
في جلسة جميلة في احدى مقاهي المدينة وذاكرة عاشق تملؤها ذكريات الشرق والكورد والذي يعد جزء من غراتس ومشاهداتي فيها، يقول لي البروفيسور النمساوي (ادفين ايسندلي) بانهم اي الغرب قد اخذوا الكثير من الشرق. فالفلاحة قدمت من الشرق ومعها قدمت الاديان وكذلك الناس. ولا ننسى بان الرومانسية اتتنا منهم، وطيبة الانسان الشرقي لا تضاهيها طيبة. لقد زرت الشرق وعمري 18 عاما. وزرت العراق وسوريا والمغرب ومصر وباكستان واكثر هذه البلدان زرتها مشيا على الاقدام. ولكنه الان يعتب على الشرق بأن القادمين الى النمسا اكثرهم لا يحملون الشهادات. وكذلك يأسف لعدم التأثير على الاخرين بجمالية بلادهم. واهل الشهادات يتجهون صوب فرنسا وبريطانيا. واما عن حبه للكورد فيقول: "يؤلمني حين اقرأ عن تاريخهم وحتى حاضرهم أنه مؤلم وأنهم مضطهدون من الذين يقتسمون امتهم الكوردية. وامنيتي ان يكون للكورد دولتهم لأنهم شعب طيب وقد كافح كثيرا وطويلا" .
وللجالية الكوردية والعراقية حكايات وحكايات ومآسي. ويروي لي السيد يعقوب عطشان كيف اتت وزيرة الخارجية النمساوية السابقة بعائلته من الكويت لهذه المدينة بعد تحرير العراق عام 2003 لعلاج ولدهم الصغير بعد عجز كليتيه..
والآن يعيش مع عائلته الكبيرة، الجسد في النمسا والفكر والقلب في مدينة صغيرة ( الحي) بواسط. وقال لي بنبرة حزينة قولا شعبيا عراقيا(جنت بواحدة يا ام حسين وصارت اثنين).الازمنة تدور وتدور والغربة تدوم وحكايات ومآسي المغتربين لا تنتهي وتستمر وكذلك تستمر في غراتس الرحلة.
القسم السادس والاخير
ساحة دق الاجراس ورقصة الدمى
في نهاية احد الازقة الضيقة في المدينة القديمة حيث الحكايات والأساطير تسكن احدى الساعات التي ينتهي اليها الزقاق وتسمى بساحة دق الاجراس. وهي تعد من اصغر وأجمل الساحات في مدينة غراتس. وحين تحل الساعة 11،15،18، يفتح الشباك الزجاجي في اعلى دار في الساحة ليخرج زوجان بالزي الشعبي الشتاياماركي وتبدأ رقصتهما الاسطورية ،حيث الكثير من الجمهور ينتظر ساعات من اجل رؤية الرقصة والتي تعد احد وجوه غراتس المحببة .وحين يفتح الشباك وتبدأ رقصة الزوجين من الدمى فالموسيقى ليست من كاسيت موسيقي بل من شريط طوله مترين و عشرون سنتيماَ ومن موسيقى الطبل. يتغير اللحن في العام اربع مرات. والرجل الذي جلب الدمى والموسيقى الى هذه الدار والساحة اسمه موجود على الدار (كوتفريد ماورر).لقد اشترى الدار وركبّ رقصة الدمى برفقة دق الاجراس. ولقد سافر الى بلدان عديدة ورأى الكثير من العالم كي يستقر مع دق الاجراس في غراتس. وبجنب هذه الدار يزين الموزائيك التاريخي ارضية الدار المجاورة وعلى الموزائيك اربع شخصيات بأزياء شعبية مطرزة على الارضية الذهبية.
قصر ارشيدوق النمسا يوهان يغدو فندقاَ
غدا قصر ارشيدوق النمسا يوهان فندقا كبيرا في مركز المدينة ،منذ اكثر من 140 عاما. وقد تم تصميم ارضية الفندق بأسلوب رائع. وقد سمح الارشيدوق عام 1852 باستخدام اسمه على القصر وقد كان فناء استراحة لاحصنة المسافرين ويقدم العلف والماء للحيوانات .واليوم غدا من اجمل فنادق غراتس. وفي الداخل والممرات صورة الارشيدوق ولوحات القياصرة من زمن الامبراطورية تزين حيطان الفندق. والارشيدق يتذكره شعب اقليم شتايامارك بفخر كبير. وهذا القصر الذي يعد تحفة معمارية جميلة يقع في شارك ساك ـ الكيس. وهذا الشارع الضيق كان يربط الساحة الرئيسية بسور المدينة وبعدها تم بناء بوابة كبيرة للسور ولكن ليس مثل(باب الحارة)!!.
قصر هيربرت شتاين ..تحفة معمارية خالدة
قصر هيربرت شتاين يقع ايضا في شارع ساك. وقد شيد هذا القصر على الاسلوب الباروكي. ويبين عظمة فن العمارة للأزمنة المنصرمة. ويحتوي على سلالم حجرية رائعة ذات جمالية فائقة وتحرسها تماثيل اطفال وهم يحملون الفوانيس لإنارة الطريق للضيوف.
يحتوي الطابق الاول على صالات كبيرة تملأ حيطانها وسقوفها زخارف جميلة ،قصر عاش فيه القياصرة ولكن منذ زمن بعيد لم يعش فيه قيصراَ بل تحول الى الغاليري الجديد وعرض فيه اضخم المعارض الفنية لكبار الفنانين العالمين والآن تحول الغاليري الى مجمع يوهانيوم كي يضم الى مكتبة المقاطعة ايضا وكي يحتل متحف القصر الان البناية التاريخية وتعرض فيه الان الاعمال التاريخية للإمبراطورية النمساوية وتحف النمسا الخالدة في معرض كبير .
متحف القصر ..تاريخ النمسا الحديث والقديم
يقع متحف المدينة ومنذ مئات الاعوام في شارع ساك،وقد شيد اكثر من مرة وبعدها تتم ازالته. وقد تم اكتشاف ان في هذا المتحف يقع سور المدينة القديم. والجميل في المتحف ارضيته الزجاجية .وفي هذا المتحف تعرض الاعمال والمعارض الكبيرة ومنها حياة الموسيقار الكبير هارنكورت وغراتس قبل مائة عام ومعارضا اخرى.ويجاور المتحف ساحة جبل القصر. وكذلك يقابل المتحف قصران أتيمس الكبير والصغير. وفي قصر اتيمس، في الطابق الارضي، مكتب مجلة(مانوسكريبتى ـ المخطوطة)المجلة الثقافية والتي يرأس تحريرها الشاعر الكبير الفريدي كولريرتش. وكذلك مكتب مهرجان ستيريا آرت .لقد زينت سقوف القصرين بزخارف باروكية رائعة. وحين مات الكونت اتيمس انتقلت ارملته الى القصر الصغير وهي الكونتة ماريانا اتيمس. وفي القصر لوحة زيتية للغرافين وصالة اقامة الاسرة وتاريخها ومدى حبها للتصميم والفن المعماري. وفي مدخل القصر نرى السلالم الحجرية من الجانبين.فسلالم الجانب الايسر تؤدي الى مكان الاقامة واليمنى الى الحيطان السميكة. اما حوش القصرين فيروي حكايات وقصص الاميرات. والحيطان والسقوف مليئة بالزخارف والرسوم. وتقابل القصرين ساحة جبل القصر وكذلك سلالم الجبل والتي تسمى بسلالم الحرب نسبة الى الحرب العالمية الاولى والجنود واسرى الروس خلال الحرب حين شيدوا هذه السلالم وعددها 260 سلما والتي تعد رومانسية غراتس في كل فصول السنة. ومن المدينة القديمة وازقتها الضيقة تنتهي الرحلة في غراتس النمساوية.
الصور بعدسة الكاتب