ليالي الرياض
عبد الواحد محمد
وحلمت بها كما لم أحلم بحورية من قبل في أسفاري الكثيرة لكونها شمس وقمر ونجوم تداعبك أينما توجهت لكي تبحث عن معني يقربك من زمن وأزمان مهما كانت حرفة كل العابثين بالأوطان (الرياض ) التي فتحت لي كل ابوابها ذات ليل وأنا خارج مطارالملك خالد الدولي باحثا عن رفيق يمنحني مودة الاصدقاء ؟
فكانت خير عباءة عربية تزكمك بكل روائح التاريخ العربي الاصيل مع أصالة الغناء الذي ينبعث من حنجرة مطرب العرب (محمد عبده ) في رائعته الاماكن وما صاحبها من شجن عميق غير واجهتي ناحية الصوت بكل مكنونه النفسي كآنني خرجت من حلم البعاد لحلم اللقاء في حميمية من يبحث عن صديق يستانس به فلم تكن فارقة من غادر بلاده لعاصمة الأمن والكرم بل كانت مناجاة تؤكد أنك في قلبها وعقلها تكتب رائعة من روائع التاريخ ؟
ربما تكمن أصالة الرياض في نسيجها النفسي لكل من عاش علي ارضها فهي قادرة علي تبديد غربتك في ثواني قليلة بمجرد أن يحتضنك شارع مطارها النظيف والهادئ كانه يبعث لك بكل تحية صادقة بانك في ضيافته وعليك أن لاتفكر في شئ غير البحث عن معالمها الأخري لكي تقرأ قصائد عميقة من زمانها وزمنك علي ارضها بلا فواصل في مسائية ليل من ليالي الرياض) لاتذكر هذه الابيات الشعرية لإبي منصور الثعالبي في كتابه المنتحل)
لم أطول من الدعاء لمليك ... طوال الله في السلامة عمره
بل تلطفت في اختصار محيط ... بالمعاني لمن تامل أمره
فهو مثل الحروف في عدد الهند قليل قد انطوت فيه كثرة
جمع الله فيه دعوة داع ........... مستجاب دعاؤه فيه صبره
واعاد العيد الذي زاره العام............ بيمن يحوزه ومسره
واراه الآمال فيه ولقاه............... سعادته ووفاه أجره
ومن هذا الكنز القصائدي لإبي المنصور الثعالبي أدركت قيمة أن تجدك نفسك في ملهمة الزمن ( الرياض) التي فجرت في كوامني كل المعاني التي كانت حائرة وبددتها حميمية أهلها منذ اللحظة الاولي ما بين مستقبل ومرسل الكل يفتح لك كل الابواب دون سابق معرفة وكانك في عاصمة خارج الزمان والمكان ؟
ليضمني فندقها( سرايا الشمعة )من مطارها الدولي بين مخرج 5/6/بعد دقائق من مغادرتي المطار في صحبة شاب سعودي لم التقي به من قبل بل هي ارواح مجندة في الارض تجدها دون سابق معرفة لترسم لك كثير من المعاني التي لم تعد غائبة ؟
ومع الساعات الاولي تشعر بأنك لمم تعد غريبا يأتيك الطعام الفاخر مزودا بكل ما هو شهي وبكرم طائي وهنا تدرك أن لمهمتك ألف تساؤل هل ستقدم نفسك بصفة مهنية أم بصفة مواطن جاء من بلاد صديقة ومعها تكتب الحرف الاول من ليالي الرياض وانت تصبح علي خير في ملتقي الاصدقاء من هنا وهناك لتتبادل الأدوار عندما تكتب المقدمة الاولي لرحلتك هنا علي أرض الرياض وبين كثير من الرفاق الذي لم أعرف أكثرهم بل كانت متعة البحث عن طريق طويل ؟
وأنت تترقب قصة من قصص ليلها البهي في صحبة أحد مثقفيها الكاتب سلطان مسعود بلقاءه في مقهي ( علي كيفك ) المطل علي جامعة الأميرة نوارة فيمنحك كثير من مفردات الليل مع كثير من كؤؤس ترنم بها مثقف الرياض سلطان مسعود وهو يكشف لك عن تاريخها ومقدراتها لتجدك في أحضانها عاشقا ومتيما بشوارعها النظيفة والهادئة دوما بوداعة أهلها الطيبون فكم ضمنا المقهي بحميمة كثير من فرسان الأدب والثقافة كل ليلة لنعيش مع إبداعات نجيب محفوظ .. يوسف ادريس .. نادين البدير .. الملك عبدالله بن عبدالعزيز راعي البلاد .. الأمير متعب .. الشيخ إبراهيم موسي الزويد .. صالح الشلهوب .. يحي الأمير .. كما كنا نقرأ معا صفحات من أصدراتها اليومية .. الرياض ... الوطن .. المدينة .. الجزيرة .. المجلة العربية .. الحرس الوطني .. الدفاع .. الرياضية ... الندوة .. البلاد .. عكاظ .. وكثير من إبداعات لاتنضب وربما كان الباعث لكثير من التساؤل وجودي بين حي المصيف والذي يطل علي ( كارفور ) بشموخ رجل لايموت ؟
أنها حدوته الرياض وأنت ) العلية في متعة من يبحث عن الوجه الآخر من الحلم الليلي .. وكم كان رائعا أن تستقبلك كل ألوان الطيف من اليمين واليسار وأنت تقرأ ترجمة لهؤلاء الشباب هاني صقر .. محمد حسنين .. نبيل بيومي .. مهند .. محمد صبحي .. محمد الشافعي .. الدكتور الغامدي .. حسن أبو النهار .. أحمد صفوت في ملتقاهم الكائن في حي المصيف وفي العقار رقم واحد أ لتعلو الابتسامة وجوههم ولاتفارقهم حتي النوم لتجد معهم في صومعتهم صفحة من صفحات التاريخ الذي كان لايقرأ وقرأ معهم دون سابق معرفة بل أمتدت الصداقة لتشمل كثير من هؤلاء النماذج المؤمنة بخالقها والتي لها كثير من الصفات والحسن ومنهم ( أبو يوسف )
محمد يوسف الزويد الذي لاتشعر بوجوده وايضا بوجوده فهو الحاضر في قلوب وعقول من أقتربوا منه كرجل إدارة من طراز فريد ويقينا كان الحلم ان يحتضنني مهرجان ( الجنادرية رقم 25) بين النخب المثقفة من أهل المملكة وبرعاية صاحب السمو الملكي الملك عبدالله بن عبدالعزيز رمزا من رموز ثقافتها وحاضرها السعيد فكم تمنيت اجراء حوار صحفي معه لكي اقف معه علي حقيقة ما شاهدت من إبداعات معمارية وفنية وثقافية وفوق ذلك الإنسان السعودي الذي تتطور واصبح كائن يجمع بين العصر والتاريخ فلم تسقط منه ملامحه العربية ليحتفظ بالثوب والشماخ ومعه عقل قادر علي رسم ملامح لطريق قادم ؟؟
هكذا كنت تواقا للقاء الملك عبدالله في مكنوني النفسي وعقلي الحاضر لتفرده في اداء رسالته حاكما للمملكة بلغة عصر وضمير رجل مؤمن يدرك كثير من المفردات الصعبة في زمن متغير فكم دعوت له في صلواتي الخمس مع كثيرون من الشباب الذين باركوا له خطواته المستنيرة وهنا كان صوت الشعر والقصائد في مهرجان الجنادرية فاتحا للشهية وأنت تنتقل من بيت المصري لبيت المدينة المنورة مرورا بأجنحة الحرس الوطني.. مركز سعود للتراث .. .. وبيت الحج .. لترتوي من مياة زمزم المباركة فتشعر بالرغبة في مواصلة الشرب بلا إنقطاع كما كان المهرجان رائعا والتجوال عبر أجنحته المختلفة مفتاحا لكثير من الألهامات التي حتما ستجسد رواية قادمة عن ليالي الرياض التي شغفت بها منذ أن وطات قدمي أرضها وأنا تصافحني كثير من شوارعها ومن بينهم شارع الأمير بن جلوي .. الذي تلمست فيه كثير من المفردات العربية الأصيلة وانا أمارس رياضتي المفضلة المشي بعد العاشرة مساء حافظا علي رشاقتي كما كان لذكرياتي مع مكتبة جرير كثير من اللقاءات الحميمية والتي تجمع المثقف برفوف الكتب فهي المرشد له عن كثير من المفردات الغائبة ؟
فلم تكن الرياض عاصمة خالية من التلوث بل كانت خالية من كل بغض لكونها مازالت تري القادم اليها صديقا وابنا وأخا بعكس كثير من عواصمنا العربية التي سكنتها كثير من الأوجاع والامراض المزمنة ؟
لتسلم الرياض شعبا وحكومة واصدقاء من كل الأوجاع فهي الفاتنة التي سأكتب عنها روايتي القادمة بلغة أقرب لكل الاصدقاء الذي قابلتهم ومازلت التقي بهم .