يوم في جدة
يوم في جدة
جميل السلحوت
امضينا يوم الثلاثاء 24-11-2009 في جدة بعد ان ادينا مناسك العمرة. كان زميلنا انور ريان مدير اللوازم في وزارة الثقافة الفلسطينية اكثرنا سعادة بمناسك الحج، فقد سبق له وان أدى فريضة الحج في العام 1999، لكن سعادته هذه المرة مضاعفة، فهو يؤدي الفريضة مخلصا النية نيابة عن المرحوم شقيقه احمد، الذي توفاه الله وهو في بداية الثلاثينيات من عمره، دون ان يرزقه الله بأبناء مع انه امضى مع زوجته ثلاث سنوات، وكانت وفاته قد تركت لوعة وحسرة في قلوب ذويه وأصدقائه، وقد أوصت المرحومة والدة أنور بكرها انور ان يؤدي فريضة الحج عن أخيه المتوفى، وها هو انور ينفذ الوصية بارا بوالدته الثاكل، ووفيا لشقيقه الراحل، وفي فرح طفولي وسعادة غامرة هاتف أسرته طالبا منهم ان يزوروا قبر والدته، وان يقرؤوها منه السلام، ويخبروها بانه قد نفذ وصيتها بالحج عن شقيقه، كما طلب منهم ان يزوروا قبر أخيه المرحوم وان يقرؤوه منه السلام قائلين: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا حاج، هاتفهم وهو يبكي وهم يبادلونه البكاء.
اخبرهم بالحج نيابة عن أخيه وهو يدعو بالثواب العظيم للمرحومين والدته وشقيقه، ولمن يسّر له تأدية هذه الفريضة وساعده في تأديتها، كان الموقف مؤثرا ويدل على الوفاء،فأكبرنا فيه ذلك.
وفي ذلك اليوم وفي بهو فندق (الماريوت) في جدة التقينا بالوفود الثقافية والاعلامية من عدد من الدول العربية والاسلامية، من الاردن، مصر،سوريا، لبنان، الجزائر، المغرب، السودان، جيبوتي، باكستان ،اوزبكستان، روسيا وغيرها . كان عددهم ان لم تخني الذاكرة ستة وتسعين شخصا، وكان هناك مركز اعلامي مجهز بالحواسيب الموصولة بشبكة الاتصال العالمي(الانترنت) كما كان في هذا المركز مجموعة من الكتب في مختلف المواضيع، وفي متناول ايدي من يبتغون الاطلاع والمطالعة وبالمجان، وكان اكثر الاشخاص احتكاكا بوفدنا الفلسطيني الأستاذ محمد الفاضلي، من الجزائر، والذي يملك دار الجزيرة للنشر في بيروت، واخرى في الجزائر العاصمة، وهو ينتقل ما بين العاصمتين، جاء للحجيج بصحبة الفاضلة والدته، وهو شخص طويل القامة ممتلئ الجسم، باسم الوجه، حسن الخلق،دمث، طيب المعاشرة.
قرأنا الصحافة السعودية : الحياة ، الجزيرة ، عكاظ والمدينة ، وكان بي شغف لقراءة المقالات المنشورة في هذه الصحف، خصوصا مقالة الاستاذ جهاد الخازن، والاستاذ تركي الدخيل، اضافة الى اسماء اخرى لم أسمع بها من قبل،ومنها اقلام نسوية، لكنها في الواقع تعكس هموما محلية واقليمية .
وفي محاولة منا لالقاء نظرة سريعة على جدة، استقلينا سيارة وذهبنا الى السوق، ذهبنا الى(مول) المملكة، والى الأسواق الشعبية القديمة المحيطة به، وقد كان لافتا اختلاف النمط المعماري للأبنية في جدة عن مثيلاتها في الرياض، فمدينة جدة كثيرة الشبه بمدن بلاد الشام، من حيث البناء والأسواق، وحتى الأزياء التي يرتديها الرجال والنساء، وكان لافتا كثرة الأبنية المجهزة كشقق مفروشة والمعدة كشقق فندقية للايجار، كانت لافتة بزخرفتها وبإضائتها المميزة، وكان لافتا وجود نساء غير منقبات، بل وجود نساء حاسرات، مكشوفات الرؤوس، وهذا ما لم نشاهده في الرياض، ويبدو ان هؤلاء النسوة من النساء الوافدات، فجدة – عروس البحر الاحمر – ميناء ومركز تجاري هام، فيه الكثير من الشركات، وفيها الكثير من كبار الموظفين الوافدين العاملين في هذه الشركات .
امضينا عدة ساعات في اسواق جدة، وعدنا الى الفندق حيث زارنا عدد من رجال الأعمال الفلسطينيين منهم سامي عبد الرازق النادي مدير تنفيذ المبيعات الحكومية في مؤسسات سقالة، والذي سبق ان التقيناه في الرياض ايضا، وعزمي السويطي مدير تطوير المبيعات في شركة هينكل العربية السعودية للمنظفات الكيماوية المحدودة، وجميل فليفل مدير مبيعات احدى الشركات الغذائية، واخرون...
كما تسامرنا وتبادلنا الاحاديث مع الاخوة العاملين في وزارة الثقافة والاعلام السعودية، والذين قطعوا اجازة عيد الاضحى، وداوموا لتسهيل امور ضيوف الوزارة في الحجيج، كانوا يجلسون تحت يافطة كبيرة مكتوبة بالعربية والانجليزية والفرنسية، ونصها (وزارة الثقافة والاعلام ترحب بالضيوف الكرام)
وكان المضيفون كراما حقا،وكان زميلنا الشاعر الشعبي موسى الحافظ بين الفينة والأخرى يخرج بعدد من المواويل الشعبية بصوت غير مرتفع،مما أضفى جمالية وأنسا على الجلسات ،ومما دفع مدير دار الأوبرا المصرية ان يوجه له دعوة لاحياء حفلات في دار الأوبرا،كما تبادلنا بعض الطرائف،ومن الطرائف الفنية الشعبية التي رواها الشاعر موسى الحافظ،رواها غناء ودندنة مقلدا عزف الربابة ومفادها:ان شاعر ربابة كان في ضيافة أحد شيوخ القبائل ويغني قصيدة شعبية على الربابة،فرأى جمرة تطير من الموقد وتحط على عباءة الشيخ المضيف،فقال الشاعر غناء:
يا شيخ النار حرقت عباتك
فقال الشيخ:عباتك
وواصل الشاعر قائلا
يا شيخ أقول الصدق
النار حرقت عباتك
فرد الشيخ:عباتك...
ولما انتبه الشيخ الى الدخان يتصاعد من عباءته..قفز من مكانه وقال للشاعر:لماذا لم توقف الغناء وتخبرني بكلام عادي أن النار علقت بعباءتي؟فرد الشاعر:وهل تريدني ان أقطع قصيدتي من أجل عباءتك؟