رحلات من دمشق إلى القدس
ضمن سلسلة آفاق ثقافية مقدسية التي تصدرها الهيئة العامة السورية للكتاب بمناسبة اختيار القدس عاصمة الثقافة العربية لعام 2009 صدر كتاب جديد من السلسلة تحت عنوان «رحلات من دمشق إلى القدس» تأليف أحمد سامح الخالدي،
تقديم وإعداد وضبط خيري الذهبي الذي يقول عن هذا الكتاب: في كتابنا هذا شكل جديد من أدب الرحلات والرحلات الدينية تحديداً أي الشكل المبسط من الحج، والحج طقس موجود في الكثير من الأديان.
أما في الدين الاسلامي فقد اختص التعبير بالرحلة في زمن معين إلى أمكنة بعيدة في مكة بدءاً من الكعبة المشرفة حتى عرفات ومنى.
ولكن الزيارات الدينية في العصور الوسطى الاسلامية لم تكن إلى الحجاز فقط، بل إلى أماكن كثيرة اشتهرت بالقدسية وخاصة في فلسطين. وما الأمنية التي كنت أسمعها طفلاً حين كانوا يقولون: يرزقك حجة وتقديسة وزيارة الست نفيسة هنا هي زيارة القدس وزيارة قبور الأنبياء والصالحين الكثر في فلسطين.
والحق إن معظم كتب الرحلات في الأدب العربي هي كتب عن الحج والتقديسة أولاً ثم ما يستجد على طريق الرحلة، وما يستجد هنا قد يصل إلى ثلاثين سنة ونيف من الرحلات عبر الشرق والغرب والجنوب كما فعل ابن بطوطة، والذي بدأ رحلته حاجاً إلى مصر والشام وشمالي افريقيا كما فعل ابن جبير وكثيرون آخرون.
على أي حال فكتابنا هذا هو كتاب عن رحلات دينية إلى فلسطين قام بها ثلاثة أعلام هم، عبد الغني النابلسي الصوفي الشاعر والمؤلف الشهير ومصطفى البكري الصديقي وهو باحث ورحالة وتلميذ للنابلسي ومصطفى أسعد الدمياطي.
تعريف بالرحالة
عبد الغني النابلسي ولد ونشأ في دمشق ويظن الذهبي أنه من أحفاد أولئك الصليبيين الذين وفدوا إلى دمشق أثناء الحروب الصليبية مع بني قدامة هرباً من الخضوع لحكم الصليبيين فقطعوا ضاحية قريبة من دمشق هي التي ستسمى فيما بعد الصالحية، أما تاريخ ولادته فهو 1641م ووفاته 1731وهو شاعر صوفي وعالم بالدين والأدب، رحل إلى بغداد وعاد إلى سورية وزار فلسطين ولبنان ومصر والحجاز لكنه استقر في دمشق وفيها توفي.
له الكثير من الكتب منها:شرح فصوص الحكم لابن عربي وإيضاح الدلالات في سماع الآلات.
في رحلته إلى فلسطين زار الأماكن المقدسة وسجل للحياة الثقافية والاجتماعية وغيرها في المدن التي مر بها.
أما الرحلة الثانية التي يقف عندها الكتاب فهي لمصطفى البكري تلميذ النابلسي وكذلك يعرض الكتاب لرحلة مصطفى الدمياطي وأحمد سامح الخالدي.
من يوميات الرحلة
ومن يوميات الرحلة نقتطف وصف سور بيت المقدس يقول:
« وسور بيت المقدس سور جديد متين مشيد قوي الأركان، عظيم البنيان، يحيط بالبلد كلها، وعرها وسهلها مبني بالشيد والحجر المنحوت وفي داخله جميع الأماكن والبيوت، وقد أخبرنا أنه من بناء السلطان الملك المظفر سليمان خان ومن المعروف أن الملك المعظم عيسى بن العادل أخا صلاح الدين أرسل من دمشق كما جاء في أبي الفداء، الحجارين والنقابين إلى القدس فخرب أسواره (616-1219م) وكانت قد حصنت للغاية وذلك على زعمه خوفاً من استيلاء الفرنجة عليها.
وفي سنة (626هـ 1228م) سلم الملك الكامل القدس للامبراطور فردريك على أن يستمر سورها خراباً ويكون الحكم في الرساتيق لوالي المسلمين ويكون للافرنج من القرايا ما هو على الطريق من عكا إلى القدس.
ويعدد لنا الشيخ عشرة أبواب لسور القدس منها: باب العمود من جهة الشمال وباب آخر يسمى باب الداعية الموصل إلى حارة بني زيد وباب يسمى باب دير السرب، وباب الساهرة ومن جهة القبلة باب المغاربة وباب صهيون (باب داود) ومن جهة الغرب باب صغير لصق دير الأرض وباب المحراب المعروف بباب الخليل وباب الرحبة.
وهذه الأبواب هي ذات الأبواب التي يعددها الحنبلي في كتابه الأنس الجليل الذي ألف سنة (901هـ).
أما الدمياطي فيسمي ستة أبواب فقط وهي ما هي عليه الآن بإضافة باب الجديد الذي فتح في القرن التاسع عشر.
ولا بد من الإشارة إلى أن الذهبي يعلق على هذه الرحلات بقوله:
«ويا حبذا لو أن النابلسي والبكري والدمياطي وصفوا لنا البلاد وصفاً موضوعياً أكثر مما فعلوا، ولكن هؤلاء الثلاثة هم من شيوخ التصوف ومن البديهي أن يقصدوا من سياحتهم الزيارة والتبرك، إذن فقد انصرف همهم الأول إلى زيارات الأماكن المقدسة وقبور الأنبياء والصحابة والتابعين والأقطاب حتى إنهم تجنبوا بالفعل الاتصال بالمناسب والاحتكاك بهم إلا رجال الطرق وما شابهم فكانوا يقضون أكثر أوقاتهم في التعبد وقراءة الأوراد والاجتماع بالأقطاب والمتصوفين، فقد كان هؤلاء هم قطب الرحى في ذلك القرن وما بعده.