عملاق الصحافة السورية نصوح بابيل
رجالات سورية
نصوح بابيل هو صحفي سياسي سوري مشهور وكان نقيباً للصحفيين بين عام 1943 وحتى عام 1963 وكانت صحيفته" الأيام" في مقدمة الصحف السياسية السورية.
ولد نصوح بابيل في دمشق عام 1905 وبعد أن نال شهادته الابتدائية عام 1918، مارس مهنة الطباعة إلى جانب أخيه جودة في إحدى المطابع وعين بعدها رئيساً لقسم الحروف في مطبعة الحكومة الرسمية. ثم أسس بعد ذلك بسنوات مع شقيقيه جودة وحمدي بابيل مطبعة باسم بابيل إخوان.
عمل بالصحافة في سن مبكرة فكتب عدة مقالات في بعض الصحف، ثم أصبح مراسلاً لجريدة الرأي العام البيروتية ومحرراً فيها حين أصدرت في دمشق عام 1920، وراسل عدة صحف أخرى في لبنان وحرر في عدة صحف دمشقية، ثم اختير رئيساً لتحرير جريدة المقتبس وكان يرأسها أحمد كرد علي حينها.
في عام 1932، استحوذ نصوح بابيل على الصحيفة السياسية ذات التوجه السياسي الموالي للكتلة الوطنية، "الأيام"، من صاحبها يوسف العيسى. ولما كان بابيل عضواً في حزب الشعب ومؤمناً بفكر قائده عبد الرحمن الشهبندر، وظف صحيفته في دعم أهدافه. إذ آمن بابيل بقضية ومقاصد الشهبندر التي تمثلت في إنهاء الانتداب الفرنسي على سورية وتوثيق العرى مع الأمراء الهاشميين في عمان وبغداد وتأسيس دولة ديمقراطية عصرية في سورية على النموذج البريطاني.
اصطدم نصوح بابيل برئيس الوزراء جميل مردم بيك بين الأعوام 1936-1939 والذي رفض الترخيص للشهبندر بتأسيس حزب سياسي في سورية، وشن حرباً كلامية عليه (على مردم بيك) متهماً إياه بالاستبداد. ولما حاول مسلحون ملثمون اغتيال مردم بيك في عام 1937، اتهمت السلطات بابيل والشهبندر بالشروع بالقتل وأمرت باعتقالهما. تمت تبرئة بابيل والشهبندر لاحقاً مع إبقائهما تحت المراقبة.
غير بابيل ولاءه للكتلة الوطنية إثر التعثر المفاجئ لحزب الشعب الذي تبع اغتيال الشهبندر من قبل عملاء فرنسيين. وقد كانت الكتلة الوطنية معارضة للوجود الفرنسي في سورية كحال الشهبندر في الثلاثينيات. جلب تأييده لشكري القوتلي له شهرة فائقة في دمشق، وما لبث أن نجح بابيل في محاباة كل من الحكومات الثمانية التي أعقبت القوتلي في العشرين سنة التالية. وقد ظلت صحيفة الأيام في مقدمة المنشورات اليومية في دمشق طوال تلك الفترة.
في عام 1956، أعلن القوتلي أسبوعاً للتسلح لجمع الأموال للتحضير لحرب محتملة بين مصر وإسرائيل، وتبرع القوتلي براتب شهرين لهذه الغاية وكذا فعل بابيل، فعين القوتلي بعدها بابيل ممثلاُ لأسبوع التسلح وأوكل إليه جمع التبرعات من العامة.
في عام 1954، تحالف بابيل مع عدد من الصحفيين وشكل شركة مساهمة لطباعة صحفهم الأربع، الأيام والقبس وألف باء والشام. إذ تعهد الصحفيون الأربعة بنشر صحفهم الأربعة وتقسيم الواردات بالتساوي بينهم. أصبح بابيل رئيساً لمجلس إدارة الشركة بعدها، إلا أن الشركة لم تستمر لأكثر من بضعة أشهر بسبب الخلافات التي نشبت بين مؤسسيها وانحلت في تشرين الثاني من عام 1945.
في شباط من عام 1958، أيد بابيل انضمام سورية لمصر تحت إطار الجمهورية العربية المتحدة. إلا أنه ما لبث أن فقد الأمل في مستقبل الوحدة وأيد الانقلاب الذي أطاح بها في أيلول من عام 1961، آمن بابيل بأن الرئيس جمال عبد الناصر أساء إدارة الوحدة بتعيين ضباط فاسدين لإدارة الشأن السوري. وقد انضم بابيل إلى مجموعة من السياسيين الانفصاليين في تحرير إعلان انتقدوا فيه عبد الناصر لتأسيسه حكماً ديكتاتورياً في سورية.
و في آذار من عام 1963، وصلت اللجنة العسكرية لحزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة وتعهدت بإعادة الجمهورية العربية المتحدة. عانى بابيل حينها سلب حقوقه المدنية والإغلاق الدائم لصحيفته الأيام، وقد تلا ذلك إعفاءه من منصبه كنقيب للصحافيين وقضى ما تبقى من حياته متقاعداً.
كان بابيل عضواً في حزب الشعب منذ تأسيسه من قبل عبد الرحمن الشهبندر. وقد أصبح عضواً لمجلس إدارة في شركة الاسمنت الوطنية وشركة الكونسروة الوطنية وهما مؤسستان صناعيتان كانتا تحت قيادة الكتلة الوطنية التي بدل بابيل ولاءه السياسي لها بعد اغتيال الشهبندر. أيد بابيل شكري القوتلي، أكثر قادة الكتلة تأثيراً، والذي نصب رئيساً للجمهورية في صيف عام 1943. أصبح بابيل بعد ذلك نقيباً للصحفيين عام 1943 بدعم من القوتلي وظل كذلك حتى عام 1963. وفي عام 1955، أسس بابيل فرعاً لنادي الأسود الدولي (Lions Club) في سورية وأصبح رئيسه. منح بابيل عدداً من الأوسمة في سورية وبعض الدول العربية وبينها وسامي الاستحقاق السوري والأردني من الدرجة الأولى.
نشرت مذكرات نصوح بابيل التي توفي عام 1986 وهو يخط آخر كلمة فيها، صحافة وسياسة، عام 1987 وهي أحد المراجع للباحثين في تاريخ سورية. يروي نصوح بابيل في مذكراته قصصاً من النضال الوطني العربي منذ بداية الثلاثينات وحتى الوحدة بين سوريا ومصر في الستينات. كما يتحدث عن مشواره مع الصحافة في الوقت الذي بدأت فرنسا فيه توطد استعمارها والشعب يثور على الاحتلال، وعن الثورة السورية الكبرى والنشاط السياسي الذي رافقها. كما يستعرض مرحلة الكفاح المسلح، التي شهدت دساتير وانتخابات مزورة ووزارات، كما شهدت ولادة الكتلة الوطنية والخلاف الذي وقع بين الشهبندر والكتلة الوطنية ومن ثمّ اغتياله. ويمر بعهود الشيخ تاج الدين الحسني وعهد شكري القوتلي الأول ثم مفاوضات الاستقلال ومعركة الجلاء، إلى عهد الرئاسة الثانية لشكري القوتلي ثم بداية الانقلابات العسكرية في سورية، من حسني الزعيم إلى سامي الحناوي حتى أديب الشيشكلي، إلى رئاسة القوتلي الثالثة.
وسوم: العدد 770