القانوني والسياسي الكبير عبد الوهاب حومد
رجل قانون وسياسة وأدب من طراز رفيع، ولد في حلب عام 1913 وتوفي في دمشق عن زوج وولدين ميساء وغسان عام 2002.
درس في "المكتب السلطاني" الذي كان الثانوية الوحيدة في حلب وحصل منه على شهادة دار المعلمين عام 1933، والبكالوريا الأولى عام 1934، والثانية عام 1936، (شعبة الفلسفة)، ثم انتسب عام 1937 إلى معهد الحقوق العربي بدمشق فأمضى سنتين فيه قبل أن يوفد إلى فرنسا عام 1938 من أجل دراسة الأدب العربي في جامعة باريس، وظل في فرنسا طوال الحرب العالمية الثانية حصل فيها على ليسانس في الآداب العربية عام 1940، ودبلوم معهد العلوم الجنائية عام 1940، وليسانس في الحقوق عام 1941، ودبلوم الدراسات العليا في القانون الجنائي عام 1942، ودكتوراه في الحقوق الجنائية عام 1944، وعاد إلى الوطن في آب 1945، حيث عُين مدرساً للأدب العربي في ثانوية حلب ودار المعلمين فيها عام 1946، ثم عين مدرساً في كلية الحقوق في الجامعة السورية (جامعة دمشق اليوم)، في العام ذاته، وبقي فيها حتى عام 1959 حيث رُقي إلى وظيفة أستاذ مساعد فأستاذ لكرسي القانون الجزائي ورئيس لقسم القانون الجزائي، وترك جامعة دمشق ليتفرغ للعمل السياسي وحده حتى عام 1964، ثم تعاقد مع جامعة الرباط بين عامي 1964و1968، ثم مع جامعة الكويت في المدة بين عامي 1968و1983، وشغل في الجامعتين أيضاً منصب رئيس لقسم القانون الجزائي ولم يعد إلى جامعة دمشق مع ما قدم له من عروض وآثر التفرغ للمحاماة وللتأليف وإعادة النظر في مؤلفاته القديمة، فأعاد طباعتها مرات عدة. في 16/10/ 1991 تم استقباله عضواً في مجمع اللغة العربية وظل ناشطاً فيه حتى وفاته.
درَّس في سورية والمغرب والكويت آلاف الطلبة الذين عرفوه حقوقياً مجلياً ومربياً رفيعاً وأديباً لماحاً لا يضاهيه فيما تقدم إلا نخبة قليلة من أقرانه أو ممن سبقوه.
ألف في حياته العلمية الثّرة أحد عشر سفراً باللغتين العربية والفرنسية بدأها برسالة قدمها لجامعة باريس بعنوان "الاعتداء على سلامة الدولة الخارجية"، وتلاها برسالة الدكتوراه وكانت عن "معاقبة الإجرام السياسي في التشريع المقارن"، نشرتها مؤسسة بيدون Pedone وصدرت في سلسلة معهد العلوم الجنائية الفرنسية، وقدم لها الأستاذان الشهيران L.Hugueney وH.Donnedieu de Valeres أستاذا القانون الجنائي في جامعة باريس. كما ألف "الإجرام السياسي" و"أصول المحاكمات الجزائية" في أربع طبعات صدرت آخرها عام 1987 و"دراسات معمقة في الفقه الجنائي المقارن" في طبعتين و"شرح قانون العقوبات (القسم الأول)"، مدعماً بأحكام القضاء السوري والمقارن، وكان هذا المؤلف توسعاً وتعمقاً في كتابه الجامعي "قانون العقوبات (القسم العام)"، الذي ألفه في مطلع الخمسينات وظل يُدرس مرجعاً جامعياً أكثر من ثلاثة عقود. وألف كذلك واحداً من أهم المراجع في القانون الدولي الجنائي بعنوان "الإجرام الدولي" الذي صدر عن جامعة الكويت عام 1978، كما ألف في "القانون الجنائي المغربي"، و"القانون الجنائي الكويتي"، وأصول المحاكمات الجزائية الكويتية وظلت كتبه تُدرس في الكويت والمغرب حتى وفاته، وبهذا يمكن عدّه واحداً من أهم فقهاء القانون الجنائي المعاصر وعلم الإجرام والعقاب في الوطن العربي. كما وضع سلسلة مقالات سياسية وقانونية وأدبية نشرت في الصحف والمجلات المتخصصة السورية والكويتية والمغربية. ألقى آخر محاضرة عامة له عن "عقوبة الإعدام بين الإبقاء والإلغاء"، في النادي العربي بدمشق قبل رحيله بعامين. كما أنجز عدداً من بحوث الموسوعة العربية في الجريمة والعقوبة. وتمتاز مؤلفاته بالعمق وتظهر فيها آراؤه وشخصيته القانونية المستقلة.
كذلك شارك بعدد من المؤتمرات الدولية منها مؤتمر الأدباء العرب المنعقد في بلودان عام 1956، ومؤتمر حقوق الإنسان في الإسلام عام 1982 في الكويت، وفيه قدم مداخلات مهمة بيَّن فيها عدم وجود تعارض بين أصول المحاكمات المعاصرة والشريعة الإسلامية. كما نادى بتحريم إنشاء محاكم استثنائية لتعارضها مع حقوق الإنسان، ووقف بصرامة ضد الاعتقالات التعسفية التي تتم دون قرار قضائي.
أما في المجال السياسي فقد كان نائباً عن مدينة حلب في ثلاث دورات برلمانية متصلة استمرت من عام 1947 حتى قيام الوحدة بين سورية ومصر عام 1958. وقد اعتقل في عهد أديب الشيشكلي لمناهضته الانقلابات العسكرية، وتولى مناصب وزارية مهمة أهمها وزارة المعارف عام 1951، ووزارة المالية عام 1955، ووزارة العدل والخزانة في عهد الوحدة بين عامي 1958و1961، ووزارة المالية عقب انقلاب الثامن من آذار عام 1963، وكان وزيراً للخارجية بالوكالة حين وقع العدوان الثلاثي على مصر فقام بإبلاغ سفيري فرنسا وبريطانيا قرار قطع العلاقات الدبلوماسية بين سورية وبلديهما. وقد عُرف في حياته السياسية بالاستقامة وثبات الموقف والانتماء القومي العروبي الصلب.
حصل على عدد من الأوسمة الرفيعة منها وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة تكريماً لجهوده في صياغة أول دستور لسورية في عهد الاستقلال.
عاش عبد الوهاب حومد حياة مليئة بالنشاطات ثرية بالإنتاج العلمي والمواقف السياسية القويمة، وخلّف وراءه ثروة هائلة من الأفكار الحقوقية الجريئة، وآلافاً من الطلاب والمريدين يذكرونه دوماً بالخير والعرفان.
وسوم: العدد 787