الأستاذ الأديب الدكتور حسـن عبد الكريم الوراكلـي
(1941- 2018م )
مولده ونشأته :
ـ من مواليد 17 مارس 1941م في تطوان (المغرب).
دراسته ومراحل تعليمه :
المؤهلات العلمية:
ـ حصل على إجازات من شيوخ الرواية والدراية.
ـ الإجازة في العلوم الإسلامية ـ كلية أصول الدين ـ جامعة القرويين ـ تطوان ـ المملكة المغربية.
ـ الإجازة في اللغة العربية وآدابها ـ كلية الآداب ـ فاس ـ جامعة سيدي محمد بن عبد الله (المغرب).
ـ دبلوم في اللغة الإسبانية. حصل على دبلوم المدرسة العليا للأساتذة بالرباط
أحرز على شهادة الماجستير من جامعة مدريد المركزية، كما نال دكتوراه الدولة من كلية فقد الله بجامعة مدريد المركزية في إسبانيا سنة 1980 .
أعماله ومسؤولياته :
ـ عمل أستاذاً في عدة جامعات ومعاهد عليا منها:
ـ عمل أستاذاً بكلية بكلية الآداب بجامعة عبد الملك السعدي ـ تطوان.
ـ كما عمل أستاذاً بكلية الشريعة في جامعة أم القرى في مكة المكرمة.
ـ ثم انتقل للتدريس بكلية التربية للبنات في جدة.
ـ ثم عمل في معهد البحوث وإحياء التراث الإسلامي ـ التابع لجامعة أم القرى.
ـ ثم انتقل للتدريس بجامعة الملك عبد العزيز في جدة.
إنتاجه العلمي والأدبي :
بدأ حسن الوراكلي ينشر سنة 1956 بظهور قصته «العقوق» بجريدة «النهار» أصدر سنة 1960 جريدة «النصر» رفقة محمد المنتصر الريسوني ، وانضم إلى اتحاد كتاب المغرب سنة 1968, يتوزع إنتاجه بين القصة، البحث الأدبي، التحقيق ، والترجمة، وقد نشر كتاباته بمجموعة من المنابر: النهار، الشهاب، النصر، دعوة الحق، المناهل، المشكاة، الموقف، الآداب، عالم الفكر..
مؤلفاته :
ـ له سبعة وعشرون مؤلفاً في تراث الأندلس والمغرب الشرعي والأدبي والتاريخي.
ـ وله تسعة مؤلفات في تاريخ مكة العلمي والثقافي.
ـ بالإضافة إلى أربعة مؤلفات في الأدب الحديث والنقد.
ـ كما له ثمانية مؤلفات في الثقافة والفكر والدعوة.
ـ وأنجز ستة مؤلفات في التحقيق.
ـ أما الترجمة فله فيها ثمانية مؤلفات.
ـ أما الإبداع الأدبي فأفرد له أربعة عشر مؤلفاً.
ـ وبهذا وصلت جملة مؤلفاته ثمانين كتاباً إلا واحداً.
ـ نال اهتمام الباحثين بإعداد أعمال عن جهوده العلمية والأدبية.
إن اسم الدكتور حسن عبد الكريم الوراكلي إذا ذُكر استدعت الذاكرة ذلك الرجل البحّاثة المنقب المحقق الأديب المبدع الفقيه المفسّر المحدّث المؤرّخ المعلم المترجم، صاحب المؤلفات والتحقيقات والدراسات والترجمات والأبحاث والأعمال الإبداعية التي تزيد على ثمانين عملاً علمياً، تنوّعت أغراضها ومضامينها ومصادرها بحسب مجالاتها المعرفية والفنية، وتعالقت بوشائج قربى أصبغها عليها الأديب الألمعي، العالم الخبير بأسرار العربية، المتحكم في آليات البحث والأداء الفني الجميل، وهي تعالج في جملتها قضايا فكرية وعلمية وأدبية وثقافية وتاريخية؛ تراثية ومعاصرة، ولعلّ في ذكر هذا المسرد البيبليوغرافي لبعضها في مجموعات مستقلة ـ على سبيل التمثيل لا الحصر ما يجلي بوضوح للقارئ ما تمتاز به من خصوصيات علمية وأدبية وفكرية.
أولاً ـ تحقيق التراث، ومنها:
1 ـ أحكام القرآن، لابن الفرس الغرناطي، تحقيق ودراسة.
2 ـ المقامات اللزومية لأبي طاهر السرقسطي.
3 ـ ديوان ابن صارة الشنتريتي.
4 ـ زهرة الروض في تقدير الفرض، لابن باق الأموي.
5 ـ الإعلام ببعض من لقيته من علماء الإسلام، لعبد الواحد السجلماسي.
6 ـ كتاب في المعارف والآداب، لابن منديل العزفي السبتي.
7 ـ نصوص أندلسية في الفقه والتاريخ والأدب (تقديم وتحقيق).
ثانياً ـ التأليف والدراسة في أدب العدوتين (الأندلس والمغرب)، ومنها:
1 ـ أشذاء أندلسية.
2 ـ العلل بعد النهل.
3 ـ وهج وأرج.
4 ـ ياقوتة الأندلس.
5 ـ القاضي عياض مفسراً.
6 ـ أدب الجهاد في الأندلس (محاضرات ونصوص).
7 ـ القرآن وعلومه في آثار الأندلسيين.
8 ـ جهود أبي القاسم السهيلي في الدرس القرآني.
9 ـ نصوص أندلسية ومغربية في بلاغة القرآن وإعجازه.
10 ـ نصوص أندلسية في علوم القرآن من كتب مفقودة أو مخطوطة.
11 ـ ابن عبد البر الأديب.
12 ـ فن التقديم (كتب في التفسير والحديث والتاريخ والأدب).
13 ـ بطائق أندلسية (كنائش وجادات وإفادات).
14 ـ شيوخ العلم وكتب الدرس في سبتة.
15 ـ إجازات تطوانية (دراسة ونصوص).
16 ـ تراجم أندلسية مستخلصة من كتاب ((البدر السافر)) للأفودي.
ثالثاً ـ في الأدب الحديث، ومنها:
1 ـ المضمون الإسلامي في شعر علال الفاسي.
2 ـ نظرات في الأدب المغربي الحديث.
3 ـ الأندلس في ذاكرة الشاعر السعودي.
4 ـ خطاب القيم في القصيدة المكية الحديثة.
رابعاً ـ في الثقافة والفكر والدعوة، ومنها:
1 ـ الإسلام والغرب (محاور التحدي وشروط المواجهة).
2 ـ المسلمون وأسئلة الهوية.
3 ـ كالنيازك البراقة! (خواطر في واقع الإسلام وحال المسلمين).
4 ـ لكي نخصب اليباب (خواطر في الدين والحياة).
5 ـ ثقافة الحوار الحضاري عند المسلمين (تأملات في سؤال المفهوم والإجراء).
6 ـ أقباس من الكتاب والسنَّة (أحاديث إذاعية).
خامساً ـ في تاريخ مكة العلمي والثقافي، ومنها:
1 ـ صفحات من مساهمة علماء المغرب والأندلس في مكة العالمة.
2 ـ الأوصاف المغربية المستطابة لحرمي مكة وطابة.
3 ـ مع الرحالة المغاربة في البلد الأمين.
4 ـ إجازات علماء الحرمين لعلماء المغرب والأندلس (دراسة ونصوص).
5 ـ تراجم مغربية في مصادر مكية.
6 ـ أحباس المغاربة في الحرمين الشريفين (مساهمة في التاريخ للأوقاف بمكة المكرمة والمدينة المنورة).
7 ـ المجاورون الأندلسيون (مساهمتهم في تشكيل صورة مكة العالمة).
8 ـ المجاورون المغاربة (نشاطهم العلمي وأثرهم الثقافي).
9 ـ نقع الأوام في الرحلة إلى البلد الحرام أو (العج والثج) ((رحلة حجازية)).
سادساً ـ في الترجمة، ومنها:
1 ـ ابن سيده المرسي (دراسة في حياته وتراثه المعجمي) للمستعرب الإسباني الدكتور داريو كابانيلاس، مترجم عن الإسبانية.
2 ـ التراث الأندلسي في آثار المستعربين الإسبان (دراسات مترجمة من الإسبانية).
3 ـ ابن وضاح القرطبي مؤسس مدرسة الحديث بالأندلس.
4 ـ طيوف إسبانية (دراسات ونصوص من الأدب الإسباني المعاصر).
5 ـ الأشجار تموت واقفة (مسرحية أليخاندرو كاسونا)، ترجمة وتقديم.
6 ـ الكمامة (مسرحية ألفونسو ساستري)، ترجمة وتقديم.
7 ـ ممنوع الانتحار في الربيع (مسرحية أليخاندرو كاسونا)، ترجمة وتقديم.
8 ـ المعتمد بن عباد (رواية كلاوديو شانتث البرنث)، ترجمة وتقديم.
سابعاً ـ في البيبلوغرافية، ومنها:
1 ـ أبو الفضل القاضي عياض (ثبت بيبليوغرافي).
2 ـ لسان الدين بن الخطيب في آثار الدارسين (دراسة وبيبليوغرافية).
3 ـ تراث المغاربة والأندلسيين في آثار الدارسين السعوديين (دراسة وبيبليوغرافية).
ثامناً ـ في الإبداع، ومنها:
1 ـ الريح والجذوة (قصص قصيرة).
2 ـ كر وفر (قصص قصيرة).
3 ـ ياجوج ماجوج (قصص قصيرة).
4 ـ المهر (رواية).
5 ـ الحواة (نصوص حكائية).
6 ـ يوميات غير ذات شأن.
7 ـ وشي وحلي (كلمات وفاء وحب في رجالات عرفتهم).
8 ـ الإسرار والإعلان (رسائل إخوانية).
9 ـ الغدايا والعشايا (سيرة ذاتية).
10 ـ فيوض (رسائل من أب إلى ابنته المغتربة في طلب العلم).
11 ـ مصابيح (رسائل من أب إلى ابنته المغتربة في طلب العلم).
12 ـ رقاع (مراسلات بيني وبين الشيخ الفقيه المحدث الأديب أبي أويس محمد الأمين بوخبزة).
13 ـ سؤالات وجوابات (مقابلات صحفية وتلفزيونية في الأدب والفكر والثقافة).
وقد كانت أعماله البحثية والإبداعية مجالاً لعدد من الأبحاث العلمية الأكاديمية والدراسة النقدية لعدد من الطلبة والدارسين، أذكر منها على سبيل المثال:
1 ـ منهج الدكتور حسن الوراكلي في دراسة التراث الأندلسي، رسالة جامعية في آداب تطوان، بإشراف الدكتور علال الغازي.
2 ـ الهوية والأدب (قراءات في تجربة الوراكلي السردية) بأقلام نقاد من المغرب والمشرق، جمعها وقدم لها الدكتور محمد المعلمي.
3 ـ مكتبة الفقيه محمد باغوز والدكتور حسن عبد الكريم الوراكلي (دراسة وثبت) أشرف عليها الدكتور محمد بن عبود.
4 ـ ثنائية الأمل والألم في (قصة الصرة)، للأستاذ الفلسطيني الدكتور جودت كساب، قيد الطبع.
5 ـ دراسة حول مجموعة (الريح والجذوة) للناقد المصري الدكتور محمد حافظ الأستاذ في جامعة الملك سعود بالرياض.
لعلّ قراءة هذه الآثار وغيرها على اختلاف فنونها المعرفية ومضامينها يحسون معي أن الدكتور حسن عبد الكريم الوراكلي في تأليفه ليس باحثاً أكاديمياً فحسب بل هو مبدع، إذ إن ما يكتبه من أبحاث ودراسات ينزع فيها منزع المبدعين، فلغته راقية منتقاة من حيث ألفاظها وسبك تعابيرها وتجويد أسلوبها، وهي سمة تطبع جل آثاره الإبداعية وغير الإبداعية، فأنت تقرأ بحثاً علمياً تحس أنك إزاء عمل إبداعي بحت، تتوافر له صفات العمل الفني؛ شكلاً ومضموناً، وهذه سبل لا يسلكها إلا من أوتي إحاطة بأسرار العربية وبلاغتها، واستلهم علوم الأولين وفنونهم وزاوج بينها وبين علوم الآخرين. وما من شك في أن دراسته الإسبانية والقشتالية والفرنسية كانت أيضاً رافداً له في تنوّع هذا العطاء العلمي، فقد استفاد من هذا الجانب استفادة كبيرة ظهر أثرها في تلك الأعمال التي ترجمها من الإسبانية والفرنسية إلى العربية.
الإشراف على الرسائل العلمية :
أُعِدتْ وتُعَدُّ بإشرافه رسائل ماجستير وأطروحات دكتوراه في العلوم الشرعية، والأدبية، والتاريخية بأقسام الدراسات الإسلامية، واللغة العربية، والدراسات التاريخية والحضارية في كلية الآداب بجامعة الملك عبد الملك السعدي في تطوان، وكلية الآداب في جامعة محمد الخامس بالرباط، ودار الحديث الحسنية بالرباط، وكلية الشريعة وكلية اللغة العربية في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، وغيرها.
النشاط الثقافي والفكري والدعوي:
ـ له نشاطات ثقافية عديدة تتوزع بين إقامة الملتقيات والندوات الأسبوعية والمشاركة في الندوات ومؤتمرات علمية وأدبية وفكرية في المغرب، والجزائر، وتونس، ومصر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وليبيا، والنيجر، وإسبانيا، وفرنسا.
ـ كما شارك في المهرجانات الثقافية الكبرى المعروفة مثل مهرجان أصيلة في المملكة المغربية، ومهرجان الجنادرية في المملكة العربية السعودية.
النشاط الإعلامي الثقافي والفكري والصحافي:
ـ أسس مع صديقه الشيخ المرحوم محمد المنتصر الريسوني مجلة ثقافية أدبية باسم (النصر).
ـ عمل مدير تحرير صحيفة النور المغربية.
ـ كتب في صحف ومجلات ثقافية، وأدبية، ودعوية مغربية ومشرقية.
ـ اختير عضواً في هيئات استشارية لعدة مجلات، كما شارك في برامج ثقافية وفكرية ودعوية في بعض القنوات الفضائية العربية.. ويتمتع بعضوية الكثير من الاتحادات والهيئات والأندية الأدبية والثقافية.
ثناء العلماء والأدباء عليه :
أثنى عليه العديد من العلماء والأدباء وأقيمت له حفلات التكريم :
-ثناء الشيخ (عبد المقصود محمد سعيد خوجه) عليه :
( سعادة الأستاذ الدكتور حسن بن عبد الكريم الوراكلي.. أستاذ الدراسات العليا في جامعة أم القرى، الأديب المتألق، صاحب العبارة الموشاة، والحرف الذي يقف بين الأهداب حائراً: هل هو من النثر؟ أم ينتمي إلى قبيلة الشعر؟
ويسعدني أن يأتي هذا التكريم امتداداً لأواصر التوأمة التي ربطت بين ((الاثنينية)) و (النادي الجراري) في المغرب الشقيق، بفضل من الأستاذ الدكتور عباس الجراري، وبمباركة كريمة من جلالة الملك محمد السادس، ملك المغرب، في خطابه الذي شرفني به بتاريخ 10/4/1422هـ الموافق 2/7/2001م.. مما شكّل دفعة قوية للتواصل في الخير وعلى درب الكلمة، يجد من الطرفين كل عناية وتقدير، وازدهار نتمنى أن يقوى عوده مع سطوع كل يوم جديد.
إن فارس أمسيتنا أنموذج لتعدد المواهب.. فهو أكاديمي معروف، وله باع طويل في مجال تخصصه وعطائه على ساحة صروح كثير من الجامعات والمعاهد العليا، وأثره محمود ملموس لدى جمع كبير من طلاب الدراسات العليا، ولا أحسب أن شهادتهم فيه مجروحة، لأنه أعطاهم من جذاذات نفسه، وعميق فكره، وسابغ علمه، ما رفع قاماتهم الأكاديمية، وتوّج عناصر بحوثهم ودراساتهم بما تهفو إليه نفس كل دارس وهو شهادة الماجستير والدكتوراه أو (العالمية) كما أطلق عليها في زمن مضى.
ومن ثمرات عطاء د. الوراكلي، أنه برع في نقش الحرف الجميل، وغرّد مع الكلم الموشى بنجيمات بديع اللغة، وينابيع الأساليب المتفردة.. فكلما سمعته أو قرأت له تمنيت المزيد من تلك الرشفات الهنيئة، فهي تحلق بالملتقي فوق ذرى الخيال.. غير أنه خيال مدعم بالواقع المعاش، فعذب بيانه ينطلق رقراقاً من بين حصاوي الأرض التي يقف عليها مع غيره من حملة الأقلام، لكنه إذا ضرب بقلمه في ثناياها انبعث له بريق الذهب والفضة وعذب المياه، وليس كل من فعل فعله نال على يديه ذلك الألق الفريد، فقد منحه الحق سبحانه وتعالى موهبة انتقاء درر القول.. ثم نظم تلك الدرر في عقود يزهو بها الزمان.
لقد أبدع ضيفنا الكبير في كتابة القصة، والمقال الصحفي، والبحث العلمي، والتحقيق، والترجمة.. ولكل واحد من هذه الفنون خيمته التي تَسِعُ أوطاناً من كبار الباحثين الذين تشكّل قاماتهم منارات هدى، وأعمدة عطاء لا تعترف منابعه بالجفاف والسنوات العجاف.. فكيف بمن جمع تلك المزايا في إهابه، وعانق بقلمه ثريات الكلم، وعَطَّر الأحاسيس بما تألفه النفوس وتأنس إليه.
وعندما يتناول أستاذنا الدكتور الوراكلي الدراسات الأندلسية، فإنه يبحر في العمق نظراً إلى نصيبه الوافر في اللغة الإسبانية، فجعل منها آلة يغوص بها في الآداب الأندلسية ليقتنص لآلئها وفرائدها، ويفوز على غيره ممن يقتصر عملهم على الترجمات العربية أو غيرها من اللغات عن الإسبانية، فكما تعلمون إن حساسية اللغة تفقد الكثير من أثرها وألقها عبر الترجمات المختلفة، وقد تتناثر المعاني الرقيقة وتصبح في زمرة الكلمات العادية إذا لم تجد العالم الأديب الذي تنبض روحه وتُفتن بجماليات الأصل، فيصعد به إلى آفاق تفتح نوافذها على عقول تترقب ضوء هذه الشموس المترفة بالجمال والأناقة والحياة المتجددة.. مشيراً في هذا الصدد إلى كتاب ((الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس)) الذي صدرت طبعته الأولى عام 1419هـ/1998م، وطبعته الثانية عام 1420هـ/1999م في جزأين، بجهود ((الاثنينية)) التي شرفت بترجمته وطباعته بالتنسيق مع السيدة الفاضلة الدكتورة سلمى الجيوسي.
هكذا عاش ضيف أمسيتنا ليواصل رسم لوحة طالما التصقت بوجداننا كما حمل العبير اسم (تطوان).. تلك المدينة الأندلسية الهوى التي تعج بالعلماء والفضلاء من ذوي النجابة الذين طرزوا بأسمائهم تاج المجد.. مدينة التاريخ العلمي والأرج الفقهي، فمن رجالاتها الفقيه العَلاَّمة أحمد بن تاويت، وشقيقه المرحوم محمد بن تاويت التطواني الأديب والمؤرخ والباحث، والفقيه محمد بن الهاشمي، والفقيه محمد فاتح، والتهامي الوزاني، الذي يطلق عليه البعض لقب قطب أعلام تطوان.. وكثير من أبناء (تطوان) إذا ذكر العلم والفضل تُردِّد ألسنتهم ـ وحُقَّ لهم ـ قول الفرزدق:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا (أخيَّ) المجامع
وكلمة (أخيَّ) تصرف في البيت أملته المناسبة.
وأحسب أن أكثر قرّاء مؤلفات ضيفنا الكبير يسعد بتجربة العيش في عبق الماضي المجدول بألق الحاضر، في جدلية لا نهائية، تبوء بنعمة تاريخ مضيء، وتشرف بخيرات اليوم ومنجزه العلمي والتقني.. ولا أقول جزافاً إذا رأيت في أستاذنا الوراكلي عالماً موسوعياً، استطاع أن يوظف علمه ومواهبه بصبر وتؤدة ليصل إلى وجدان القارئ العربي في الشطر الشرقي من منظمة الدول العربية، في الوقت الذي يعلم الكثيرون أن معظم الكتّاب الأشقاء في دول المغرب العربي لديهم قاموسهم الخاص، الذي نحترمه ونقدره، غير أنه قد لا يتفق كثيراً مع مشارب وذائقة الشرقيين من أبناء العروبة، وهذا العبور في بحر الوجدان يعتبر في حد ذاته منجزاً يستحق الإشادة والتقدير، فما أحرانا بالتقارب الذي يُقوِّي أواصر المحبة والمودة والإخاء على بساط الكلمة بين جناحي الوطن العربي الكبير.. إنها أمانة نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على القيام بها على الوجه المطلوب، فها هي إسبانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وغيرها من الدول ذات العلاقة، تسعى إلى توطين لغاتها والحرص على مد جذورها في المغرب العربي.. كما تضرب (الأمازيغية) بجهد وافر لتنال نصيباً في هذا المضمار، وتبقى العربية تنافح وتكافح متكئة على مجد تليد، وأرجو أن تنهض مجدداً معتمدة على حاضر زاهر، وتترك وسمها على علوم الحاسب الآلي، والطب، والصيدلة، والهندسة، والفلك، والطيران والفضاء، شأنها عند بدايات النهضة التي أخذت بيد أوروبا من مجاهل القرون الوسطى إلى مشارف الحضارة والرقي.
إنني على ثقة بأن ضيف أمسيتنا الكبير، والأساتذة الأفاضل الذين يسيرون على ذات النهج، قادرون بمشيئة الله على تحقيق ما نصبو إليه، وليس كثيراً عليهم مضاعفة الجهود لخدمة لغة الكتاب العزيز، واستمرار مسيرة التواصل مع أشقائهم في كل أنحاء الوطن العربي، حتى تتضافر الجهود، وتتحد الرؤى، وتتلاقح الأفكار، وصولاً إلى غاياتنا المشتركة نحو غد أفضل للغة العربية.
وصديقنا الدكتور حسن ينال إعجابك بسعة اطلاعِه وتنوّع اهتماماته، يذكرك بالكثير من سلف أعلام حضارتنا الذين لم يقبعوا في نطاق اختصاص ضيق محدود، بل ألموا بنور العلم على مستوى المقاصد والوسائل.
كانت نشأته بحاضرة الشمال المغربي المزدهي بالحضارة الأندلسية المتفاعل مع الكثير من مظاهرها في حياته اليوم، الحاضن لأصولها وقد سرت فيه روحُها، وتلألأت في أرجائه أنوارها.
نشأ صاحبنا متحلياً بالخلق الأندلسي الحضاري الرفيع، والخلق الأندلسي ـ في بلادنا ـ يضرب به المثل في الرقة والتسامي والتعفف ـ وإلى الآن ما زالت بعض العادات الأندلسية، في بيئته وأسرته، نابضة بالنشاط والحياة، تشهد بما كان عليه سكان الفردوس المفقودة، خصوصاً في مناسبات الفرح والطرب ومظاهر الأنس والبهجة، وكنا ـ معشر روّاد مجلسه العلمي الجُمعية ـ نُتْحَفُ بطرف من الحلويات الأندلسية اللذيذة التي صنعتها يد أندلسية شريفة ماهرة، سلمت يداها إنها سيدة بيت الدكتور حسن وهي التي تدعمه بالتشجيع والحب والهدوء ووراء كل رجل عظيم امرأة.
أثْرى قلبُ الدكتور حسن حب التراث العلمي الأندلسي، وولع به أيما ولوع، متأثراً بثقافة بيئته التي تحتضن آثاراً أندلسية عمرانية محسوسة، ومعنوية لا تخفى على المتأمل، وحفزه ذلك إلى الجمع بين دراسة التراث الأندلسي القديم بعد التنقيب الجاد عن مخطوطاته النادرة: بعلومه القرآنية والحديثية، وفنونه الشرعية، واللغوية، وبما وصله من مصنفات الأعلام من الفقهاء والأدباء، في لغته الأصلية العربية الفصيحة.. وهو يجمع إلى ذلك دراسة حضارة الأسبان وترجمة إنتاجهم الأدبي والتاريخي، وهم أحفاد الأندلسيين بُناة الفخر الإسلامي في الفردوس المفقود، يترجمه إلى لغتنا فيثري معرفتنا بأدبهم وآرائهم وثقافتهم التي تؤكد اعتزازهم بأجدادهم وأجدادنا المتألقين في مجالات واسعة من الحضارة والمعرفة.
وهو في تعامله مع الوثائق الأندلسية ـ خصوصاً منها النوازل الفقهية والفتاوى التي أفتى بها علماء غرناطة ـ هو في تعامله هذا يبدي براعة فائقة وحسن ربط واستنتاج، تتحطم معه مقولة تفوق بعض المستشرقين المشتهرين بحدق استنطاق الوثائق علينا، ففينا رجال، والحمد لله.
لئن حصل الدكتور حسن على أعلى الشهادات الجامعية من بلده ومن إسبانيا الأوروبية، فإنه لم ينتم إلى طبقة الجامعيين الذين اقتصر همهم على نيل الشهادة، وطووا بعد ذلك ملفات البحث، حيث تم المقصود وهو إحراز مفتاح الوظيفة وحمل اللقب البراق، وإنما كان منذ شبابه شغوفاً بالبحث، متفانياً في اختراق دروبه، يتتبع كتب التراث الأندلسي ووثائقه مفتوناً به، هاوياً لمضمونه وكانت رحلاته العديدة لجمع الكثير منه، وكانت قراءاتُه الواسعةُ المتعمقة، ودراساته الجادة الهادفة، وكانت نتائج بحوثه غزيرة قيِّمة، حققت إضافات جديدة في هذا المجال من مجالات البحث في الجانب الحضاري والعلمي، وكانت هذه البحوث الوفيرة جامعة بين الأصالة والطرافة لها الفضل في تسليط الأنوار على كثير من الجوانب المهمة في التاريخ المغربي والأندلسي، الاجتماعي والعلمي المشرق.
لاحظت في كتابة بحوثه ـ إضافة إلى ما سبق ـ حسنَ التخطيط فلكل بحث عنده خطتُه المناسبة التي تبرزُ فيها العناوين الجزئية المتساوقة، وتحتها المعلومات التي تعب في جمعها وأبدع في ربطها تمهيداً للنتائج التي تمثل الثمرة الطيبة للبحث.
من عوامل نجاحه الباهر استعداده الفطري وتكوينه العلمي المتين، وحسه المرهف، وصفاء ذهنه، وما استفاده من البيئة المغربية ثم المشرقية، وولوعه الشديد بضروب المعرفة خصوصاً منها الأندلسية وهذا الولوع مَدَّهُ بطاقة من الصبر والجلد، وما أحوج الباحث إلى هذه الطاقة لتحمل أعباء البحث، ومشقة السير في دربه.
بكل ذلك أصبح الدكتور حسن الفارس المجلي في مجالات عمله، لعلّني بهذه الكلمة الموجزة رسمت صورة واضحة عن شخصية باحث لم تحصره حدود بيئته الضيقة بل ارتقى إلى أفق أرحب فيه انطلاقه الأمل وعشقُ القيم، وربط الصلة بحضارة خالدة ما زالت روحها تسري فينا، كما هي سارية في روح أخينا فارس الاثنينية الباحثِ المعطاء الدكتور حسن.
- ثناء الأستاذ الدكتور عياد الثبيتي : عضو هيئة التدريس في قسم الدراسات العليا بكلية اللغة العربية جامعة أم القرى :
( الأستاذ الدكتور حسن الوراكلي يأخذك بخلال كثر فهو باحث لا تجد مناصاً من أن تتفق على جودة تحصيله وجودة استنباطه وجودة أدائه، تعددت مواهبه وتعددت معارفه، حقق نصوصاً أدبية ماتعة كالمقامات السرقسطية، وكتب عن بعض شعراء الأندلس كابن سارة وأبدع في القصة وله فيها كما أشار التقديم مجال رحب، لم ألتقِ ِبالدكتور حسن إلا وهو يتأبط كتاباً أو يسأل عن كتاب أو يذاكر في أمر علم وشخص هذا ديدنه مع ما أوتي من ملكة نافذة جيدة التحصيل خليق بالتكريم، وإننا إذ نكرِّمه أو نحتفي بتكريمه من قبل الأستاذ الشيخ عبد المقصود خوجه لنكرم العلم في شخصه ونكرم الأدب في شخصه ونكرم الدأب على التحصيل والدأب على إشاعة العلم في حق هذا المحتفى به وصلّى الله وسلَّم على نبينا محمد.
ثناء الأستاذ الدكتور محمد الجهني :
ثم أشكر لأخي الأستاذ الدكتور حسن الوراكلي دعوته لي لحضور زفاف يفرح أم أيمن ولا يغضبها فكأني بها تغرد كالهزار فرحاً وطرباً إذ لطف الله بها فأشغل أبا أيمن بتعدد الهمم وفض أبكار المعالي غير ملتفت إلى النساء سواها كسيف أبي الطيب المتنبي الذي قال عنه:
وقد طرقت فتاة الحي مغتدياً بصاحب غير عزها ولا غزل
فبات بين تراقينا ندفعه وليس يعلم بالشكوى ولا القبل
ثم انثنى وبه من ردعها أثر على ذؤابته والجفن والكلل
وبيني وبين الدكتور حسن ولاء أخلصته أياه وأخلصنيه فله عندي ذمة لا تخفر وعهد لا ينقض وموثق لا يضاع فما عرفته إلا قرة عين ومحل أنس ومنية نفس تساهمت معه الوفاء والصفاء وما حضدته الود على محبوب ومكروه ورخاء وجهد وشدة وخفض فهو أخو وصل لا يخفر عهده ولا يخلف وعده ولا يخشى غدره قد رسخت قواعد المودة وتوثقت عرى المصافاة واستصحفت أسباب الولاء، واستحصدت مرائر الحب وأمر حبل الإخاء بيننا حتى تأكدت عقد إخلاصه.
متقبل من حيث جاء حسبته لقَبوله في النفس جاء مبشرا
وللدكتور قصب سبق غير مدافع، وفضل غير معارض، ومزية ظاهرة، وغرة واضحة، وأمد استولى عليه، ومهلة أخذها علي في السن والأدب.
بأبي وأمي ناطق في لفظه ثمن تباع به القلوب وتشترى
ومما لا يعلمه الدكتور حسن أنه جعلني هذا اليوم بين الساعة الرابعة حتى الثامنة كالموار الأصك تؤج يراعتي على الصحيفة كما أج الظليم المنفر تكنفه قنيص وكالب وما لبثت عندما كتبته إلا كقبسة العجلان وما عدت إلى ظهر قلب فيسعفني بدليل أو معجم فيقيل لي عثرة يراعة ولو كان الخطأ قليلاً.
لقلت ولم أفحش لعالك عالياً وقد يعثر الساعي إذا كان مسرعا
تعلقت الأدب وكلفت به، حتى تركني مسبوه الفؤاد، شارد اللب، فله هوى باطن أبيت منه نجي وسواس، ورهين بلبال، وأليف شجن.
ولأهل الأدب عندي منزلة لا يزيح رسيس قلبي عنها شدة وخفض ورخاء وجهد بيني وبينهم حبل من الود تأكدت عقدة إخلاصه وتوثقت عرى مصافاته ولعمر الله إن الثناء العريض ليضيق بمدحهم ووصف صنيعهم فكم أسدوا إلينا من معروف تعجز عن وصفه الكلم ويضلع خلفه القلم. ولعلمي أن الحاضرين طبعوا على حب الأدب وأنهم يدركون أن للشعر معانٍ تصف ولا توصف ما وجدت لهم من محفوظ يدل على حبي لهم ولأدبهم أصدق من قول عروة ابن أذينة:
إن التي زعمت فؤادك ملها خلقت هواك كما خلقت هوى لها
فيك الذي زعمت بها وكلاكما أبدى لصاحبه الصبابة كلها
ويبيت بين جوانحي حب لها لو كان تحت فراشها لأقلها
ولعمرها لو كان حبك فوقها يوماً وقد ضحيت إذاً لأظلها
وإذا وجدت لها وساوس سلوة شفع الفؤاد إلى الضمير فسلها
بيضاء باكرها النعيم فصاغها بلباقة فأدقـــــــــــها وأجــــــــــــــــلها
وللأستاذ عبد المقصود خوجه سابقة فضل لا تنكر وعارفة لا تجزيها إلا جوازي ألطاف الله وفضله لما تجشمه من خطط في منافحته لفيف أقوام مجنوا على الزور والعبث أنفقوا أموالهم بين النرجسية والباطل وطلاسم التأخيذ والشعوذة.
ما كان إلا لفتة من ناظر حتى عصفت بهم وفض المجمع
ولتعلم كل نفس كريمة بصيرة بمذاهب الكلام ترتاح للندى، وتخف للمعروف في هذه الندوة أني لا أنكر لها جميلاً ولا أجرعها ملامة ولولا أن الدكتور حسن حملني على هذه العتبة ما قدمت على هذه الأهوال ولا شيعني إليها قلب وهوى وإني لمستعتب كل نفس أبية حتى ترضى.
متمنياً أن يكفيني أهل الدراية بالأدب والمشتغلون باللغة مشقة عسف النفس على غير ما تشتهي وولوجها سدداً نأيتها عنها مضنة بوقت يستعجلني عن رياضة مغارم تأودتني في الهندسة النووية ومغانم ما زلت منها على تخوُّف.
ثناء سعادة الأستاذ الدكتور عبد الكريم عوفي :
التطواني المجاور (حسن عبد الكريم الوراكلي): آثاره ونشاطاته العلمية:
فبهذه المناسبة الطيبة أتوجَّه بخالص الشكر ووافر العرفان إلى الأستاذ عبد المقصود خوجه راعي هذا الحفل العلمي المبارك، وأدعو الله أن يجازيه عن العلم والعلماء خيراً، وأن يُيسّر له سبل استكمال إنجاز ما رسمه من أهداف علمية وتربوية لاثنينيته المتميزة.
أما أستاذنا الدكتور حسن عبد الكريم الوراكلي؛ ((التطواني المجاور)) على حد تعبير محمد المنوني ـ رحمه الله ـ فأحببت أن أقف في هذه الورقة عند آثاره وبعض نشاطاته العلمية، وقد عنونتها بـ (التطواني المجاور ((حسن عبد الكريم الوراكلي)): آثاره ونشاطاته العلمية)، وذلك إكباراً ووفاء له وللعلم أمام هذا الكوكبة من العلماء ومحبي الفكر والثقافة.
إن المناهل العلمية الثرة التي نهل منها الدكتور حسن عبد الكريم الوراكلي معارفه العلمية والفنية أصيلة ومنتقاة.
لقد كان زاده الفكري الذي ارتوى منه وشكّل شخصيته العلمية والأدبية المتميزة التراث العربي والإسلامي الذي جادت به قريحة علمائنا في الغرب الإسلامي والمشرق، فإذا كان لأقطاب العلم والفكر في الغرب الإسلامي أثر بيّن وواضح من أمثال: لسان الدين الخطيب، والسرقسطي، وابن بسام والمقري، وابن زيدون، وابن دراج، وابن الأبار، والونشريسي، وابن لب، والقاضي عياض، وابن مسدي الغرناطي، وابن صارة، وابن عبد البر، وابن سيده والسهيلي، والمقري، هذا عن الغرب الإسلامي أما إذا وليت شطرك نحو المشرق ففتشت عن منبعه هناك فإنك تجد جواره لبيت الله الحرام سنوات طويلة ومعاشرة أهل العلم هناك عرفت السر الأكبر في وهْجه وأرَجه، لذلك لا نعجب إذا قيل: إن حسن الوراكلي يعد من أقطاب الدراسات الأندلسية والمغربية والمشرقية؛ أدباً ولغة وعقيدة وتاريخاً وفقهاً وحديثاً وتفسيراً، إنه واحد من الأعلام الذين عرفهم المغرب الأقصى في خدمة التراث الأندلسي والمغربي بخاصة والعربي بعامة، فهو لا يقل علماً وعطاء عن أقرانه محمد المنوني، علال الفاسي، محمد الريسوني ـ رحمهم الله ـ، محمد بن شريفة، محمد بوخبزة وغيرهم ممن أنجبهم المغرب الأقصى في فتراته المتتالية.
ولا بأس في التذكير أيضاً أن من أبرز المؤثرات التي كانت وراء هذه الشخصية العلمية المعطاءة العمل التدريسي والبحثي والترحال بين إسبانيا والمغرب والمملكة العربية السعودية ومصر، بل قل بين بلدان المغرب العربي ومشرقه والخليج، ودول أوروبية وإفريقية أخرى.
لقد كان يرحل ويُلقي عصا الترحال في كل بلد تقام فيه ندوة أو يُعقد فيه ملتقى ويضرب بسهمه فيها وهو مرتاح البال، ذلك النشاط الدؤوب أمده بخبرات واسعة جعلته ينتج ما ذكر من آثار فكرية وأدبية؛ تحقيقاً ودراسة وتأليفاً وإبداعاً، أثرت المكتبة العربية، ولا نجانب الصواب إذا قلنا بأن هذا الإنتاج متميز في مادته وطريقة تناوله، كما كان أثره قوياً في خدمة اللغة العربية وآدابها وتراثها الخالد.
وثمة نشاط علمي آخر يقوم به الدكتور حسن عبد الكريم الوراكلي لا يقل أهمية عما ذكر يحسن ذكره في هذه المناسبة الطيبة، هذا النشاط يتمثل في الندوة الأسبوعية التي يقيمها في بيته العامر في كل من العزيزية بمكة المكرمة في البلد الأمين وتطوان في المغرب، وذلك مساء كل جمعة بعد صلاة العشاء، يحضرها عدد من الأساتذة والباحثين وطلاب الدراسات العليا.
وقد كانت البداية من مكة المكرمة مهبط الرسالة السماوية ومنطلق العلم، إذ كان مجلسه، يرتاده جم من العلماء والباحثين وطلاب العلم من مقيمي مكة ومن الوافدين لأداء مناسك العمرة والحج، ومن الموضوعات التي نوقشت في مجلس مكة وسعدت بحضورها والاستفادة منها أذكر على سبيل المثال لا الحصر:
1 ـ ندوة يوم الجمعة فاتح صفر 1426هـ الموافق 11 مارس 2005م، التي تدارس فيها الحاضرون جملة من القضايا الفكرية والأدبية والعلمية والثقافية، وألقى فيها الدكتور عياد الثبيتي من ديوانه (سكب) قصائد شعرية ومن جديده أيضاً، وقد عقب عليه الدكتور جودت كساب ـ رحمه الله ـ برؤية نقدية متميزة أملتها اللحظة، ثم توسّع الحوار ليشمل مسائل نقدية أخرى في الأدب بعامة، وطلب الإخوان من صاحب الندوة أن يسمعهم رأيه فيما استمع إليه، ولكنه فضل قراءة مقدمة كتابه (خطاب القيم في القصيدة المكية الحديثة)، وهو قيد الطبع في تطوان، وأشار إلى أن اهتماماته في الأعوام الأخيرة بالأدب قلَّت، وقصر عنايته على الجوانب الإبداعية كلما سنحت له الظروف، وشمل الحوار شعر الدكتور عياد وقضايا فكرية أخرى.
وممن حضر هذه الندوة: الأساتذة/عياد الثبيتي، محمود حسن زيني، الشيخ الأستاذ محمد الموجان، محمد الطاهر نوروالي (سعوديون)، جودت كساب (فلسطيني)، عبد الكريم عوفي، إسماعيل معاش، محمد السليماني، (جزائريون)، الشيخ مجد مكي وصهره (سوريان)، محمد قاسم علي سعد (لبناني)، خالد مدرك، محمد العلمي، عبد العلي الودغيري، (مغاربة)، سامي الأثري، شوقي زهرة (مصريان)، الحبيب الهيلة، محمد أبو الأجفان، عبد المجيد العبيدي، حسن البشير (تونسيون)، سليمان البيرة (ليبي)، محمد عزيز شمس (هندي).
2 ـ ومن ندوات مكة الحافلة أيضاً تلك الندوة التي قدمت فيها قراءات لعدد من الأعمال العلمية الجديدة المتميزة، مثل:
أ ـ (العلماء والأدباء الوراقون في مكة المكرمة) لفضيلة الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية.
ب ـ (السيرة النبوية ـ منظومة طويلة) للأستاذ الدكتور حسن باجودة. قدم العمل صاحب المجلس الأستاذ الدكتور حسن عبد الكريم الوراكلي. وكان للناظم كلمة معبرة عن السيرة العطرة للرسول صلى الله عليه وسلم.
ج ـ إلقاء قصيدة (زيارة الحبيب) لشاعر طيبة الشيح الصابوني، قرأها نيابة عنه مجد مكي.
وقد دار نقاش وسجال علمي بين العلماء حول هذه الموضوعات استحسنه كل من حضر الندوة، لأنه أتاح فرصة الحديث للجميع للتعبير عن رؤاه الفكرية في القضايا المطروحة للنقاش. وحضر الندوة المجموعة السالفة الذكر من الأساتذة والباحثين وطلاب العلم.
3 ـ وفي ندوة أخرى من ندوات مكة كان الحديث مطوّلاً عن تراجم ابن تيمية لدى علماء المسلمين والغربيين لفضيلة الشيخ الهندي (محمد عزيز شمس). فقد تبيّن له بعد البحث والتنقيب في آثار ابن تيمية؛ المنشورة والمخطوطة أن تراثه يحتاج إلى إعادة تحقيق وقراءة جديدة، لتخليصه مما علق به من أشياء. وقد أعقب عرضه المستفيض نقاش علمي ممتع ومفيد.
ولأن مكة العالمة تبعث في مجاوريها وزائريها دفقات روحية حالمة تجعله لا يشعر بأنه بعيد عن أهله ووطنه مهما بعدت المسافات وطال الزمن، وإن رحل عنها بقيت في مخيلته يشده الشوق والحنين إليها، فهو لا يفارقها ويعيش أجواءها الروحية الإيمانية بخياله، هذا ما جعل أستاذنا الدكتور حسن عبد الكريم الوراكلي يرتبط بها في كل لحظة من لحظات الحياة، ففكر في صائفة 1425هـ أن يجعل مجلسه المكي يستمر في الانعقاد كل جمعة مساء خارج مكة، إذ نقله إلى تطوان المحروسة، وهناك في دارة فدان الورد في منزله العامر بظاهر تطوان يجدد اللقاء باستقبال كوكبة من رجال العلم والأدب وطلاب العلم، وقد حدثني الدكتور حسن أن صائفة هذه السنة 1426هـ لم يتعطل فيها مجلسه البتة، إذ حرص على استمرار جلساته رغبة في خدمة العلم وإعادة بعث تلك المجالس التي كانت تقام في الديار المغربية في سالف الأعصر.
ولا بأس في أن نشير إلى بعض الندوات التي أقيمت في تطوان وما تم بحثه وتدارسه من قضايا فكرية وأدبية وعلمية ومن غشّاها من العلماء ومحبي الثقافة.
1 ـ ندوة الجمعة 27 جمادى الأولى 1425هـ: تدارس الملتقون فيها قضايا جامعية، وندوة مكة عاصمة الثقافة الإسلامية وإمكانية المساهمة فيها بأبحاث علمية نظراً للروابط الثقافية التي كانت تربط علماء المغرب المجاورين والرحالة بالحرمين الشريفين عبر الأزمنة المتعاقبة.
وقد عرض فيها الدكتور محمد الحافظ الروسي الأسئلة التي طرحت على طلاب الآداب حول مجموعة قصص (الريح والجذوة) لصاحب الندوة، كما استمع الحاضرون إلى الدراسة التي أعدها بشأنها الناقد المصري الدكتور محمد حافظ الأستاذ في جامعة الملك سعود بالرياض.
وممن حضر الندوة الأساتذة الدكاترة: عبد الإله الشعيري، عبد السلام بلدريس، محمد الدراق، عبد الهادي الخميسي، محمد الحافظ الروسي، قطب الريسوني.
2 ـ توالت جلسات الندوة خلال شهري جمادى الأولى والآخرة من العام نفسه بفدان الورد لتبقى الصلة المباركة بمكة متواصلة، ومن تلك الندوات ندوة الجمعة 19 جمادى الآخرة 1425هـ، التي تذاكر فيها المجتمعون في شؤون علمية واجتماعية تخلَّل المذاكرة عرضاً من الدكتور الغلبزوري عن كتابه (المدرسة الظاهرية بالأندلس والمغرب) تلته تعقيبات عن الظاهرية والحزمية والدولة الموحدية، من الأساتذة: عبد الهادي الحسيسن، إدريس خليفة، إسماعيل الخطيب، جمال البختي، قطب الريسوني، عبد الخالق عطار، حسن الوراكلي.
وقد حضرها إلى جانب من تقدّم ذكرهم الدكاترة: موسى بدر (ليبيا)، عبد القادر الشرقاوي، زكريا الريسوني، مصطفى الوراكلي، الوجيه الباشا بوزان سابقاً الشريف عبد السلام بن حمان الريسوني.
3 ـ ومن جلسات الندوة أيضاً في جمادى الآخرة 1425هـ، الجلسة العلمية التي ألقى فيها صاحب الندوة كلمة مرتجلة عن تراث سبتة السليبة في مجالات العلم الشرعي واللغوي والتاريخي، نوَّه فيها بالقيمة العلمية لتراث سبتة، والمسؤوليات الملقاة على عاتق الباحثين تجاه هذا التراث وإحيائه وتفعيله مع حاضر الأمة، وذكَّر أيضاً بالجهود التي تبذلها جمعية البعث الإسلامي التي كان له الفضل في افتتاح نشاطها بدراسته (شيوخ العلم وكتب الدرس في سبتة)، ثم دراسة العلاّمة محمد المنتصر الريسوني (التجيبي السبتي بين الرواية والدراية)، مذكّراً بأسبقية الدكتور إسماعيل الخطيب في التأريخ الثقافي لسبتة من خلال رسالته الأكاديمية (الحركة العلمية في سبتة). ثم ألمع في حديثه إلى جملة من الأعلام السبتيين، كابن خمير وأبي علي الحسن الأموي، وأشار إلى إفادته من آثارهم فيما كتبه من أبحاث وكتب حول التراث المغربي والأندلسي.
وتناول الحديث الدكتور البختي فقدّم عرضاً علمياً متميزاً عن الأشعرية في المغرب والأندلس من النشأة إلى النضج، كما أفرد كتاب (مقدمات المراشد إلى علم العقائد) لابن خمير الذي حققه بكلمة مفيدة. وتبعه الشيخ إسماعيل الخطيب بحديث عن كناش العلامة الأديب المفضل أفيلال، وقرأ منه أوصافاً ومنوَّعات شعرية. وأخيراً جرت تعقيبات حول عرض البختي والخطيب من الأساتذة: العياش حادوش، عبد القادر الزكاري، حسن الوراكلي، عبد الهادي الحسيسن، محمد المرابط.
ومن الكتب التي عرضت في جلسات الندوة أيضاً: (التفسير الفقهي في العصر الحديث) للدكتور عبد رب النبي عالم، جوامع الكلم ((دراسة لغوية أدبية)) للدكتور عبد الرحمن بودراع، الإسلام والسياسة، للشيخ إسماعيل الخطيب، (مذكرات ابن لب الغرناطي الفقهي) للدكتور قطب الريسوني.
وقد تلقَّى راعي الندوة من الدكتور سمير برهون نسخة من أطروحته عن (ابن حزم الأديب)، ومن الدكتور جلال راغون نسخة من كتابه (التعليقات الراغونية على المنظومة البيقونية) في مصطلح الحديث. وحضر المجلس أيضاً: قطب الريسوني، عبد الخالق عطار، مصطفى حجاج، عبد الواحد حجاج.
وختم المجلس بتقديم كؤوس من ماء زمزم مع التمر ثم العصير مع المملحات، فالشاي والبورك والحلويات والمكسرات (القشقشة). وهو تقليد مغربي عريق مستحسن.
4 ـ وتوالت الجلسات العلمية في صائفة 1426هـ دون انقطاع، تدارس خلالها الملتقون جملة من القضايا الفكرية والعلمية والأدبية والاجتماعية والاقتصادية التي تشغل المهتمين بالفكر.
وأختم الحديث عن مجالس العلم في فدان الورد بتطوان المحروسة بكلمة عن جلسة شعرية استضافت فيها الندوة الشاعرين المتميزين: التهامي أفيلال، وعبد الواحد أخريف. تحدث في البداية الدكتور حسن عبد الكريم الوراكلي عن الشاعرين معرفاً بهما وكاشفاً الضوء عن التجربة الشعرية عندهما وتنوّع روافدها، ثم أخذ الكلمة الشاعران فقدَّما حديثاً مسهباً عن تجربتهما الشعرية مع قراءة العدد من القصائد شدت المستمعين في الندوة، أعقبتها مداخلات وتعقيبات أدبية ونقدية هادفة.
وتنتهي الإجازة الصيفية فيشد التطواني المجاور حسن عبد الكريم الوراكلي الرحال إلى أم القرى مرة أخرى ليستأنف المجلس دورانه مع صفوة من رجال العلم والفكر والثقافة في أجواء روحانية هادئة بجوار بيت الله الحرام.
وما دمنا نتحدث عن هذا النشاط العلمي الحافل الذي عرفه مجلس الدكتور حسن عبد الكريم الوراكلي في كل من مكة وتطوان نشير إلى جوانب علمية لا تقل أهمية عما سبق ذكره عرفاناً لهذه الجهود الطيبة التي لا تعرف انقطاعاً.
فالأستاذ حسن عبد الكريم الوراكلي كانت له مشاركات علمية متميزة في ندوات وملتقيات ومنتديات ونوادٍ ومراكز علمية وجامعات في أزيد من عشرة بلدان عربية وأوروبية وإفريقية، تزيد الأبحاث التي ألقاها على خمسين بحثاً.
والأستاذ بحكم علوِّ كعبه في مجال تخصصه العلمي عينته بعض الجامعات العربية والغربية في المغرب والسعودية والإمارات وإسبانيا خبيراً محكماً لأبحاث الترقية التي يقدِّمها زملاؤه الأساتذة، وكذلك المقدمة لمجلاتها العلمية، كما كان عضواً في هيئات استشارية في المغرب وخارجه، وأسس في جامعته بتطوان ملتقى الدراسات المغربية والأندلسية، كما أسس مجلة النصر، وعمل مديراً لصحيفة النور، وكتب في مجلات وصحف مغربية ومشرقية كثيرة، وأذيعت له أحاديث متنوّعة أبرزها في مجالي الدراسات القرآنية والسيرة النبوية، كما استضافته عدد من القنوات الفضائية في حوارات فكرية وعلمية. وهو عضو في جملة من الجمعيات والاتحادات والرابطات ومراكز البحث العلمي في الوطن العربي وإسبانيا، مثل: رابطة علماء المغرب، اتحاد كتاب المغرب، رابطة الأدب الإسلامي العالمي، جمعية البعث الإسلامي بتطوان، نادي الفكر الإسلامي بالرباط، مركز بحوث اللغة العربية في جامعة أم القرى بمكة المكرمة.
ويستمر نشاط الدكتور حسن عبد الكريم الوراكلي على هذا النحو من التفاعل والعطاء مع طلبته الذين يدرّس لهم ويشرف على رسائلهم لتحضير الماجستير والدكتوراه، وهم بدورهم ـ كما عرفنا بعضهم ـ يترسَّمون خطى أستاذهم، نأمل أن يكونوا فعّالين كما هي حال شيخهم خدمة البحث العلمي والتمسك بالقيم العلمية الرفيعة، والعمل على تنوير العقول، ودفع عجلة التقدم العلمي في مجتمعاتهم، لضمان استمرار الجهود المعطاة لأصحاب الفكر والقلم عبر الأعصر المختلفة.
-ثناء سعادة الدكتور خالد مدرك : عضو هيئة التدريس في جامعة أم القرى :
مقالة معنونة "العلاَّمة الأديب حسن الوراكلي نبوغ مغربي في رحاب البلد الأمين" سعادة راعي الاثنينية الموقر أستاذنا المحتفى به أبا أيمن السادة العلماء الحضور الشريف، درج منتدى الاثنينية برعاية كريمة من فضيلة الأديب عبد المقصود خوجه على الالتفات في كل عام إلى تكريم العلماء المفكرين والأدباء من المغرب العربي الكبير ممن لهم قدم صدق في حياتنا الأدبية والعلمية وهو بلا ريب لمسة وفاء وشعور نبيل من شأنه أن يدفع بالروابط الفكرية قدماً نحو التواصل العلمي واليوم نقف مع عمود من أعمدة الفكر المغربي من مغربنا الأقصى وركن من أركان حركة البحث العلمي والأكاديمي في الجامعة المغربية وقلم من أقلام الفكر الإسلامي الأصيل في الغرب الإسلامي وخلف تطاوني صالح لكوكبة من كبار أحبار الأمة المغربية الذين رفعوا منارات العلم والأدب في قطرها الشمالي بدءًا بالقاضي عياض وبن لحية السبتيين وصولاً إلى عبد الهادي قنونة وبن ثتبت وعزيمان وبن خبزة، لسان حاله يقول:
إنا وإن أحسابنا كرمت لسنا على الأحساب نتكل
نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثل ما فعلوا
وإذا كان تحصيل الإجماع متعذراً في وقتنا لاختلاف الأذواق والأفهام بين الموافقين والمخالفين فقد تمكن أستاذنا في بحر هذا التنازع من انتزاع الإجماع حوله بجدارة واستحقاق فوسع الناس بالأخلاق والأدب حين تعذَّر على غيره أن يسعوا بالدنيا وشرف المحتب وقد كان من منن الله سبحانه وتعالى علي أن جمع حسن الجوار في البلد الأمين بيني وبين هذا العلم التطواني النابغ لم نتصاحب كصحبة الأقران كلا وإنما هي صحبة المستفيد الطالب لمفيد أديب مربٍّ انتفعت بلحظه قبل لفظه حين عز أن تجد النموذج والقدوة:
أفعال كل امرئ تنبي بعنصره والعين تغنيك عن أن تطلب الأثر
أعترف أني عشقت سيرته وأدبه قبل رؤيته والأذن تعشق قبل العين أحياناً، قال لي ذات مرة وقت بداية اشتغالي بالبحث في الدراسات العليا وقد شكوت له ما أراه من اغترار بالألقاب والأسماء "أحرص على حرف الدال ـ يعني دال الدكتوراه ـ ولكن كن حاملاً له ولا تجعله حاملاً لك ولات حين مندم" ومع مرور الأيام خبرت خطورة الكلمة وأهميتها وأن الألقاب لا تطيق حمل الناس بل هم من ينبغي أن يحملوها بمداومة البحث والاعتلال بكثرة الدرس قالت مسائل سحنون لقارئها:
لن تدرك العلم حتى تلعق الصبرا
كنا نحزب إليه طلباً للنصح والإفادة إذا ما ألمَّت بنا نائبة من نوائب الدهر فلا نجد عنده إلا أناة العاقل ومشورة الخبير البصير العالم بدقائق الأفهام لا يصادم ولا يلاكم وإنما يتفاهم ويتراحم كفيف عن سوء المعارضة بالقول والفعل وبالغ التأني في جر حبل الصحبة ما أمكن يسامح في إيخاء كل ذي عيب ويكل أمره إلى خالقه عزّ وجلّ ويردد مقالة أبي محمد بن حزم "لقد منحني الله عز وجل من الوفاء لكل من يمتُّ إليّ بلقية واحدة ووهبني من المحافظة لمن يتذمم مني ولو بمحادثتي ساعةً حظًّا، أنا له شاكر وحامد ومنه مستمد ومستزيد" عرفه علماء البلد الأمين وأدباؤه بخلقه الجميل فاندرج بين فضلاء الحرم من أهل الأدب والحذق والحلاوة والتوقد لما حباه الله من كريم الشِّيَم وفاضل الأخلاق وشرف المحتب فامتد عطاؤه الأدبي والعلمي إلى خارج البلد الأمين نفعاً وإفادةً للباحثين وذوي النبل والسعادة رأينا فيه أخلاق العالم الرحالة الجوال الذي يفرغ نفسه لما رحل من أجله ولا يقحمها في مهلكات مضيعات يعتز بهويته ويفتخر بكينونته افتخار المؤمنين الذين يمشون على الأرض هوناً فلم ينسِهِ طول عهد الجوار أصالته ونشأته ولقد كان كذلك ـ علم الله ـ في بلد منشئه وأصله سرى طيف هواه بالباحثين وأهل العلم والأدب والفضل خارج كليات شمال المغرب إلى باقي أنحائه وربوعه فهذا يثني على فضله في دار الحديث برباط الفتح وذاك يستفيض في سيرته بابن زهر أغادير وثالث يعطر مجالس الإخوان والأصفياء بأحواله في أنفا البيضاء لم يمنعه طول باعه في الجامعات المغربية وشهرته بين الأرجاء أن تجده يفتش بين كنانيش المخطوطات في الخزانة العامة بالرباط أو أن ينظر في خطو العلماء في حسنية المخزن بل إنه يخجلك بفضله حين يتصل بك ليخبرك بأنه بين دروب أحباس البيضاء ينقر عن الجديد في المطبوعات وفي الختام فإن أستاذنا أبا أيمن لا يحب كثرة الإطراء أو الغلو أو المديح ولكنه واجب حضور في المنصة لأنقل شهادة إخوان له في بلد المغرب.
أوُّدك ودّاً ليس فيه غضاضة وبعض موداة الرجال سراب
ومالي غير الود منك إرادة ولا في سواه لي إليك خطاب
سعادة الأستاذ حسين محمد بافقيه :
يصعب عليّ الحديث عن العلاّمة الأستاذ الدكتور حسن الوراكلي دون أنْ ألمح إلى مزيَّة فيه ورثها عن أسلافه من المغاربة والأندلسيّين، ويبلغ من شأن تلك المزيَّة أنْ تغدو وكأنَّها جِبِلَّة جبلهم الله ـ تبارك وتعالى ـ عليها، واختصَّهم بها، فلا ينفكّ أحد من علماء تلك الناحية أو أدبائها إلا وهو مفتون بها، فتسكن في وعيه، حتى كأنَّه لا يستطيع أنْ ينجو منها.
وتلك المزيَّة هي الفتنة بالمشرق، تلك الفتنة التي قد تطغى على إحساس الأندلسيّ أو المغربيّ فيعيش مشغوفاً بالمشرق، لهجاً بذكره، متتبِّعاً أثر علمائه وأدبائه، فِتْنَتَهم بإمام دار الهجرة مالك بن أنس، وكتاب سيبويه، وشعر أبي تمّام والمتنبي، وولعهم بألحان زرياب، وتتبّعهم لغريب أبي عليّ القالي، وتقصّيهم أثر المشرق وأهله كما فعل ابن عبد ربه في ((العقد))، حتَّى ليبلغ من سطوة المشرق على المغرب أنْ جأر غير عالم وأديب بالشكوى، وخفّ نفر منهم يفتِّشون عن مزيَّة أهل تلك النواحي من الأندلس والمغرب، تحمل النَّاس على الاعتراف بفضلهم وعبقريَّتهم، كما فعل ابن حزم في رسالة له ((في فضل الأندلس وذكر رجالها))، أو ابن بسام الشنتريني في مقدمة كتابه الفذّ ((الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة))، ليصبح الاستقلال عن أثر المشرق وعلمائه وأدبائه همًّا يقضّ مضجع لفيف من أدباء الأندلس والمغرب: أدناه وأوسطه وأقصاه، ونلقي ذلك فيما تناهى إلينا من كلام لابن خلدون والمقَّريّ، قديماً، وأبي القاسم كِرّو وأبي القاسم سعد الله ومحمد عابد الجابريّ حديثاً.
والعلاَّمة الأستاذ الدكتور حسن الوراكلي ولع كذلك بالمشرق، مشغوف به، يتتبَّع آثاره ورجاله، في صورة تجلّي لنا طرفاً من سيرة العلماء الكبار في صبرهم على العلم، وشغفهم بتقصي آفاقه، وهو إلى ذلك، ورث عن أسلافه من الأندلسيّين والمغاربة الهيام بالأماكن الشريفة في الحجاز، وله في هذا المقام يدٌ سلفت في العناية بالتأريخ لرجالات وطنه ممَّن ضربوا في الأرض حتَّى ألقى جِلَّة منهم عصا الترحال في مكة المكرمة أو المدينة المنورة.
وكتابته في هذا المجال، ولا سيَّما عن المجاورين من الأندلسيين والمغاربة، من الأعمال الجليلة والمفيدة، ولا ينتهي من نمط من البحث، حتَّى يأخذ في نمط آخر يثري الدرس الأندلسيّ والمغربيّ والحجازيّ، في دراسات تشدّ المشرق إلى المغرب، وتجلّي طرفاً من سيرة المكان وقاطنيه، وأعرف له فضله على المكتبة المكيَّة، في تنوّعها وثرائها، ذلك التنوّع الذي يبدو في دراساته الجليلة عن الرحلات الأندلسيَّة والمغربيَّة إلى المدينتين المقدَّستين، أو رصده الدقيق للإجازات العلميَّة للمغاربة والأندلسيّين في الحجاز، وتلك مهمَّة ليست بالهيَّنة، ولكنَّها ليست بالغريبة على رجل عالِم، عاشق، محبّ.
شَرُفْتُ بمعرفة الأستاذ الدكتور حسن الوراكلي في موسم حجّ 1423هـ، وشدَّني إليه أوَّل الأمر زِيُّه المغربيّ الأثريّ، ولغته الفصحى العالية المشوبة بجرس مغربيّ شائق، ثمّ لم أمكث إلا قليلاً حتَّى رأيته رجلاً يصدق فيه أنَّه وعاء مُلِئ عِلْماً، يتحدث بلهفة وشوق عن تلك الآصرة العظيمة التي تشدّ المغرب إلى المشرق، وذلك الولع الذي بلغ حدّ الفتنة بالأمكنة الشريفة في الحجاز، مع ما يحيط بذلك من منهج في الدرس، يعيد إلى الأذهان ما كان عليه جِلَّة من علماء المغرب الأقصى في جهادهم العلميّ، كالسيِّد عبد الحيّ الكتّانيّ، وعبد الله كنّون، وعبد الهادي التازي.
ولم يشأ الأستاذ الدكتور حسن الوراكلي حين أقام في مكة المكرمة أنْ ينأى عن المجتمع، أو أن يظلّ حبيس أروقة الجامعة، وكيف له ذلك، وهو يُمِتّ بصلة إلى ابن جبير الأندلسيّ وابن بطوطة وابن رشيد والعبدريّ ومن لفّ لفّهم من العلماء والرحَّالين الذين قصدوا هذه المدينة الشريفة، فجاسوا في خلالها، وتأمَّلوا وجوه النَّاس وسحناتهم، وكان لهم في كلّ شِعْب أثر، وهذا ديدن العلاَّمة الوراكلي: درس وبحث، واختلاف إلى مكتبات مكة المكرمة وخزائنها وأنديتها ومجالس الثقافة فيها. وحين قصد إلى مدينة جدة للتدريس في جامعتها كان من المبرِّزين من أساتذتها في التاريخ والآداب، ولكنَّ ذلك لم يصدَّه عن مكَّة المكرَّمة التي سكنت فؤاده، فآثر السكنى بها، حتى لو كان عمله في مدينة ساحرة كجدّة.
إنَّ في تكريم العلاَّمة الأستاذ الدكتور حسن الوراكلي إحياءً لصلات ثقافيَّة بين الحجاز والمغرب والأندلس، وتجديداً لعهد قديم زاهر كان علماء الأمة وأدباؤها يشمخون بأنوفهم أنْ جمعوا الأندلس والمغرب ومصر والحجاز في سلسلة ألقابهم، وها نحن أولاء أمام عالم وأديب يجدِّد صلة المغرب بالحجاز والجزيرة العربيَّة، ولا أحسبه إلا مفتخراً أنْ سيترجم المترجمون له ذات يوم بقولهم: إنَّه حسن الوراكلي التطوانيّ المكّيّ، وأحسب أنَّنا حفيّون بهذا اللقب حفاوتنا بهذا العالِم والأديب، الذي جَدَّد العلاقة الثقافيّة بين المغرب والحجاز، بل الجزيرة العربيَّة، ولعلَّه في ذلك كان متأسِيًّا بعلاَّمة الجزيرة العربيَّة الشيخ حمد الجاسر ـ رحمه الله ـ الذي شرع منذ زمن مبكِّر في تجديد تلك العلاقة وتوثيقها.
وكتب الأستاذ ضياء الدين الصابوني -رحمه الله- قصيدة في الثناء على جهود الدكتور حسن الوراكلي يقول فيها:
وافى السرور وبهجة الأيام في ذا اللقاء المشرق البسّام
جئنا نهنئ ـ والعواطف ثرّة ـ وقلوبنا شوق إليك ظوامي
(حسن) ومن أولى بـ (اثنينية) فلكم بقلب (الشيخ) ودّ نام
إني أهني (الخوجه) في تكريمه فهو الجدير بحفلة وتسام
لا غرو إن كرمتموه فإنما كرّمتم علماً من الأعلام
جادت يد المولى عليك بنعمة عظمى، وكم للَّه من إنعام!
من ليس يشكر للكرام صنيعهم لن يشكّرن مولاه ذا الإنعام
مجد لكل المحتفين بنجمنا والمجد كل المجد للأعلام
* * *
أهلاً وسهلاً بالذين نجلّهم فلهم مجال السبق والإقدام
(حسن) وإنك للقلوب مسرة قد نلت في التكريم كلّ مرام
سلم الذين بهم تزان ربوعنا مثل البدور تنير كلّ ظلام
انظر إلى الأحباب كيف توافدوا ليشاركوا في فرحة وهيام
للَّه درُّك من (أديب) صالح من ماجد حسن الخصال همام!
خلق أرق من النسيم لطافة وشمائل في رقة الأنسام
ولقا الأحبة بهجة وسعادة ولقا الأحبة بلسم الآلام
فاستبشروا خيراً برؤية عالم فسماته تنبيك عن إلهام
يكفيك فخراً أن تكون (عريسها) وتنال فيها غاية الإكرام
لك من خصال ما تسرُّ عيوننا في بذل مكرمة ورعي ذمام
* * *
للَّه ما أحلى ليالي (مكة) في نورها وبوجهها البسام!
تهفو القلوب إلى محاسن (بيتها) فتعيش في جو من الأنغام
و (الكعبة الشماء) تزهو بالسنا هي مصدر الأنوار والإلهام
كم ضمنا من مجلس متواضع فيه حلى الأسماع والأفهام!
كلماته تنساب في أعماقنا مثل انسياب البرء في الأسقام
كانت لنا جلسات في (أم القرى) فكأنها حلم من الأحلام
مع صفوة ممتازة، وقرائح وقادة، جلّت عن الأوهام
إني لأكبره وأكبر جهده في رفعة الآداب والإسلام
واللَّه أسأل أن يديم لقاءنا في صحّة ومودَّة وسلام
* * *
يا رب بالهادي الشفيع وصـــــــــــــــــاحب الخلق الرفيع، إمام كل إمام
اجمع قلوب المسلمين على الهدى واحفظ علينا نعمة الإسلام
واجمع شتات المؤمنين بوجدة وعزيمة الإصرار والإبرام
واحفظ لنا (القدس الشريف) من العدى قد دنسته مكائد الإجرام
وعد العلي المؤمنين بنصره واللَّه ينصر جنده ويحامي
وإليك يا (حسن) أرق تحية جاءتك ترفل في بديع نظام
تكريم :
مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية بتطوان، يشارك في الندوة التكريمية للدكتور حسن الوراكلي :
شارك مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية بتطوان، في الندوة التكريمية للدكتور حسن الوراكلي، التي نظمتها شعبة اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة عبد الملك السعدي بتطوان، بقاعة الدكتور محمد الكتاني، برحاب الكلية يومي 15و16 فبراير 2012، تحت عنوان: "عتبات النص: قراءة في الخطاب المقدماتي"، وذلك في شخص رئيسه الدكتور جمال علال البختي-وبمتابعة الباحثين بالمركز لأشغال الندوة- والذي شارك بمداخلة تحت عنوان:"في الخطاب المقدماتي عند الدكتور حسن الوراكلي".
وفيما يلي ملخص المداخلة:
في مقدمة عرضه تحدث الدكتور جمال علال البختي رئيس مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية بتطوان التابع للرابطة المحمدية للعلماء عن فن "المقدمات" وكونه من أهم ما تتشكل منه "النصوص الموازية"، وأنه يهدف إلى إنشاء خطاب على مشارف النص الذي يسبقه؛ وأن المقدمات تقدم –في الغالب– خطاباً معرفياً توصيلياً، ومن ثم فأهميتها في هذا الحقل تأتي من أهمية المعرفة التي تقدمها حول بناء النص وظروف إنتاجه بما يساعد القارئ على حل رموزه، وفك مغالقه، وسبر أغواره؛ وفي الوقت ذاته تحصن النص من التأويلات المغرضة أو المغلوطة؛
وميَّز الدكتور بين نوعين من المقدمات:
-"مقدمة ذاتية": يوقِّعها المبدع ذاته ويتوجه بها إلى القارئ، و"مقدمة غيرية" من وضع مبدع أو مفكر أو ناقد آخر، يتكفل بكتابتها، بناء على طلب من كاتب النص ذاته أومن ينوب عنه ممن يعنيهم أمر النص، في ضوء هذه الأرضية المتعلقة بخطاب التقديم تطرق الدكتور إلى قراءة مقدمات الأديب والمفكر المغربي الدكتور حسن الوراكلي، من خلال الجوانبِ التالية:
1- استحضار المقدمات في المفتتحات التأليفية.
2- مقدمات الوراكلي: الجمع والإحصاء.
3- طبيعة المقدمات الوراكلية.
4- الخطاب التقديمي للوراكلي: الوظائف والأهداف.
5- خاتمة.
في جانب استحضار المقدمات في المفتتحات التأليفية، تحدث الباحث عن انقسام آراء النقاد بخصوص استحضار المقدمات في مفتتحات الكتب إلى اتجاهين:
*اتجاه أول: يرى أصحابُه أن التقديم –الذاتي والغيري-عتبة قد تشوش على طبيعة النص الإبداعيةِ، وأن طبيعة المقدمات الغيرية ومضامينها لا تكاد تخرج عن التقريظ الذي يحتفي بصاحب العمل، ونادرا ما تمتد إلى مجال النقد الموضوعي.
*الاتجاه الثاني: يتبنى موقفا آخر لا يتجاهل أهمية الخطاب التقديمي بل يعده من أسس الفهم العميق للأعمال الإبداعية، وأنه لا يرى أي مانع من تصدير الأعمال العلمية والبحثية والإبداعية بخطابات تقديمية.
ثم خلص بعد عرض هاذين الاتجاهين إلى أن الدكتور حسن الوراكلي قد وقف بين هذين الاتجاهين موقفا حذرا، ونظر بطبعه المرن، وبدبلوماسيته العلمية المتميزة، إلى أنصار المقدمات ورافضيها فشق طريقا وسطا بينهما، حيث اختار مناصرة أصحاب الاتجاه الثاني المنحازين لتبني المقدمات في الأعمال المؤلفة، ولكنه سعى في نفس الوقت وبأقصى درجات الدهاء إلى التخفيف من غلواء عيوب المقدمات مما سجله أصحاب الاتجاه الأول الناقمين على المقدمات الموجِّهة للقراءة، المتحكمة في نوع التواصل مع الكتب والكتاب. مستشهدا على ذلك بكلام الدكتور حسن الوراكلي نفسه في بعض تقديماته؛
انتقل إلى الحديث بعدها عن مقدمات الوراكلي: الجمع والإحصاء: واصفا فيه العمل التجميعي لمقدمات الدكتور حسن الوراكلي الذي قام به الباحث بدر العمراني والذي خرج في صورته النهائية كتابا من 257 صفحة من الحجم المتوسط، وطُبع بعنوان: "مقدمات فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور حسن الوراكلي".
واستناداً إلى عمل بدر الجمعي هذا رصد الدكتور جمال علال البختي ملاحظةٍ وصفيةٍ إحصائية تؤكد أن طبيعة الأعمال المقدَّم لها عند حسن الوراكلي تتوزع كما يلي:
أ- المرتبة الأولى: أعطيت للدراسات الشرعية والإسلامية، ونسبتها في مقدمات الكتاب: 41.67 %
ب-المرتبة الثانية: أعطيت للدراسات والإبداعات الأدبية: بنسبة: 25%
ج- الدرجة الثالثة: كانت للأعمال الخاصة بالتراجم والرجال: بنسبة: 13.90%
ج-المرتبة الرابعة: كانت للدراسات الأندلسية المغربية: بنسبة: 8.33%
د-الدرجة الأخيرة: كانت من نصيب دراسات مختلفة وحظيت بنسبة: 8.33%
ليستنتج من خلال هذا العمل الإحصائي؛ أن الغالب على فكر الدكتور حسن الوراكلي في انشغالاته العلمية التقديمية هو الهم الشرعي والدراسي الإسلامي، يتلوه الاهتمام بالأدب والإبداع الشعري والنثري، ثم البعد الوصفي التاريخي، فالدراسات المتعلقة بالتراث الأندلسي المتنوع، وأخيراً الاعتناء بالدراسات العلمية المختلفة الأخرى...
مشيراً في ختام هذا المحور إلى أن الخلفية الدينية للمفكر حسن الوراكلي وطبيعة تكوينه الأصيل والتزامه بالموجهات العقدية التي آمن بها كانت حافزا قويا هيأه للقيام بدور دعوي فكري رافق عمله الأدبي، ولكنه أبى إلا أن يعززه بالعمل في الحقل الشرعي نظرا لازدواج تكوينه وثقافته؛ لينتقل بعدها إلى المحور الثالث الذي تناول فيه طبيعة المقدمات الوراكلية: (التقريظ والنقد) حيث أشار إلى أنه بالنظر إلى مضامين مجموع مقدمات حسن الوراكلي الغيرية تتبدى لنا روح المقدِّم المطبوعة بالتحفيز والبناء العلمي وحسن التخلص، وأن أعمال حسن الوراكلي التقديمية تميزت باحترام قواعد البحث، والمحافظة على المصداقية العلمية في العمل التقويمي التقديمي، وكذا استحضاره لنوايا المقدَّم له باعتباره ينشد حسن التوقيع، ومباركة العمل، وخير الثناء.
وأن أصدق ما يمكن أن توصف به مقدمات الوراكلي أنها ذات طبيعة "تقريظية" "نقدية"، يتمثل التقريظ في جل الأعمال التي قدم لها بدون استثناء، ويظهر وجهه النقدي في بعضها دون البعض؛ وقد انتقى الدكتور مجموعة من العبارات الدالة على تأكيد سمة التقريظ الخاصة في بعض هذه المقدمات، لينتهي إلى أنها ترسم لنا صورة مقربة عن طبيعة هذه المقدمات النقدية التي تحكي بصدق ما تم الإلماح إليه من حضور روح النقد المجردة في أعمال الوراكلي التقديمية، والتي هداه إليها منهجه المصبوغ في غالبه بالصرامة، وفرضها عليه مقام الأستاذية المطبوع بحنو الأب، والمرفق بالعتاب والتوجيه حين يحتاج الأمر إلى النقد والمراجعة والتصحيح.
وفي المحور الرابع والأخير والذي خصصه لمقدمات الوراكلي:
الوظائف والأهداف:
تطرق فيه للحديث عن الوظائف التقديمية عند الدكتور حسن الوراكلي مركزاً في ذلك على وظيفتين: الأولى وظيفة تحليلية جمالية، والثانية وظيفة دينية توجيهية.
بخصوص الوظيفة الأولى جلاَّها من خلال مقدمات الكتب والدواوين الأدبية الشعرية؛ أما الوظيفة الثانية الدينية التوجيهية في مقدمات الوراكلي فأشار إلى أننا نتلمسها في معظم المواقع وفي مختلف الأسطر التي قدم بها للأعمال العلمية المؤلفة.
وفي ختام هذا العرض انتهى الدكتور إلى أن مقدمات الوراكلي الغيريةَ والذاتيةَ حاولت تحديد زاوية النظر إلى الأعمال التقديمية التي تناولتها، كما سعت إلى إبراز مزاياها باعتبارها ثمرة إنتاج موجه بطريقة ما، وناقشت الكثير من الاختيارات المنهجية، وردت بعض المواقف التي عنَّت له أنها تحتاج إلى مزيد تعميق وتمحيص، وبذلك حاول قدر المستطاع وفي حدود اللياقة التي يسمح بها العمل التقديمي أن يقنع القارئ بنوع المصداقة التي أضفاها على خطابه التقديمي.
ليعرض في الأخير مجموعة من التساؤلات التي أثارتها لديه مقدمات الدكتور حسن الوراكلي، والتي لا يمكن الوفاء بمعالجتها في مدة العرض الوجيزة، ولكنها أسئلة مهمة كاشفة عن معنى التقديم، وروحه، وأهدافه، ومنهجه، وقيمته عند المكرم الأستاذ الدكتور حسن عبد الكريم الوراكلي.
وفاته :
توفي الأستاذ الأديب حسن الوراكلي يوم الأربعاء بتاريخ 26 سبتمبر 2018م، ودفن بمسقط رأسه في مدينة تطوان بالمغرب .
أصداء الرحيل :
ونعته رابطة الأدب الإسلامي العالمية – وكان عضواً فيها -: تحت عنوان : ( العلامة التطواني حسن الوراكلي في ذمة الله ) :
تنعى رابطة الأدب الإسلامي العالمية، ومكتبها الإقليمي بالمغرب عضو الرابطة الأخ الكريم الأستاذ الدكتور الأديب العلامة الدكتور "حسن الوراكلي" عن عمر يناهز 77 سنة، الذي توفي بمسقط رأسه بمدينة تطوان، ليلة الأربعاء بتاريخ 26/9/2018م، بعد معاناة مع المرض.
نسأل الله سبحانه وتعالى له المغفرة والرحمة والرضوان، وأن يسكنه فراديس الجنان، وأن يرزق أهله وذويه الصبر والسلوان.
إنا لله وإنا إليه راجعون.
وسوم: العدد 794