الأديب الداعية الشهيد أحمد حلمي خوجة
( 1949- 1995م)
هو الأستاذ الأديب الداعية الشهيد بإذن الله (أحمد حلمي خوجة) من مواليد (حي الكلاسة) في مدينة حلب في ٢/٢/١٩٤٩م ..نشأ، وترعرع في ظل أسرة مسلمة ملتزمة. فوالده كان رجلاً تقياً مكثراً من تلاوة القرآن، وأما والدته (آمنة خوجة)، فهي مربية فاضلة، أمية وربة بيت ناجحة.
لقد عاش الشهيد ( أحمد حلمي خوجة) بين إخوته تحت رعاية كريمة من الوالدين، وأبرز إخوته : عبد القادر، وحسني، وعبد الفتاح خوجة ( درس الحقوق، وصار مديراً لبنك جرابلس).
وعبد الكريم خوجة: يحمل الشهادة الثانوية، وله مكتبة في منطقة بستان القصر.
وعمر خوجة: وهو أصغر إخوته، ويعمل خياطاً.
وأخواته الكريمات ( نادرة، وذكية، ونجوى ) من المحافظات على الصلاة والحجاب.
دراسته، ومراحل تعليمه:
تعلم (أبو اليمان) القرآن الكريم عند إحدى قريباته تدعى (أمينة خوجة)، ثم تلقى مراحل التعليم المختلفة في مدارس حلب.
وكان يحضر مجالس العلم والذكر منذ صغره، وكان يلتزم بصلاة الجماعة في المسجد، ويكثر قراءة الكتب في الفقه، والعلم، والأدب، وما زالت زوجته الفاضلة تحتفظ بمقالات له وملخصات وكتابات علمية وأدبية وتاريخية.
وكان من أبرز أساتذته – رحمه الله -:
1- الشيخ العلامة المحدث عبد الفتاح أبو غدة – رحمه الله تعالى -.
2- الشيخ المحدث عبد الله سرج الدين – رحمه الله تعالى -.
3- الشيخ الداعية عبد الله علوان – رحمه الله تعالى -.
4- الشيخ الزاهد محمد إبراهيم السلقيني – رحمه الله تعالى -.
5- الشيخ عبد الله السلقيني - حفظه الله.
6- الشيخ العالم الشهيد محمد خير الزيتوني – رحمه الله - حضر دروسه في جامع بلال في منطقة صلاح الدين.
دراسته الجامعية، والدراسات العليا:
ثم حصل أحمد حلمي خوجة على الليسانس في اللغة العربية من جامعة بيروت العربية ١٩٧٢م.
ثم حصل على دبلوم التربية من جامعة حلب عام ١٩٧٥م، وكان يحضّر للماجستير رسالة بعنوان: ( الأدب في بلاط سيف الدولة الحمداني) بإشراف الدكتور بكري الشيخ أمين - رحمه الله- ولكنه تأخر فيها؛ لانشغاله بالدعوة، والعمل التنظيمي، وهناك من أخذها، وناقشها.
وعمل مدرساً لمادة اللغة العربية في عدة مدارس، كان آخرها في منطقة " تل رفعت "
جهوده في الدعوة والحركة الإسلامية:
ينتسب الشهيد أحمد حلمي خوجة إلى أسرة إسلامية ملتزمة بدعوة الحق والقوة والحرية، فأخوه الأكبر عبد القادر حلمي خوجة، وزوج أخته عادل خوجة، وغيرهما كثير كانوا ممن انتسب إلى الحركة الإسلامية بوقت مبكر. وشارك بالمخيمات والمعسكرات، وتلقى تربية إيمانية في الأسر التربوية والكتائب المؤمنة.
وصار مسؤولاً عن الطلبة، وكان معه في حمل المسؤولية زهير سالم، ود. عثمان مكانسي.
وكانت الدعوة إلى الله والعمل التنظيمي هواية محببة إلى قلبه أخذ عليه وقته فلا يجلس إلا قليلاً حيث يكون له مواعيد بعد صلاة الصبح، وقبل الدوام على المدرسة.
وكانت مكتبته عامرة بالكتب الدينية، والأدبية، والثقافية وبعد اعتقاله أهداها إخوة زوجته للمكتبة الوقفية في حلب بناء على طلبه؛ وكأي شاب إخواني دائم القراءة والمطالعة بخاصة لتفسير الظلال والكتب الدعوية ودائم المناقشة والحوار.
وكان –رحمه الله - هادئ الطبع، متعاون مع زوجته في أمور البيت، ومع والدته وإخواته بحيث لا يكون عنده فراغ طيلة اليوم.
يصل أرحامه (إخوته وأخواته وأقاربه)، ولا يمرُّ له يوم دون أن يزور والديه، ويجلس إليهما ليفضيا له بما عندهما، وكان في رمضان يذهب مع زوجته للسحور عندهم.
وكان – رحمه الله - مرحاً متفائلاً عنده طموح علمي وثقافي، فهو دائم الابتسامة.
يحب الرحلات والنّزه وكثيراً ما يقضي العطلة برحلة مع الشباب من إخوانه، نذكر منهم: مصطفى الذاكري -رحمه الله- الذي اعتقل، وأرسل له أن اخرج من البلاد وكذلك نصحه أحد الإخوة الكرام بالخروج من البلاد، وقال له: إن زوجتك لها عمل جيد، فقال الشهيد لها: ولمن نترك العمل، والناس الذين يسجنون، ويعملون، فنحن نعتبر مسؤولين عنهم، وكان لديه حسّ بالمسؤولية رفيع.
محنته وسجنه:
تعرّض أحمد حلمي خوجة للمطاردة والسجن والاعتقال شأنه شأن سائر العلماء والدعاة الربانيين حيثُ اعتقل في ( ٥-٦-١٩٨٠م)، وتعرّض في سجنه للتعذيب الشديد والتنكيل، ولقي وجه ربه شهيداً – بإذن الله - وسُلّم جثمانه لأهله عام ١٩٩٥م.
أحواله الاجتماعية:
والشهيد أحمد حلمي خوجة – رحمه الله – تزوج من الأخت عائشة شعبان ( أم اليمان) في 6 / 5 / 1976م، وله منها ولدان هما:
- شيماء: ولدت في 2 تشرين الأول عام ١٩٧٧م، وكان عمرها ثلاث سنوات وثلاثة أشهر عند اعتقاله، درست في كلية الآداب (قسم اللغة العربية) في الجامعة الهاشمية بالمفرق في الأردن، وهي متزوجة من محمد طه عبدان عندها حالياً / 3 / أولاد، وابنة واحدة.
- ومحمد يمان: ولد في 17 شباط عام ١٩٧٩م، درس إدارة أعمال في جامعة آل البيت وعنده الآن أربعة بنات، وولد متفوق في دراسته، ويحفظ القرآن كاملاً.
قالوا عن الشهيد:
وقد أثنت على أخلاقه زوجته الأخت الداعية عائشة محمود شعبان ( أم اليمان) في مقالة لها نشرتها في موقع رابطة العلماء السوريين، وموقع رابطة أدباء الشام تحت عنوان: (لمحات من حياة الشهيد أحمد حلمي خوجة) -رحمه الله تعالى – نشرت يوم الخميس 30 جمادى الآخرة 1440 - 7 مارس 2019 م جاء فيها:
(الحمد لله الذي رزقك الشهادة في سبيله، وابتلاك بما ابتلى به سيدنا يوسف عليه السلام، وكانت الآية الكريمة هي شعارك: " رب السجن أحب إليَّ مما يدعونني إليه " فصبرت، وثبت حتى لقيت ربك راضياً مرضياً بإذن الله تعالى.
لا أدري من أين أبدأ بالحديث عنك زوجي الغالي الشهيد ( أحمد حلمي خوجة ) ؟
أأبدأ من سيرة الابن البار لوالديه ؟
أم من ابن الدعوة التي نشأ، وتربى وترعرع في ظلالها ؟؟
أم من الأخ الواصل للرحم والمحب والوفي لأخواته وإخوته ؟؟
أم الزوج الوفي المقدر المخلص ؟؟؟
أم الأب الذي يحنو، ويعطف على ولدين لم يعرفا معنى كلمة " بابا ":
- شيماء التي ودعها في سيارة أمن الدولة والقيد ( قيد العز ) بيديه وعمرها ثلاث سنوات وشهران حين شاهدت يديك يلف بهما القيد وسألتك: ما هذا الذي بيديك ؟ فقلت لها " هذه إسوارة " فظلت فترة، وهي تردد :"كان في يدي بابا إسوارة" .
ومحمد يمان ابن السنة والشهرين لم يعرف سوى كلمة بابا لكنه لا يدري ماذا تعني سوى أنه يسمع الأطفال يرددونها، فيرددها مثلهم.
فعلاً لا أدري من أين أبدأ، سأذكر كلمات عن سيرتك الذاتية لأعرف بك من لا يعرفك من أبنائنا وشبابنا:
فأنت من مواليد حي الكلاسة في حلب 2/2 / 1949 من أسرة كان لها السبق بالانتماء للدعوة الإسلامية، وهذا ما حدثني عنه المربي الفاضل " عدنان كنعان " رحمه الله فقد ذكر لي أن عمك وزوج أختك وبعضا من إخوتك كانوا من أوائل من كانوا من رعيل الدعوة.
حصل زوجي - رحمه الله تعالى- على ليسانس اللغة العربية ودبلوم التربية من جامعة بيروت العربية، وكان يحضر للماجستير برسالة بعنوان " الأدب في بلاط سيف الدولة الحمداني " وعمل مدرساً للغة العربية كان آخرها في منطقة " تل رفعت "
وأقول وأنا أشهد الله: أنه كان الابن البار همّه إرضاء والديه وزيارتهما والتودد إليهما والجلوس بجوارهما ليحدثاه ، ويستمع لما يقولان كل يوم وكذلك زيارة أخواته والتحدث والممازحة ومشاركة الجميع أفراحهم ومناسباتهم .
وهو أيضاً ابن الدعوة التي انتمى إليها منذ أصبح يافعاً، فترسخت مبادؤها في جوارحه وأشبع بمبادئها وتعاليمها عملاً وفكراً، ولا زلت أذكر - أيها الزوج الحبيب - حين تعارفنا لنتحدث عن أمورنا، فقلت لك: إن فلاناً تقدم يطلبني من أهلي، وهو تاجر ميسور الحال، فقلت لي: " هو تاجر بالمال وأمور الدنيا، ونحن تجارتنا مع الله، وهو الذي يتولانا " فزادتني هذه رغبة بالاقتران بك .
وحين كنا نصلي أو نجلس لتذكّرني أن نختم جلستنا بدعاء الرابطة، فتردد جملة : " وارزقنا الشهادة في سبيلك " ثلاث مرات، وحين أقول لم ترددها هكذا ؟ تقول لي: " لعلنا نرزق هذه الدرجة وإن كنا مقصرين .
مما حصلت عليه بين كتاباتك ما ترك أثرا ً كبيراً بنفسي " مقالتك تحت عنوان " أصحاب الدعوات " وفيها قلت: أصحاب الدعوات لابد أن يتحملوا تكاليفها، ويصبروا على الإيذاء والتكذيب . وتكذيب الصادق الواثق صعب مرير على النفس حقاً، لكنه بعض تكاليف الرسالة، فلابد لمن يكلفون بحمل الدعوات أن يصبروا، وأن يثابروا، ويثبتوا، ولابد أن يكرروا الدعوة ويبدؤوا فيها، ويعيدوا، وعلى هذا فهم بحاجة ماسة إلى الصبر ورباطة الجأش، ليستطيعوا المثابرة والثبات، في أداء الرسالة وتبليغها للناس، فما كان للدعوة أن تنتصر وأصحابها في لين من العيش، وإنما يكتب لها النصر بمقدار ما يقدم أهلوها من صبر جميل، وتضحية غالية، وثبات عنيد ".
وأما عن أيام وفترة المحنة حين لا تهدأ عن العمل ليل نهار، وقد نسافر معاً أو بمفردك لتتلقى الأوامر للعمل وتطبيق الأوامر، ونعمل معاً، فتكون شيماء من حصتك لأنها أكبر، ويمان لي فهو الأصغر، ولا نلتقي إلا ليلاً، وقد تأتي من السفر لتداوم إلى المدرسة مباشرة " جعلها الله في صحيفة عملك ".
ولا أزال أذكر أيام المفاوضات التي قام بها الأخ الفاضل المرحوم "أمين يكن "رحمه الله أتيت وأنت تكاد تطير فرحاً تلوح بالسبحة بيدك وتتغنّى بأن إخواننا سيخرجون من السجون وستنتهي الأزمة، وتعود الأمور لطبيعتها " .
ونستقبل أخوة أعزاء فنرافقهم في جولاتهم منهم من لا زال يعيش بيننا، وبعضهم استشهد إما بمواجهات أو في السجون، وتعمل دون كلل وملل رحمك الله وأثابك رضاه.
جئت من إحدى الزيارات في خارج البلاد، لتقول لي:" إن فلاناً من إخواننا نصحني بأن نخرج من سورية، فالعمل متوفر لك ولي فلمن نترك هؤلاء الشباب وهذا الشعب ؟ لا والله لا أترك العمل هنا.
وفي أقبية التعذيب وتحت وسيط الجبناء الأذلاء كانت كلمتك: " يارب ...... يا الله.
عائشة لقد تعبتُ، فقلتُ لك: " اصمد إنَّ الله معنا "، وكان الذي يشرف على التعذيب والتحقيق النذل السيء السمعة " أليف الوزة ".
وانقطعت أخبارك كسائر الشباب الذين غيبوا في السجون حتى كان عام (1995) حين سلم جثمانك الطاهر لأهلك وعلامات التعذيب تملأ جسدك الطاهر لترزق الشهادة في سبيل الله وكما العهد بيننا أن يكون العمل في سبيل الله هو هدفنا، أسأله تعالى أن يثبتنا على عمل الخير لنلتقي في ظلال الفردوس الأعلى.
وبقيت أبحث، وأسأل عن حياتك في السجن حتى كانت إجابة الأخ الفاضل المجاهد " محمود عاشور صلاح الدين الحموي " الذي خرج من سجن تدمر وصيدنايا بعد " 25 " سنة سجن ، حين أرسلت أسأله بعد برنامج مراجعات على قناة الحوار ( كان الشهيد أحمد حلمي خوجة قيادياً من إخواننا الكبار يعطي الدروس والعلوم في الزنزانة ، للشباب السجناء فأفسد عنه أحد المخبرين فوُضع في زنزانة خاصة للتعذيب شبه انفرادية تدعي " السيلون " وكانوا يخرجون به كل يوم للتعذيب، ويجبروه على الركض مع السياط التي تنهال عليه وفي المرة الخامسة رأيته وقع على الأرض نتيجة أزمة قلبية أصابته.
وهذا إهداء بخط زوجي الشهيد - رحمه الله تعالى- بمناسبة عقد قراننا، كتب على الصفحة الأولى منه: الحياة في ظلال القرآن نعمة أيّ نعمة ترفع العمر، وتباركه، وتزكيه. فإلى "حارسة القلعة" كما يسميها صاحب الظلال أقدم خير هدية تعبّر عن حقيقة العهد والارتباط بيننا، ولتكون المعين الذي نتلمَّس عنده توجيهات حياتنا الواقعة في يومنا وغدنا.
أحمد.
رحمك الله أبا اليمان فقد كنت نعْم الابن ونعْم الزوج والأب والأخ والعامل والمجاهد وجمعنا بك في الفردوس الأعلى. زوجتك: أم اليمان
وفاته واستشهاده:
توفي أحمد حلمي خوجة في سجن الطاغية حافظ أسد، وسلم جثمانه لأهله في عام 1995م رحمه الله رحمة واسعة، وأدخله فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
وسلام على أبي اليمان في الخالدين.
المصدر :
1- لمحات من حياة الشهيد أحمد حلمي خوجة - موقع رابطة العلماء السوريين- يشرف عليه الشيخ الداعية مجد مكي.
2- رسائل من الأخت أم اليمان عائشة محمود شعبان بتاريخ 16 / 2/ 2019م، ورسالة أخرى بتاريخ 3 آذار عام 2019م.
3- رابطة أدباء الشام – يشرف عليه الأستاذ عبد الله الطنطاوي.
وسوم: العدد 816