الداعية المجاهد البهــــي الخولي
(1319 - 1397هـ / 1901 - 1977م)
معرفتي به:
حين أكرمني الله بالتوجه إلى مصر للدراسة بكلية الشريعة سعدت برفقة إخوة كرام قَلّ أن يصجود الزمان بمثلهم، ومنهم الأخ الدكتور يوسف القرضاوي، والأخ أحمد العسّال، والأخ محمد الصفطاوي، والأخ محمد الدمرداش، وغيرهم من صفوة الشباب المسلم الأزهري، ومن خلال هؤلاء عرفتُ الأستاذ الكبير البهي الخولي الذي كان يتولى توجيههم بالدروس والمحاضرات، وبخاصة دروس الفجر، حيث كان يطلق على هذه المجموعة من الطلاب "كتيبة الذبيح"، وقد أهداني الأخ العسّال الكتاب القيم للأستاذ الخولي وهو "تذكرة الدعاة" فقرأته بتأمل، ووجدت فيه من العلم الغزير والزاد الوفير ما يحتاجه كل داعية إلى الله، فهو كتاب قيم لا يستغني عنه الداعية والموجه، والخطيب، والمدرس، والواعظ، والمرشد.
وقد قال عنه الإمام الشهيد حسن البنا في تقديمه: "طالعت هذه التوجيهات، بل المحاضرات في أساليب الدعوة وتكوين الدعاة، فأعجبت بها وهششت لها، وشممت فيها بوارق الإخلاص والتوفيق - إن شاء الله - ودعوت الله(تبارك وتعالى) أن يجعلها نافعة لعباده، موجهة لقلوب الناطقين بكلمته، والهاتفين بدعوته، وليس ذلك غريبًا على كاتبها وملقيها الأخ الداعية المجاهد الأستاذ البهي الخولي، فهو - بحمد الله - صافي الذهن، دقيق الفهم، مشرق النفس، قوي الإيمان، عميق اليقين، أحسن الله مثوبته، وأجزل مكافأته، وبوأنا وإياه منازل من أحب من عباده فرضي عنهم ورضوا عنه"!. اهـ.
ومن هذا الكتاب القيم أقتبس لك فقرات مما قاله مؤلفنا وأستاذنا البهي الخولي (رحمه الله): "واعلم يا أخي أن كل إنسان كائنًا من كان ينطوي على مناجم إلهية من العبقريات العظيمة وإمداد من العزائم والهمم، وكنوز من الفضائل التي تنضر وجه الحياة، وتزدان بها الإنسانية، ولا سبيل إلى إثارة هذه المناجم النفيسة، إلا أن تثيرها باسم الله العلي الكبير، فاسم الله وحده هو مفتاح هذه الكنوز الربانية المغلقة، ولا يضع الله هذا المفتاح إلا في يد العبد الرباني الذي يتخلق بصفات الربانية الفاضلة، يجاهد نفسه حق المجاهدة، ويقمع هواه في غير هوادة، فيفضي ذلك إلى ما شاء الله من بطولة وتوفيق: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (العنكبوت: 69).
وأنت واجد تفسير ذلك كله بصورة عملية واقعية في تاريخ الغر الميامين الذين خرّجهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وصاغهم بعين الله أبطالاً، فتحوا أقطار الأرض، لأنهم فتحوا قبل ذلك أقطار النفوس، وأضاؤوا الدنيا بنور الحق، لأنهم أطلعوا شموسه قبل ذلك في حنايا الصدور، وأسعدوا البلاد بنعمة العدل والحرية والإيثار؛ لأنهم بثقوا ينابيعها قبل في خفايا القلوب، وانبعثوا إلى تخليد الباقيات الصالحات من الأعمال والأخلاق والمبادئ، فأتوا من ضروب البطولات النفسية والمادية ما يدهش الألباب، ويعجز الأبطال، ويشبه الأساطير" اهـ.
وقد كتب المرحوم محمد الغزالي مقالاً تعريفيًا بكتاب (تذكرة الدعاة)، فقال (رحمه الله): "في هذا الكتاب إيمان عميق صادق، وتصوف ناضج مهذب، وثقافة شرعية واسعة، وتحليل منسق للآيات والآثار، قد يدق، وقد يتضح، غير أنه لا يخلو قط من صيغة الإخلاص والحب والحرص الشديد على نفع القارئ وتسديد خطاه إلى الغاية السامية المرسومة له.. ولقد وددت مخلصًا لو أن إخواننا الوعاظ والأئمة والدعاة إلى الله طالعوا هذا الكتاب فهو ذخيرة كريمة يجدر اقتناؤها، وينبغي ألا تخلو مكتبات الإخوان منها"(
([1]) مجلة (الإخوان المسلمون) الشهرية، العدد 93 من السنة الرابعة، الصادر في يوم الثلاثاء الموافق 8 من ربيع الآخر سنة 1365 هـ، الموافق 12 مارس 1946م، ص: 16.
وسوم: العدد 836