الزعيم المغربي المهدي بن بركة والحقيقة الغائبة
ولد الزعيم المغربي المهدي بن بركة بالرباط في المغرب في كانون الثاني عام 1920م. واختفى في 29 تشرين الأول عام 1965م في فونتني لو فيكونت شمال فرنسا. كان من السياسيين المغاربة، وأكبر معارض اشتراكي للملك الحسن الثاني وزعيم حركة العالم الثالث والوحدة الأفريقية. حسب المعلومات المتوفرة. في عام 2006م تمت متابعته من طرف الموساد الإسرائيلي وسي آي آيه اللتان كانتا تخبران كل من الرباط وباريس. تعتبر قضيته رمز الحقبة المظلمة تحت حكم الملك الحسن الثاني، ولطالما جمدت العلاقات الثنائية بين فرنسا والمغرب.
يثير تمسك الأطراف المعنية بقضية المهدي بن بركة، مؤسس اليسار المغربي الحديث، بإخفاء حقيقة اختطافه واغتياله، الكثير من الاستغراب لدى المراقبين.
مراحل الاختطاف:
اختطف من أمام مطعم ليب في شارع سان جيرمان، في قلب العاصمة الفرنسية باريس، صباح 29 تشرين الأول عام 1965، حيث كان على موعد مع مخرج سينمائي فرنسي لإعداد فيلم حول حركات التحرر، وكان هذا المخرج مشاركا في سيناريو الاختطاف، تقدم رجلا شرطة فرنسيين من بن بركة وطلبا منه مرافقتهما في سيارة تابعة للشرطة.
وبعد ذلك وحتى الآن اختفى اثر بن بركة ورسمياً لم يعرف إلا ما أدلى به الشرطيان أمام المحكمة، حيث اعترفا أنهما خطفا بن بركة بالاتفاق مع المخابرات المغربية وأنهما أخذاه إلى فيلا تقع في ضواحي باريس حيث شاهدا الجنرال محمد أوفقير وزير الداخلية المغربية آنذاك ومعه أحمد الدليمي مدير المخابرات المغربية وآخرون من رجاله وأن بن بركة توفي أثناء التحقيق معه وتعذيبه.
هذه الرواية متفق عليها من الأطراف المشاركة بالجريمة أو عائلة بن بركة ورفاقه، لكن ما بعد ذلك لازالت الروايات متعددة متباينة، ولحد الآن رغم مرور كل هذه السنين الطويلة لا يعرف مصير جثمان بن بركة واين دفن. وكل الروايات المتداولة قابلة للتصديق وكلها لا تحمل ما يؤكدها.
مشاركون في الجريمة قالوا إن الجثمان دفن على نهر السيم بالقرب من الفيلا التي كان محتجزاً بها، أحمد البخاري العميل السابق للمخابرات المغربية قال سنة 2001م إن الجثمان نقل بعد الاغتيال إلى الرباط على متن طائرة عسكرية مغربية وتم إذابته في حوض من الأسيد في إحدى المقرات السرية للمخابرات المغربية، وصحف مغربية تحدثت قبل أيام أن الرأس فقط نقل للرباط وقدم على طاولة عشاء في أحد القصور الملكية. وقالت روايات أخرى إن الجثمان كله نقل للرباط ودفن بباحة معتقل سري للمخابرات المغربية يعرف ب f3.
قانونياً، عائلة بن بركة ورفاقه لا يطالبون بالكثير، يريدون فقط حقيقة مصير جثمانه ومكان دفنها والوثائق الرسمية الفرنسية التي كشفت على مراحل كان آخرها بداية العام الجاري، بعد أربعين عاماً من وضعها تحت بند أسرار الدفاع وحظر نشرها، لم تتحدث عن مصير الجثمان والسلطات المغربية لا زالت تتحفظ في الحديث عن الملف بمجمله وترفض الخوض فيه، رغم ما عرفه ملف حقوق الإنسان وما يعرف بمسلسل طي صفحة الماضي من تقدم طوال السنوات العشر الماضية.
منذ منتصف التسعينات، دشن المغرب مسلسل كشف ماضيه في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بدأ المسلسل بطيئاً لكنه مع تولي الملك محمد السادس الحكم في صيف عام 1999م تسارع وقطع خطوات مهمة، فطلب من الضحايا الحديث العلني وتم تعويضهم وعائلاتهم عن ما لحقهم من اضطهاد وفتحت السجون السرية أمام منظمات حقوق الإنسان وكشف عن مصير عشرات المخطوفين ومجهولي المصير كما كشف عن مقابر جماعية لضحايا مواجهات أو ضحايا اعتقال. لكن المسلسل سار محاذياً لملف المهدي بن بركة دون الاقتراب منه ودون معرفة الحكمة من تلك المحاذاة.
الملك الراحل الحسن الثاني بن محمد بن يوسف قال إن من اغتال بن بركة هو من تآمر عليه وحاول اغتياله في إشارة إلى الجنرال محمد أوفقير والجنرال أحمد الدليمي. وحسب مصادر رسمية مغربية فإن العاهل المغربي الملك محمد السادس أبلغ المعنيين أنه لا يعرف شيئاً عن ملف بن بركة وأن والده الراحل لم يطلعه على أي شيء وأنه يسمح بالذهاب بعيداً في البحث عن الحقيقة، ورغم ذلك لا زالت الحقيقة غائبة ومصير بن بركة مجهولاً والسلطات الرسمية المغربية لا تتعاون مع القضاء الفرنسي الذي يسعى للوصول للحقيقة.
هناك أوساط حقوقية مغربية تستبعد سوء النية لدى سلطات مغرب محمد السادس في التعاون في ملف المهدي بن بركة وتعيد عدم التعاون إلى الإرباك وعدم التجربة من جهة والى اعتماد الشفوي في تدبير المخابرات والأجهزة الأمنية خلال عقد الستينات وبالتالي عدم توفر الوثائق المطلوبة، فإن أوساطا أخرى تبتعد في مقاربتها عن النية سوئها أو حسنها، وتشير إلى أن قضايا مشابهة ظهرت في طريق مسلسل الحقيقة عن سنوات الانتهاكات الجسيمة وتم تجاوزها عبر التعاون بين الأجهزة والأشخاص المعنيين شهوداً أو مشاركين، ويشيرون إلى أن الكشف عن تفاصيل اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري لم يستغرق أربعين يوماً في حين مضى على اغتيال بن بركة أكثر من أربعين عاماً.
أدلى أحمد البخاري عميل المخابرات المغربية بما أدلى به، قبل أربع سنوات، من تفاصيل حول اختطاف واغتيال بن بركة تقدم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وهو الحزب الرئيسي بالحكومة، بشكوى أمام القضاء المغربي للتحقيق مع البخاري في ما قاله حول زعيمه خاصة وأن البخاري تطرق إلى أماكن شهدت الإعداد والتنفيذ وأسماء شاركت في كل المراحل ومنها من هو لا زال على قيد الحياة. وطلبت عائلة بن بركة في فرنسا من قاضي التحقيق بالقضية الاستماع رسمياً للبخاري، لكن السلطات المغربية قالت إن ملف شكوى الاتحاد الاشتراكي قد فقد وفي الوقت نفسه منعت البخاري من السفر وسحبت جواز سفره بعد رفع قضية ضده بتهمة شيك بدون رصيد.
الذكرى الأربعين لاختطاف بن بركة، حركت الملف من جديد، وطلب القضاء الفرنسي رسمياً من القضاء المغربي الموافقة على الإنابة القضائية، وتسهيل مهمة قاضي التحقيق الفرنسي باتريك مارييل بالاستماع إلى معنيين وردت أسماءهم في التحقيقات، ووافق المغرب على الطلب الفرنسي لكنه ولأكثر من مرة طلب تأجيل الإنابة، وصل مارييل إلى الدار البيضاء بناء على اتفاق مسبق مع القاضي المغربي جمال سرحان القاضي بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، لكنه عاد إلى باريس خالي الوفاض مفجراً أزمة بين وزارتي العدل المغربية والفرنسية.
أوساط القاضي الفرنسي مارييل قالت إن القاضي المغربي اعتذر عن تأمين اتصال مع من تقرر الاستماع إليهم لعدم الاستدلال على عناوينهم ومن بين هؤلاء الجنرال عبد الحق القادري المدير السابق للمخابرات الخارجية ومفتش القوات المسلحة المغربية الذي كان ملحقاً عسكرياً بالسفارة المغربية بباريس حين وقوع جريمة الاختطاف والاغتيال وأيضا الجنرال حسني بن سليمان قائد الدرك الملكي الذي كان مديراً لديوان مدير المخابرات المغربية في حينه.
والمصادر الرسمية المغربية قالت إن القاضي الفرنسي باتريك رامييل دخل المغرب بشكل غير رسمي وتقصد إخفاء هويته حيث سجل في بطاقة دخول مطار محمد الخامس مهنة مستثمر فلاحي بدل قاضي وسجل أيضاً عنواناً غير صحيح لإقامته في فرنسا أو في الرباط.
المهدي بن بركة .. لا زالت الحقيقة غائبة
وسوم: العدد 856