الشيخ العلامة الفقيه محمد فوزي فيض الله
( 1925-
"خير تلميذ أنجبته المدرسة الخسروية بحلب، أعظم زرع وأعطره من إنتاج أساتذتها العظام، أعرفه أفندي أنيق ذو عمامة صغيرة على الطربوش.. يكفي أن تعلم أنه تلميذ الشيخ العلامة أستاذ العلماء في مصر الشيخ محمود شلتوت رحمه الله". الشيخ حسن عبد الحميد
المولد، والنشأة:
ولد الشيخ محمد فوزي فيض الله – رحمه الله تعالى - في مدينة حلب بحي البياضة عام 1925م، وحي البياضة يعد من الأحياء العريقة في حلب القديمة، ونشأ في كنف والده الرجل الصالح عبد القادر بن محمد بن علي الذي كان يحث ولده محمد فوزي على طلب العلم. وكانت بينهما مراسلات أثناء الطلب، وذلك بين عامي ( 1945- 1950م)، وكان ينفق عليه كل شهرين (28 ) جنيهاً مصرياً، وقد أهدى الشيخ رسالته العالمية ( الدكتوراه) إلى والديه.
ونشأ الفتي محمد فوزي فيض الله في حي البياضة التي قدم من العلماء الذين تتزين بهم البلاد ومنهم: محمد بشير حداد، وعبد الوهاب سكر، وعبد الرحمن زين العابدين، والشيخ محمد أبو الخير زين العابدين، والشيخ محمد النبهان، والشيخ عبد الله حمادة، والشيخ محمد الحكيم، والشيخ فيض الله الكردي الأيوبي ( وكان الشيخ فوزي جاراً له )، والشيخ محمد الحنيفي، والشيخ حامد هلال، والشيخ عبد الله سلطان، والشيخ محمد زين العابدين جذبة.
وفي مثل هذا الجوّ المشحون بالعلم ومعارف السلف الصالح وهديهم عاش الشيخ محمد فوزي فيض الله وترعرع وتفتحت عينه وبصيرته على حب العلم واحترام العلماء.
دراسته، ومراحل تعليمه:
وتلقى تعليمه الأوَّلي في كتاب الشيخ أحمد التادفي، حيث أتقن قراءة القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة، ثمّ انتسب إلى مدرسة (الفيوضات) الابتدائية، وتخرج بها عام 1935 م .
وحفظ الشيخ القرآن الكريم منذ الصغر، وقرأ جزء عمّ وتبارك على الشيخ عمر مسعود مؤذن.
ثم تلقّى العلم الشرعي في المدرسة الخسروية، التي كان لها تاريخ حافل بالجهاد وبذل العلم، ثم صارت إصطبلاً لدواب الفرنسيين، فقام الشيخ إبراهيم السلقيني الجدّ بإحياء المدرسة والنهضة بها، وجعلها معهداً علمياً بالتعاون مع الشيخ صلاح الزعيم، ودرسا فيها تبرعاً، ثم جاء مدير الأوقاف يحيى كيالي إلى حلب، وجعلها ستة صفوف بعد الابتدائية، وجعل لكل طالب علم في الخسروية ليرة ذهبية شهرياً.
وقد درس الشيخ فيها المرحلة الثانوية ونهل العلم على أيدي الشيوخ: الشيخ مصطفى الزرقا، والشيخ محمد راغب الطباخ، والشيخ أحمد الكردي الجد، والشيخ محمد الناشد، والشيخ عبد الله حمادة، والشيخ محمد السلقيني، والشيخ عيسى البيانوني، والشيخ أحمد الشماع .
وكان يتردد بصحبة الشيخ العلامة عبد الفتاح أبو غدة على حلقات المشايخ خارج المدرسة من أمثال: الشيخ نجيب سراج الدين، والشيخ محمد سعيد إدلبي، والشيخ محمد جميل عقاد،وقرأ في الفقه الحنفي كتاب "مراقي الفلاح" على الشيخ محمد اللبابيدي - رحمه الله .
- وقرأ كتاب (اللباب في شرح الكتاب) على الشيخ أحمد الحجي الكردي الجد مفتي حلب.
-وقرأ كتاب الدرر في شرح الغرر، على الشيخ مصطفى الزرقا.
وحصل الشيخ على الشهادات التالية:
حصل على الشهادة الابتدائية ومدتها خمس سنوات، وتتبع لوزارة المعارف في حلب.
وحصل على الثانوية العامة في المدرسة الخسروية في حلب ومدتها ست سنوات.
ثم سافر الشيخ محمد فوزي فيض الله مصر حيث درس في جامعة الأزهر، وحصل على الشهادة الجامعية عام 1947، ثم إجازة العالمية في القضاء الشرعي 1949م في القاهرة، ثم حصل على إجازة تخصص التدريس (العالمية) عام 1951م، ثم نال شهادة التخصص (الماجستير في الفقه والأصول) عام 1960م، وقدم لذلك رسالة عنوانها: طلاق الثلاث بلفظ واحد، في حوالي / 50 / صفحة.
ثم حصل الشيخ محمد فوزي فيض الله على العالمية بدرجة أستاذ (دكتوراه) في الفقه والأصول من كلية الشريعة في جامعة الأزهر على رسالته (المسؤولية التقصيرية بين الفقه والقانون)، عام 1963م.
ثمّ دفعه حبه للّغة العربية إلى الانتساب إلى كلية الآداب قسم اللغة العربية بجامعة فؤاد الأول، وتخرج بها عام 1953م.
ثمّ حصل من هذه الكلية على درجة (الماجستير) في اللغة العربية ولهجاتها عام 1956م.
ثمّ سجل رسالة لنيل درجة الدكتوراه بعنوان (قراءة الكسائي وصلتها باللهجات العربية)، لكنه لم يتمها، فعاد إلى حلب.
شيوخه، وأساتذته:
يعتبر الشيخ -رحمه الله- من أبرز فقهاء المذهب الحنفي، وقد تلقى العلم الشرعي على يد عدد كبير من الشيوخ الكبار في سورية، وفي مصر حيث نهل هناك من علوم الشيخ محمود شلتوت، وأحمد فهمي أبو سنة، والشيخ محمد الخضر حسين، وطه الذنياري والشيخ محمد محمد الموني، والشيخ محمد سيمون، والشيخ عبد العزيز المراغي، والشيخ حسن مأمون، وعلي الخفيف، ومحمد علي السايس، وعبد الوهاب خلاف ..وغيرهم.
شهادته على علماء عصره:
1- الشيخ أسعد عبجي، مفتي الشافعية بحلب:
قال شيخنا الدكتور (محمد فوزي فيض الله): كان يحذرنا من الشيخ جمال الأفغاني ومحمد عبده، وكنتُ في البداية متأثراً بهما أنا والشيخ عبد الفتاح أبو غدة، ثم خفّ هذا التأثر. وانتقلت إلى الشيخ مصطفى الزرقا، حيث قرأنا عليه كتاب (درر الأحكام) من الجلد إلى الجلد.
2- الشيخ محمد زين العابدين: (والد أساتذتنا: محمد أبو الخير، وعبد الرحمن، ونجم الدين).
قال عنه: كان شيخاً أزهرياً هاجر إلى الله ورسوله من بلده أنطاكية، وأحسن استقباله الشيخ راغب الطباخ – رحمه الله، وعينه مدرساً في الخسروية للتفسير، وقرأنا عليه تفسير سورة النور وغيرها.
قال: وكان الشيخ محمد زين العابدين يدرّس في الغرفة الصغيرة التي تلي غرفة الآذن من الجهة الغربية، فسألته عن الشيخ محمد عبده..
فقال: كان يدرسنا البلاغة للشريف الجرجاني... فما أدري أكانت عبارة المصنف أبلغ أم عبارة الشيخ محمد عبده...؟!
3- الشيخ محمد راغب الطباخ :
قال عنه: إنه طيب القلب، وإن الإصلاح الذي قام به في المدرسة الخسروية وتعديل المناهج, إنما كان بتأثير من الشيخين مصطفى الزرقا ومعروف الدواليبي.
قال هذا الكلام: في معرض الاعتذار من الشيخ عبد الله سراج الدين – رحمه الله، وطلب منه حصص تدريس في المدرسة الشعبانية، ولبّى الشيخ عبدالله طلبه.
وأثنى على الشيخ راغب خيراً..
قلتُ: كان حسن الاعتقاد..؟
قال : نعم..، وذكرَ كتابه بالثناء والإعجاب.
قلتُ: إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء..؟
قال: كتاب آخر..
قلتُ: كتاب الثقافة الإسلامية...
قال: هو ذاك.. وتمنّى الشيخ لو حصل عليه أو قرأه..
قلت: الكتاب عندي، والحمد لله.
بركة النبي صلى الله عليه وسلم وشمائله الشريفة:
تتجلى هذه البركة في شفاء الأجسام من الأسقام، وشفاء الأرواح من الأدران، وشفاء النفوس من الكروب والأحزان.
كتاب الشفا وأسراره:
1- ذكر لنا فضيلة الشيخ – رحمه الله:
أن رجلاً حكم عليه بالإعدام فأتى قريبه – ابنُ أخيه الأستاذُ عبدُ الرحمن رأفت الباشا- للشيخ راغب الطباخ, يشكو له أمره. ويقول له: أنا يتيم، وهذا عمي هو كافلي ومقام أبي، وقد حكم عليه بالإعدام, وأودع في سجن خان إستانبول ريثما ينفذ فيه الحكم!..
فقال له الشيخ راغب: كيف اعتقادك..؟
قال الرجل: جيد.
قال : عليك بكتاب الشفا, كلما قرأتَ فيه فصلاً, صليتَ لله ركعتين, وتوسّلتَ, وبكيتَ، ففعل الرجل ذلك. وبعد مدة قصيرة صدر أمر بفسخ حكم الإعدام عليه وإطلاق سراحه.
2- ومن بركاته على شيخنا، قال شيخنا - رحمه الله:
أصبتُ بورم شديد في رجلي وركبتي حتى أصبحت ركبتي بحجم (البطيخة)، ولم أكن أستطيع المشي إلا بعصا..
وبعد أن سمعتُ من الشيخ راغب عجائب أثر- كتاب الشفا - وسرعة بركته, قرأت كتاب الشفا الشريف فخفّ كثير من الورم وتماثلت للشفاء.
قلتُ: الشفا بتعريف حقوق المصطفى، تأليف القاضي عياض بن موسى اليحصبي الأندلسي. قاضي سبتة، المتوفى بمرّاكش يوم الجمعة في جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة.
وإن أعظم ماخطه يراع القاضي كتاب (الشفا...) الذي تداولته أيادي العلماء من كل أمة درساً وفهماً, فلم يخل منه بيت عالم فاضل، أو زاهد كريم، أو محب على محبته مقيم.
ذكر ابن المقري اليمني الشافعي – رحمه الله: في ديوانه أن كتاب (الشفا...) مما شوهدت بركته, وكان قد ابتليَ بمرض فقرأه فعافاه الله منه, وقال في ذلك:
أرجو الشفاء تفاؤلاً باسم الشفا فحوى الشفاء وأدرك المطلوبا
وبقدر حسن الظنّ ينتفع الفتى لاسيما ظنٌ يصير مجيبا
في جامع الحموي بحلب:
ذكر لنا الشيخ- رحمه الله تعالى- أنه كان يدرس مع شيخنا العلامة عبد الله سراج الدين – رحمه الله تعالى، والعلامة عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله، كتاب: الأشباه والنظائر – لابن نجيم الحنفي, وكلٌّ منهم عنده نسخة من الكتاب, أما نسخة الشيخ عبد الفتاح فهي نسخة جيدة مصححة استعارها من مكتبة الأحمدية بحلب.
في المدرسة السباهية:
قرأ فيها مع الشيخ عبد الفتاح أبوغدة على الشيخ إبراهيم السلقيني الكبير( الجد)
شرح الأزهرية في النحو، وكان الشيخ يقرأ لهم الدرس وقد جاوز التسعين وهو صائم،
وكان الشيخ إبراهيم الحفيد وأخوه الشيخ عبد الله يجلسان معهما في الحلقة، وهما في غاية الصغر، ومع ذلك كانا في منتهى الأدب، وكان جلوسهما جلوس بركة وليس علم.
قال رحمه الله: وكان درس الشيخ نصفه في (الأزهرية)، ونصفه خشوع وبكاء وتصوف, وتعليم قيام الليل واعتراف منا بالتقصير في حقوق الله وحقوق أوليائه.
طرائف:
تذاكرنا مع الشيخ – رحمه الله - بشيء من المباسطة المحفوفة بالأدب دقَّتَهُ وشدته في الامتحانات وعدم محاباته لأحد.
وذكَّرْناه بالرحلة التي صحبناه بها إلى (بصرى الشام)، وبحيرة مزيريب عندما كنا طلابا في كلية الشريعة، وكان وكيلا للكلية في جامعة دمشق .
حيث صلينا الجمعة في جامع بصرى الكبير، وصعد شيخنا المنبر، وقبل الخطبة قام الإمام وهو من طلاب الشيخ بتعريف المصلين به، وأنه القائم على كلية الشريعة، وأثنى عليه بما هو له أهل .
وخطب – رحمه الله – الجمعة، ونوّه بهذه البلدة والبقعة المباركة التي وطأتها أقدام النبوة المباركة.
وأسجِّلُ للشيخ- رحمه الله- موقفاً.. وذلك عند ما وصلنا إلى بحيرة مزيريب عصرًا، وكانت هناك رحلات أخرى غيرنا, ليستْ على ما يرام من الأدب والانضباط, وفيها الاختلاط .
رأيت الشيخ تنحى جانباً يذكر الله تعالى، ويرتل آياته، وقد بدا عليه الامتعاض وعدم السرور.
الشهيد حسن البنا:
وكان للشيخ رحمه الله تلمذة خاصة على الإمام الشهيد حسن البنا – رحمه الله-، وكان يقول عنه: ( حسن البنا هو إمام دعوة، وقائد أمة، ومصلح جيل، متفتح ورغم أنه كان إمام جماعة عدد أفرادها ثلاثة ملايين إلا أنه كان يميل إلى السهولة، وعنده أفكار جيدة، من خواصه أنه كان إذا عرف إنساناً وعرف اسمه لا ينسى اسمه أبداً .
الشيخ محمد الغزالي:
وقال عن الشيخ محمد الغزالي بأنه داعية وأديب وكاتب لا تجد له نظيراً في دعوته مع الأدب إلا أن يكون البنا، محيط بالتفسير والحديث والفقه إلى حد ما ، الغزالي إمام .
الشيخ مصطفى السباعي:
وقال عن مصطفى السباعي: قاد الجماعة، وهو مكلام خطيب مفوه لا نظير له إلا أن يكون سوكارنو مع الفارق في الاتجاهين، لا حرص له على المال ولا على الدنيا، مهمته الدين والدعوة، وقال لي قبل وفاته بأسابيع: ورطني إخواني، واشتروا لي هذا البيت بـ / 35 / ألف ليرة سورية، وثمنه / 70 / ألف ليرة سورية، إن مت من أين يأتون بثمنه (35 ) ألفاً! ومات بعد قليل وما وجدوا عنده شيئاً وباعوا سيارته بـــــــ / 12 / ألفاً، فما وفت، فباعوا مكتبته للموسوعة الفقهية في الكويت، ما كان يقيم للدنيا وزناً، ولا يخاف أحداً وهو جريء.
أعماله، وحياته العلمية:
عمل الشيخ محمد فوزي فيض الله مدرساً للأدب العربي في ثانوية الفرات في دير الزور من 29 / 11/ 1955م إلى أن عين في الجامعة في 9 / 3 / 1956م حيث عمل الشيخ رحمه الله مدرّساً في كلية الشريعة بجامعة دمشق لمدة عشرة أعوام، وكان في هذه الفترة يدرس آخر الأسبوع في أيام الأربعاء والخميس في الخسروية في حلب مادة الأدب حينما كان مديرها الشيخ طاهر خير الله.
ثم صار موفداً إلى الجامع الأزهر للدراسات العليا بين 10 / 1/ 1958م إلى تاريخ 30/ 4 / 1963م حيث نال في هذه الفترة شهادتي الماجستير والدكتوراه .
ثم صار معيداً بعد عودته في كلية الشريعة في جامعة دمشق بين 1/5/ 1953م إلى تاريخ 2/6/ 1963م .
ثم صار مدرساً في كلية الشريعة في 3/ 6/ 1963م إلى تاريخ 10/ 2/ 1965م.
ثم أصبح مدرساً ووكيلاً لكلية الشريعة في جامعة دمشق من 11/2/ 1964م إلى تاريخ 19 / 2/ 1965م..وكان في هذه المدة مدرساً للأصول ومدرساً في كلية الحقوق في جامعة دمشق، وكان يدرس مادة الأحوال الشخصية للمسلمين.
ثم صار مدرساً في كلية الشريعة في جامعة دمشق بتاريخ 20/ 2/ 1965 إلى 19/ 8 / 1968م.
ثم ترقى ليصبح أستاذاً مساعداً في نفس الكلية بتاريخ 20/8/ 1968م إلى 19/2/ 1969م.
ثم أصبح أستاذاً مساعداً ووكيلاً للكلية في 20/2/ 1969م إلى 5/4/ 1969م.
ثم أصبح أستاذاً مساعداً في 6/4/1970 إلى 7 /10/ 1970م.
وصدر قرار رئاسي بطرد الشيخ من التعليم الجامعي بسبب أفكاره ومواقفه، وتم تحويله إلى وزارة الصحة كما تم تخفيض راتبه، وكل ذلك بهدف التضييق عليه.
ففي عام ١٩٧٩ طلب من الشيخ أن يمدح الخميني، فأبى، فتمت إقالته بقرار رئاسي من العمل بكلية الشريعة بدمشق وتحويله للعمل بوزارة الصحة براتب أقل عقوبة له، فكان الشيخ يقول: اشتد الأمر علي حتى إني قلت لو اضطررت للعمل سائق سيارة أجرة (تاكسي) لكان ذلك خيراً لي من أن أبيع ديني.
فانتقل بعدها إلى السعودية حيث درّس في جامعة الإمام بن سعود الإسلامية في الرياض بالسعودية في 8/10/ 1970م إلى 7/ 10/ 1974م، وفي هذه المدة زامل الأفاضل محمد قطب وبدر المتولي عبد الباسط، والشيخ عبد الغني عبد الخالق، وزكي عبد البرّ، ثم أصبح أستاذ كرسي في كلية الشريعة في دمشق 11/7/1974م إلى 15/9/ 1979م، ثم نقل إلى وزارة الصحة حتى 24/11/ 1979م، وكان في هذه الفترة يعطي أربع محاضرات في الأسبوع في جامعة الإمام الأوزاعي في بيروت، درسين في الفقه، ودرسين في التوحيد، وله درس في جامع جمال عبد الناصر في بيروت من حاشية قليوبي وعميرة على شرح الجلال المحلي على المنهاج في فقه الشافعية، ثم انتقل للتدريس في كلية الشرعية بجامعة الكويت، وهو عضو في هيئة الفتوى في الكويت من 13 سبتمبر 1980م إلى ديسمبر 2000م. وتتلمذ على يديه عدد كبير من العلماء وطلاب العلم في سورية وخارجها.
العضوية في اللجان الشرعية وهيئات الرقابة للمؤسسات والشركات المالية الآتية:
1- المجموعة الدولية للاستثمار : وهو فيها من عام 1993م زمن تأسيسها.
2- شركة دار الاستثمار : هو فيها من عام 1995م منذ زمن تأسيسها.
3- المستثمر الدولي : هو فيها من عام 1997م.
4- مجموعة تهامة الدولية العقارية: هو فيها من عام 1998م.
5- شركة أعيان للإجار والاستثمار : هو فيها من عام 1999م.
6- الشركة الكويتية للاستثمار : هو فيها من عام 1999م.
7- وهو عضو في هيئة الفتوى ولجنة الأمور العامة المنبثقة عنها من عام 1983م حتى آخر جلسة للهيئة في 23 / 12 / 1993م.
8- عضو في اللجنة العلمية للموسوعة الفقهية من تاريخ 24/ 10 / 1982م.
9- عضو في هيئة التحرير في مجلة كلية الشريعة والدراسات الكويتية في الكويت.
وهو محكم في البحوث العلمية سواء رسائل الماجستير أو الدكتوراه أو الترقيات من مدرس إلى أستاذ مشارك أو مساعد إلى أستاذ كرسي ..وهكذا.
وأشهر تلاميذه:
ومن أشهر تلاميذ الشيخ النجباء: د.أحمد حجي الكردي، ود.أحمد حسن فرحات، ود.عبد الستار أبو غدة، ود. عبد المجيد معاز، ود. عدنان زرزور، وفارس الملي، ود.محمد أبو الفتح البيانوني، ومحمد علي دولة، ود.محمد عوض، ود.محمد عوامة، ود. محمود الطحان، ود.محمود أحمد ميرة، ود. محمد نعيم ياسين، ود.محمد ياسين درادكه، ود. محمود عكام.
وفي يوم الجمعة كان يخصصه للمساجد في الكويت فيعطي الدروس الخاصة للطلاب، حيث أعطى مذكرات في أصول الفقه، وممن شجعه على هذه الدروس، وحضرها: زهير حموي، وموسى الأسود، ومحمد نور سويد، ..ثم تتابعوا.
فأعطى في مسجد منطقة السالمية، ثم الشويخ، ثم انتقل إلى مسجد المغيرة بن شعبة في الرقعي.
منهج الشيخ في الفتوى:
وكان الشيخ رحمه الله لا يخرج على المذاهب الأربعة إلا بشروط، منها:
1- ثبوت القول في المذهب المندثر كالأوزاعي، والليث بن سعد، والطبري، وأبي ثور بحيث لا يتشكك في ثبوته، ذلك أنه لا يقبل إلا بالرواية الصحيحة، وأما الرواية بدون سند متصل فلا يقبل بها.
2- التأكد أن إمام المذهب المندثر قد قال به ثم لم يرجع عنه .
3- ألا يكون في المذاهب الأربعة ما يغني عنه .
4- وكان الشيخ فيض الله – رحمه الله - يدعو للاجتهاد الجماعي، فهو أضمن للصواب، وأقرب إلى الحق من الاجتهاد الفردي، وأكثر تحقيقاً للعدالة.
فهو لم يجز الإمامة في الصلاة لشيخ يقرأ القرآن، وينطق حرف الجيم كما ورد باللهجة المصرية .
كما لم يجز للموظف والعامل الخروج من الدوام لقضاء أعمال خاصة به أو لغيره.
وأجاز التبرع بأعضاء الإنسان بشروط: أن يكون بإذنه، وأن يكون مكلفاً مختاراً غير مكره، وأن يكون متبرعاً به لأن الإجماع على أنه لا يجوز بيع الآدمي، ولا بيع أجزائه احتراماً له، والابتذال بالبيع يشعر بالإهانة . وألا يؤدي التبرع بشيء من الأعضاء إلى هلاك المتبرع أو تعطيله عن واجباته الحيوية والدينية، أن يكون التبرع صادر في حياة المتبرع أو عن ورثته بعد وفاته، وألا يكون هناك مثلة وتشويه للجسد.
مؤلفاته، وإنتاجه العلمي:
للشيخ عدد من الكتب والمؤلفات، معظمها في مجال الفقه الذي تخصص، وبرع فيه، ومن تلك المؤلفات:
1-الاجتهاد في الشريعة الإسلامية.
2-نظرية الضمان في الفقه الإسلامي العام.
3-الزواج وموجباته في الشريعة والقانون.
4-الإلمام بأصول الأحكام.
5- الأنباري من خلال كتاب الإنصاف.
6- التعريف بالفقه الإسلامي.
7- صلة علم الأصول باللغة العربية.
8- الطلاق ومذاهبه في الفقه الإسلامي.
9- المذاهب الفقهية.
ومن الأبحاث التي نشرها الشيخ المترجم:
1- الفقه الضائع (مجلة الحقوق).
2- وكذلك جعلناكم أمة وسطاً وهناك أبحاث كثيرة نشرها في (مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية الكويتية).
ولما غزا صدام حسين الكويت بقي الشيخ فيهاـ، وقام على خدمة مسجد السكن الجامعي بالشويخ إمامة وخطابة حتى التنظيف كان يقوم به بنفسه.
العودة إلى الوطن:
عاد الشيخ محمد فوزي فيض الله إلى سورية، واستقر بحلب منذ قرابة عشر أعوام، فلما قامت الثورة صدع الشيخ بكلمة الحق في بيانات أصدرها بعض كبار علماء حلب وقع عليها، ثم قصف بيته ومزرعته، واستشهد حفيده، فذهب إلى تركيا، وأقام بمدينة إسبارطة .
وفاته:
توفي الشيخ - رحمه الله- يوم الاثنين 5 محرم 1439 هـ / الموافق 25 أيلول 2017 في مدينة إسبارطة التركية. رحمه الله رحمة واسعة، وغفر له، وأدخله فسيح جناته، لقد كان الحبر التقي، بقية السلف، وتذكار الربانيين، وعوض الأمة خيراً، فقد ثلم في الإسلام ثلمة عظيمة.
أصداء الرحيل، وثناء العلماء عليه:
وفاة العلامة الأصولي الفقيه الدكتور الشيخ محمد فوزي فيض الله
الأربعاء 13 محرم 1439 - 4 أكتوبر 2017م
بسم الله الرحمن الرحيم
" مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ? فَمِنْهُم مَّن قَضَى? نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ? وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا " الصف/23
فقد تلقت رابطة العلماء السوريين ببالغ الصبر والاحتساب نبأ وفاة العلامة الأصولي الفقيه الدكتور الشيخ محمد فوزي فيض الله
الذي وافته المنية في مدينة إسبارطة بتركيا فجر يوم الاثنين 5/محرم/1439 الموافق 25/أيلول/2017 عن عمر قارب المائة عام أمضاها في رحاب العلم والتربية والدعوة الى الله.
وإننا إذ ننعى فضيلة الشيخ الجليل فإننا نواسي أنفسنا ونواسي عائلته وأحبابه وتلاميذه بفقد هذا العالم الكبير من علماء الأمة المخلصين، فإننا نضرع إلى الله تعالى أن يتقبله في عباده الصالحين، وأن يرزقه الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا وأن يعوض الأمة بعلماء ربانيين مخلصين صادقين.
إنا لله وإنا إليه راجعون.
06/محرم/1439هـ
26/09/2017م
الأستاذ الدكتور الشيخ محمد فوزي فيض الله كما عرفته:
وكتب الأستاذ الدكتور نور الدين عتر حفظه الله تعالى متحدثاُ عن علاقته بالشيخ وقد أثنى على أخلاقه، فقال:
(ففي ذات يوم من سنة 1960م جمعتني صدفة وأنا في الدراسات العليا في الأزهر بأخ في العلم سبقت شهرته اللقاء به، لاشتهاره بأنه رجل لا يشبع من الدراسة، وإذا رجل قسيم وسيم، أنيق الثياب، فصيح العبارة، يجذب إليه محادثه بلطف أسلوبه، وبارع بيانه، وحسن نصحه وإرشاده، إنه الأخ الأستاذ الدكتور محمد فوزي فيض الله أبقاه الله وأدام نفعه، ولم نحتج لوقت طويل للتعارف، فقد كنت أعرفه بظهر الغيب بطيب الصفات، وكان يعرفني لسبقي إلى الأولى في طلب العلم ويعرف أسرتي من طرفيها آل عتر وآل سراج الدين، وشعرت بانجذاب القلب إليه، وطلبت منه موعداً للزيارة، وذهبت في الموعد المحدد إلى بيته في أقصى ما بلغه البنيان في مصر الجديدة ووجدت على الباب بطاقة طبع عليه اسمه بحرف جميل وتحته العبارة الآتية:
((يستقبل زواره يوم الجمعة صباحاً من الساعة التاسعة إلى الحادية عشرة، ويعتذر سوى ذلك، فالواجبات أكثر من الأوقات)).
وهكذا أينما زرته تجد هذا الشعار على باب المنزل يعلن لك الاعتذار ((فالواجبات أكثر من الأوقات)).
إن هذا القانون كان نبراس حياة الزميل الكريم والأخ الحميم القديم الأستاذ الدكتور الشيخ محمد فوزي فيض الله أمتع الله به الإسلام وأهله، وسار في ضوئه في مختلف المراحل من حياته.
في أيام الطلب في المدرسة الخسروية، توثقت عرى الصداقة مع أخيه صديق العمر شيخنا الشيخ عبد الله سراج الدين رحمه الله تعالى، فانظر هذه الصداقة، واستمع للأخ الدكتور فوزي يتحدث عنها يقول: (فكنت لا ترانا إلا ذاهبين إلى المدرسة الخسروية أو عائدين منها إلى بيوتنا - إذ كانت متقاربة - أو جالسين في ركن من حديقة المدرسة نقرأ في كتاب، أو نحفظ قصيدة، أو نراجع متناً من المتون، أو نتدارس كتاب الله...).
أما الصيف فكان له برنامج عمل حافل، حفظ في إجازته كتاب الله، ودرس مع صديقه الشيخ عبد الله كتباً مهمة نافعة.
في صيف 1941 قرأ تفسير جزء عم من تفسير النيسابوري، وفي صيف 1942 قرأ تفسير جزء تبارك منه، وفي صيف 1943 قرأ كتاب (الأشباه والنظائر لابن نٌجيم الحنفي، وهو أسلوب فريد في الفقه، ولم تكن قراءة هذه الكتب قراءة اطلاع فحسب، بل كانت دراية وتعمقاً، ومقابلة نسخ وتحقيق وكشف أغلاط.
ولما ذهب إلى الأزهر في مصر - وكانت منبع العلوم والمعارف - فلم يكتف بكلية الشريعة في الأزهر، بل اشتغل بطلب العلم إلى أعلى مستوى يمكنه في كلية الآداب ثم في الدراسات العليا منها، واشتغل بالحقوق وحصل على دراسات تربوية وغير ذلك حتى صار يقال عنه: إنه لا يشبع من الدراسة.
ولما باشر عمله مدرساً في كلية الشريعة عرف الطلبة فضله، وأقبلوا عليه. بل إنهم أقبلوا عليه وفضّلوه على الأساتذة الكبار مذ كان يدّرس وهو معيد في كلية الشريعة.
فلما تسلّم عمله أستاذاً جامعياً عكف على تدوين محاضراته، وقدم تأليف تتميز بتحرير المسائل، ووضح البيان، وجمال التعابير، وكمال البحث والتوثيق بالعزو الدقيق، فكتب المؤلفات القيمة في الفقه، وأصول الفقه، وبعض الشرح اللغوي والأدبي للحديث، وكتَبَ في السيرة النبوية، إلى جانب مقالات في مجلات متعددة.
وإذا كانت مؤلفاته متألقةً في الفقه وأصول الفقه، بحكم اختصاصه فإن مؤلفاته الأخرى متألقة كذلك لاكتمال تكوينه العلمي الموسوعي، ومن ذلك على سبيل المثال كتابه في السيرة (صور وعبر عن الجهاد النبوي في المدنية).
هذا الكتاب منعطف واضح في بحوث الزميل العزيز العلمية، وإن كان في الوقت نفسه مثالاً من التألق، في إشراق البيان، وفي تجديد الدراسة، وعمق التحليل للوقائع والغزوات، وما أغزر ذلك في الكتاب، مع ما يتلوها من دروس وعبر، وخذ مثلاً لذلك غزوة بدر، وغزوة أحد، وغزوة حنين.
وتأمل تحقيقه النيّر لما كثر القول فيه، إنّ أخذ الفداء من أسرى بدر كان خلاف الكمال، وكيف أثبت أن الكمال الحق إنما هو فيما فعله النبي صلى الله عليه وسلم.
وانظر ما فيه من مناقشات المستشرقين المغرضين، مثل بحثه في عقاب الخونة؛ بني قريظة، الذين تآمروا أيام الأحزاب لإبادة النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه عن بكرة أبيهم.
ثم انظر قبل هذا وبعد هذا الجوانب الروحية، والقيم الإيمانية يبثه الكتاب في روح قارئه، كيف لا، والكاتب من خواص المحبين للنبي صلى الله عليه وسلم، الحافظين لكتاب الله، الكثيري الاطلاع على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا كله مع العرض لمسائل فقهية من اختصاص المؤلف، لكن حكمته في البحث أوردت هذه المسائل بمقدار يناسب موضوع الكتاب، ومقصد الكاتب لا يطغى عليهما.
ومن المهم جداً وقد تحدثنا عن الفقه عند الزميل الحبيب الدكتور فوزي، أن نعرض لمحة سريعة عن منهجه في الفقه: فمن ذلك:
1- لا بد من اعتماد الفقه على علم أصول الفقه، فإن أصول الفقه يُنظّم العقل الفقهي، ويصون عمل الفقيه من الشطط والزيغ، ويخطئ بعض العصريين خطأ عظيماً بالتهوين من شأن هذا العلم العظيم، الذي سبق إليه أئمة الإسلام، ويحاول أصوليو القانون الأجانب اللحاق بهم في الأعصر المتأخرة، وكأن ذلك بالنسبة لبعض هؤلاء المعارضين إنما هو بسبب وقوف هذا العلم أمام شطحاتهم وآرائهم الشاذة عن أصول العلم، بل عن مقررات الدين.
2- التوسع في الإفادة من الثروة الفقهية الضخمة التي تملكها الأمة الإسلامية، مما لا يقاربه ولا عٌشره ما عند أمم الأرض، وعدم الاقتصاد على مذهب واحد، كما كان متبعاً أيام العثمانيين، وفي هذا إفساح مجال لتحاشي مواضع قد يقع فيها عسر ومشقة.
3- التثبّت في الأخذ بما خرج على المذاهب الأربعة، لأن السير مع الجمهور أصوب وأضمن، إلا أن يتحقق في المذهب المخالف ثبوته عن الإمام المجتهد الذي ينسب إليه، ويكون متفقاً مع مقاصد الشريعة في الباب، ولا يوجد في مذهب من الأربعة بديل عنه.
ومن هنا قلت فتاوى الدكتور فوزي من هذا النوع بل ندرت.
وفي رأينا أن هذ التحفظ مهم جداً، يصون الحكم الشرعي من الخطأ والزلل، ومن نزعة المجاراة التي كثرت في عصرنا، كما أنه مهم لصيانة الوحدة الوطنية، لقيام الاحترام للمذاهب الأربعة في نفوس المسلمين.
وأما شخصية الزميل فضيلة الأستاذ الدكتور محمد فوزي فيض الله، فهو أستاذ جليل في شخصيته قبل أن يكون أستاذاً جليلاً في العلم، لما اجتمع فيه من كريم السجايا في المظهر والخلق، وهذه لمحة من سجاياه ومزاياه:
1- العناية بالمظهر والأناقة في نظام الشعر والثياب، والتفنن فيها، حتى لربما يمر عليك أسبوعان تراه كل يوم بثياب غير ما سبق، من غير تكرار، وكأنه يتمثل الهدي النبوي الشريف الصحيح ((إن الله جميل يحب الجمال)).
على أن هذا لا يؤدي للسرف، كما أنه يتفنن في ترتيب الأطقم كما حدثني هو.
2- الاهتمام بالنطق العربي الفصيح، بل الأفصح في حواره مع الناس عامة، ناهيك عن أسلوبه الجميل الآخاذ في دروسه ومحاضراته.
وهذه مهمة لكل مثقف، فضلاً عن أستاذ جامعي.
3- الاعتناء بالنظام والترتيب: فكل شيء له موضعه، وكل قطعة في البيت لها مكانها بنظام جميل وترتيب يتميز بحس الذوق الجمالي الذي تميز به شخصه.
4- المشاركة في عمل البيت، اقتداء به صلى الله عليه وسلم فقد كان يكون في مهنة أهله، فإذا نودي إلى الصلاة قام إلى الصلاة.
5- الدقة في المواعيد والحفاظ عليها: ولا سيما مواعيد بدء المحاضرات والانصراف عنها بدقة بالغة، حتى لو تعارض موعد المحاضرة مع صلاة سنة قدم المحاضرة لأنها واجب، وهكذا سائر مواعيده في زياراته أو استقباله.
6- بر الوالدين: فكان كثير الدعاء لهما، والصلاة لعما لا سيما في الليل، حتى صار قدوة في ذلك.
7- التواضع ولين الجانب: مع الجميع حتى الطلاب، وكأن الطالب أمامه زميل له، لما يرى من الكرامة، وحسن محادثته وتلطفه معه، مما يأسر القلوب إليه. وربما يمر علينا ومعنا في القاعة طلاب فيقول: هل تقبلوني طالباً عندكم؟!.
8- توقير علماء الأمة، من كان على مذهبه أو لم يكن، وهذه خليقة علمية مهمة تنم عن كمال العالم، بل كمال المسلم، كما في الحديث ((ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه)).
وقد يتساهل بعض الأساتذة لاسيما الناشئين فلا يقدروا العالم قدره من نشوتهم بما أوتوا من العلم، وهو دليل خلل في علمهم أو في تكوين شخصيتهم.
9- تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة والسلام عليه كلما ذكر، من غير ملل ولا سآمة، وهذا ما نص عليه العلماء أنه من أول ما يغتنمه ويربحه العالم وطالب العلم، وهو عنوان إخلاصه في علمه وتعلمه، ويخشى على من تعمد إغفال ذلك البعد، عياذاً بالله، كما ورد ي الحديث ((بَعُد من ذُكرت عنده فلم يصل عليك. [قل آمين. قال صلى الله عليه وسلم]: فقلت: آمين)).[1]
10- الاعتناء بنشر العلم تطوعاً في المسجد كثيراً، وفي البيت أحياناً، وقد خصص وهو في الكويت يوم الجمعة من الفجر حتى العشاء، وقال لي: هذا لله تعالى، وذاك للجامعة. قلت له: كله لله.
11- المحافظة على قيام الليل: وهو مركب الصالحين، وكان لحرصه على ذلك يسير على نظام خاص في حياته، فيقلُ من السهر كثيراً، ويقلل أيضاً الزيارات في الليل كذا استقبال الزوار ليلاً، إلا لماماً، ليحتفظ بنشاطه في قيام الليل، وأذكر ليلة من أول حزيران احتجنا أن يصحبنا بسيارته إلى مشفى الولادة لحال طلق سريع، وكان الوقت قبل الفجر فوجدناه مستيقظاً مستعداً للصلاة، فنزل معنا حالاً، وكانت صحبة مباركة تيسرت الولادة سريعاً وبسلامة تامة ولله الحمد.
12- الإكثار من الذكر، وقد قال تعالى: ((فاذكروني اذكركم))، وحسبه أنه حافظ لكتاب الله، وقد كنا نشعر بقدومه أو ذهابه من لهجة لسنه بالذكر مع كل درجة.
13- الإكرام البالغ لمشايخه ولإخوانه وأصدقائه: فيحتفي بهم، ويثني عليهم، ويتحدث بآلامهم وآمالهم، ويدعو لهم، لا سيما في قيامه بالليل، يذكرهم بدعواته واحداً واحداً، وكاتب السطور منهم، وهو إكرام عظيم، وتحملٌ فريد، ندر من يفعله، وإنا ندعو الله تعالى أن يتقبل دعاءه، ويعطيه مثل ما يدعو به، تحقيقاً لما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق في الحديث الصحيح: ((ما من مسلم يدعو لأخيه المسلم بظهر غيب إلا وكّل الله له ملكاً يقول: (ولك بمثل). اللهم وخيراً منه.
ونختم ببعض وصاياه، ومن ذلك:
- لو تآلف المسلمون لم يُغلبوا، بل لو اتفق اثنان بصدق وعزيمة في (دائرة) لانتصرا وفازا بفضل الله.
وأخيراً وليس هو آخر ما يقال في هذا العلامة العامل الهمام: فإن الأخ العلامة الجليل محمد فوزي فيض الله عَلم في علوم الإسلام والعربية، وهو مدرسة في العمل والخلق والفضائل. وإن ما ذكرته إلمامة سريعة موجزة جداً، مقصرة عن الوفاء بحق فضيلة الأستاذ والدكتور محمد فوزي بل وأضعافها قاصر
صديق معترف له بالفضل:
نور الدين عتر
الأحد 23/محرم/1428هــ
11/2/2007م
وكتب الشيخ د. ربيع حسن كوكة مقالة جيدة تحت عنوان (العلامة الحلبي الشيخ الدكتور محمد فوزي فيض الله في ذمة الله ) يقول فيها:
لعلّنا إذ نتحدّث عن هذا العلامة الجليل نُعلنُ خيريته وتقدمه في زمانه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( خيركم من طال عمره وحسن عمله )، ولقد عاش العلامة الشيخ محمد فوزي فيض الله ما بين عام (1343هـ ـ 1925م) والعام الذي نحن فيه (1439هـ ـ 2017م) فكان طيلة هذا العمر دليلاً على الخير والهداية والنور.
إنه العالم العامل الفقيه الأصولي والأديب المربي الشيخ محمد فوزي بن عبد القادر بن محمد علي فيض الله.
كان رحمه الله تعالى طالب علمٍ نهمٍ؛ يُقبلُ بكُلِّيته على العلم وليس لديه وقتٌ لغيره، اتخذ شعاراً يكتبه على باب بيته أينما سكن مُعتذراً لزائريه في غير الموعد المحدد "الواجبات أكثر من الأوقات" حتى قال عنه من عرفه من معاصريه أنه لا يشبعُ من العلم
لقد كانت شخصية الشيخ فوزي فيض الله العلمية شخصيةً جليلةً رصينةً متّزنةً تنبثق عن ثوابت راسخة من ذلك أنه يرشدُ في دروسه ومحاضراته إلى ضرورة اعتماد الفقه على أصوله، وعدم إهمال الثروة الفقهية التي تركها السابقين بل الاستفادة منها؛ لاسيما ما كان من آراء جمهور الفقهاء من أصحاب المذاهب الأربعة، ولذلك فقد كان يتورّع عن الفتوى ولا يفتي إلا في نطاقٍ محدودٍ إن اقتضت الضرورة.
وأما جوانب شخصيته الأخرى فقد كان رحمه الله تعالى أنيقاً نظيفاً مُرتباً، دقيقاً في مواعيده، متواضعاً خافض الجناح، براً بوالديه، موقراً للعلماء محباً لطلبة العلم مُجلاً للسلف الصالح ومعظّماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، محافظاً على قيام الليل مُكثراً من الذكر.
عرفته في حلب نبراس علمٍ وهدى تتلمذ على يديه الكبار وساعفنا الزمان لننهل من معينه رشفاتٍ عبر بعض اللقاءات والمحاضرات التي كان آخرها لقاء المكتبة الوقفية في ندوة الشيخ راغب الطباخ سنة (2010م).
وتحدث الشيخ خلدون مخلوطة عن أخلاقه وصفاته، فقال:
خلقه وأدبه:
أما خلقه وأدبه فحدث ولا حرج، بشاشةٌ وحسن ضيافة لزائريه، وهدوء ووقار مع مناقشيه، كثير الذكر، طويل الفكر، لا يتكلم إلا بخير، حتى في أيامه الأخيرة ـ و قد اشتد عليه المرض، والأجهزة الطبية تكتنفه من كل صوب ـ كان يصلي ويذكر الله دونما فتور، ديدنه ختم القرآن مرتين كل شهر: مرة في الصلاة، ومرة خارجها، يعظم القرآن وأهله، ما ذُكر التواضع إلا ضُرب الشيخ مثلًا، لا يبغي عن الحياء حِوَلًا، ولا عن رفيع الأخلاق بدلًا.
وأما الوفاء فأمره فيه عجب عجاب، لا يَنسى من الذكر الحسن ولا من الدعاء في تهجده مشايخَه وزملاءه والأصحاب، بل ولا ينسى طلابه الأدنين، قد ألحق الأحفاد بالأجداد، وربى ثلاثة أجيال متتابعة، يشجع طلابه على العلم والجد والمثابرة.
ومما يذكر في مناقب الشيخ تواضعه وإكرامه ضيفانه أنه كان ينسل من بينهم فيرتب لهم أحذيتهم ونعالهم، فيفاجؤون بذلك إذا انصرفوا.
ورعه، وعبادته:
ومما يذكر في ورعه ما قاله تلميذه الشيخ د. محمود الطحان: دخلت مرة على الدكتور محمد فوزي فيض الله في مكتبه بكلية الشريعة في جامعة دمشق، وأنا طالب في الكلية آنذاك، فسألني السؤال التالي: أضطر أحيانًا إلى كتابة رسالة وأنا في مكتبي، فأتناول ورقة أكتب عليها تلك الرسالة، وهي من أوراق الكلية، وربما فعلت ذلك مرارًا، وكنت كل فترة أتصدق بعشر ليرات سورية للفقراء بدلاً عن ثمن الاوراق التي كنت أكتب عليها، فهل يجوز ذلك؟ أم ماذا أفعل؟ فتبسمت متعجبًا من ورعه في ذلك الوقت الذي استحل فيه كثير من الموظفين أموال الدولة التي تحت يده. انتهى.
وكان الشيخ تقيًّا نقيًّا ورعًا زكيًّا قوامًا لليل لا يدعه صيفًا ولا شتاءً، يحفظ كتاب الله حفظًا متقنًا، وكان يدعو في قيامه لأكثر من أربعين شخصًا من أهله وأشياخه وأحبابه وطلابه بأسمائهم اسمًا اسمًا، فلله دره ما أزكى نفسه وما أعلى قدره.
بعض كشوفاته:
شكا له أحد طلابه تأخر الذرية بعد زواج دام أربعة أعوام، فقال له: لن يولد لك حتى تنهي الماجستير، وهكذا كان.
بره الكبير بأبويه:
ومما يذكر في ذلك أن العادة جرت في علماء حلب أن يعتموا بعمائم بيضاء ولكن الشيخ فوزي خالفهم في ذلك، فلم يعتم إلا إذا نزل حلب إرضاء لوالده الذي كان يتمنى أن يرى ابنه يلبس لباس العلماء وإدخالًا للسرور على قلبه فلما توفي والده ترك لبسها.
بقي الشيخ محمد فوزي فيض الله على هذه الصفات إلى أن لبى نداء ربه بعد مرضٍ حيث فاضت روحه الطاهرة في فجر يوم الإثنين الخامس من شهر محرّم سنة (1439هـ) الموافق للخامس والعشرين من شهر أيلول لعام (2017م).
وصايا الشيخ وهباته:
ومن وصايا الشيخ لطلابة وزائريه، حيث كان يوصي:
1- بحفظ القرآن الكريم، ومدارسته، وما تيسر من الأحاديث الشريفة.
2- والالتزام بالمذاهب الفقهية – أيّ مذهبٍ – من مذاهب أهل السنة والجماعة، والتبحر من خلاله.
3- وأن نحبّ بعضنا بعضاً، وأن نحبّ الخير للمسلمين.
ويعيننا على ذلك أمران:
أ – طهارة القلب وسلامته.
ب –ونظافة اللسان ونزاهته.
وكتب الشيخ محمد ياسر القضماني كتابًا ماتعًا في ترجمة الشيخ، طبع بدار القلم بدمشق، سنة 2002، في 174 صفحة.
رحمه الله تعالى، وأسكنه فسيح جناته، مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
___________________
المصادر:
1-رابطة أدباء الشام – يشرف عليه الأديب الناقد عبد الله الطنطاوي .
2-موقع إدارة الإفتاء في الكويت.
3-الموسوعة التاريخية لأعلام حلب.
5- مقالة الشيخ حسن عبد الحميد .
5-د. محمد فوزي فيض الله – عدنان كاتبي .
6- بعض كتب الشيح ومؤلفاته.
7- كلمة الشيخ محمد فوزي فيض الله في حفل التكريم الذي أقيم له في الندوة العلمية (جهود علماء حلب في العلوم الإسلامية) التي أقامتها كلية الشريعة في جامعة حلب في 11/2/2007م، ضمن احتفالية حلب عاصمة الثقافة الإسلامية.
8- كلمة الدكتور نور الدين عتر في ندوة جهود علماء حلب في العلوم الإسلامية.
9-العلامة الحلبي الشيخ الدكتور محمد فوزي فيض الله في ذمة الله - الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة .
10-الإمام الرباني الشيخ الدكتور محمد فوزي فيض الله- الأستاذ أحمد زاهر سالم.
11-الدكتور الأصولي الفقيه الشيخ محمد فوزي فيض الله- د. خلدون مخلوطة
12-زيارة مباركة لفضيلة الأستاذ العلامة الشيخ الدكتور- محمـــــد فوزي فيض الله – رحمه الله - الشيخ عبد الله مسعود.
13-رابطة العلماء السوريين: وقد نشرنا عددا من الكلمات في ترجمته وهذه روابط بعضها:
http://islamsyria.com/site/show_cvs/913
http://islamsyria.com/site/show_cvs/914
http://islamsyria.com/site/show_cvs/915
http://islamsyria.com/site/show_cvs/916
http://islamsyria.com/site/show_cvs/917
http://islamsyria.com/site/show_cvs/918
وسوم: العدد 860