الشيخ خزعل خان أمير المحمرة (عربستان)
أمير عربستان الشيخ خزعل بن جابر بن جاسب الكعبي العامري، عرّفه الريحاني بفيلسوف الأمراء، ولد في (المحمرة) عام 1861م، وحاول إنشاء دولة عربية مستقلة في إقليم عربستان الغني بحقول النفط، ولعب دوراً رئيسياً في أحداث الخليج العربي في الربع الأول من القرن العشرين، وفي نضال شعب (عربستان) ضد الحكم الفارسي. وكانت إمارتها قد توطدت لأبيه من سنة 1856م إلى وفاته سنة 1882م، وخلفه عليها أخوه الأكبر (مزعل) ابن جابر، فتولاها من سنة 1882م إلى أن قتل أمام باب قصره سنة 1897م.
فآل الأمر إلى الشيخ خزعل في حكم (المحمرة) و(عربستان) في العام 1898م، ودانت له جميع القبائل العربية في الإقليم المذكور الذي كانت معاهدة أرضروم الأولى لعام (1821م) قد قسمته إلى منطقتي نفوذ (عثمانية وإيرانية)، ثم قامت الدولة العثمانية بالتخلي عن منطقتها لإيران بموجب معاهدة أرضروم الثانية عام (1847م). وجاءته حلية الألقاب من دولة إيران، فدعي (معز السلطنة سردار أرفع)، وكان ولاء مشيخة (عربستان) في عهد خزعل خان، ولاءً اسمياً للحكومة المركزية في طهران.
وكانت تتمتع بالاستقلال في شؤونها الداخلية، ولم يكن يربطها بالحكومة المركزية سوى رابط أساسي واحد يتلخص في القيام بدفع ضرائب سنوية معينة لتلك الحكومة. ولقد أقام خزعل خان، منذ توليه الحكم في عام 1898م، صلات طيبة مع العثمانيين، وساعدهم على حفظ الأمن في البصرة، واستخدم أمواله في كسب نفوذ كبير داخل إيران إلى درجة التأثير في السياسة الإيرانية نفسها. وكان يعتقد أن الدولة الإيرانية سوف تتفسخ، في آخر الأمر، ويتم تقسيم الأراضي الخاضعة لسيطرتها.
كان خزعل كريم اليد، على شيء من الميل إلى الأدب وفقه الإمامية، محباً للعمران، جدد بناء المحمرة، وضم إليها جميع بلاد الأهواز، واستولى على (الفلاحية) وبنى (القصر الخزعلي) على مقربة من المحمرة، ومدحه كثير من الشعراء.
بالإضافة إلى ما سبق، فقد كان خزعل خان يرمي إلى تأسيس دولة عربية مستقلة. ولتحقيق طموحاته، بدأ منذ العام 1898م تقديم عروض سياسية إلى الحكومة البريطانية – التي كانت لها مصالح ومآرب استراتيجية واقتصادية في إيران في تلك الفترة – مضمناً تلك العروض وعداً بالقيام بحفظ الأمن في (عربستان)، مقابل الحصول على دعم الحكومة البريطانية لاستقلاله، وموافقتها التامة على قيامه بتأسيس دولته في حال تفسخ الحكومة المركزية الإيرانية وانهيارها.
وفي العام 1908م، اكتشفت شركة تنقيب بريطانية وجود البترول في عربستان. وفي العام 1914م. أصبحت الحكومة البريطانية شريكاً يملك (51%) من أسهم البترول في الإقليم المذكور وقامت بإنشاء مصفاة (عبدان). مما زاد متانة الروابط بين خزعل والبريطانيين.
ولما وقعت الفتنة في إيران بين أنصار الدستور وخصومهم، في عهد الشاه محمد علي بن مظفر الدين، امتنع خزعل عن دفع المال المرتب عليه لحكومة إيران وعصاها.
وعندما نشبت الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918م)، وجه خزعل جهوده لدعم الحكومة البريطانية وخدمة مصالحها ضد تركيا، وأقام علاقات طيبة مع أمراء الخليج العربي، وتاقت نفسه بعد الحرب إلى ملك العراق فبذل أموالاً طائلة ولم يفلح، وانتظم له الأمر في بلاده، وفيها من عشائر اللورين والبختياريين نحو مئة ألف مسلح.. إلا أن موقفه بدأ يضعف على أثر الانقلاب الإيراني الذي حدث في العام 1921م وأدى إلى وصول رضا خان إلى السلطة، وعلى أثر فشل بريطانيا في فرض وصايتها على إيران وجعلها محمية لها.
وبرزت أطماع (رضا خان) في (عربستان) منذ وصوله إلى السلطة، فسعى إلى إثارة الشغب في هذا الإقليم، وتحريض بعض القبائل على الثورة. وقد استجابت قبيلة (بنو طرف) العربية له، فتمردت على خزعل، وقامت بمهاجمة قصره في المحمرة وإحراقه. واستمرت مضايقات رضا خان لخزعل مدة ثلاث سنوات، وعندما طفح الكيل أعلن خزعل ثورته على النظام البهلوي في الربع الأخير من العام 1924م، وقام بعرض قضيته على عصبة الأمم كما أرسل ممثلاً له إلى علماء الدين في النجف طالباً مؤازرتهم وإصدار فتوى بتكفير (رضا خان)، ولكن جهوده فشلت.
ولم يستطع رضا خان تحقيق انتصار عسكري في الصدامات المسلحة التي وقعت بينه وبين خزعل في 17 تشرين الثاني من عام 1924م ودامت أكثر من شهر، فاتجه إلى المناورة. فأعلن أسفه لخزعل لما حصل، وقام في 26 تشرين الثاني من العام نفسه بزيارة إلى عربستان استمرت ستة أيام، استهدفت إزالة شكوك خزعل في دواعي التحرك الإيراني الجديد. وتمكن رضا خان، خلال تلك الزيارة من تسوية الخلاف مقابل تعهد خزعل بتقديم مساعدة مالية إلى إيران.
وقام خزعل خان على أثر ذلك، بالسماح للاتحاد السوفييتي بإقامة قنصلية في مدينة (الأحواز)، الأمر الذي زاد حقد (رضا بهلوي) عليه، ودفع الحكومة البريطانية – التي كانت ترى في ازدياد النفوذ السوفييتي خطراً على مصالحها – إلى تغيير موقفها من خزعل والاتجاه إلى رضا بهلوي الذي وجدت فيه ضماناً لمصالحها وعهدت إليه مهمة إنهاء الحكم العربي في عربستان.
أرسل رضا بهلوي سنة 1925م مركباً حربياً صغيراً أرسى في ميناء المحمرة، وخرج قائده إلى البر فاجتمع بخزعل وأظهر أنه جاء زائراً في رحلة للتمرن، ثم عاد إلى المركب، وخرج إلى البر في اليوم الثاني ودعا خزعلاً إلى العشاء وإحياء (ليلة ساهرة) على ظهر المركب، بعدما أناره بالكهرباء وزينه بأنواع الزينة، وذهب خزعل محتاطاً، وانقضت تلك الليلة في لهو وطرب، وعاد إلى قصره. وبعد أيام دعاه القائد ثانية فأجاب وهو مطمئن، فلما بلغ ظهر المركب أقلع به إلى ميناء (شوشتر) وحُمل منها إلى طهران، فأمرته حكومتها بالإقامة الجبرية فيها، واستولت على المحمرة وسائر بلاد الأهواز، وسمتها (خوزستان) وعينته (نائباً) عن خوزستان في مجلس إيران النيابي. فأقام إلى أن مات بطهران في 25 أيار عام 1936م، ونقل جثمانه بعد مدة إلى وادي السلام في النجف. وعلى يده ضاعت إمارة (بني كعب) في الأهواز.
وسوم: العدد 870