عبد الله علي المطوع، رجل المواقف وداعية الإصلاح ورائد الخير
(1345 - 1427ه / 1926 - 2006م)
مولده ونشأته
ولد الأخ الحبيب والخل الوفي، رفيق الدرب في طريق الدعوة إلى الله الشيخ عبد الله ابن علي بن عبدالوهاب المطوع القناعي في مدينة الكويت 1345ه/ 1926م، ونشأ في أسرة متدينة محافظة تُعنى بتربية الأولاد على منهج الإسلام، فنشأ شابًا صالحًا ومسلمًا عاملًا بتعاليم الإسلام، ملتزمًا بسلوكه وآدابه، وكان هذا سمته طيلة عمره.
ولقد أكرمه الله في وقت مبكر من شبابه أن يلتقي بإمام الدعوة ومجدد القرن الإمام الشهيد حسن البنا في الحرمين الشريفين بدلالة أخيه الأكبر عبد العزيز الذي سبقه إلى التعرف على دعوة الإخوان المسلمين ومؤسسها وقادتها، ومنذ ذلك الوقت والأخ أبو بدر يسير في خط الجماعة ويلتزم منهجها ويطبق برامجها ويبذل الغالي والنفيس في دعمها، باعتبارها حركة الإصلاح والتجديد في هذا العصر، والأمل الذي تتطلع إليه القلوب لجمع شمل المسلمين وتبصيرهم بحقيقة الإسلام المستقى من الكتاب والسنة والعمل الجماعي المنظم ذي الطابع العالمي الذي ينتظم المسلمين في جميع أنحاء العالم للانضواء تحت رايته وتحقيق أهدافه.
وهكذا كانت سيرة الحبيب أبي بدر، وكان توفيق الله له في العمل التجاري سببًا في زيادة السخاء والدعم لكل عمل يرضي الله (عز وجل) ويحقق الخير للمسلمين ويرفد الدعاة إلى الله في هذا العصر في كل مكان.
ولست بحاجة لذكر تفاصيل ما كان يقوم به أو المناطق التي وصلها خيره وبره، فهذا أمر معروف ومشاهد لدى المسلمين في أنحاء العالم الإسلامي وبخاصة رجال الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة، فهم يشهدون له بالقدم الراسخة في هذا الميدان واليد الطولى في تعزيز مسيرة العمل الإسلامي.
ولقد وقفت على الكثير من ذلك بحكم قربي منه ومعايشتي له أكثر من نصف قرن في إطار العمل الدعوي على المستويين المحلي والعالمي، ويشهد الله أنه كان سبّاقًا في كل ميدان من ميادين الخير لا يجاريه أحد من أقرانه وإخوانه، وكان صاحب دعوة ومربيًا من الطراز الفريد المتميز الذي يسع الصغير والكبير، والأمير والفقير، بحيث يترك أطيب الأثر في النفوس لصدق نيته ونبل غايته، وحسن أسلوبه، وسعة صدره في استيعاب المخالفين من إخوانه أو خصومه على حد سواء، وكان يتميز بالصبر والمصابرة والعمل الدؤوب لتحقيق ما يؤمن به من أهداف الإسلام، فلا يكلّ ولا يملّ، وهذا شأنه في السفر والحضر ومع مختلف الأشخاص، فلا يملك الآخرون إلا التسليم بوجهة نظره والاقتناع برأيه، والسير معه في طريق الحق والخير الذي فيه النجاة في الدنيا والآخرة.
مسيرته
إن المتأمل في سيرة الأخ أبي بدر يدرك عمق الإيمان وحسن التوكل والثقة بما عند الله، فلا يخاف من مغريات الدنيا، ولا يضعف أمام تهديد الطغاة ولا يتهالك على جمع المال للتبذير والإسراف أو الملاهي والملذات أو البذخ أو الترف، بل يكدح الليل والنهار لجمع المال وتثميره وتنميته ليزداد الريع فيما ينفق من أبواب الخير في أصقاع الدنيا، وها هو ذا يضرب لنا المثل الحي في تنمية ثلث والده (رحمه الله) علي عبد الوهاب حتى صار أضعافًا كثيرة، ومن ألوف الروبيات إلى ملايين الدنانير، فعمَّ نفع المسلمين منه بكل مكان، وعهد للأوقاف بتوليه وإدارته قبيل وفاته.
وكذا شأنه في تجارته حيث هو من الدقة في الحساب والتوفير وعدم الإسراف على الكماليات والالتزام الصارم بالمعاملات الإسلامية في البيع والشراء والأخذ والعطاء، فلا يعرف الرشوة ولا الربا ولا أي لون من ألوان الغش أو التدليس أو الغرر، ويحاسب نفسه وإخوانه وأولاده والعاملين معه محاسبة صارمة جدًا دون هوادة أو لين.
ومن لا يدرك بواطن الأمور يظن لأول وهلة أن الأخ أبا بدر حريص على جمع المال وتكديسه، ولكن الصحيح أنه يؤمن بأن المال هو مال الله، فهو حريص على صيانته وتنميته لينفق في سبيل الله، وأنه مؤتمن على هذا المال فلا يضعه إلا في أيدي مستحقيه في أي مكان من العالم.
ولن أنسى له المواقف الكثيرة على مدى سنين حين يسألني عن الجهات المستحقة في أصقاع الدنيا لإيصال العون إليها، بل كثيرًا ما يطلب مني أن أقترح الجهة والمبلغ اللازم لها على ضوء معرفتي واطلاعي أثناء زياراتي الدعوية للأقطار.
بل أحيانًا كثيرة يسألني أنه قرر صرف المبلغ كذا لجهة كذا فهل يكفي أم يزيده؟ هكذا شأنه دائمًا، ولقد كنت أسأله بعض الأحيان: هل يرسل إلى الجهة الفلانية؟ فيكون الجواب بأنه قد أرسل إليها بالفعل.
ولا أعرف طوال هذه السنين أن جهة مستحقة سألته شيئًا من مال الله وكانت موضع الثقة إلا وكان مسارعًا لمساعدتها ما دامت تدخل في المصارف الثمانية من مصارف الزكاة، بل إن له نفقات غير الزكاة، وريع الثلث وهي صدقات وتبرعات يدفعها على مدار العام للأشخاص والأسر والجهات وتفريج كروب المكروبين وإغاثة المنكوبين.
وكثيرًا ما كان يكلفني بالاتصال ببعض الجهات والاطلاع على أوضاعها وتقدير احتياجاتها على ضوء الزيارة الميدانية والاتصال المباشر.
أما المساعدات للأسر والأفراد داخل الكويت وخارجها فحدث ولا حرج حيث لا يحصيها إلا الله (عز وجل).
وليس هذا الموقف معي وحدي بل هو مع الكثير من إخوانه وتلامذته الذين يثق بهم ويطمئن إلى حسن تقديرهم.
وعن المبادرات السخية في النكبات فهذا شيء يشهد به العالم العربي والإسلامي كله، فهو الرائد فيه والقدوة التي يسير خلفها الآخرون لإيمانهم بصدقه وحسن تقديره للوقائع والأحداث والأشخاص والجماعات والهيئات.
إن هذه صورة مشرقة مضيئة لهذا الأخ المسلم الذي تربى في رحاب الإسلام، وفقه الدين من الكتاب والسنة على أنه نيّة خالصة وقول صادق وعمل مخلص وبذل وعطاء في سبيل الله والمستضعفين في الأرض، فالمال مال الله والخلق عباد الله وهم مستخلفون على هذا المال لينفقوه في الوجوه التي أمر الله أن ينفق فيها دون تأخير أو تعطيل.
وأحسب والله حسيبه أن الأخ أبا بدر كان من القلائل الذين عرفوا مهمتهم من جمع المال بالطريق الحلال وإنفاقه على المحتاجين من عباد الله حيثما كانوا وأينما وجدوا، وقد بارك الله في ماله وعمره وعمَّ الخير أنحاء الدنيا بفضل توفيق الله له. وهذا هو الأثر الباقي الذي سيلحقه أجره بإذن الله تعالى بعد وفاته.
معرفتي به
عرفته منذ أكثر من نصف قرن، حيث كانت أولى زياراتي للكويت 1955م، في طريقنا للحج مع بعثة مدرسي مدرسة النجاة الأهلية في الزبير، وكنت قبلًا أسمع عنه من خلال إخواننا في جمعية الإرشاد الذين زارونا في الزبير وعن طريق أخيه عبد العزيز الذي كان يتردد على العراق وعلى مصر أثناء دراستي الجامعية فيها (1949م - 1954م).
وحين التقيت الأخ أبا بدر وجدتُ فيه الصورة الصادقة للمسلم الملتزم بدينه العامل في سبيل نشر دعوة الإسلام، الباذل قصارى الجهد والمال والوقت لإعلاء كلمة الله ونصرة المستضعفين من المسلمين في كل مكان ثم تكررت زياراتي (سنة 1958م) للكويت حتى استقر بي المقام فيها في فبراير 1959م، حيث عملت في رئاسة المحاكم رئيسًا لقسم التنفيذ، ثم مديرًا للشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف، ثم مستشارًا للوزارة، وظلت الصلة واللقاءات مستمرة إلى ما قبل شهر من وفاته، حيث كان عندنا في الأردن قبل توجهه مع أسرته إلى «أبها» ومنها إلى الكويت.
لقد كان الأخ عبد الله المطوع شعلة من النشاط والحيوية في كل مجال من مجالات الخير لا يجاريه في هذا المجال حتى الشباب الأشداء من رجال الدعوة، فلا يعرف الدعة والهدوء، بل ينطلق في عمله في الليل والنهار والسفر والحضر ولا يؤخر عمل اليوم إلى الغد، ويأخذ بالعزائم في كل أموره حتى أثناء مرضه وكبر سنه.
ولقد سعدنا بزيارة إخواننا من شباب جمعية الإرشاد بالكويت الذين زارونا في الزبير بجمعية الأخوة الإسلامية وفي مدرسة النجاة الأهلية، كما قمنا بزيارة إخواننا في الكويت مرات عدة بجمعية الإرشاد في العام 1955م، وما بعده.
وكنت في مصر قبل تخرجي عام 1954م قد التقيت الطلبة الكويتيين الدارسين بمصر مثل: الأخ عبد الرحمن المجحم وعبد الله علي العيسى، وعبد العزيز عبد القادر، وغيرهم الذين أثنوا الثناء الحسن على جمعية الإرشاد الإسلامي وشبابها ونشاطها، وخصّوا بالذكر الإخوة: عبد العزيز المطوع وعبد الله المطوع ومحمد العدساني وعبد الله سلطان الكليب وغيرهم، وبعد إقامتي الدائمة في الكويت من سنة 1959م إلى سنة 1987م كان التعاون مع الإخوان في الإرشاد من خلال المدرسة التي بقيت بعد أن حُلت الجمعية والأندية سنة 1958م، وكان نشاطنا في المحاضرات والدروس والرحلات والندوات، ولقد كان للعم الحاج عبد الرزاق الصالح المطوع والأخ عبد الله علي المطوع، والشيخ عبد الرحمن الدوسري، والأخ محمد عبد الله بودي، والأخ خالد الرويشد، والأخ سالم تركي الفرج، والأخ غانم الشاهين، وغيرهم، دورهم البارز في النشاط الإسلامي بالكويت.
وقد تمَّ في تلك الفترة استضافة العلامة الشيخ أبي الأعلى المودودي من باكستان، والأستاذ غلام محمد - رئيس المؤسسة الإسلامية في كينيا - وكان الأخ عبد الله المطوع هو محور النشاط للعاملين في الحقل الإسلامي بالكويت من الكويتيين والمقيمين على حد سواء. فهو القاسم المشترك بين الجميع والذي تجتمع عليه القلوب وينهض بتبعة رص الصفوف وتوحيد مسار العمل الإسلامي ليؤتي أطيب الثمار، وأحسن الآثار، كما كان همزة الوصل مع العاملين في الدعوة إلى الله في كل مكان، حيث يزورهم في بلدانهم ويزورونه بالكويت، ويضطلع بدور المنسق للنشاط الإسلامي وتسديده وترشيده ودعمه وتعضيده واحتضان العاملين في الميدان الدعوي وتسهيل مهمتهم لأداء رسالة الإسلام في الدعوة إلى الله ونشر الخير بين الناس.
وقد وفقنا الله وإياه والإخوة العاملين معنا في ركب الدعوة الإسلامية المباركة، إلى أن نسهم في كثير من المشاريع كمكتبة المنار الإسلامية 1960م، وجمعية الإصلاح الاجتماعي 1963م، ومجلة المجتمع 1970م، ومدرسة النجاة الخاصة 1970م، ودورات تحفيظ القرآن الكريم، ومعارض الكتاب الإسلامي والمواسم الثقافية واستضافة الوفود والمحاضرين وإقامة المشاريع الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية والصحية والرياضية.
كما وفقنا الله لاستقدام أعداد كبيرة من كبار العلماء والدعاة في العالم العربي والإسلامي بالتنسيق مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، حيث سعدت الكويت بثلة من هؤلاء العلماء الأجلاء في مختلف جوانب المعرفة، فكان الشيخ محمد أبو زهرة والدكتور عيسى عبده إبراهيم، والشيخ محمد متولي الشعراوي، والشيخ صلاح أبو إسماعيل، والشيخ حسن أيوب، والشيخ حسن طنون، والأستاذ البهي الخولي، والشيخ الفاضل بن عاشور، والشيخ محمد محمود الصواف، والدكتور المهدي بن عبود، والشيخ عبد المنعم تعيلب، والشيخ حسن مراد مناع، والشيخ محمد الغزالي، والأستاذ يوسف العظم، والدكتور يوسف القرضاوي، والشيخ عبد رب الرسول سياف، والشيخ برهان الدين رباني، والدكتور زغلول النجار، والدكتور أحمد العسال، والدكتور عبدالله عزام، والدكتور محمد محمد حسين، والشيخ فتح الله بدران، والشيخ عبدالمنعم النمر، والشيخ أحمد جلباية، والدكتور سعد المرصفي، والدكتور توفيق الواعي، واللواء محمود شيت خطاب، والشيخ مصطفى الزرقاء، والدكتور حسن هويدي، والشيخ مناع القطان، وغيرهم كثيرون لا تحيط بهم الذاكرة.
كما كانت زياراتنا الدعوية برفقته إلى كل من مصر والأردن والبحرين والسودان ذات مردود طيّب في تعضيد العمل الإسلامي ورفده ودفعه خطوات لمزاحمة الأفكار الوافدة من الشرق والغرب التي تريد صرف المسلمين عن دينهم بالدعوات العلمانية والثقافة التغريبية والمناهج الوضعية.
ومن المواقف الرجولية للأخ المطوع استضافته الفريق الركن الطيار عبد المنعم عبدالرؤوف وحمايته، بعد أن حكم عليه الطاغية عبد الناصر بالإعدام غيابيًا بعد فراره من مصر فكان في مأمن ولا يعرف عنه أحد شيئًا بعد الله سوى الأخوين كمال القزاز وسيد محمد صالح، وكانت لقاءات العمل الدعوي تتكرر كل عام تقريبًا من خلال مجلس الشورى العام الذي كان أبو بدر من الأعضاء العاملين فيه والذي يعقد معظم اجتماعاته في البلاد الإسلامية والأوروبية كتركيا وباكستان وألمانيا وسويسرا وبريطانيا وفرنسا وغيرها حيث يحضر ممثلو الإخوان من الأقطار كافة لدراسة واقع العمل الإسلامي والأوضاع في البلاد العربية والإسلامية وأحوال المسلمين ومشكلاتهم وسبل علاجها.
وكان الأخ أبو بدر يحرص على اللقاء بإخوانه مهما كانت الظروف ويشارك مشاركة فعالة في الرأي والمشورة واتخاذ القرارات.
كما كان للأخ المطوع الدور الكبير في إقامة معسكر الشيوخ بمنطقة الأغوار في الأردن لمناجزة اليهود، ذلك المعسكر الذي قدم الكثير من الشهداء من شباب الحركة الإسلامية الذين سطروا ببطولاتهم أروع الملاحم وأعادوا الكرامة إلى الأمة التي فجعت بهزيمة 1967م.
من أقواله
«لقد نشأت في أحضان أسرة ملتزمة تخشى الله وتتبع سنة رسوله، وكان أخي الأكبر عبد العزيز المطوع له صلة بالحركات الإسلامية والعمل الإسلامي، حيث كانت صلته بالإخوان المسلمين تحديدًا ومكتب الإرشاد في مصر آنذاك قوية ووطيدة، وكانت مطبوعات الإخوان المسلمين تصل إلى الكويت، كما انتشر مدرسو الإخوان المسلمين في معظم البلدان العربية ومنها الكويت والسعودية والعراق، وغيرها، ولهؤلاء فضل كبير على هذه البلدان، لما أشاعوه بها من قيم إسلامية نبيلة لا تعرف التطرف أو الغلو، وإنما تعرف الوسطية والاعتدال.
ولما كان أخي عبد العزيز له صلة بهذا العمل الإسلامي المنظم وهو عمل جماعة الإخوان المسلمين، فقد تأثرت بهذا التوجه وتشكلت لدي الخلفية الإسلامية من خلال هذا الفكر الإسلامي الصحيح، وقد كان لهذا الفكر الحي النابض دور كبير في نشر قيم الخير والدعوة والانتماء إلى الأمة، حيث كنا نعيش في عهود الذل والاحتلال الغربي الجاثم على نفوسنا.
لقد تمكن الإنجليز من فرض هيمنتهم على معظم العالم الإسلامي والأقطار العربية بعد إسقاط الخلافة الإسلامية عام 1924م.
وجاؤوا بمصطفى كمال أتاتورك ورفاقه من يهود الدونمة ليقودوا هذه الأمة إلى الهاوية، لكن الله (عز وجل) سخر لهذه الأمة حركة الإخوان المسلمين التي قامت من أجل تحريرها وإعادتها إلى هويتها، واستطاعت هذه الحركة المباركة أن تؤسس عملًا إسلاميًا منظمًا يدفع في الاتجاه الصحيح وحمل لواء تحرير المجتمعات العربية والإسلامية مما زرعه الاستعمار من الحركات والتيارات التغريبية التي زرعتها القوى الاستعمارية في بلادنا.
كنا نسير في عملنا الدعوي وفق آليات مستفيدين من مناهج الإخوان المسلمين في التربية والتوجيه والتي مردها إلى الكتاب والسنة، ووجدنا في تجمع الإخوان المسلمين آنذاك نموذجًا يحتذى، مما جعلنا نتبنى طروحاتهم الطيبة ومسيرتهم الخيّرة.
وبعد أن كرسنا جهودنا في النطاق المحلي اتجهنا إلى توسيع نطاق نشاطنا الإسلامي، وبدأنا في تنميته من خلال استضافة العلماء والمحاضرين، وعندئذ أصدرنا مجلة «الإرشاد الإسلامي» ودعونا الأخ البشير الإبراهيمي نائب الشيخ عبد الحميد بن باديس (رحمه الله) زعيم الحركة الإسلامية التي أنقذت الجزائر من الانسياق وراء فرنسا لغويًا وفكريًا، وألقى الشيخ الإبراهيمي العديد من المحاضرات القيمة في الكويت والخليج وحضرتها أعداد كبيرة من الناس، كما دعونا الأخ الفضيل الورتلاني وهو من الشخصيات الجزائرية أيضًا، وكان محاضرًا لبقًا وخطيبًا مفوهًا، وقد دعونا المجاهد التونسي محيي الدين القليبي والشيخ مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان المسلمين في سورية وغيرهم، وقد أسهم هؤلاء العلماء المحاضرون في تنمية الحركات الدعوية الإسلامية في الكويت، وهنا ثارت ثائرة كثير من القوى التي يقف خلفها الاستعمار فتمكنا بفضل الله من إحباط مخططاتهم، واستطعنا أن نسيطر على الساحة تقريبًا، إلى أن جاء المد الناصري الاستعماري الذي وقفت خلفه قوى استعمارية وساعدته على الانتشار.
إن تكويني الفكري والثقافي تشكل من خلال اتصالي بالناس وقراءة الكتب وحضور مجالس العلم والاحتكاك بالعلماء، خاصة قادة جماعة الإخوان المسلمين وعلى رأس هؤلاء الإمام الشهيد حسن البنا الذي التقيته مع أخي عبد العزيز في المدينة المنورة ومكة المكرمة (1365ه / 1946م) وحضرت له محاضرة في المدينة المنورة وأهدى لي كتاب «الرحلة الحجازية» وكتب الإمام البنا بخط يده على الكتاب "ذكرى اللقاء المبارك في الحرمين الشريفين"، وبعد هذا التاريخ بحوالي 60 عامًا زارني ابنه المستشار سيف الإسلام البنا بالكويت، وقصصت عليه ما حدث واطلع على الكتاب الذي مازلت أحتفظ به؛ فصوّر الصفحة التي عليها إهداؤه وتوقيعه واسم الكتاب.
وما زلت أحتفظ بمحاضر جمعية الإرشاد آنذاك وهي بخط الأخ محمد العدساني الذي كان أمين السر، وكان معنا الأخ عبد الله سلطان الكليب في قيادة الحركة، ومنذ ذلك التاريخ وأنا مع إخواني الدعاة العاملين اليوم أنظر إلى إنتاجهم بفرح عظيم. فالحركة الإسلامية في الكويت تمتلك مؤسسات جادة تعمل في ميادين مختلفة لصالح أبناء الوطن. ورغم المد الفكري الوافد من الشرق والغرب نشطت الحركة الإسلامية وأثبتت قدرتها على أنها التنظيم الوحيد على الساحة العربية والإسلامية القادر على تحقيق آمال الشعوب، برغم ما واجهته من تضييق عبر حكام موالين للغرب تارة وللشرق تارة أخرى.
إن الغزو العراقي للكويت لم يكن وليد الصدفة، بل كان مخططًا له منذ سنوات طويلة من قبل القوى الأجنبية التي لها استراتيجيات مدروسة في المنطقة، فقد خططت هذه القوى لهذا الغزو الغاشم ودفعوا حاكم العراق الظالم صدام حسين لارتكاب هذه الجريمة النكراء، وكان الغرب قد جاء بهذا الطاغية المغرور إلى حكم العراق وقد استفاد منه في تدمير الأمة، وتقطيع أوصالها، وكان الهدف من هذه المؤامرة الكبرى، العمل على إيجاد قواعد أجنبية في المنطقة والتواجد قرب منابع البترول وتدمير الآلة العسكرية الضخمة في العراق، وفي الوقت الذي لم تكن هناك قوى لردع هذا النظام الغاشم جاء الجيش الأمريكي وفق خطة مرسومة ومعروفة وطرد القوات العراقية وحطم أسلحتهم العسكرية. ولا نستطيع أن ننكر أن القوى الأمريكية والأوروبية وحليفاتها التي جاءت للكويت كانت لها غايات وأهداف مرسومة ومعروفة، وبالفعل تحقق لهم ما أرادوه من طرد صدام ومحاصرته وشل حركته وبناء قواعد عسكرية لهم في المنطقة والتحكم في نفط العراق ووارداته، حتى أصبح العراق مشلول الحركة، ومنذ ذلك التاريخ «مطلع التسعينيات» وهذه القوى تعد لغزو العراق مجددًا وبالفعل قامت باحتلاله واعتقال رأس نظامه البائد، وبطانته السيئة، تلك العصبة الباغية، وهم الآن رهن الاعتقال والمحاكمة في وضع مهين جراء ما اقترفته أيديهم الآثمة ضد شعبهم وجيرانهم.
ولقد كان لقيادة جماعة الإخوان المسلمين بمصر مواقف مشرفة، حيث أبدوا استعدادهم وتأييدهم للقضية الكويتية بعد حفل عشاء أعدوه لنا ولإخواننا الذين كانوا معنا. وبعد عودتنا من القاهرة، بدأنا نخطط لمؤتمر جدة وكان لأعضاء جمعية الإصلاح الاجتماعي دور طيب ومرموق في هذه الفعالية التاريخية، وكذلك عموم الإخوة الكويتيين الموجودين في جدة وقد حصل خلاف بين الشيخ سعد وعبد العزيز الصقر كاد أن يؤدي إلى فشل المؤتمر، فتدخلت في الأمر ودعوتهم لتقديم مصلحة الكويت العليا على ما عداها والتوقف عن هذا الخلاف، واستجاب الجميع جزاهم الله خيرًا إلى ندائي، وتم المؤتمر بنجاح والحمد لله.
ووصيتي للدعاة والمؤسسات العاملة في حقل الدعوة الإسلامية أن تواصل الدعوة الحالية بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن والاهتمام بنشر الوعي والثقافة الإسلامية وعدم استعجال النتائج، فالإسلام يرفض جميع أشكال العنف الفردي والجماعي والرسمي، وأية محاولة لإلصاق الإرهاب بالمتدينين هي صناعة أجنبية، الهدف منها تشويه الدين الإسلامي والحقيقة التي يعرفها الجميع أن الإسلام يدعو إلى السلام ومعاملة الناس بالحسنى والمجادلة بالتي هي أحسن ورفض الإرهاب بكل صوره وأشكاله.
إن الإسلاميين لا يسعون إلى الحكم لأنهم ليسوا طلاب سلطة، وإنما يريدون أن يحكم الحكام بشرع الله، فغاية الإسلاميين الاحتكام إلى الكتاب والسنَّة، في جميع شؤون الحياة ومجالاتها، ولابد أن يعلم الجميع أن الإسلاميين هم أولى الناس في الحرص على الحريات وحقوق الإنسان لأن الإسلام كرّم الإنسان وكفل له حقوقه وفرض عليه واجبات.
وإنني أقول: إن الإرهاصات والمبشرات تبعث على الأمل والتفاؤل، فهناك قرائن عدة تدل على الإقبال على التدين والتمسك بالإسلام ومنها: انتشار ظاهرة الحجاب بين الفتيات، وإقبال الشباب والشابات على المساجد، وتحول البنوك الربوية إلى بنوك إسلامية، ونجاح الإسلاميين في كل انتخابات يخوضونها، والإقبال على العمل التطوعي والعمل على تلبية احتياجات المعوزين.
إن العمل الخيري عبادة لا يستطيع أحد وقفه أو تحجيمه. ومهما تكالبت عليه المؤامرات الغربية، فلن تنال منه فالعمل الخيري ماض إلى يوم القيامة وما يمارس ضده هو الإرهاب بعينه، بل ما يمارس ضده هو إرهاب ضد الفقراء والمساكين، وأنصح إخواني في قافلة الخير المباركة ألا يصغوا لحملات التشكيك وأن يستمروا في العطاء وألا يستجيبوا لأية ضغوط، وعليهم ألا تأخذهم في الله لومة لائم.
عندما التقيت الإمام الشهيد البنا وتعرفت عليه وجدت فيه من الصفات والسمات القيادية التي تؤهله لتحقيق غاية الإسلام ونشر دعوة الله في الأرض وإيقاظ الأمة من غفلتها وإحياء الإيمان المخدر في جنباتها، وحين استمعت إلى محاضرة له في المدينة المنورة زاد إعجابي بالرجل وبحسن عرضه وعمق فكرته وغيرته على الإسلام وتحمسه لمشروعه، وبينما كنت عائدًا أنا وأخي عبد العزيز إلى الكويت، زارنا الإمام في بيتنا في المدينة مودعًا وأوصانا بالعمل لدين الله، فلقد كان الإمام البنا داعية من الطراز الأول، وسياسيًا فريدًا وعالمًا فذًا، ومصلحًا واعيًا، وإنسانًا بسيطًا ومتواضعًا، وقائدًا ذكيًا، يفرض على كل من يلتقيه أن يعجب به ويعمل معه، فقد عرفته رجلًا يعمل للإسلام بصدق عاش من أجله، واستشهد في سبيله نحسبه من الصالحين ولا نزكيه على الله.
ولقد التقيت المرشد الثاني المستشار حسن الهضيبي وهنأته بثقة إخوانه ودعوت له بالتوفيق والسداد. ولقد قاد هذا الرجل الدعوة خير قيادة وعبر بها محنة عظيمة فكان نعم الخلف لنعم السلف، كما التقيته مرة أخرى على عرفات أثناء حجه الأخير بعد خروجه من السجن، فوجدته رجلًا قويًا حازمًا صابرًا محتسبًا على البلاء.
أما المرشد الثالث عمر التلمساني فلقد التقيته عدة مرات في مصر وغيرها من البلدان وكذلك عندما زار الكويت، كما التقيت المرشد الرابع محمد حامد أبوالنصر في مصر وكان له دور واضح وملموس في الدفاع عن الحق الكويتي.
وأيضًا التقيت المرشد الخامس مصطفى مشهور مرات عدة في الكويت وغيرها، كما عرفت المرشد السادس المستشار محمد المأمون الهضيبي، والتقيت أيضًا المرشد الحالي محمد مهدي عاكف، وهو رجل فذ كبقية إخوانه، ونحن ندين بالفضل لله ثم لحركة الإخوان المسلمين ودعوتها المباركة، ونسأل الله أن يعيننا جميعًا على العمل المخلص الصادق لإعلاء كلمته ويرزقنا الثبات».
قالوا عنه
يقول الشيخ د. يوسف القرضاوي:
«وهكذا غاض النبع الفياض الذي طالما ظل يتدفق بالخير والبذل والعطاء نحو ستين عامًا، يبذل من نفسه ووقته وجهده وماله في سبيل قضايا الإسلام وأمته، ومطالب دعوته، ونصرة شريعته، وتوحيد أمته، وإحياء حضارته.
وانطفأت الشعلة المتقدة التي ظلت ترسل أشعتها نورًا ونارًا: نورًا لطالبي الهداية، ونارًا على دعاة الغواية.
لقد كان مرجع كل من يأتي إلى الكويت لطلب المساعدة في المشروعات الخيرية والإسلامية من كل أقطار العالم، رأيته في بيشاور في محاولات الإصلاح بين الإخوة المجاهدين في أفغانستان، ورأيته في فرنسا في افتتاح الكلية العلمية الإسلامية، ورأيته في مؤتمرات شتى تعمل للإسلام.
وحين ناديت بضرورة التصدي لخطة التنصير لأبناء المسلمين التي قررها المنصرون الأمريكان في اجتماعاتهم في ولاية كولورادو 1978م، ورصدوا لذلك ألف مليون دولار جمعوها في الحال، فاقترحت تأسيس هيئة خيرية عالمية رأسمالها ألف مليون دولار، وأعلنت ذلك في ختام مؤتمر المصارف الإسلامية المنعقد في الكويت، أقبل علي الأخ «أبو بدر» وهمس في أذني قائلًا: إني أتبرع بمليون دولار، وأرجوك ألا تعلن عن اسمي ولم يكتف بذلك بل ضم إلى المليون عمارتين من عماراته أوقفهما لصالح المشروع.
وكان أبو بدر عضو اللجنة التحضيرية التي قامت بالإعداد للمشروع الكبير مع يوسف الحجي وسليمان الراجحي وعبدالله العقيل والفقير إليه تعالى حتى تأسست الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية. وحين دعوت إلى تأسيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أرسل لي مبلغًا طيبًا مع الأخ الجليل الدكتور عجيل النشمي.. لم يكن عبد الله المطوع مجرد رجل من ذوي الثراء، فقد عاش عمره صاحب دعوة وحامل فكرة وجندي رسالة نذر لها عمره ووهب لها وقته وماله وفكره.
لقد آمن بدعوة الإخوان المسلمين منذ فجر شبابه وأخلص لها وعاش فيها وعاشت فيه وكان من قيادتها المحلية والإقليمية والعالمية، ومع هذا عاش في الدعوة بروح الجندي المتواضع مع إخوانه لا يرى نفسه إلا دونهم... رحم الله أخانا وحبيبنا رجل الدعوة، ورجل البر، ورجل الإصلاح، ورجل الكويت، ورجل الخليج، ورجل العرب، ورجل الإسلام».
ويقول الشيخ يوسف جاسم الحجي - رئيس الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية: «عرفت هذا الرجل منذ شبابه وهو يكافح لإعلاء كلمة الله، وما يقدمه من دعوة ونصائح ومشورة لحفظ الشباب، واتباع هدي الإسلام في كل مجالاته، وهذا هو طريق الدعاة إلى الله.. ونسأل الله أن يكون هو ونحن منهم، وأن يختم لنا على خير وأن نكون عند الله من المقبولين».
ويقول الدكتور عبد الله العتيقي:
«فقدناك مرشدًا لنا في الأمور الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإعلامية والدعوية، فقدناك سياسيًا بارعًا يحبه الجميع، ويتدخل في الوقت المناسب لنزع فتيل الأزمات، محبًا لحركة الإخوان المسلمين، وداعيًا لها، مناصرًا لتحرير المسجد الأقصى من دنس اليهود، نصيرًا للحق محبًا للشباب، كافلًا للأيتام والأرامل، ناشرًا لكتاب الله وعلومه، مطالبًا بتطبيق شرعه، مقاومًا للظلم متصدقًا على الفقراء، آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر، محاربًا للربا، مؤسسًا لأول بنك إسلامي في الكويت مع إخوانك الصالحين، مناصرًا للأوقاف وقد أوقفت بعض عماراتك لدعوة الخير».
ويقول د. جاسم مهلهل الياسين:
«عرفته كبيرًا وعرفته كريمًا، كبيرًا يحمل هم الأمة، وهكذا الكبار دائمًا يعيشون كبارًا، بل يموتون بأجسادهم وتبقى أعمالهم شاهدة على جهادهم وصبرهم، يموتون وتظل صحائف أعمالهم مفتوحة لما يسطر فيها من أعمال حسنة، وهكذا نحسبه... فلم يترك بابًا لنصرة دين الله إلا وكان سباقًا إليه. ولقد كان غدوه ورواحه في طاعة الله (عز وجل).. كان يزرع الأمل في قلوب محبيه ويدفع عنهم الهمَّ إذا رآه في أعينهم، يكون أحدنا متعبًا من هزات الباطل.. فإذا ما التقى به ورأى البشر في محياه زال عنه النصب وعاد إليه الأمل، وجدد حياته ليبدأ من جديد في حيوية ونشاط.
هكذا هم الكبار.. تفتقدهم الأرض وترحب بهم السماء، كان يقول دائمًا عندما ألتقي به: «اعلم أنه من ملك زمام التغافر... فقد ملك زمام الأمور».
ويقول الأستاذ د. توفيق الواعي:
«لقد كان الرجل يتحلى بصفات العظماء الكبار، وبمواهب العباقرة الأفذاذ، فمن أي النواحي خبرته وجدته مثالًا للحب لا للحقد، والشوق لا الوحشة، والعفو لا العقوبة، والخبرة بالأمور لا البلاهة، والنظر الثاقب لا الرؤية الساذجة، والبصيرة المتقدة لا الجبلة العمياء، والدربة والحنكة الفطرية، والنورانية القلبية التي تضيء بتوفيق الله، كان للحق سندًا لا يتضعضع، وصخرة لا تتزحزح، وكان للدين ركنًا ركينًا، وإمامًا عظيمًا، وللفقير معطاءً كريمًا سخيًا وفيًا أمينًا يقصده المحتاج فيكفيه، والمسكين فيعطيه، باسط الكف وضاح المحيا، متهللًا كشهاب تزيده العطايا بهاءً لا منًَّا ولا شحناء».
ويقول الأستاذ الدكتور عجيل النشمي:
«عرفت العم عبد الله المطوع عام 1963م، فعرفت نوعًا من الرجال فذًا، أبرز ما أدركته فيه همة عالية وطموح دعوي دفاق، وحماسة للدين جياشة، ومن عجب أني لم أر في هذه الهمة فتورًا مذ عرفته إلى قبل وفاته بأيام.
أول ما يحدثك ويشغل مجلسك فيه دعوته، وهموم المسلمين.. وآخر ما يحدثك عنه صحته إن سألته عنها.
ومذ عرفت الرجل عرفت معنى الشجاعة في كلمة الحق والدعوة، لا يثنيه لوم ولا عتب، ولا يمكن أن يؤخرها أو يهادن فيها كائنًا من كان أمامه، وقد حباه الله مع الشجاعة قوة بيان وحجة ومنطقًا يفرض على السامعين التأثر به، ويزين ذلك خلق وأدب جم يحكم كلامه، فلا يحمله على الشطط أو الإساءة لأحد».
وقال الأستاذ سالم الفلاحات المراقب العام للإخوان المسلمين في الأردن:
«ترجل هذا الفارس العظيم صاحب الباع الطويل في الخير وجمع القلوب والاهتمام بشأن الأمة وبالبناء، ولكن عزاءنا أنه واحد من قافلة فيها من الرجالات العظام الذين تتلمذوا على يده، وسيستمدون من تربيته خلقًا، ومن تصميمه عزمًا، ومن كرمه عطاءً ومن أمله تطلعًا.
العم أبو بدر (رحمه الله) (علم) و(بدر) لو سألت عنه لعرفه العالم بعطائه وجهده الذي لا ينضب، فهو في السياسة فارس، وفي الخير جواد، وفي التربية معلم. وأسأل الله أن يعوض الكويت وأهل الخير والدعاة في الأرض كلها خيرًا».
ويقول د. عصام البشير:
«هو رجل دعوة وفكرة.. يذود عنها بالغالي والنفيس.. والمهجة والروح، بحكمة راشدة، وبصيرة متقدة، وذهن وقاد، ووعي متفتح، وتوازن مسدد، يحرص على بناء المعنى والمبنى، ووحدة الصف، وائتلاف القلوب، وتعزيز المشترك ورعاية حق الأخوة وأدب الخلاف.. وهو تجلية مكرمات.. باسط الكفين.. ندي الوجه طليق المحيا، وضاح الجبين يلقاك في هشاشة وبشاشة.. موطأ الأكناف.. يألف ويؤلف يدخل إلى قلبك بلا استئذان.. فيتربع على عرشه حبًا وودًا وتحنانًا، دماثة في الخلق وخفضًا للجناح، وهو في هموم الأمة ومصائرها صاحب آيات.. وسباق غايات.. وجوّاب آفاق.. يتتبع ويستقصي.. يقف على الحقائق من مظانها.. ويعمل على حشد الطاقات وتعبئة الجهود.. في حركة دائبة وعزيمة صادقة دفعًا لعزة الأمة ورفعة شأنها.. ودحرًا لخصومها بأمل لا يعرف اليأس.. ورجاء لا يقعده قنوط».
ويقول الأستاذ محمد سالم الراشد:
«منذ التقى إمام الدعوة ومرشدها حسن البنا عام 1946م في مكة المكرمة والمدينة المنورة وتقبل هديته «الرحلة الحجازية» كان العم عبد الله المطوع (أبو بدر) في رحلة وسفر دائمين في مسار الحق، لم يهدأ له بال أو يغمض له جفن قائما وقاعدًا لا يفتر في عمل الخير والصبر والجهاد. كان المال يتبعه حيثما سار فينثره يمينًا وشمالًا في سبيل الله لا يخشى الفقر أو النقص. هو نسيج وحده، جمع الكثير من خصال الخير والحب والتسامح والبذل والعطاء والحكمة والقوة في الحق والصبر والثبات على أمر الدعوة وهمها. لقد كان من السابقين في أمر توحيد المسلمين ودعم نهضتهم وكان يجمع بين الشورى والحزم».
ويقول المستشار فيصل مولوي:
«لا أبالغ إذا قلت: إن المسلمين لم يعرفوا في تاريخهم الطويل رجلًا جمع في نفسه كل خصال الخير كما كان أبو بدر. ليس ذلك لأن الله أعطاه قدرة مالية استخدمها في مصالح الأمة، لكنه كان شخصية نادرة تتمتع بوعي إسلامي شامل تلقاه في رحاب الحركة الإسلامية المعاصرة، واستفاد مباشرة من أعظم رواد العمل الإسلامي المعاصر الإمام الشهيد حسن البنا، بالإضافة إلى مزايا حباه الله إياها، من الجدية في مواجهة الأمور، والدأب في معالجة القضايا، والتمحيص في دراسة المشكلات والتأني في اتخاذ القرارات والعزيمة الماضية في التنفيذ، فضلًا عن الصبر الجميل أمام كل بلاء.
يتميز العمل الخيري عند أبي بدر بشمول يتسع لكل جوانب العمل الإسلامي، لم يكن مقتصرًا على إغاثة المحتاجين من الأيتام أو الأرامل أو الفقراء، ولم يكتف بمساعدة المرضى وما يتعلق بذلك من المستوصفات والمستشفيات، بل كان ينظر أيضًا إلى أهمية الدعوة الإسلامية التي تقوم على قواعد سليمة من العقيدة الصحيحة والفقه الأصيل والوسطية الملتزمة، فيرى في كفالة الدعاة بابًا من أهم أبواب الخير، ويجد في بناء المدارس والمعاهد الإسلامية على اختلاف أنواعها ضرورة لبناء جيل جديد يستأنف لهذه الأمة نهضتها الإسلامية، بل هو يشعر أن العمل السياسي الإسلامي يحتاج إلى الكثير من التسديد والتأييد حتى ينجح في استعادة هذه الأمة إلى رحاب الإسلام العظيم، ولم يكن يبخل على حركات المقاومة في كل بلاد العالم الإسلامي ويعتبرها جهادًا في سبيل الله حيثما وجد عدو يحتل شيئًا من أرض المسلمين أو أوطانهم».
ويقول الأخ عبد الواحد أمان:
«إلى دار الخلد منزلك ومقامك يا أبا بدر إن شاء الله تعالى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا، هذا دعاؤنا الذي نحبه ونتشوق إليه وما كرست له حياتك وجاهدت به نفسك، فبذلت وأعطيت وصبرت وسهرت. نسأل الله لنا ولك العافية.
إن رفقة الدرب التي امتدت لأكثر من خمسين عامًا نعتقد أنها كافية أن تؤهلنا للشهادة الطيبة عن عملك وسيرتك في الحياة الدنيا ولا نزكي على الله أحدًا، فقد كنت وفيًا لدعوتك، وإخوانك، صادقًا ثابتًا معتزًا بانتمائك، كنت تستشرف دائمًا حياة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، فتتوق إلى اللحاق بهم.
كنت شديد الحب لله ورسوله، وكنت تعلم أن الحب يصدقه الاتباع، فحرصت أن تتبع مع علمك التام أن سقف الاتباع عال يحتاج إلى صبر وتشمير فصبرت وشمرت شعارك قوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} (التوبة: 111).
فعقدت العهد مع الله أن تتبع سيرة نبيك وحبيبك محمد (صلى الله عليه وسلم) لا لتنتقي منها انتقاء يتماشى مع هواك ورغباتك وميولك، إنما اخترت الأصعب منها والأثقل في ميزان الله وكنت تعلق على معنى الآية الكريمة: { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}، هل نحن ملكنا الأموال والأنفس حتى نعود فنبيعها لله فهي وديعته سبحانه وينظر ما نحن بها صانعون كرمًا منه وتفضلًا أن هدانا لإخراج حق الفقير منها كما أمر، ثم عاد سبحانه يكرم عباده المتبعين { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} (البقرة: 245).
كان (رحمه الله) يحب الحديث في معاني تلك الآيات ويتفاعل معها كثيرًا وكان يردد دائمًا قوله لي: «أخي أرجو أن تدعو الله أن يقيني شر الشح» هذه كانت أصول منطلقاته في مسائل المال والتصرف فيه والتي انعكست على واقع حياته وسيرته التي يشهد عليها معي خلق كثيرون.
لقد بدأ انتماؤه الفكري لدعوة الإخوان المسلمين قديمًا يوم أن قابل المرشد العام للإخوان المسلمين الإمام الشهيد حسن البنا في موسم الحج 1946م، بمكة المكرمة والمدينة المنورة، ثم كان انتماؤه التنظيمي حين أنشئت جمعية الإرشاد الإسلامي في الكويت أوائل الخمسينيات، ثم بعد أن حلت الحكومة جميع الجمعيات والنوادي في 1958م، كان له الدور البارز لاستئناف نشاط الجمعية فكانت (جمعية الإصلاح الاجتماعي) 1963م التي هي امتداد لجمعية الإرشاد».
ولن أستطيع ذكر كل من قالوا فيه كلمة الحق وشهدوا له بالخير، فهم فوق الحصر من الحركات الإسلامية المعاصرة والدعاة المسلمين والعلماء العاملين والشباب الصالحين من داخل الكويت وخارجها، فقد كان رجل الإسلام على مستوى العالم ومنارة القاصدين لرفعة الإسلام وإعلاء شأنه.
وفاته
توفي ظهر يوم الأحد 10 شعبان 1427ه 3/9/2006م في الساعة الثانية عشرة بمكتبه إثر أزمة قلبية خلال عمله ومتابعاته لشؤون العمل الإسلامي وقضايا المسلمين، وقد شيع صباح يوم الاثنين، حيث دفن في مقبرة الصليبخات بالكويت، وشارك في التشييع أكثر من عشرين ألفًا من أهل الكويت، وفي مقدمتهم ولي العهد ومن الوفود القادمة من الخارج وفي مقدمتهم وفود الإخوان المسلمين في مصر والأردن والسودان ودول الخليج وغيرها، رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.
وقد رثاه الكثيرون من إخوانه وأصحابه وتلامذته بقصائد كثيرة مثل الأخ محمد العرفج والأخ عدنان النحوي وصلاح القناعي، وسليمان الجارالله، وبشار البيانوني، وأبوالقيم الكبيسي وغيرهم كثيرون لا يتسع المجال لذكرهم وذكر قصائدهم الرثائية، وقد نشرت مجلة المجتمع الكويتية الغراء بعض هذه القصائد، وسيصدر إن شاء الله كتاب موسوعي يوثق مسيرة الراحل الكريم ويضم الكلمات والقصائد التي قيلت فيه.
وسوم: العدد 874