موسى عيسى سابا
رجل المروءة
نعمان فيصل
عرفته جيداً والتقيته مرات كثيرة في ساحة جمعية الشبان المسيحيين، تجتمع به فترتاح للقائه.. وجهه يوحي لك بالراحة والطمأنينة والتفاؤل، وعلى الرغم من كوني الأصغر سناً، فإنني لم أتمكن من مجاراته في حبه لفلسطين الذي يترجمه دوماً إلى أفكار نيرة تلقى إعجاب المستمعين، فالوطن في عينيه أيقونة يرى من خلالها سر الوجود الأبدي، فكأنه جسد قول الشاعر:
كأنك من كل النفوس مُرَكَبٌ فأنت إلى كل النفوس حبيب
ولد الأستاذ موسى سابا، في مدينة بئر السبع عام 1926، عاش في كنف أسرة كريمة تحافظ على عاداتها الشرقية الجميلة، وعلى مبادئ دينها المسيحي. ابتدأ دراسته الأولى حتى الثانوية في مدرسة الفرندز بمدينة رام الله، ولقد كان لهذه المدرسة العريقة، ومدرسيها الممتازين أمثال: رئيس المدرسة طوطح خليل طوطح، ومديرها شفيق ترزي، أثر كبير في تكوين شخصيته، وتوجيهه نحو خدمة المجتمع الفلسطيني، ولما وقعت كارثة عام 1948 جاء إلى غزة مع أسرته واستقروا بها. وتزوج من بنت خاله السيدة هدى منصور، وفي عام 1946 عمل مشرفاً في دائرة الإحصاء الفلسطينية لإحصاء بدو النقب، وعمل مترجماً لمهندسي شركة البترول الفلسطينية العراقية للتنقيب عن البترول في منطقة (الحضيرة) في النقب، وفي عام 1947 عمل موظف استعلامات في معسكر عصلوج الإنجليزي، وعمل مع والده بتجارة الذهب في بئر السبع، وفي عام 1973 عمل منسقاً مع الدكتور حيدر عبد الشافي في جمعية الهلال الأحمر بغزة، وفي عام 1976 عين مديراً عاماً لجمعية الشبان المسيحية بغزة، حيث جدد عمرانها، وشيّدَ مبانيها، وجهز ملاعبها الكبيرة، وأنشأ روضةً فيها للأطفال تُعرف إلى يومنا هذا، وأصبحت الجمعية في عهده صرحاً شامخاً في مدينة غزة، إن نجاحه في عمله كمدير عام للجمعية بالمستوى الذي نعرفُه لم يكن وليد الصدفة، وإنما يرجع ذلك لما اتصف به من أخلاق حميدة، ومن محبته لأهله وبلده، وكلنا نعرف المكانة المميزة التي يحتلها في قلوب آلاف الغزيين الذين عرفوا مروءته ووفاءه وحسه الوطني الصادق.
كان منذ صغره يهتم بالأمور السياسية وكان لهذا الاهتمام صدى للاضطرابات التي كانت متتابعة في البلاد في عهد الانتداب البريطاني الظالم، والاحتلال الإسرائيلي الغاشم، ومنذ سنه المبكرة أظهر ميولاً قومية وسياسية فهو من القوميين الناصريين. ونشط في الجبهة الوطنية للدفاع عن القضية الفلسطينية.
انضم إلى جبهة مقاومة الاستعمار أثناء العدوان الثلاثي عام 1956 وتعرض للاعتقال من قبل المحتل في سجن غزة، وقام مع إخوانه الأسرى بتكسير السجن، وعاش تجربة مريرة في المعتقلات؛ إذ كان يضرب من قبل الشرطة العسكرية الإسرائيلية بجميع وسائل الضرب من أسواط وعصي ومواسير حديدية والرفس بالأرجل إلى درجة الإغماء.. وفي عام 1959 اعتقلته الإدارة المصرية لأسباب سياسية (على خلفية النزاع بين مصر بزعامة الرئيس عبد الناصر والعراق بزعامة الرئيس عبد الكريم قاسم) قضاها في السجن الحربي بالعباسية بمصر.
وبعد هزيمة حرب حزيران 1967 نشط في قوات التحرير الشعبية التابعة لجيش التحرير الفلسطيني بقيادة (زياد الحسيني)، وتعرض لانتقام سلطات الاحتلال فاعتقلته عام 1972 لمدة ثلاث سنوات في سجن غزة المركزي.
ومهما أسهبتُ في ذلك، فإنني سأظل مقصراً في تعداد مزاياه الحميدة، وعطائه في سبيل الوطن، أطال الله في عمره ليبقى ذخراً وعوناً لوطنه، ولكل من يقصده، وله من الأولاد (عيسى، عماد).