أقوال عن الإمام البنا

(1)

الإمام الشهيد حسن البنا

أحمد حسن الزيات

وجدت فيه ما لم أجد في قبيله أو أهل جيله: من إيمان بالله راسخ رسوخ الحق، لا يزعزعه غرور العلم، ولا شرود الفكر، وفقه في الدين صاف صفاء المزن، لا يكدره ضلال العقل ولا فساد النقل، وقوة في البيان مشرقة إشراق الوحي لا تحبسها عقدة اللسان ولا ظلمة الحس، إلى حديث يتصل بالقلوب، ومحاضرة تمتزج بالأرواح، وجاذبية تدعوك إلى أن تحب، وشخصية تحملك على أن تذعن!! فقلت في نفسي بعد أن ودعني ومضى: عجيب! هذا الشاب! نشأ كما ينشأ كل طفل في ريف مصر، وتعلم كما يتعلم كل طالب في دار العلوم، وعمل كما يعمل كل مدرس في وزارة المعارف، فعمن ورث هذا الإيمان، وممن اقتبس هذا البيان، ومن أين اكتسب هذا الخلق؟!

إن الشذوذ عن قواعد البيئة الجاهلية، والنشوز عن أنظمة المجتمع الفاسد، والسمو على أخلاق العصر الوضيع، من خصائص الرسول أو المصلح، فإن الله يعلم حيث يجعل رسالته، يريد أن يصنع النبي أو المصلح على عينه ليظهر في وقته المعلوم، فيجدد ما رثّ من حبله، ويوضح ما اشتبه من سبيله، والفطرة التي فطر عليها حسن البنا، والحقبة التي ظهر فيها حسن البنا تشهدان بأنه المصلح الذي اصطنعه الله لهذا الفساد الذي صنعه الناس.!!

ولم يكن إصلاحه - رضوان الله عليه- من نوع ما جاء به ابن تيمية وابن عبد الوهاب ومحمد عبده، فإن هؤلاء قصروا إصلاحهم على ما أفسدته البدع والأباطيل من جوهر العقيدة، أما هو فقد نهج في إصلاحه منهج الرسول نفسه: دعا إلى إصلاح الدين والدنيا، وتهذيب الفرد والمجتمع، وتنظيم السياسة والحكم، فكان أول مصلح ديني فهم الإسلام على حقيقته، وأمضى الإصلاح على وجهه، لم يفهم الإسلام الذي طهر الأرض وحرر الخلق وقرر الحق على أنه عبادات تؤدى، وأذكار تقام، وأوراد تتلى، وإنما فهمه كما فهمه محمد وعمر وخالد، نوراً للبصر والبصيرة، ودستوراً للقضاء والإدارة، وجهاداً للنفس والعدو.

ولقد كان النهج الذي قبسه (البنا) من القرآن وعززه بالعلم ونشره بالبيان وأيده بالمعاملة كان من الجد والصدق والعزيمة بحيث زلزل أقدام المستعمر، وأقض مضاجع الطاغية، وخيب آمال المستغل، فتناصرت قوى الشر على الدعوة العظيمة وهي تتجدد في مصر، كما تناصرت قوى الشرك عليها وهي تولد في الحجاز، ولما كان حسن البنا فكرة لا صورة، ومبدأ لا شخصاً، فإن الفكرة الصالحة تنمو نماء النبت، والمبدأ الحق يبقى بقاء الحق.

(*) أديب متميز وكاتب، ولد في عام 1885م، وهو صاحب مجلة "الرسالة" في الأربعينيات والخمسينيات، تخرج في كلية الآداب جامعة القاهرة، وحصل على ليسانس الحقوق من باريس، ورأس القسم العربي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 1929م، عمل أستاذاً للأدب العربي بكلية الآداب ببغداد عام 1933م بجانب عمله في مجلة "الرسالة"، أصدر مجلة "الرواية" في الفترة من 1933م إلى 1953م، فلما احتجبتا عين رئيساً لتحرير مجلة "الأزهر"، منحته الدولة جائزة الأدب عن كتاب "وحي الرسالة" عام 1953م، وحصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1961م، ووسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، ووسام النيل من الدرجة الأولى، توفي في عام 1968م.

               

(1) هذه الكلمات ذكرها الأستاذ أنور الجندي في كتاب "حسن البنا... الداعية الإمام والمجدد الشهيد" ص 340، 342، وقد علق الجندي على المقالة قائلاً: وهذا جانب آخر من الصورة، هو رؤية صاحب "الرسالة" الذي عاش الأحداث الطوال منذ أول القرن، وشاهد الموجات العاصفة التي حملها أصدقاؤه وزملاؤه في باريس: طه حسين، ومحمود عزمي، وغيرهما في مصر من أمثال علي عبد الرزاق، وسلامة موسى، وهو هنا يقول كلمة الحق بعد أن مضى الرجل، وإن لم يكتب عنه كلمة واحدة في الرسالة خلال حياته.