( بدل رفو ) بحق، هو السفير الأوحد للشعر الكوردي في كافة مدن العالم ومنافيه!
يشكل المكان علامة أسطورية بارزة في جلّ قصائد بدل رفو!
يغني بدل رفو، في منافي العالم عن حبه العميق لوطنه كوردستان!
هذه الكتابة، ليست بمقدمة للتعريف، بأخي وصديقي الشاعر بدل رفو، ومكانته الشعرية البارزة على خارطة الشعر الكوردي الحديث باللغتين الكوردية والعربية، وليست تعريفًا لقصائده المرفرفة فوق الريح الذرى، والشامخة التي تحتضن النجوم والقمر، بل هي كلمات مدججة بالمودة، والورود الكوردستانية، لمحبي وقُرّاء قصائد بدل رفو الأعزاء!
الشعر الكوردي غابة خضراء، وربما تكون هذه الغابة شبه مجهولة لكثيرين من الشعراء، ومنظمي الشعر في العالم، واهتماماتهم الواسعة بأدبهم وقصائدهم، وقلما نرى اهتمامًا جديرًا بالذكر بترجمة الشعر الكوردي، رغم أن مستواه يضاهي مستوى الشعر العالمي، ومن الجدير بالذكر أن الشعر الكوردي حظي بإعجاب الكثير من النقاد العراقيين وكتبوا عنه دراسات وتحليلات عميقة مختلفة، وأشادوا بالمستوى العالي للشعر الكوردي الحديث، ولايسعني هنا ذكر كل تلك الأقلام العراقية البارزة التي أبدت اعجابها بالشعر الكوردي في العراق، فهناك مئات الدراسات، والكتب المطبوعة، تمجد مستوى الشعر الكوردي الحديث وترفع من شأنه، ولبعضهم آراءً رائعة، شخصيا ومعظم الشعراء الكورد، نعتز، ونفتخر بما تقدّم دومًا كما نفتخر بشموخ وسمو جبالنا التي دججت بدماء شهداء الحرية..ومن جملة تلك الآراء إخترت هذه الأقوال :
يقول الصحفي العراقي المغترب طالب الأحمد، مندوب صحيفة الشرق القطرية ومجلة الأهرام العربي، في لقاء أجراه معه مراسل جريدة ميديا (العدد 97): ثمة أدباء كورد يستحقون جائزة نوبل! ويقول الشاعر والناقد العراقي المغترب، مؤيد الراوي، والذي يعد بدوره واحدًا من مؤسسي جماعة كركوك في ستينيات القرن المنصرم، في مقدمته التي كتبها لأحد دواوين الشاعر الكوردي المغترب د. فرياد فاضل: الشعر الكوردي عالم مجهول تقريبا لدى معظم المثقفين العرب، وبالأخص في تاريخ تطوره واهتماماته، على أية حال، يمتلك الشعر الكوردي صوتًا خاصًا به، ولم يترجم إلى اللغة العربية إلا القليل منه حتى يتعرف الناس على ثقافة شعب غني أيضا بتراثه الثقافي! ويقول حسن فائز (ناقد وكاتب عربي) في عدد من أعداد جريدة الحرية الصادرة في إقليم كوردستان العراق: تقدم الشعر الكوردي ممثلاً بنتاجات الشعراء المعاصرين وخطى خطوات نحو
التفرد باستخدام الموروث القومي، فأصبح اليوم يقدم أطروحة انسانية فكرية ومنهجية تتضمن الشمولية الإنسانية والهموم المحلية من جهة، وخصائص القضية الكوردية والهموم العامة من جهة أخرى، متأثرًا بحركات التجديد في الشعر عمومًا! ويقول الشاعر والناقد الإيراني المعروف علي الصالحي في رسالة شخصية كتبها بخط يده وأرسلها إليّ: إن الشعر الكوردي شعر عالمي، ولا زلت أحتفظ برسالته في إرشيفي الخاص!
لقد كتب شعراء وكتاب وأدباء معروفين على مستوى رفيع في الأوساط الأدبية العربية والفارسية دراسات كثيرة حول الجوانب الإبداعية في الشعر والأدب الكوردي المعاصر ومن أبرزهم فاضل ثامر، يوسف يوسف، علي حسين فواز، ياسين النصير، حسب الله يحيى، د.حاتم الصكر، د. كاظم فاخر ، حاجم الخفاجي، بيان الصفدي، هشام القيسي، د. باسل مولود التكريتي، د. جليل البصري، علوان السلمان، وعشرات الأقلام المبدعة، ودلالة هذه الآراء والكتابات هي المكانة الشامخة للشعر الكوردي في أطلس الشعر العالمي، وأول ما يدهش الانسان عند القيام بدراسة الأدب الكوردي هي، غزارة القصائد الشعبية كما يقول المستشرق الروسي (باسيل نيكيتين) في كتابه الشهير (الكورد)، وأكثر تلك القصائد الشعبية تتحدث عن الحب، والحرب، وجمال الطبيعة، وفصول السنة في الأجواء الكوردستانية، فلنقرأ ماذا يقول هذا العاشق : ــ
حين أموت لا تدفنوني
في المقابر
بل احفروا قبري تحت شجرة
على قارعة الطريق
فإذا ماعادت قطعان الشياه
والخراف
يصل إلى أذني صفير الرعيان
وصياحهم
**** ****
وعاشق ولهان اخر يوصي قائلاً: ــ
يسير نهر سيروان نحو الجنوب
لو ألقيت فيه تفاحة
ستصل إلى يد الحبيبة
أود أن القي بنفسي
في هذا النهر
ليجرفني نحو حبيبتي!
**** *****
من الجدير بالذكر أن الشعر الكوردي الحديث متشبع من كافة التيارات، والروافد الحداثوية العالمية، كالسريالية، والدادائية والتجريبية، إضافة إلى الواقعية السحرية الخ ! فقامة الشعر الكوردي اليوم قامة شامخة كجبال كوردستان التي تتوج النجوم قممها ليلا والشمس المشرقة الوهاجة نهارا، إنه شعر مفعم بالحياة، والآمال، والأماني، والخضرة، وحب الحياة، وجمال الطبيعة. وشهد المشهد الشعري الكوردي، في سبعينيات القرن المنصرم، على يد جماعة كفري التابعة لمحافظة كركوك، وجماعة روانكة (المرصد) في السليمانية، وجماعة بيشره، و ( الطليعة) في محافظة هولير، ومجموعة من الشعراء الشباب المبدعين في محافظة دهوك، تطورات جذرية هائلة ارتقت به إلى القمم الشامخة التي بلغها الشعر العالمي الحديث في قرننا المعاصر، أما أخي الشاعر المبدع بدل رفو هو أحد ورثاء هذا التراث الشعري الثري، المفعم بكافة المستلزمات الإبداعية والانسانية، إنه ( بدل رفو ) بحق، هو السفير الأوحد للشعر الكوردي في كافة مدن العالم ومنافيه ،ويحمل دوما على كاهله حقيبته المدججة بالقصائد، التي تتدفق من أنغامها جراحات الشعب الكوردي، ووطننا المسلوب والمصلوب، كوردستان المناضلة، من أجل حريتها المغتصبة منذ مؤامرة سايكس بيكو السوداء ولغاية اليوم، فأينما ذهب وشدّ رحاله رسمت قصائده دموع أطفال بلاده، وصرخات أمهاتهم على قبب المعابد، والكنائس، والمساجد، والبرلمانات، فأينما سافر ورحل، تتحدث قصائده عن آلام، وعذابات الصبايا، والشباب، والاطفال، والامهات الكورديات اللواتي اغتالهن الحقد الديني، والبطش العرقي والقومي تحت راية الامم المتحدة!
أينما توجه بدل رفو، يحمل في حقيبته المفخخة بالحب والقصائد والجراحات وصور الطائرات التي تقصف وطنه منذ قرن، من حيث تشرد شعبه التواق للحرية وتحولت أحلامه إلى رماد، يحمل في قصائده أغاني الرعاة الحزانى، وآهات، وبكاء الصبايا المنتظرات عودة عشاقهن من أرحام السجون المجهولة، وعويل الأمهات على جثث وأجساد أولادهن المخضبة بالدماء، والمزدانة بالجراح من أجل حرية وطنهم كوردستان، روح قصائده معطرة بحب موطن ولادته، قرية الشيخ حسن، وبكاء وضحكات أطفالها، وآهات وأنغام رعاتها الحزانى فوق قمم جبالها المكللة بالثلوج والضباب والأحزان،
حنين عميق، وحب أسطوري لمدينة دهوك التي أمضى فيها زمنا برفقة سيدة التراب ( والدته)، وللموصل مكانة كبيرة في حياته، والتي يصفها بأنها أحلى مدن التاريخ، ونينوى الحضارات، فيها عاش ثلاثة عقود من عمره، وأكمل مراحل دراسته فيها، ولكل تلك الأمكنة وجود شامل في معظم قصائده، وبمعنى آخر، يشكل المكان علامة أسطورية بارزة في جلّ قصائده، فهو دائما يتحدث عن عشقه وهيامه بقريته والأماكن التي عاش فيها، وارتشف من منابعها، منها أماكن الطفولة والشباب، والبلدان التي زارها وعشقها، بدل رفو، سفير الشعر الكوردي الجوال في مدن العالم ومنافيه، يتحدث للعابرين والقاطنين عن عشق وطنه الحزين، وجباله الصامدة الشماء والمثقلة بحب الحرية، ها هو يصرخ عبر جميع المنافي المرئية واللامرئية قائلا:
حين سمعت أنين الرياح
أيقنت أن جبال الكورد
ما زالت تنوء حبًا
وقصائد ..
***** *****
ينوح باب سنجار في الموصل وجعًا
لباب العين في شفشاون، اشتياقًا
يهرعُ، يعانق أبوابها العتيقة !!
***** *****
ذكريات الموصل وشفشاون لفها ظلام
فلا محب يطرق أبوابها الحزينة
وفي دهوك، حيث عطر سيدة التراب
تتساقط الألوان والصور
نقاطًا تخلّف آثارًا ليظل الصمت
مواسم وداع ورحيل أحبة!!
***** *****
دهوك..
عشِقتُ مُدنا وشُعوبًا مُعَوَزّة
لكن! لم أرَ طيبةً وسلامًا
كشَعبِكِ!
***** *****
هكذا وبهذه الحرارة المدججة بذكريات الطفولة، يغني الشاعر بدل رفو، في منافي العالم عن حبه العميق لوطنه كوردستان، والأماكن التي زرع فيها أزهار طفولته، وشبابه مع شعبه المناضل من أجل الحرية، ونيل حقوقه القومية المشروعة :
احتسي قدح الصبر
وصور الطفولة تحتفل في مخيلتي!
***** *****
وليظل وطن الحلم في أعيننا
أغنية المهد والأم والجبل!
***** *****
وطن معلق بأهداب السماء
وأفق يحدق في أيادي شعبه
مخضبة بأوجاع إلهية
فقراء يسيرون في دروب الأشواك
يستلهمون تاريخ الأجداد
وتراثهم المنسي!!
***** *****
من المحال أن ينسى هذا السفير الجوال حول العالم، حب مسقط رأسه قرية الشيخ حسن:
أيا مقبرة الشيخ حسن*
يا تاريخ الدنيا..
وهدير أمواج الأبطال الراقدين
يا أصوات الكورد وجبال كوردستان
تحتضنك عناقيد الانسانية والسلام
لتحرس الراقدين تحت ترابك!
يا مقبرة الشيخ حسن..
يا وطن سيدة التراب..
يا فرحي ووجعي ودنياي
يا وطني الذي لم يركع أبدا!!
**** ****
وأخيرا أقول أن الشاعر المبدع، بدل رفو، هو بحق السفير الأوحد للشعر الكوردي المعاصر في مدن الدنيا ومنافيها، فدوما يحمل في كلماته وقصائده حب بلاده كوردستان وأسماء شهدائها، ودموع أطفالها الحزانى، وفقراءها الجوعى، وناسها المناضلين من أجل الحرية، والصامدين في وجه أعدائهم كقمم جبال قنديل، وهندرين، وهه لكورد، وبيره مكرون، وكارا، ومتين، وسنجار التي اندحرت تحت أقدام الغزاة وأعداء كوردستان التي أنشد لها الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري في قصيدة ( كردستان يا موطن الأبطال)
قلبي لكردستان يُهدى والـــفم
ولقد يجود بأصـغـريـه الـمـعـُـدم
سـلـَّمْ على الـجـبل الأشـم وعنده
من (أبــجــديات) الــضـحـايـا معجـَمُ
شعب دعائمه الجمـــاجم والــدمُ
تـتـحـطـم الدنـيا ولا يتحـَطـٌـمُ
فمثلما للسندباد البحري مع كل رحلة من رحلاته البحرية أقاصيص وحكايات ومغامرات مبهرة، هكذا لبدل رفو الشاعر والسفير الأوحد للشعر الكوردي، في منافي العالم قصص عشق لوطنه وشعبه في كل قصيدة من قصائده، التي تحلق بألف جناح وجناح في سموات الغربة والمنافي المختلفة:
صرخ جسد المهاجر في وجه الكهولة تحديًا
وذاب في رحيق الحرية أنشودة
نسيمها يمرح على أوتار
دفء ولحن كوردي..!
يحيل ليلته حلمًا وبشرى
كل العمر أنت
يا شذى القوافي
يا سحر النظرات
يا بلادي الحزينة البعيدة..!!
**** ****
هذا هو الشاعر المبدع بدل رفو، السفير العام للشعر الكوردي في مشارق الأرض ومغاربها، مغرم بقريته الشيخ حسن، ومدينة دهوك، ووطنه كوردستان المناضلة من أجل حريتها، مغرم بحكايات قريته، وبلاده، وبطيبة القرويين، ومواقدهم المفعمة بالنار، مغرم بأكاليل أغاني الجبل، وربيع بلاده القادم من أعماق الظلمات، مغرم بالرحلات دون رتب عسكرية ومناصب رفيعة، يحمل معه دواوين أشعاره، وغبار رحلاته، وأحلامه إلى أن تتحطم العبودية على مذبح الحرية دون رجعة .
تحياتنا ومودتنا الأخوية، المفعمة بنسائم كوردستان المثقلة بشذى الورود والرياحين، إلى الشاعر الكوردي المبدع، وسفيرنا للشعر الكوردي في منافي العالم، ومدنه المرئية واللامرئية، بدل رفو، وتحياتنا لأصدقاء الشعب الكوردي، وقراء قصائدنا أينما كانوا!
وسوم: العدد 1030