الشيخ العلامة المجاهد محمود عبد الوهاب فايد.. أقوى أصوات الجمعية الشرعية
( ١٩٢١_. ١٩٩٧م )
هو الشيخ العلامة المجاهد محمود عبد الوهاب فايد الذي اشتهر بقول الحق دون أن يخشى في الله لومة لائم.
المولد؛ والنشأة:
ولد الشيخ محمود عبد الوهاب فايد في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1921 في قرية دمنكة (مواقع التواصل الاجتماعي)
والأستاذ الشيخ محمود عبد الوهاب فايد (1921-1997) هو بلا شك أقوى الأصوات في تاريخ الجمعية الشرعية، وهو رئيسها الخامس، وثاني رؤسائها من غير نسل الإمام المؤسس محمود خطاب السبكي، وهو واحد من كبار العلماء العاملين الذين اشتبكوا بعلمهم بالحياة العامة وبحقل الدعوة الإسلامية من خلال الجمعية الشرعية والصحافة الإسلامية، إضافة لممارسة الأستاذية الرحبة غير المقيدة، والخطابة المواظبة المواكبة للأحداث بالنقد والتقييم.
ورغم شدته في الحق وفي النقد فقد رعته عناية الله فخرج من طغيان عهد الناصرية بأقل الخسائر، وإن كان قد فقد وظيفته، فإنه قبل هذا كان من طلائع جيل الأزهريين النوابغ الذين أغلقت في وجوههم أبواب الدراسات العليا بعد تجميدها في جامعة الأزهر، وهكذا فإنه لم يكن متاحا أمامه هو وأقرانه ما كان متاحا أمام من سبقوهم في السن بـ7 سنوات، وأكثر ممن كان النظام التعليمي لا يقف حائلا بينهم وبين نيل درجات عليا من قبيل العالمية من درجة أستاذ أو ما قبلها من قبيل درجة قسم التخصص، ولا كان متاحا أمامهم ما أصبح متاحا أمام الجيل اللاحق ممن واكبت الصحوة الإسلامية فترة شبابهم العلمي وما أتاح عصر السادات من التوسع غير المقيد في الدراسات العليا.
ولد الشيخ محمود عبد الوهاب فايد في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1921 في قرية دمنكة، مركز دسوق محافظة كفر الشيخ لوالد صالح من أهل العلم، أما جده الشيخ مبروك فكان عالماً شرعياً، كان أخوه الأكبر مأذون القرية، كما كان أخوه الثاني عبد الوهاب مدرسا في كلية أصول الدين بالجامع الأزهر. وكان الأخوان محمود ثم عبد الوهاب من الذين حصلوا على الأولية عند تخرجهم في كلية أول الدين.
الدراسة؛ والتكوين:
درس الشيخ محمود عبد الوهاب فايد في الكتاب ثم في الازهر الشريف، وبدأ تلقي العلم في معهد دسوق فحصل منه على الابتدائية، ثم حصل على الثانوية من معهد طنطا، وحصل على الشهادة العالية من كلية أصول الدين 1946 وعلى الشهادة العالمية مع الإجازة في التدريس من كلية اللغة العربية 1948.
مقالاته الصحفية:
كان الشيخ محمود عبد الوهاب فايد في مقالاته الصحفية قريبا جدا من روح العالم الذي يقوم بالدروس الدينية في المسجد وحريصا على التفصيل ملتزما بالاستشهاد بالنصوص ومبتعدا عن موازنات المجاملة، ولهذا فإنه كان يحرص على البدء بالنص على ما يشترك فيه مع من يهاجمه أو يهاجم فكرته.
مكانته في الجمعية الشرعية:
عين الشيخ محمود عبد الوهاب فايد وكيلاً عاماً للجمعية الشرعية ثم أصبح رئيساً للجمعية الشرعية في 28 أغسطس/آب 1995 بعد وفاة الشيخ عبد اللطيف مشتهري.
عمله رائداً دينياً لمدينة البعوث:
عُين الشيخ محمود عبد الوهاب فايد أيضاً رائداً دينياً لمدينة البعوث في الأزهر، وكان مؤثراً على الطلبة الوافدين إلى الأزهر لكنه عُزل عن هذه الوظيفة.
أستاذيته:
عمل الشيخ محمود عبد الوهاب فايد أستاذاً في قسم التفسير في كلية الدعوة وأصول الدين، وكلية اللغة العربية في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة.
لجنة السنة في مجمع البحوث الإسلامية:
كان الشيخ محمود عبد الوهاب فايد عضوا في لجنة السنة في مجمع البحوث الإسلامية.
أبرز مواقفه: مطالبته بمحاكمة عبد الناصر على هزيمة 1967
طالب الشيخ محمود عبد الوهاب فايد بمحاكمة الرئيس جمال عبد الناصر بعد هزيمة 1967، فعزله من منصبه بقرار جمهوري، وحاول بعض العلماء التدخل لدى الرئيس فأجابهم بشرط أن يحضروا منه التماساً بذلك، وذهب إليه الشيخ عبد الحليم محمود ليعرض عليه هذا الأمر فرفض الشيخ بإباء، وقال "أنا طالبت بمحاكمته ولم أطالب بإدانته، وفي المحكمة تنكشف الحقائق".
روايته عن حفل الملك فاروق:
في الحفل الذي أقامه الملك فاروق لأوائل الخريجين، كان الشيخ محمود عبد الوهاب فايد حريصا على أن يصافح الملك وهو منتصب القامة مرفوع الرأس، وكان يروي أنه بسبب هذا الموقف عين في سوهاج خلافاً لما جرى عليه العرف من تعيين الأوائل في القاهرة.
فصله من معهد طنطا بسبب قصيدته:
اعترض الطلاب على كتاب يدرس في كلية الآداب فيه مساس برسول الله فثاروا؛ وأضربوا عن الحضور إلى المعهد، فبادر شيخ المعهد بفصل نفر منهم، فقام الشيخ محمود فايد بإلقاء قصيدة يعترض فيها على فصل الطلبة، فعوقب بالفصل والسجن.
مهاجمته الشيخ عبد الرحمن تاج:
تصدى الشيخ محمود عبد الوهاب فايد للهجوم على شيخ الأزهر الدكتور عبد الرحمن تاج واتهمه بممالأته للثوريين الناصريين وتقصيره في شأن الأزهر والأزهريين بل الإسلام والمسلمين، وكتب مقالا "بسم الله والله أكبر فليستقل شيخ الأزهر"، فنقل الشيخ محمود نقلاً تأديبياً من معهد منوف إلى معهد قنا، ثم أوقف راتبه وأحيل إلى مجلس تأديبي، لكن المجلس أعاده إلى معهده.
مهاجمته الدكتور البهي:
وهاجم الشيخ محمود فايد الدكتور محمد البهي حين كان وزيراً لشؤون الأزهر، ولم يمنعه ذلك الرد القوي من الثناء عليه وبيان محاسنه، فيما بعد.
مهاجمته الرئيس عبد الناصر حين اتهم العلماء ببيع فتاواهم
كتب الشيخ محمود فايد مقالاً في مجلة الاعتصام (عدد ربيع الأول سنة 1381/1961): "… هل يجوز يا سيادة الرئيس أن يذاع على العالم وبجميع اللغات ومن رئيس الجمهورية العربية نفسه مثل هذا الكلام؟ لقد فاتك أن تعقب بأن كثيراً من ذوي العمائم كان لهم مواقف كريمة وغيرة مشكورة، وإحساس مرهف، وإنك لتعرف بعضهم، ولبعضهم عليك فضل، ومن فضل الله أن شعبنا فاضل واع ذكي أريب، يعرف مقاييس الرجال، ويميز الخبيث من الطيب. وختاماً: يكفي العلماء العاملين شرفاً وفخراً أن أحكم الحاكمين زكاهم ورفع قدرهم وخلد ذكرهم فقال سبحانه "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات" ويكفيهم في المدح والثناء قول أفضل البشر "العلماء ورثة الأنبياء".
من مقال له في عهد الملك فاروق:
"ملوكهم وحكامهم معنيون بمناصبهم، همهم أن تَسْلم لهم.. يسالمون عِداهم، ويذلون رعاياهم، يجمعون المال من دم الفلاحين وعرق الكادحين لينفقوه على ملذاتهم، ويبعثروه على شهواتهم، طوراً ينثرونه على موائد القمار ودور اللهو وكؤوس الشراب، وحيناً يبذلونه في مخاصرة النساء وسماع الغناء وما تتطلبه الليالي الحمراء، والويل شر الويل لمن تسول له نفسه أن ينكر عليهم أو يزجي النصح لهم فجزاؤه السجن وإن شئت فقل الإعدام".
من مقال له في عهد الرئيس عبد الناصر
"يا سيادة الرئيس: هذه الأموال الباهظة التي تنفق في غير موضعها، هذه المكافآت السخية التي تصرف من مال الدولة على الممثلين والممثلات، والراقصين والراقصات، والمغنين والمغنيات. قلت يا سيادة الرئيس إنك تريد أن تطهر المجتمع من عوامل الحقد والأنانية والفساد والبغضاء، ومقتضى هذا المنطق أن تُقلم أظافر أولئك المترفين".
هجومه على الاستاذ أحمد حسن الزيات:
كتب أحمد حسن الزيات مقالاً افتتاحياً في مجلة الأزهر الذي كان يرأس تحريرها، وكان في المقال كُفر واضح ظاهر ألا وهو تفضيل الوحدة الناصرية على الوحدة المحمدية، فثار الصالحون في العالم الإسلامي ومنهم الأستاذ أبو الحسن الندوي، وثار الشيخ محمود فايد وكتب مقالاً شديداً رد فيه على الزيات.
حسين الشافعي يستجيب له و يوقف حفلا راقصا في ميدان الحسين.
في رمضان سنة 1387 هـ، انتهز الشيخ محمود فرصة حفل الجمعية الشرعية في ذكرى غزوة بدر:
"أخزى الله هؤلاء السفهاء، لقد بلغ بهم السخف أن يحيوا رمضان بالمنكرات، وفي أي مكان؟ في ميدان الحسين بين مسجده وبين إدارة الأزهر ومشيخة الطرق الصوفية، يا لها من إهانة متعمدة توجه لعمّار هذه المؤسسات الإسلامية، يا لها من إهانة توجه إلى شهر القرآن".
مهاجمته الدكتور طنطاوي:
هاجم الشيخ محمود فايد الشيخ محمد سيد طنطاوي حين كان يتولى منصب المفتي فيما ذهب إليه من تحليل أنواع من الربا.
كتابه الشهير: صيحة الحق:
جُمعت مقالات الشيخ محمود فايد التي تنطق بمعارضته للسياسة في كتابه وفي هذه المقالات كان يسمي ثورة يوليو بالثورة المشؤومة، وقد شن حملة هائلة على عبد الناصر ووصف سلبياته على وجه مفصل.
ويتضمن الكتاب أيضا مقالاته التي طالب فيها بتطبيق الشريعة الإسلامية وعدم التلكؤ، وتعليقاته على قول الرئيس أنور السادات "لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين" ومنها مقالاته في نقد معاهدة السلام، ورده على العلماء الذين أيدوها، ودعوته لعدم ترخيص الحزب الشيوعي. ومقالاته المهاجمة للعلمانيين الذين ينادون بفصل الدين عن الدولة، ويهمزون الشريعة ويلمزونها كعادتهم، ومِن أبرز تلك المقالات ردوده على محمد أحمد خلف الله.
آثاره:
الرسالة المحمدية وشواهدها
المنطق الواضح" في علم المنطق، في جزأين.
التربية في كتاب الله.
الإسلام والصحة.
الإسلام وأثره في نهضة الشعوب
صيحة الحق.
تحقيقاته وشعره
حقق الشيخ محمود عبد الوهاب فايد مجموعة من كتب التراث.
وللشيخ شعر منشور في بعض الكتب والمقالات.
وفاته:
توفي الشيخ محمود عبد الوهاب فايد في 11 في يونيو/حزيران 1997.
أصداء الرحيل:
محمود عبد الوهاب فايد...إمام صدع بالحق:
كان الشيخ محمود عبدالوهاب مثالاً للعالم الشجاع الذى يصدع بالحق مهما كلفه من وراء عناء كثيرا، رزق به منذ نعومة اظافره حينما زرع فيه والده العالم الأزهرى الشجاع الشجاعة والإقدام، والعناد الذى جر عليه عناده وصراحته الأهوال وهو ثابت على ما يؤمن به أنه الحق، لا ينحنى لباغ راساً ، ولا يغض عن ظالم طرفا من أجل ذلك كان نصيبه من البلاء فى العهد الملكى الذى اصطدم به يوم تخرجه، وفى مواقف أخرى سنسردها فيما بعد، وكما عانى فى العصر الجمهوري فى أيام عبدالناصر والسادات ومبارك، نتذكره فى السطور الآتية فى عصر ندرت فيه الإمام القدوة الذى يغشى الحق ويدافع عنه، فقد حفظ التاريخ للشيخ محمود فايد مواقف ناصعة دونت بحروف من ذهب فى سجله الأبيض، كان المنافح عن الإسلام وعلومه يتعقب الآراء الشاذة مهما عظم قائلها فقد انتقد شيخ الأزهر عبدالرحمن تاج عندما انزلق تزلفا للحاكم فى معصية ومخالفة صريحة للإسلام ورد ردودا مجلجلة على الرئيس جمال فى وقت نزع الكثير إلى الصمت والخوف من قول الحق وانتقد مواقف السادات فى كثير من مواقفه واعترض عليه فى معاهدة السلام وغيرها من المواقف..
ولد الشيخ محمود فايد سنة 1339 هـ / 1921 في قرية "دمينكة" وهي تتبع مركز دسوق بمحافظة كفر الشيخ، وأسرته معروفة بالعلم والدين؛ فوالده معروف بالعلم والصلاح، وجده الشيخ مبروك كان عالماً شرعياً، وأخوه الأكبر مأذون القرية ومعروف بتدينه وورعه، وأخوه الذي يلي الأكبر هو د.عبد الوهاب، وهو مدرس في كلية أصول الدين بالجامع الأزهر، وابن عمه الشيخ محمد عبد الغني كان واعظاً بالأزهر ومعروفاً بالصلاح، وغير هؤلاء مما يدل على صلاح الأسرة في الجملة، وتعلق عدد من أفرادها بالعلم الشرعي.
حفظه القرآن العظيم على يد والده العالم الشهير ، الذى ألحقه بمعهد دسوق الديني الابتدائي التابع للأزهر وحصل منه على الشهادة الابتدائية سنة 1937، وحدثت له حادثة فيه ففصل ثم أعيد، وبعد فراغه من الدراسة في المعهد قصد معهد طنطا الثانوي للدراسة فيه، وفصل وسجن بسبب حادثة عرضت له سيأتي ذكرها، وحصل على الشهادة الثانوية سنة 1942 وعلى العالمية من كلية أصول الدين سنة 1946 وعلى العالمية مع إجازة التدريس سنة 1948.
أثرى الشيخ عدد من المصنفات شملت العلوم الشرعية كالتفسير والحديث والفقه والمنطق والتاريخ والسيرة وتميزت مؤلفاته بحسن عرض الفكرة عرضا سلسلة دقيقا متأتثرا بالمنطق وكان أسلوبه عذبا جامعا مانعاً منها: كتاب "المنطق الواضح" في علم المنطق، في جزأين، و"التربية في كتاب الله". دار الاعتصام ، و"الإسلام والصحة". دار القلم والكتاب، و"الإسلام وأثره في نهضة الشعوب". دار الاعتصام، و"الرسالة المحمدية وشواهدها" ويعده أهم مؤلف له. دار القلم والكتاب و"صيحة الحق". دار القلم والكتاب.. "وبالحق صدعنا فى وحه الطغيان" دار الاعتصام 1973، و"كفاحنا فى مواجهة الشيوعية" دار الاعتصام 1988
كما حقق الرجل مجموعة من كتب التراث، متأثرا فيها بشيخه الجليل احمد محمد شاكر الأزهرى الذى حقق عددا كبيرا فى كتب اللغة والأدب والسنة والفقه والمدرسة الأزهرية عريقة فى نشر الكتب فقد كانوا النواة التى بعثت كتب التراث منذ نشاة مطبعة بولاق قبل مائتى عام وبرع منهم: الشيخ محمد محى الدين عبدالحميد، ومحمد عبدالمنعم خفاجى، وعبدالقادر حسين وغيرهم.. ومن كتب الكتب التى حققها الشيخ: "أسد الغابة فى معرفة الصحابة" و"المغنى" لابن قدامة، و"مراقى الفلاح"، والفرقان لابن تيمية، و"الجواب الكافى" لابن القيم
فى سجل الخالدين ..مواقف مشرفة:
كان منهج الشيخ منهجا حيويا، قائم على الكتاب والسنة وسير الصالحين وكان يلم بهذه العلوم إلماما تاما وقد ساعدته فى مقالاته المتنوعة التى شملت معانى الحياة لأن الإسلام دين شامل ومنهج كامل متكامل اعتمادا على المبدا الخالد (ما فرطنا فى الكتاب من شىء) وقد تصدى للرئيس أنور السادات حينما قال (لا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة)، الذي أطلقه السادات في حديثه لأساتذة جامعة الإسكندرية في فبراير 1979 م ، ولخص الشيخ رؤيته في مقطع من العنوان هي قوله: "بل سياسة تهتدي بنور الدين ." والجرأة وقول الحق ملازمة منذ أن كان طالبا فى معهد الأحمدى بطنطا حينما فصل الشيخ إبراهيم الجبالى شيخ المعهد بعضا من الطلاب الذين تظاهروا على تقرر كلية الاداب لرواية جان دارك لبرنارد شو التى تعرضت فيها للنبى صلى الله عليه وسلم فقام الشيخ محمود فايد بإلقاء قصيدة يعترض فيها على الفصل، فعوقب بالفصل والسجن !!
وحينما تخرج من كلية اصول الدين سنة 1946م كان الأول على دفعته وقد كرمه الملك فاروق ورفض ان ينحنى أمامه وإنما صافحه وهو منتصب القامة فصدر امر بتعيينه فى سوهاج علما بأن الأوائل كانوا يعينون فى القاهرة .
وهذه العزة زرعها فيه والده الذى حثه على قول الحق وعدم الخوف من الظالمين والبغاة مستلهما قول شيخ الإسلام ابن تيمية (قول الحق ما تركت لى صديق) ، ويذكر أن شيخ الأزهر عبدالرحمن تاج قد انبطح إلى السياسة الثورية إلى مواقف لا يرضى عنها الإسلام الذى يمثل أكبر معاقله وهو يتوقع إذا نشر ما يريد أن يعاجل بالنقل إلى قنا فأخذ راى الوالد فقال له : "أنا لا يعنينى أن تنقل غلى قنا او تبقى هنا –فى القاهرة- إنما يعنينى أن تلزم جانب الحق فى كل ما تقول". فهاجم شيخ الأزهر على سكوته وكتب مقالاً شهيراً سماه: "بسم الله والله أكبر فليستقل شيخ الأزهر"، ووجد المقال قبولاً كبيراً ورضى لدى جمهرة الأزهريين، فنقل الشيخ محمود نقلاً تأديباً من معهد منوف إلى معهد قنا، ثم أوقف راتبه وأحيل إلى مجلس تأديبي، وفي ذلك المجلس نجاه الله ونصره على من عاداه، وعاد إلى معهده.
وعقب الهزيمة المذلة سنة 1387/1967 طالب بمحاكمة الرئيس عبد الناصر، فعزله من مناصبه بقرار جمهوري، وحاول بعض العلماء التدخل لدى الرئيس فأجابهم بشرط أن يحضروا منه التماساً بذلك، فذهب إليه الشيخ عبد الحليم محمود ليعرض عليه هذا الأمر فرفض الشيخ بإباء، وقال: "أنا طالبت بمحاكمته ولم أطالب بإدانته، وفي المحكمة تنكشف الحقائق، ثم قال: عندما أُخبرت بقرار الفصل بالهاتف صليت ركعتين لله، ثم قلت: اللهم فارزقني وأنا من اليوم عبد خالص لك، وقد استجاب الله لي وأراحني من الذهاب والإياب، وأنا لدي مكتبة عامرة بالكتب ورثتها عن آبائي وأجدادي واشتريت المزيد فأنا أعكف على المطالعة والتأليف، ويأتيني من الرزق أضعاف ما كنت أتقاضاه من الوظيفة، وأحمد الله على نعمه، إنني أقول وقد وسّع الله علي، يالله: لقد أرادوا أن يذلوني فأعززتني، لا أذل وأنا عبدك؛ عبد العزيز، وأرادوا أن يضعفوني فقويتني، لا أضعف وأنا عبدك؛ عبد القوي، وأرادوا أن يفقروني فأغنيتني، لا أفتقر وأنا عبدك؛ عبد الغني".وهذا موقف جليل منه في زمن الطغيان.
ومن مواقفه العظيمة أن عبدالناصر استهزأ مرة بالعلماء وهون من شأنهم، واتهمهم ببيع الفتاوى بالفراخ وأعلن ذلك في إحدى الخطب، فما كان من الشيخ محمود فايد إلا أن كتب مقالاً في مجلة الاعتصام عدد ربيع الأول سنة 1381/1961 في أوج الطغيان والخوف قال فيه بعد كلام غمز فيه من جانب الجيش واتهمه بموالاة الملك السابق يوم كان الشيخ يحارب الفساد: "... هل يجوز يا سيادة الرئيس أن يذاع على العالم وبجميع اللغات ومن رئيس الجمهورية العربية نفسه مثل هذا الكلام ؟! لقد فاتك أن تعقب بأن كثيراً من ذوي العمائم كان لهم مواقف كريمة وغيرة مشكورة، وإحساس مرهف، وإنك لتعرف بعضهم، ولبعضهم عليك فضل، ومن فضل الله أن شعبنا فاضل واع ذكي أريب، يعرف مقاييس الرجال، ويميز الخبيث من الطيب. وختاماً: يكفي العلماء العاملين شرفاً وفخراً أن أحكم الحاكمين زكاهم ورفع قدرهم وخلد ذكرهم فقال سبحانه: "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات" ويكفيهم في المدح والثناء قول أفضل البشر: "العلماء ورثة الأنبياء". وهذا الكلام خطير وصعب أن يواجه به زعيم طاغية ظالم مثل عبدالناصر لكن الشيخ محمود فايد كان من طراز فريد من العلماء.
من مواقفه المشرفة مقالان نشر أحدهما أيام فاروق والآخر أيام عبد الناصر، قال في الأول يصف حال المسلمين:
"ملوكهم وحكامهم معنيون بمناصبهم، همهم أن تَسْلم لهم... يسالمون عِداهم، ويذلون رعاياهم، يجمعون المال من دم الفلاحين وعرق الكادحين لينفقوه على ملذاتهم، ويبعثروه على شهواتهم، طوراً ينثرونه على موائد القمار ودور اللهو وكؤوس الشراب، وحيناً يبذلونه في مخاصرة النساء وسماع الغناء وما تتطلبه الليالي الحمراء، والويل شر الويل لمن تسول له نفسه أن ينكر عليهم أو يزجي النصح لهم فجزاؤه السجن وإن شئت فقل الإعدام".
وفي النص الآخر أيام عبدالناصر قال مخاطباً له:
"يا سيادة الرئيس: هذه الأموال الباهظة التي تنفق في غير موضعها، هذه المكافآت السخية التي تصرف من مال الدولة على الممثلين والممثلات، والراقصين والراقصات، والمغنين والمغنيات. قلت يا سيادة الرئيس إنك تريد أن تطهر المجتمع من عوامل الحقد والأنانية والفساد والبغضاء، ومقتضى هذا المنطق أن تُقلم أظافر أولئك المترفين".
من مواقفه القوية أن فرقة راقصة من بلد شيوعي أرادت أن تقيم حفلاً في ميدان الحسين!! في رمضان سنة 1387، فانتهز الشيخ محمود فرصة إقامة الجمعية حفلاً في ذكرى غزوة بدر فتكلم قائلا:
"أخزى الله هؤلاء السفهاء، لقد بلغ بهم السخف أن يحيوا رمضان بالمنكرات، وفي أي مكان ؟ في ميدان الحسين بين مسجده وبين إدارة الأزهر ومشيخة الطرق الصوفية، يالها من إهانة متعمدة توجه لعمّار هذه المؤسسات الإسلامية، يا لها من إهانة توجه إلى شهر القرآن". وكان أحد المسؤولين حاضراً لذلك الحفل فأبلغ الخبر إلى حسين الشافعي نائب رئيس الجمهورية فأصدر أمره بالغاء الحفل، فكم نحن -اليوم- بحاجة إلى أمثال هؤلاء العلماء.
بينه وبين الزيات:
فؤجىء الناس ذات يوم بمقدمة مجلة الأزهر التى كتبها رئيس التحرير احمد حسن الزيات ، وفيها يمتدح جمال عبدالناصر وتجربته فقال بان الوحدة بين مصر وسوريا خير وابقى من الوحدة التى بناها محمد - صلى الله عليه وسلم- وكان في المقال كُفر واضح ظاهر ألا وهو تفضيل الوحدة الناصرية على الوحدة المحمدية!! وثار الصالحون في العالم الإسلامي ومنهم الأستاذ أبو الحسن الندوي، وثار الشيخ محمود فايد وكتب مقالاً شديداً رد فيه على الزياد، فند فيه هذا القول القبيح والذى لا يستغرب من الزيات الذى مدح فاروق قبل الثورة بشهرين فى افتتاحية مجلة الأزهر 25 مايو 1952وقال عنه (بسم الله جل اسمه وعز حكمه منزل كتابه هدى، ومرسل رسوله رحمة، وبهدى صاحب الرسالة محمد صوات الله عليه ..لسان الوحى ، ومنهاج الشرع ، ومعجزة البلاغة، وبعطف صاحب الجلالة الفاروق .. ناصر الإسلام، ومؤيد العروبة، وحامى الأزهر، أعز الله نصره، وجمل بالعلوم والآداب عصره..)، ثم يتحول ويهجوه بأقذع اللفاظ فى افتتاحية مجلة الأزهر عدد يوليو سنة 1960: فقال :"كان ملكاً على مصر قبل 23يوليو ، كان آية من آيات إبليس فى الجرأة على دين الله وعلى حرم الناس ..بلغ من جرأته كما حدثنى احد بطانته إذا اصطرته رسوم الملك ان يشهد صلاة الجمعة خرج إليها من المضجع الحرام فصلاها من غير غسل ولا وضوء واداها من غير فاتحة ولا تشهد وكان يقول انه اخوف ما أخاف ان يغلبنى الضحك وانا اتابع الإمام فى هذه الحركات العجيبة وبلغ من جرأته انه كان يغتصب الزوجة ويقتل الزوج ويسرق الدولة ويسفه الحق، ويأخذ الرشا ثم املى له الغرور فتبجح وتوقح وطغى...". وقال عنه الشيخ : "لق عاش الزيات هكذا طوال حياته ، يكتب ما يروج ، وينشر ما يجلب له النعمة والعافية وحسبه انه ظفر فى عهد فاروق بلقب "صاحب العزة" وحصل فى هذا العصر(عصر عبدالناصر) على اكبر جائزة(جائزة الدولة التقديرية)".
تميز الشيخ محمود فايد بميزة لم تكن لعالم في زمانه فيما أعلم، والله أعلم ألا وهي اطلاعه الواسع على أحداث بلاده في زمانه، وفقهه واقعَ قومه، وقد جعله هذا يسارع إلى الرد على المخالف أو المفسد، أو الضال، وذلك من خلال المنبر الذي سخره الله له وهي مجلة "الاعتصام"، وهي على أنها محدودة الانتشار لكن كان لها من يتلقف مقالاتها المهمة فيعيد نشرها في بعض الصحف السيارة الذائعة، وبعض تلك المقالات نشر في صحف المعارضة بعد توقيف مجلة "الاعتصام".
ولم يستثن الشيخ في رده أحداً، فهو يرد على كل من يرى وجوب الرد عليه أو مناقشته، فقد ر على عبدالناصر في أوج طغيانه، وعلى السادات، وعلى حسني مبارك، ورد على بعض الوزراء والكبراء، وعلى بعض المشايخ الضعاف أو أصحاب المواقف المنحرفة أو المتخاذلة.
ولقد جُمعت هذه الردود والمناقشات في كتاب ضخم اسمه "صيحة الحق"، وبعض هذه الردود والمناقشات آتت أكلها وثمارها فحصل بها تغيير ولله الحمد، إذن لم تكن كل تلك المقالات صرخة في وادٍ، ورد فيه على كل الدعاوى الباطلة التى أثيرت فى عصره واشتد سعاره ...
وبعد مأ أشبه الليلة بالبارحة، فمازال المغرضين يثيرون الشبهات فى كل عصر حقدا على الإسلام دين الفطرة الذى يهدد انفلات هؤلاء الذين يريدون مجتمعا منفلتا ضد القيم والثوابت ومازالوا يثيرون على هذا المنهج حتى اليوم فهل نرى شيخا بقامة الشيخ محمود عبدالوهاب فايد يكبح جماح هؤلاء ؟
إنا لمنتظرون...
ظل الشيخ محمود فايد وثيق الصلة بالجمعية الشرعية حتى تولى رئاستها بعد وفاة الشيخ الجليل عبداللطيف مشتهرى سنة 1995 وحتى وفاته ..
وبعد رحلة طويلة من النضال والصدع بقول الحق توفي الشيخ تعالى سنة 1418/1997 ودفن في مصر، غفر الله لنا وله.
الشيخ محمود عبد الوهاب فايد نموذج مشرف للصدع بالحق في وجه النفاق والمنافقين.
وكتب د. عبد الآخر حماد (عضو رابطة علماء المسلمين) يقول:
النفاق مرض نفسي يصيب قلب الشخص فيجعله ينطق بما لا يعتقد ،ويجهر بغير ما يبطن ، وهو داء يصيب الدول والجماعات أيضاً فيجعل الصوت الغالب فيها هو صوت المداهنة وكيل المديح لكل من غلب ،وقد توالت على الإسلام –كما يقول الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله – ( عصور الضغط على الحريات وعلى الألسنة التي تنطق بالحق ، وحيث سكت لسان أهل الحق نطق لسان الباطل ،وهو لسان النفاق وأهله ، وإذا قلنا إن الذي قضى على سلطان الإسلام هو النفاق لم نكن من المغالين في القول المسرفين فيه ) [ من مقال بعنوان : النفاق .. النفاق نشر بمجلة لواء الإسلام عدد ربيع الأول 1383هـ ].
من المهم أن يعرف قارئُ هذه السطور المناسبةَ التي خط فيها الشيخ أبو زهرة كلماته السابقة ، ألا وهي أن واحداً من كبار الكتاب في ذلك الوقت كان قد سقط سقطة خطيرة وزلَّ زلة عظيمة ،لا يمكن تفسيرها إلا بهذا الذي أشار إليه الشيخ أبو زهرة من أنها نوع من النفاق الرخيص الذي تنطق به ألسنة أهل الباطل إذا أُسكت لسان أهل الحق .
كان ذلك الكاتب هو الأستاذ أحمد حسن الزيات صاحب مجلة الرسالة الشهيرة ،والذي كان يتولى في تلك الحقبة أيضاً رئاسة تحرير مجلة الأزهر ، وكانت السقطة أنه كتب مقالاً افتتاحياً بمجلة الأزهر( عدد محرم 1383هـ الموافق لشهر يونيو 1963م ) بعنوان أمة التوحيد تتوحد ، قال فيه بالحرف الواحد : ( إن الوحدة المحمدية – يقصد التي أقامها محمد صلى الله عليه وسلم -كانت كلية عامة ؛ لأنها قامت على العقيدة ، ولكن العقيدة مهما تدم قد تضعف أو تحول . وإن الوحدة الصلاحية – يقصد التي أقامها صلاح الدين- كانت جزئية خاصة لأنها قامت على السلطان والسلطان يعتريه الوهن فيزول . أما الوحدة الناصرية –أي التي أقامها جمال عبد الناصر – فباقية نامية لأنها تقوم على الاشتراكية في الرزق والحرية في الرأي والديمقراطية في الحكم ، وهذه المقومات الثلاث ضمان دائم للوحدة ألا تستأثر فتستغل وألا تستبد فتطغى وألا تحكم فتتحكم …. ).
ولا شك أن هذا الكلام يتضمن قدحاً في مقام النبي صلى الله عليه وسلم لتفضيله ما يسميه الوحدة الناصرية على الوحدة التي دعا إليها وأسسها خاتم النبيين وسيد الأولين والآخرين محمد صلى الله عليه وسلم .
ومن أعجب ما في مقالة الزيات المشار إليها أنه كتبها في وقت لم تكن هناك وحدة ناصرية أصلاً ؛ففي ذلك الوقت كان قد مضى أكثر من عام ونصف العام على ما سمي وقتها بكارثة الانفصال أي انفصال سوريا عن مصر ،وانتهاء دولة الوحدة الناصرية التي يقول عنها الزيات : إنها باقية نامية.
ولئن كان الشيخ أبو زهرة قد اكتفى في مقاله المشار إليه بالتلميح دون التصريح ، فإني وقفت في عدد مجلة الاعتصام الصادر ربيع الأول 1383ه الموافق لشهر أغسطس 1963م على شبه ملف كامل حول هذه القضية حرر أكثرَ مادته أسد من أسود الإسلام وجندي من جنده العظام هو الشيخ محمود عبد الوهاب فايد رحمه الله ، وقد كان – لمن لا يعرفه- واحداً من علماء الأزهر الأجلاء ،كما كان من علماء الجمعية الشرعية التي تولى رئاستها في منتصف التسعينات إلى أن توفي سنة 1997م .وقد اشتهر رحمه الله بصدعه بالحق وكونه لا يخشى في الله لومة لائم .
وقد كان مما كتبه الشيخ فايد في معرض دفاعه عن الوحدة المحمدية التي غمزها الزيات في مقاله : ( يا أستاذ زيات : إن الوحدة المحمدية التي تزعم أنها قامت على أساس قد يضعف ثم ينهار هي الوحدة التي أشاد الله بها ونوه بذكرها في هذه الآية الكريمة : ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ) ، إن هذه الوحدة قامت على أساس من تعاليم الإسلام ،والإسلام ليس عقيدة فحسب – كما حسبت – بل هو عقيدة وشريعة ، ونظام كامل ومنهاج وافٍ للناس في كل نواحي الحياة : عقيدة توثق العلاقة بين العبد والرب ، وشريعة توثق العلاقة بين الناس بعضهم مع بعض ،عقيدة تملأ القلب أمنا وإيماناً ،وشريعة تملأ الكون سلاماً وإسلاماً ومحبة ووئاماً ).
إلى أن قال رحمه الله : ( نعم هذه هي الوحدة المحمدية التي لم تعجبك والتي رأيتها تقوم على أساس قد يضعف أو يحول ، لقد أخذت عليها أنها تقوم على العقيدة ،وذاك لعمر الحق ميزة لها ، ولكنك خشيت على نفسك لو قامت على هذا الأساس أن تقعد منها مقعد القصي ،وأن تعيش معزولاً خارج إطارها ، بعيداً عن دائرتها، فأحببت أن تقوم على أساس من النفاق لكي تجد لك مكاناً رحباً فسيحاً تركض فيه وترتع ) .
وفي موضع آخر من عدد الاعتصام المشار إليه نقل الشيخ فايد نصين متناقضين للزيات يدلل بهما على تأصل طبيعة النفاق فيه ، وقد نُشر أحدهما في مجلة الأزهر قبل خلع الملك فاروق بشهرين ، ونشر الثاني في مجلة الأزهر أيضا بعد خلع فاروق بثماني سنين .
أما النص الأول ففيه ينافق الزيات فاروقاً بقوله : ( باسم الله جل اسمه وعز حكمه منزل كتابه هدىً ومرسل رسوله رحمةً ،وبهدي صاحب الرسالة محمد صلوات الله عليه لسان الوحي ،ومنهاج الشرع ،ومعجزة البلاغة ،وبعطف صاحب الجلالة الفاروق ناصر الإسلام ،ومؤيد العروبة ،وحامي الأزهر أعز الله نصره ،وجمل بالعلوم والآداب عصره ) .
وأما النص الثاني فهو افتتاحية عدد يوليو سنة 1960م من مجلة الأزهر التي يقول الزيات فيها متحدثاً عن فاروق : ( كان ملكاً على مصر قبل يوم 23 يوليو و،كان آيةً من آيات إبليس في الجرأة على دين الله وعلى حرم الناس .. بلغ من جرأته على الله كما حدثني أحد بطانته المقربين إليه أنه كان إذا اضطرته رسوم الملك أن يشهد صلاة الجمعة خرج إليها من المضجع الحرام فصلاها من غير غسل ولا وضوء ،وأداها من غير فاتحة ولا تشهد ، وكان يقول : إن أخوف ما أخافه أن يغلبني الضحك ،وأنا أتابع الإمام في هذه الحركات العجيبة ، وبلغ من جرأته على الحرمات أنه كان يغتصب الزوجة ،ويقتل الزوج ويسرق الدولة ويسفه الحق ،ويأخذ الرشا ثم أملى له الغرور فتبجح وتوقح وطغى ) .
هكذا تجرأ الزيات –كما يقول الشيخ فايد – ( على فاروق بعد طرده ،وقد كان يدبج له المدائح في عهده ،وهكذا يكتب عنه جليس بطانته وأنيس حاشيته )
وأخيراً : فلم يفت الشيخ فايد رحمه الله أن يتوجه مباشرة إلى الشخص المعني بنفاق الزيات ألا وهو الرئيس عبد الناصر نفسه فأرسل إليه برقية نشر نصها في ذات العدد ،وهذا نصها : ( السيد رئيس الجمهورية .. القاهرة : من قلب مخلص أنبهكم لخطر المقارنة بين الوحدة المحمدية والناصرية المنشورة بمجلة الأزهر عدد المحرم راجياً مصادرة الصحيفة ومحاسبة الزيات على إساءته للرسول وللأزهر ) محمود عبد الوهاب فايد المدرس بمعهد القاهرة .
وبعد : فهذا موقف واحد من مواقف ذلك الشيخ الجليل التي صدع فيها بالحق ،وكم له رحمه الله من مثل تلك المواقف التي تذكرنا بمواقفَ عظيمة وقفها من قبله علماء كرام وأئمة أجلاء كأحمد بن حنبل والعز بن عبد السلام وابن تيمية وغيرهم .
(المصادر:
١_صفحة د. عبد الآخر حماد على الفيسبوك.
٢_ منتدى العلماء المسلمين.
٣_ موقع الجزيرة نت ؛ مقالة د. محمد الجوادي.
٤_ الموسوعة التاريخية الحرة.
٥_ مواقع إلكترونية أخرى.
وسوم: العدد 1031