الشيخ الداعية الشهيد محمد أديب بديع الكيلاني
(١٩٣٧ _ ١٩٨٢م)
هو الشيخ العالم الداعية الشهيد محمد أديب بن محمد بديع الكيلاني الذي خرج مبلغاً عن الله، وطاف البلدان، ولقي الله شهيداً.
مولده، ونشأته:
ولد الشيخ الداعية، والعالم الرباني محمد أديب بن محمد بديع الكيلاني بمدينة حماة عام [ 1937م ] ونشأ في أسرة عريقة تنتسب إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني دفين بغداد، وتعود أصولها إلى الدوحة النبوية الطاهرة.
وفي محيط هذه الأسرة التي اشتهرت بالعلم والزهد والتصوف، وقدمت العديد من العلماء والأعيان والشعراء نشأ الشيخ محمد أديب، وترعرع، فكان زاهداً عابداً صواماً ملتزماً مواظباً على دروس العلم والدين.
الدراسة، والتكوين:
وبعد حصوله على الشهادة الثانوية انتسب إلى كلية الشريعة في جامعة دمشق، وبعد تخرجه فيها عام 1961م.
ثم تابع تحصيله العلمي، فحصل على درجة الدبلوم في التربية.
شيوخه، وأساتذته:
لازم الشيخ محمد أديب الكيلاني كبار العلماء بدمشق، وأخذ عنهم العلوم الشرعية منهم:
- الشيخ العلامة عبد الكريم الرفاعي.
- والعالم الزاهد الشيخ محمد الهاشمي التلمساني نزيل دمشق أخذ عنه أصول الدين وطريقته في الزهد والتصوف.
- وبعد وفاته لازم الشيخ عبد القادر عيسى، وكان الشيخ محمد أديب الكيلاني يعطي بعض الدروس في جامع العادلية في حلب.
- ثم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري الذي أجازه بالتسليك والإرشاد في الطريقة الشاذلية.
5-وأخذ الفقه الحنفي بحماة عن مفتي السلمية العلامة الشيخ محمود بن أحمد الشقفة.
6-ولازم العارف بالله الشيخ محمود عبد الرحمن الشقفة، وكان يحضر حلقات الذكر ومجالس الصلاة على النبي في الروضة الهدائية .
7-كما لازم دروس الشيخ محمد الحامد في جامع الأحدب، وجامع السلطان.
الوظائف، والمسؤوليات:
وبعد تخرجه من الجامعة دّرس في حلب، ومنبج، وخان شيخون، وكفر تخاريم، وحماة، واتخذ من دار الفقراء بحماة مركزاً لنشاطه الدعوي وإرشاده السلوكي.
وكانت له دروس عامة وخاصة يدرس فيها جوهرة التوحيد للشيخ ابراهيم الباجوري، وإحياء علوم الدين للإمام أبي الحامد الغزالي، والتفسير الكبير للرازي.
وكان له درس عام في جامع المناخ يشرح فيه جوهرة التوحيد ويـبـيـن العقيده الإسلامية الصحيحة، فازدحم المسجد حتى غص بالرواد وطلبة العلم، وأغلقت الشوارع المحيطة بالمسجد لكثرة الوافدين من حماة وريفها، وكان له درس في الزاوية الكيلانية، وحلقة ذكر في منزل السيد حسين الشقفة رحمة الله تعالى يدرس فيها البرهان المؤيد للشيخ أحمد الرفاعي الكبير، ويشرحه شرحاً لطيفاً بديعاً، وكان يحضره الشيخ المربي عبد الرحمن الشاغوري أثناء زيارته لحماة.
أخلاقه، وصفاته:
امتاز - رحمه الله بالأدب الرفيع، والزهد، والتواضع، ونقاء السريرة وثقته المطلقة بقضاء الله وقدره والتزامه الشديد بالكتاب والسنة وحبه للفقراء والمساكين وتقديره للعلماء والعاملين .
وكان رغم معاناته من المرض صاحب قوة وعزيمه كبيرة ينوب عنه في دروسه حال مرضه الفقيه عبد المجيد عرفه رحمه الله تعالى (ت 1982م).
تلاميذه:
وأما تلاميذه فكثر يصعب حصرهم، فقد أخذ عنه الكثير من طلبة العلم الشرعي والزاهدين شرح وتحقيق كتاب الشيخ ابراهيم الباجوري في علم التوحيد بالاشتراك مع الشيخ عبد الكريم تتان، وسماه بـ (عون المريد شرح جوهرة التوحيد )
قدم له وراجعه كل من الشيخين العلامة عبد الكريم الرفاعي، والعلامة وهبي سليمان غاوجي الألباني رحمهما الله تعالى.
ومن أبرز تلاميذه:
الشيخ محمد صبحي حلاق: أخذ عنه كتاب المعرفة لعبد الكريم الرفاعي، وقصة الإيمان للشيخ نديم الجسر.
الشيخ د. محمد صبحي مغربي: حضر دروسه ولازمه حين كان يدرس في منبج.
مؤلفاته:
- عون المريد في شرح جوهرة التوحيد: بالاشتراك مع الشيخ عبد الكريم تتان.
دروسه، ومحاضراته:
وللشيخ دروس كثيرة ندعو محبيه لتفرغيها وجمعها وطبعها في كتاب.
- أحوال يوم القيامة
- الأخوة في الإسلام.
- الشفاعة.
- حول اصحاب الظلال والمراقبة.
- حول الحوض والكوثر.
- حول الروح وتزكيتها.
- حول الشفاعة ومقتل عثمان ضي الله عنه.
- حول الشفاعة وزيارته عليه الصلاة والسلام وذي الحجة والأضاحي.
10-حول ذكر الله تعالى.
11-حول طلب العلم وتعليم الأبناء.
12- درس توحيد في جامع المناخ لايزال الله يغرس في هذا الدين.
13-درس حول الساعة وحملة العرش.
14-درس من الإحياء-الإخلاص.
15-ورجل ذكر الله خالياً، ففاضت عيناه.
16-لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول الله الله.
17-ما يتعلق بالروح.
18-مجاهدة النفس.
19- محاسبة النفس.
20-من حمى مؤمنا من منافق حمى الله جسده من النار.
20-يحشر المرء مع أحب.
وفاته:
رفض الشيخ الخروج من حماة أثناء الأحداث، وبقي يرشد ويعظ ويذكر، حتى استشهد الشيخ المجاهد محمد أديب الكيلاني رحمه الله تعالى مع ولديه الشهيدين حسن، وعبد القادر في شهر شباط 1982م في حي الكيلانية رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.
أصداء الرحيل:
الشيخ المجاهد العالم العامل الشهيد محمد أديب بديع الكيلاني.
مهما تكلمنا عن هذا الشيخ لا تأتي كلماتنا الا كلبنة من بناء، أو قطرة في إناء، عالم جليل، مربٍ فاضل، ربى جيلاً من الشباب، فأحسن تربيتهم، فجعلوه قدوتهم، وما زال أثره فيهم، وكان صارماً في الحق، ثابتاً على مبادئه، رفع كلمة الله، وجعلها هدفه في الحياة، ولو كلف ذلك حياته، وقد كلف، عاش يردد "الله"، واستشهد عليها .
ولد في مدينة حماة عام 1937م في حي الكيلانية المباد، عائلته من أشهر عوائل حماة وعوائل العالم العربي، فهي في الشام وفي شرق آسيا وفي الجزيرة العربية وفي مصر وفي المغرب العربي وكلها تعود للإمام عبد القادر الجيلاني، ويعود نسبه لنسب خير الخلق محمد صلى الله عليهوسلم.
درس الشهيد في جامعة دمشق، وتخرج فيها بعد ان حصل على بكالوريوس الشريعة الإسلامية.
أكمل دراسته فأخذ الماجستير في التربية، وأثناء دراسته في دمشق درس على مشايخها منهم الشيخ محمد الهاشمي التلمساني فأخذ عنه علم التوحيد حتى اصبح عالما فيه مجيدا ثبتا , واخذ عن الشيخ نفسه علم السلوك و أجيز في الطريقة , و تتلمذ عند الشيخ محمد الحامد و لازمه ملازمة طويلة و عند الشيخ عبد الرحمن الشاغوري و الشيخ عبد القادر عيسى و الشيخ محمود الشقفة , ومن إخوانه المقربين الشيخ عبد الكريم تتان .
عمل مدرساً للتربية الإسلامية في خان شيخون ثم في كفر تخاريم ثم في منبج ثم مدرسا للتربية الاسلامية في ثانوية أبي الفداء في حماة , وكان إمام مسجد زاوية الشيخ حسين الكيلاني في الكيلانية , ودرًس وعلم ونشر الدين في مساجد حماة وبين أهلها سنوات طوال أهمها مسجد المناخ و الجامع الأعلى الكبير و وكان يحضر درسه الاسبوعي الآلاف من جميع انحاء سوريا , وكان لا يقطع الاعتكاف في المسجد في كل رمضان هو و تلامذته الذين رباهم, وتزوج من اخت الشيخ محمد بشير بن الشيخ حسين الشقفة .
كان قد بدأ في شرح متن "جوهرة التوحيد" في علم التوحيد وكانت ستصبح مؤلفاً عظيماً مفيداً لكن استقبل الشهادة بصدره قبل ان يكمل الكتاب .
في عام 1982م وعندما دعاه واجب الدفاع عن بلده وأهل مدينته لم يتخلف ولم يخرج من المدينة ويتركها للمغتصبين , رغم كثرة الدعوات لخروجه ودعوة البعض لتأمين معيشة رغيدة سعيدة له ولعائلته , رفض الفرار والانسحاب، بل دعا تلامذته للتصدي والثبات، فاستشهد مقبلاً غير مدبر، مجاهداً صادقاً هو واثنين من أولاده حسن وعبد القادر، كان قد مضى من عمره حين استشهاده ما يقارب 45 عاماً.
وفي الثورة السورية عام 2011 لم يُنسَ اسم الشيخ، فما زال صدى صوته في الدعوة للجهاد والثبات يدوي في مآذن حماة وبين جدرانها، فمن كتائب حماة التابعة للجيش الحر كتيبة الشيخ أديب الكيلاني، ونشرت خلال هذه الثورة المباركة كلماته، وبعض مقاطع الصوت له، لقد كان خير قدوة في حياته وبعد مماته، فالشهيد حي لا يموت، وهذا يدل على إخلاصه لله تعالى، رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته، وحشرنا معه تحت لواء سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.
موقف لا ينسى في حياة العلامة الشيخ الشهيد أديب الكيلاني رحمه الله تعالى:
وكتب د. خلدون مخلوطة يقول:
في ربوع حماة الأبية، وفي حيِّها العامر المسمى بالحاضر، وفي أحد مساجدها الواسعة "مسجد المناخ"، كان الشيخ العلامة الشهيد أديب الكيلاني -رحمه الله- يقيم فيه درسه يوم الثلاثاء في علم التوحيد بين المغرب والعشاء، وكان الحضور يفوق حضور صلاة الجمعة، وتشعر كأن الأرض قد اتصلت بالسماء عند إلقاء الدرس بصوته الندي، وهدير العلم والإيمان، وتحقيقه لأدق مسائل العقيدة بأسلوب علمي رصين، وقد استطاع إيصال المعلومة بطريقة مبسطة لتتناسب مع كل الشرائح المثقفة وغير المثقفة.
وفي نهاية الدرس بعد أذان العشاء يبدأ الشيخ مناجاة بدعاء خاشع، وتضرع فيه الخشية والانكسار، والناس يؤمنون، وترتفع الأصوات بالبكاء، فتظلِّـلهم الرحمات، وتعلوهم السكينة.
وفي أحد الأيام خرج الشيخ من درسه، ومئات الناس من حوله، وإذا برجل من أهل السودان، نحيف الجسم، بسيط اللباس، أشار للشيخ يريده بحديث خاص، فترك الشيخ الجموع، وأقبل على هذا الرجل، وما هي إلا لحظات فعاد الشيخ وقد انتقع لونه، واصفر وجهه، وارتعدت فرائصه، فقيل له: يا شيخ والله لقد عدت إلينا بغير الوجه والحال الذي تركتنا عليه، فما الذي حصل معك ؟؟!.
فأجاب الشيخ: لقد قال هذا الرجل كلمةً أثرت فيّ نفسي أيما تأثير، لقد هَمَسَ في أذني قائلاً: ( الناس ينظرون لظاهرك، والله ينظر لباطنك).
ثم قال الشيخ: (أجل يا أحبتي، إن الله سبحانه يرسل لعبده من يذكِّـره، ويضع له كوابح حتى لا تغره نفسه بكثرة اجتماع الناس حوله، فلا يصاب بكبر أو طغيان، وليجدد دائما نيته فلا يريد بعمله إلا وجهه الكريم ) .
وهذا ذكَّـرني بمقولة رائعة أخذها هذا الرجل الصالح السوداني من العالم الرباني الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى حيث قال:
(الخلق ينظرون إلى ظاهرك، والخالق ينظر إلى باطنك، فاحذر أن تُزيّن محل نظر الناس، وتُقبّح محلّ نظر الله عزوجل ) .
فما أجمل تلك الذكريات في ربوعك يا حماة الإباء، وما أروع مساجدك ومجالس العلم فيها .
أحنُّ إلى ربوع حماةَ شوقاً * وأذكرُ ماضياً عذباً جميلا
نواعيرُ المياه بلا فُتورٍ * تقلِّبُ في حماةَ السَّلسبِيلا
أحنُّ إلى أبي و أخيْ و أمّيْ *وأذكُرُ يومَ أزمعتُ الرّحِيلا
تقولُ الأمُّ: يا طفليْ سلاماً * و ربُّ الكونِ يَهديكَ السَّبيلا
الشيخ الشهيد محمد أديب الكيلاني !:
وكتب الشاعر الداعية يحيى حاج يحيى يقول:
نشر الأخ الصديق ممد صبحي مغربي صورة للشهيد، فعادت بي الذكريات إلى عام ١٩٧٦ ، وكنت مرافقاً لأستاذنا الشهيد إبراهيم عاصي في زيارة لمدينة حماة، فاصطحبني لحضور درس للشيخ أديب في جامع المناخ في حي الحاضر ، وهو يقول: ستسمع اليوم كلاماً لرجل من أهل الله !! فهاجت الذكرى، وكانت هذه الأبيات:
أديبٌ قد مضى، والذّكْرُ حاضرْ.. ولا تـخـفى الـفـضائلُ والـمآثرْ !
دعا الرحمنٓ أن يقضي شهيداً فـكان، ومن حماةٓ أتت بشائرْ!
بـرفقة فِـلذتيهِ..وماتوانى ... فـربُّـك عـالِـمٌ مـافي الـسرائرْ !!
ورحم الله الشيخ الداعية المجاهد محمد أديب الكيلاني، رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.
وسلام على أبي أسيد في الخالدين.
مصادر الترجمة:
١_ تتمة الأعلام: محمد خير رمضان يوسف.
٢_ موقع علماء حماة.
٣_ رابطة أدباء الشام. وسوم: العدد 687
٤_ رابطة العلماء السوريين.
٥_مواقع إلكترونية أخرى.
وسوم: العدد 1046