الشيخ الداعية محمود الجوهري: حارس الأسرة الأمين
مقدمة:
هذه الدعوى المباركة كتب تاريخها بدماء الشهداء ومداد العلماء وسير الصالحين وهذا هو شأن الدعوات المجددة فى تاريخ الإسلام, ولا تزال هذه الدعوة المباركة حتى يرث الله الأرض ومن عليها تقدم فى مسيرتها الطويلة المباركة الشهيد تلو الشهيد والصالحين فى إثر بعض وكأنه صف طويل يقف فى ألوانه النبيون والصديقون والشهداء والصالحون وحسن أولئك رفيقا.
هذه الدعوة شجرتها باسقة أصلها ثابت وفرعها فى السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها, وهى كلمة صدق صدق وعدل نطق بها مجدد الإسلام فى القرن الرابع عشر الإمام الشهيد حسن البنا عليه رحمة الله ورضوانه, وهو رجل عالم مجدد شهد بصرحه القريب والبعيد – ولا نزكى على الله أحد – فتبعه الناس على اختلاف مشاربهم, العالم الأمى, والمدرس والمهندس والمزارع والطبيب, العربى والعجمى – ولعل هذا من علامات الصدق مع الله – وتعرضوا لأبشع ما عرف العصر الحديث من محن وابتلاءات فثبت الكثير منهم, بحيث يمكن القول بكثير من الاطمئنان أن الخط الثابت فى هذه الدعوة هو خط الثبات والاستمرار, وصدق فى التيار العام من هذه الدعوة قول الله عزوجل [من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا]
والأستاذ محمود الجوهري 1913 - 2004 من إعلام الرعيل الأول فى هذه الدعوة المباركة عرفناه عن قرب فما وجدنا مثله: سره خير من علانيته ثباتا ووفاء وبرا بدعوته وولاء لها – ولا نقول إلا ما يرضى ربنا.
ولم يكن الأستاذ محمود الجوهري مجرد داعية فلقد استطاع خلال سنى عمره التى تجاوزت التسعين عاما ان يسطر موسوعة دعوية من طراز فريد حملت فى جوانبها أبوابا شتى من الأخوة الصادقة, والجهاد الحق والصبر عند الشدة والابتلاء والاجتهاد فى التحصيل والتعليم.
وكانت حياته رحمه الله حافلة بكل معانى الدعوة متعايشة مع مفرادتها حتى كان جنديا حريصا على حماية الثغرة التى يقف عندها وتراه مربيا حانيا على أبنائه وبناته ورب أسرة يسهر على صلاح حالها. وهذه الصفحات ليسا تاريخا , فأحسب أن تاريخ الرجل أعظم من ذلك ولكن لمسة حب ووفاء لرجل صاحب فضل على أجيال بكاملها لعمله على ثغرة من أخطر ثغرات العمل الإسلامى المعاصر, وأحسب أن فى ميزان حسناته يوم القيامة كل الداعين إلى تحرير المرأة المسلمة على أساس من الإسلام وتحت مظلة مرجعيته فى وقت تزاحمت فيه دعوات تحرير المرأة بين الغلو والجفاء, وهى دعوات فى مجملها تنحو منحى تغريب المرأة المسلمة, تغريب: إما فى الزمان ( لعصر غير عصرنا وواقع غير واقعنا) وإما تغريب فى المكان ( لبلاد وحضارات موغلة فى ماديتها)أو بفرض منظمومة أفكار لمجتمعات قطعت فى الضلال أشواطا بعيدة فحولت ( المنظومة الفكرية لهذه المجتمعات ) المرأى بداية إلى أداه ترويج للسلع والأشياء ثم حولت المرأى نفسها إلى سلعة وشىء يجرى تسويفه وترويجه.
والأستاذ محمود الجوهري هو أحد أركان كتيبة الإصلاح المجتمع المصرى على مدى سنوات طويلة أمضى فيها حياة ثابتا على مبدئه فما غير وما بدل وترك الأمانة ومات - رحمه الله – قابضا على دينه وعلى دعوته يعض عليها بالنواجذ يرى أنها سفينة النجاة فى وقت تضطرم فيها الحياة بالفتن.
وقف الأستاذ محمود الجوهري فى كتيبة الإصلاح على ثغرة الأسرة فكان النموذج الصالح الذى أنجبته تلك الدعوات الطيبة نعم الزوج لزوجته ونعم الأب لأبنائه ونعم الجد لأحفاده ونعم الداعى فى طريق الله. رحم الله أستاذنا وشيخنامحمود الجوهري وأسكنه فسيح جناته ورزق دعوة الحق .
ليس رثاء, بل ألم الفراق
ما أقسى على النفس من رثاء من تعلقت بهم، وارتبطت وجدانيا بسيرهم وأعمالهم وعاشرتهم فلم تر منهم إلا كل خير ولم تسمح منهم إلا خيرا فكانوا قدوة تمشى على الأرض.
فقدت دعوة الإخوان المسلمين ورقة من أوراق شجرتها الباسقة وهى الشجرة التى رواها الشهداء بدمائهم والعلماء بمدادهم والصالحين بسيرهم وتاريخهم.
رحم الله الأستاذ محمود الجوهري فلقد أعاد بسيرته العطرة سير الصالحين من علماء الأمة والمجاهدين من رجالات السلف الصالح ممن ملأوا طباق الأرض علما وعملا وصلاحا وإصلاحا تعرفت عليه عن قرب منذ ما يزيد على الثلاث سنوات فكنت دائم الاتصال به والتواصل معه ولقاءه فلا يمر يوم إلا وبيننا اتصال تليفونى على الأقل ولا يمر أسبوع إلا وأراه.
عاشرته عن قرب فكان دائما ما يحكى لى عن قصص الإخوان المسلمين وذكرياته مع الإمام الشهيد حسن البنا وأسفاره معه وكان يتمتع رحمه الله بذاكرة قوية فيدقق فى التفاصيل كأن الأحداث بنت الساعة ويصورها فكأنى أراها ويذكر السماء بكاملها والتواريخ ومواقع الأحداث.
كان أكثر ما يحكى لى عنه قصة الأخوات المسلمات ( وهو رحمه أكثر من يعرفها خاصة فى مراحلها الأولى) وكيف تكونت أول لجنة تنفيذية لقسم الأخوات المسلمات فى محاولة لاستئناف نشاط القسم بعد أن فتر بسفر السيدة لبيبة أحمد عليها رحمة الله إلى الأراضى الحجازية واختيارها الإقامة هناك. وكانت زوجة الأستاذ محمود الجوهري السيدة أمينة على هى أمينة الصندوق وكان هو عليه رحمة الله سكرتير قسم الأخوات المسلمات ورئيسه هو الإمام البنا عليه رحمه الله والرضوان.
ما أجمل سير الصالحين والباذلين نفوسهم فى سبيل الله والمرابطين على ثغرة العمل فى مجال الأسرة وقضايا المجتمع الحيوية أو إن شئنا الدقة لقلنا المجتمع النابض: الأسرة ( علاقات زوجية ونساء وأبناء) فالأسرة هى قلب الأمة التى إن صلحت صلح سائر الأمة وإن فسدت فسدت الأمة كلها.
وقصة الأخوات المسلمات من قصص حركات الإصلاح التى ظلمت ظلما بينا فى تاريخنا المصرى المعاصر, فبأثر من غلبة بعض التيارات الفكرية التى لا ترى تحريرا للمرأة إلا من شعائر الإسلام ظلمت هذه الحركة, وروادها فنشأت أجيال بكاملها لا تسمع عن الأستاذ محمود الجوهري ولا تسمع عن السيدة لبيبة أحمد ولا الأخت آمال عشماوي والأخت فاطمة عبد الهادي ولا الطود الأشم الأخت فاطمة عبيد ( الشهيرة بام أحمد) ولا أمينة على وغيرهن كثير ممن بذلوا النفس والنفيس فى سبيل دعوة الله.
ربما سمعت الأجيال عن الحاجة زينب الغزالي ( رمز جيل الثبات) وإن لم تأخذ حقها كاملا, وكثير من الأخوات المسلمات فى تاريخ الحركة النسائية الإسلامية المعاصرة هن أشبه بصاحب النقب" لا يعلمهن إلا الله ويكفيهن أن الله يعلمهن.
من العسير أن تفصل بين الذاتى والموضوعى عندما تتعرض لأحد أعلام سير الجيل الأول من دعاة الإخوان المسلمين – حتى لو كان هذا التعرض فى كل رثاء يقوم على تذكر العلاقة الشخصية وما تركه من أثر فى نفس الكاتب – فهذا الجيل الربانى الذى ملكت عليه الدعوة كيانه حتى سار هو الدعوة والدعوة هو لكن هذا الجيل ما كان يفكر فى شىء إلا من منظور الدعوة و الإسلام كل شىء عنده لابد أن يمر بهذا الطريقة فهو الأمر الذى ملك عليه لبه وعقله وتكوينه حتى إن نظرته لكل حدث حتى لو كان بعيدا لا يفهمه إلا من هذا المنظور: صلة هذا الأمر بالدعوة يفيدها أو يضرها بفتح لها مجالات أوسع أو يضيق عليها.
والأستاذ محمود الجوهري اسم ارتبط بعملالأخوات المسلمات فكان من المرابطين على ثغرة الأسرة المسلمة منذ أن ارتبط بدعوة الإخوان المسلمين عام 1940 م.
دائما كان يقول لى: إن ولادتى الحقيقية عندما دخلت هذه الدعوة المباركة فعرفت ان للحياة معنى أكثر من تعيش للتتزوج وتبنى بيتا وتعمل المعيشى الذى يدر عليك دخلا مناسبا. دخل الإخوان عام 1940 ومن يومها دعوة الإخوان فيها وبها ولها.
رحم الله أستاذى محمود الجوهري:
علمنى أكثر ما علمنى احترام القيادة وتوقيرها وإنزالها متر لها المناسب ليس لاعتبارات شخصية أو ذاتية بل لاعتبارات دعوية ودينية بحتة.
وكان دائما ما يقول: هذا القائد هو من يمثلنا أما الغير أفرادا وجماعات ويجب أن نحله المحل المناسب لدعوة الإخوان المسلمين فكان لا يذكر اسم الأستاذ الكريم الراحل مصطفى مشهور مجردا أبدا فلا يقول إلا الأستاذ مصطفى أو الحاج مصطفى, وأحيانا عندما يتكلم فى التليفون يقول : السيد الوالد مع أن الأستاذ محمود ولد قبل مرشدنا ومعلمنا الأستاذ مصطفى مشهور عليه رحمه الله.
ولما تولى المسؤولية المستشار مأمون الهضيبي عليه رحمه الله كان دائم الدعاء له وكان يقول : ربنا يشد أزره, ويقوى صلبه ما أعظم المسؤولية! إنها تهد الجبال. وعندما تولى فضيلة الأستاذ مهدي عاكف المسئولية عقب رحيل المستشارمأمون الهضيبي قال لى : لابد أن اذهب إليه وأجدد معه البيعة.
فكنت أقول له لأخفف عنه: أحسب ان بيعتك للأستاذ البنا هى بيعة لكل من ابتلاه الله بهذا الأمر فهى بيعة مع الله وفى سبيل الله وليسا لأشخاص.
فيقول لى: لابد أن أذهب الأستاذ المرشد وأجدد معه البيعة كان رحمه الله يعتبر أن عمله الأساسى هو الدعوة إلى الله وكان رحمه الله حريصا دائما على اللقاءات والدروس الدعوية مع الإخوة والأخوات, حتى عندما كانت حالته الصحية لا تسمح له ببذل مجهود, حتى كنت أحسب أن تنفسه وغذاءه الروحى هو فى الدعوة إلى الله بحيث لو وقفت هذه الأوقات التى يلتقى فيها بالشباب والأخوات لفقدت الحياة معناها بالنسبة له.
وفى الأيام الأخيرة كان يشكو أن صحته لا تساعده على مسك القلم للكتابة ولا على القراءة فكان فى غابة الضيق وكنت أحاول التخفيف عنه أوقول: أحسب أن صحيفتك ممتلئة بما يسره الله لك من الحسنات وعمل الخير وأرجوك أن تدعو لى أن أرافقك فى الجنة إن شاء الله.
فيقول : يجب على الإنسان أن يعمل حتى يلقى الله ويموت وهو فى طريق الدعوة فلا ييأس.
رحم الله أستاذى محمود الجوهري:
كان أشد ما يميزه العفة عما فى أيدى الناس فلا يرجو من احد شيئا، ولا يقبل من أحد شيئا ويرى الدعوة بذلك دائم وتضحية دائمة لا مكان فيها للأخذ ولو كانت كلمة شكر وكان دائما أما يذكر : لا شكر على واجب.
رحمه الله فقد كنت أعتبره نموذجا لشخصية المصرية المتدينة المتسامحة دائم العفو عمن ظلمه أو أساء إليه وينسى المظلمة، وهو أمر يحتاج إلى طاقات وقدرات نفسية عالية تسمو فوق الصغائر ولا نعيش هموم الدنيا العاجلة بل تعيش هموم الآخرة الباقية.
كان اشد ما يميز أستاذى محمود الجوهري أنه كان كالنسمة لا يشعر أحد به، وكان حمالا صبورا له مقدرة غريبة على كظم غيظه, ثم العفو والمسامحة ونسيان الأمر كأن لم يحدث شىء ومن خلال معايشتى فترات طويلة للأستاذ محمود الجوهري رأيت أنه كان يمقت بشدة أى محاولة للخروج على وحدة صف العمل الإسلامى ويراها مدخلا من مداخل الشيطان, وبينما كنت أدافع عن حرية القرار الشخصى وتقديره – مع التزام الوفاء وحسن العهد والناس معادن – وأتكلم معه من منطلق عقلى وأن الخلاف شىء طبيعى وهو من علامات الصحة فى بناء الجماعات كان – رحمه الله – يرى أن العمل الجماعى فريضة محكمة وأن جماعة الإخوان المسلمين هى أقرب الجماعات لتطبيق منهج الإسلام الكامل ومن ثم ينبغى الصبر على ما يعترى الطريق من عقبات ولابد من احتواء أى خلاف, وعلى الأخ المخالف أن يهضم حق نفسه لله وألا يترك الحبل للنفس على غاربه لتقرر المفارقة وكان يمقت المفارقين ويراهم يضعفون متانة البناء رحمه الله كان طبعه التسامح غلا فيما يراه يمس دعوته.
من أهم معالم برنامج الأستاذ محمود الجوهري اليومى هو الحرص على:
-صلاة الفجر فى وقتها وإن كانت ظروفه الصحية فى أواخر حياته لم تسمح له بأن يصلبها فى المسجد.
-قراءة ورد اليومى من القرآن فكان رحمه الله لا يختم فى أكثر من شهر ولعل هذا من أهم دروس مصاحبته نسأل الله أن نكون مثله وألا يجعل مصاحبته حجة علينا.
-متابعة أخبار المسلمين فى العالم وأحوال العالم الإسلامى وكم كان يتألم رحمه الله كلما سمع ما يسوء المسلمين على كثرته.
الناس نوعان: موتى فى حياتهم ونوع وهم ببطن الأرض أحياء وأحسب أن استاذى محمود الجوهري من هذا الصنف.
الصنف الثانى ولعل هذا هو العزاء بفقده.
رحم الله أستاذى محمود الجوهري:
وأسكنه فسيح جناته وألحقه بإخوانه من الشهداء والصالحون فإن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا لفراقك يأ أستاذنا لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضى ربنا نلقاك فى جنة الخلد يا شيخنا مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا اللهم لا تفتنا بعده ولا تحرمنا أجره واغفر لنا وله.
السيرة الذاتية للأستاذ محمود الجوهري
هذه السيرة الذاتية تعتمد بشكل أساسى على حوارات طويلة مع أستاذنا الراحل محمود الجوهري عليه رحمه الله وعلى ما كان يقوله فى دروسه التى لم تنقطع حتى وفاته وعلى ما كتب من كتب يحدثنا الأستاذمحمود الجوهري عن نفسه فيقول:
اسمى محمود محمد الجوهري , ولدت فى يوم السبت 8 من شعبان " كفر إيبرى" وهى إحدى قرى مراكز زفتى مديرية الغربية وعمرى ينقسم إلى مرحلتين:
المرحلة الأولى: مرحلة الحياة قبل أن أتشرف بدعوة الإخوان العظيمة, وكانت حياتى فيها كحياة كل شاب عادى إلا أنها تتميز بالوسط الذى ولدت ونشأت فيه وهو على شئن من التدين ويمكن ان تكون هذه البيئة التى نشأت فيها لها التأثير فيما بعد فى اختيار طريق الإخوان المسلمين, فقد حفظت القرآن وأنا فى سن الثانية عشرة فى كتاب القرية, وأخذت أحكامه وتلاوته على يد أحد الشيوخ الأزهر وقتذاك وهو الشيخ سالم على شهيب, وكان والدى رحمه الله أكثر من قام بتحفيظى القرآن وذلك لحفظه الجيد للقرآن الكريم وإحكامه لأحكام التجويد.
ثم التحقت بمدرسة زفتى الإلزامية سنة 1927 م وكانت ثلاث سنوات، وظللت فيها عامين، وكان ترتيبى فى السنة الأولى والثانية الأول باستمرار على الفرقة.
ثم التحقت بمدرسة تحضيرية المعلمين بطنطا ومدتها عامان, ثم التحقت بمدرسة المعلمين بطنطا، وكثت السنة الأولى حتى عام 1929م، ثم تحويى إلى مدرسة المعلمين بالسيدة زينب وكثت مع أخى الأكبر فى القاهرة ثم انتهيت من مدرسة المعلمين سنة 1933 م.
وفى هذا الوقت كانت الأزمة الاقتصادية محتكمة وليست هناك تعيينات وظهر فى هذه الفترة التدريس فى التربية الرياضية حيث يمكث المتخرج من مدرسة المعلمين سنة تدريبية للتربية الرياضية ثم يعين مدرسا للتربية الرياضية, وقد تدربت على هذا فى مدرسة اسمها الشيخ نصر فى مصر القديمة وكانت الدفعة التى تخرجت فيها أول دفعى مؤهلة تدرس التربية الرياضية وكان هذا فى السنة 1933 م- 1934 م حيث عينت بعد هذه السنة مدرسا للتربية الرياضية فى مدرسة بقرية من قرى بني سويف ( قرية دلاص) ثم انتدبت لمدينة بني سويف مدرسا فى مدرسة القاضى وذلك فى عام 1934 وقد مكثت فى بني سويف حتى تزوجت من السيدة أمينة على فى سنة فبراير1935 م.
وكثنا فى بني سويف حتى عام 1937 بعدها طلبت مقلى إلى القاهرة حيث نقلت فى نهاية 1938 إلى مدرسة القايتباى الابتدائية بحارة الروم فى الغورية حيث مكثت فيها سنة دراسية كاملة , ثم بعدها طلبت إلغاء تدريسى للتربية الرياضية وإعادتى للتدريس فى مادتى التخصصية فأجيب لطلبى فى سنة 1939 م, ونقلت إلى مدرسة زين العابدين بالسيدى زينب مدرسا للغة العربية والدين وقد رزقت فى تلك السنة بأول مولود لى فى شهر نوفمبر وسميته محمدا.
التعرف على دعوة الإخوان المسلمين
يقول الأستاذ محمود الجوهري:
والمرحلة الثانية: تبدأ بعد عام 1940 م بعد أن أكرمنى الله تبارك وتعالى بسلوك دعوة الإخوان المسلمين والسير فى طريق أصحاب الدعوات ( وكان دائما ما يسمى الأستاذ محمود الجوهري هذه المرحلة بالحياة الحقيقية) وكان بداية التحاقى فى شعبة السيدة زينب فقد حدثت مشاجرة بينى وبين جار لى كان يتردد على شعبة الإخوان بالسيدة , ذهب للشعبة وقص لهم ما حدث بيننا فقال له لعض أعضاء الشعبة: تعالى نصلح بينكما و فحضروا عنده فى البيت وأرسلوا إلىّ لأحضر مجلس الصلح بين وبين هذا الجار , وبعد الصلح أردت الانصراف فقال من كان يقوم بالصلح وهما الشيخمحمود سعيد وأخيه عبد الرحيم سعيد عليهما رحمة الله : إلى أين؟
قلت: إلى البيت.
فقالوا: نريدك معنا فى الشعبة.
فقلت: آتيكم غدا.
فقالوا: بل الآن فذهبت معهم وكان بعد صلاة المغرب بقليل وفى شعبة السيدة زينب تعرفت على الأعضاء الموجودين هناك ومن هذه اللحظة أصبحت أتردد على الشعبة كل يوم بعد صلاة المغرب وباعتباري كنت مدرسا فقد كانت مهمتي فى الشعبة أن أقوم بمحو الأمية.
وبعد شهر – من وجودى معهم – كان عندهم فى الشعبة انتخابات لمجلس الإدارة فكان من نصيبى أن أكون سكرتيرا للشعبة وبعدها كان هناك حفلة لا أذكر هل هى الهجرة أم المولد البنوى وأقمنا هذا الحفل فى مسجد فى شارع المدرسة كان اسمه شارع الوابور وحضر وحضر الإمام الشهيد الحفل عام 1940 وكان العدد لم يزل قليلا وكان انتشار الإخوان محدودا.
وبعد الحفل جاء الإمام الشهيد إلى الشعبى وتعرف على أعضاء مجلس الإدارة وكنت موجودا فقالوا له: هذا هو الأستاذمحمود الجوهري عضو مجلس إدارة وسكرتير الشعبة ويسكن بجوار الشعبة وهو مدرس فى مدرسة زين العابدين فرحب بى, وقال لى إن شاء الله يكون على يديك خير كثير ونأمل بإذن الله أن تؤدى كل جهد ممكن لشعبة الإخوان ودعا لى فقلت له : حاضر يافندم إن شاء الله, وكان عدد الشعب وقت دخولى لصف الجماعة 40 أو 50 شعبة فى القاهرة.
وفى عام 1944 تكون قسم الأخوات المسلمات واختارنى الإمام الشهيد حسن البنا عليه رحمه الله ورضوانه سكرتيرا للقسم ( ولعل ذلك هو الذى استوعب جل نشاط الأستاذ محمود الجوهري فصار تاريخه جزءا أصيلا من تاريخ الأخوات المسلمات وصار من الصعب فصل تاريخ الأستاذ محمود الجوهري عن تاريخ قسم الأخوات المسلمات) وصحبت الإمام حتى استشهاده فى 2 فبراير 1949 م.
بدايات المنح:
فى نهايى سنة 1949 اعتقل الأستاذ محمود الجوهري فى معتقل الطور أى دخل محنة الإخوان الأولى لمدة سبعة أشهر ثم أفرج عنه بعد أن انجلت الأزمة.
وبعد الخروج من المعتقل، واختيار الأستاذ حسن الهضيبي كلف هو والأستاذ سعد الوليلي عليه رحمه الله بالمرور على أعضاء الهيئة التأسيسية لجمع التوقيع بالموافقة على اختيار الأستاذ حسن الهضيبي مرشدا لأنه اجتماعهم فى ذلك الوقت كان ممنوع قانونا وجمعا التوقيعات ابتداء من الإسكندرية حتى أسوان حيث كان أعضاء الهيئة التأسيسية فى المحافظات وكان عددهم ما بين 100 أو 120 واستغرقت هذه العملية أسبوعين من بلد إلى بلد لكى يتمكنا من إنهاء هذا الأمر سريعا,كان هذا الأمر فى وقت الصيف كما يقول الأستاذ محمود الجوهري.
وفى سنة 1952 م أجرى عملية استئصال للزائدة وعندما أ‘طاه طبيب التخدير حقنة " بنج" فى العمود الفقرى فى الظهر وخدشت الحقنى الغضروف وبعد عرضه على الأطباء تقرر عمل " جاكيت جبس" على النصف العلوى وكان المفترض ان تكون مدة الجبس سنتين لا يتحرك وشاء الله أن انتهت آلام الغضروف بعد خمسة أشهر, ولعل السبب فى ذلك هو عدم اعتقاله فى محنة الثانية 1954م.
واعتقل فى عام 1965م، واعتقلت بعده بشهرين زوجته الحاجة أمينة علي.
واعترفت أنها كانت تقوم بمساعدة أسر زوجات الإخوان.المعتقلين، وقالت للمحققين: لو خرجت الآن سأقوم بما كنت أقوم به, فلا يمكن أن نترك أسر الإخوان وبيوتهم.
وفلا التحقيق طلب المحقق من الأستاذ محمود الجوهري أن يعترف هو على نفسه ويفدى الحاجة أمينة لأنها أقرت على نفسها وشهد عليها الشهود أنها كانت تجمع تبرعات وتوزعها على بيوت الإخوان, ولأنها مريضة فإن صحتها لا تتحمل يوما واحدا فى السجن, فإعترف الأستاذ محمود الجوهري على نفسه ووقع على محضر يثبت مسئوليته على جمع تبرعات لبيوت المعتقلين من الإخوان، وخرجت الحاجة أمينة من القضية.
وفى الحكمة عرف القاضى أن الأستاذمحمود الجوهري يلبس حزاما على ظهره لمرضه بالغضروف فأجلسه، وقال له : تكلم فقال الأستاذ محمود الجوهري: الحكومة تخلت عن بيوت المسجونين فلا يمكن أن نتركهم وكنا نقوم بمساعدتهم على قدر المستطاع هذا حق هذه الأسر علينا حين تخلت عنهم الحكومة, فلم يرض القاضى لسكرتير الجلسة أن يكتب هذا الكلام, وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات يحول بعدها للمعتقل واستمر حبسه لمدة سبع سنوات إلى أن هلك الطاغية وأذن الله للمؤمنين بالفرج .
تجديد البيعة:
يقول الأستاذ محمود الجوهري:
بعد خروجى من المعتقل فى أكتوبر 1971 م ذهبت لمقر الإخوان المسلمين فى التوفيقية لأجدد البيعة لقادة الجماعة وأعاهدهم على الإستمرار فى العمل على نصرة دين الله والتمكين له فى الأرض, وكان رحمه الله يرى أن الدعوة دين ولا ينبغى للإنسان إلا أن يموت وهو قابض على دعوته عاضا عليها بالنواجذ. السفر إلى اليمن والسعودية:
وبعد وفاة الحاجة أمينة سافر الأستاذ محمود الجوهري لليمن للقيام بالوعظ فى الجيش ومكث فى اليمن ما يقرب من سنة, ثم رجع من اليمن عام 1981 , ثم سافر محرما لابنته الحاجة عائشة إلى المدينة المنورة عام 1984 ثم رجع من المدينة 1978 ,وفى البلدين لم يكف الأستاذ محمود الجوهري عن الدعوة إلى الله فكان دائم الحركة يعظ الناس رجالا ونساء ويعرفهم دعوة الإسلام فلم ينقطع فى حله وترحاله عن الدعوة ولم ير نفسه خارج دائرتها أبدا فهو فى كل مكان جندى فكرة وعقيدة أينما حل كان الخير والتذكير بآيات الله ودعوة الناس إلى الخير وخاصة النساء أن يكن زوجات صالحات وأمهات وقدوات وداعيات لدينهن.
الثبات على الدعوة:
عاد الأستاذ محمود الجوهري إلى مصر واستمر فى القيام بواجب الدعوة إلى الله فلم يخلد إلى الراحة التى كان سنه يستحقها بل تكيف مغ أمراض شيخوخته واصل العمل فى سبيل الله وكان يرى راحته فى بذل الجهد, وتبليغ الدعوة وتذكير الناس فكان يلقى الدروس والمحاضرات فى كل الأماكن التى يدعى إليها ولا يرد فى ذلك طلبا لأحد ويستقبل فى بيته راغبى التعليم وراغبى التعرف على تاريخ هذه الدعوة المباركة.
أبناؤه:
كان له رحمه الله ثلاثة أبناء استشهد أحدهم ( حامد) فى حرب العاشر من رمضان ( السادس من أكتوبر 1973)، وكان يقيم فى أواخر حياته مع ابنته الحاجة عائشة فى منزله بالمنيرة حتى توفاه الله عز وجل.
وفاة الأستاذ محمود الجوهري :
أصيب رحمه الله بأزمة قلبية دخل على إثرها المستشفى وطلب قبل وفاته بيومين رؤية فضيلة الأستاذ محمد مهدي عاكف" – المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين – ونائبه الثانى المهندس " خيرت الشاطر – والدكتور محمود عزت" عضو مكتب الإرشاد, وقام الثلاثة بزيارته بعد ظهر الثلاثاء . وفى فجر يوم الأربعاء الموافق 31 مارس انتقل الى رحمة الله الأستاذ محمود الجوهري وحضر جنازته فضيلة الأستاذ محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين وصلى عليه صلاة الجنازة كما حضر كثير من رموز الحركة الإسلامية, فلا يعرف الفضل لذوى الفضل إلا ذووه, واقتصر عزاء الفقيد على تشييع جنازته من المسجد فقط تنفيذا لما جاء بوصيته, رحم الله فقيد دعوة الإخوان المسلمين:
الأستاذ محمود الجوهري وأسكنه محمود الجوهري وأسكنه فسيح جناته وألحقنا به على خير غير خزايا ولا مفتونين.
الأستاذ محمود الجوهري والأخوات المسلمات:
الأستاذ محمود الجوهري نموذج لشخصية عملت على ثغرة قضايا النساء منذ أن التحق بدعوة الإخوان المسلمين عام 1940 م وكان مشاركا فى التأسيس الثانى لعمل الأخوات المسلمات بعد فترة توقف بسبب سفر الحاجة لبيبة أحمد الأراضى الحجازية واختيارها الإقامة هناك.
يقول الأستاذ محمود الجوهري:
أعيد نشاط قسم الأخوات المسلمات بعدما توقف بعد سفر الحاجة لبيبة أحمد إلى السعودية، فتوقف منذ عام 1937 ولإعادة نشاط هذا القسم قصة: وهى أنه كان لى زميل فى المدرسة اسمه الأستاذهاشم العمرى يسكن فى حى طولون وكان يسبقنى فى الانتساب إلى دعوة الإخوان المسلمين بفترة ولأن منزله فى حى طولون فقد طلبت منه بعض السيدات أن يعطيهن درسا فى الدين فى مكانه اثرى وواسع بالقرب من مسجد أحمد بن طولون وهو كان يرى نشاطى ويرى أننى كنت أقوم فى المدرسة بجمع الأولاد فى فترة الظهر وهى فترة بين فترة الصباح وفترة المساء وكانت الساعة حوالى الواحدة ظهرا فكنت أذهب إلى المنزل أتناول الغذاء ثم أرجع إلى المدرسة أجمع الأولاد وأعلمهم أولا كيفية الموضوع ثم أعلمهم كيفية أداء الصلاة وكانت الاستجابة من التلاميذ استجابة طيبة وكان العدد كبيرا.
وفى هذه الأثناء طلب منى زميلى الأستاذ هاشم العمرى أن ألقى درسا للسيدات فى هذا المكان الاثرى الذى كان يلقى فيه هو درسا للسيدات وبالفعل ذهبت ولكنى أخذت معى زوجتى الحاجة أمينة على وعندما ذهبنا إلى المكان جعلت الحاجة أمينة تتكلم وتعطى الدرس وكان ذلك فى عام 1942 م.
وبعد القاءها الدرس طلبت الحاضرات معادوة ترددها على المكان مرة اخرى وجاءت لى أمينة وقالت : تريد بعض السيدات درسا فى أماكن أخرى.
فقلت لها: انتظرى حتى اسأل.
وذهبت إلى الإمام الشهيد حسن البنا وقلت له الموضوع كله وقت له: هناك ثلاثة أو أربع مساجد مفتوحة ونحتاج وعاظا فقال : الحمد لله هذا عظيم, وقال لى: لا ترد طلبا.. فقلت : نريد وعاظا وكلم الشيخ عبد اللطيف الشعشاعى.
فكان يعطى الدروس الشيخ عبد اللطيف والأستاذ محمود سعيد والحاجة زينب عبد المجيد "زوجة الشيخ عبد اللطيف " والحاجة أمينة على كل واحد فيهم درسا.
وفى حوالى العام 1943 م سألنى الأستاذ البنا: كيف الحال عندك؟ فقلتن له: عندنا عدد كبير فى درس شعبة السيدة وفى حى السيدة فسألنى: هل هناك متعلمات؟ فقلت : نعم هناك حوالى ما يقرب من مائة أخت ابتداء من التعليم الابتدائى حتى الجامعة, فقال : عظيم اجمع لى هذا العدد واتفق معهن على الوقت والمكان الذى يناسبهن وأخطرنى به.
واختير لهذا الموضوع مكان فى مدرسة من المدارس الخاصة ( مدرسة أمير الصعيد فى السيدة زينب) وكان صاحبها رجل صالح رضى أن يكون وقت الدرس فى المدرسة بعد الظهر.
فتولى الإمام التدريس لهن أسبوعيا, وكان عددهن بين 100و120 أختا، وكان هذا فى أوائل 1943 م وظل المرشد العام الإمام حسن البنا يلقى عليهن درسا أسبوعيا لمدة عام, لأنه بدأ من العقيدة بحيث إن الأخوات أخذن قسطا وافرا فى كل شىء وكان الدرس لمدة ساعة وكان الذى دون هذه المحاضرات لمدة عام أخت من أخوات شبرا عليها رحمة الله اسمها ( الأخت هانم صالح) وكانت مدرسة ولكن – للأسف – لم يفطن أحد إلى طبع هذه المحاضرات.
واستمرت دروس الأخوات تنتشر فى المساجد حتى زاد عدد الأخوات وطلبن أن يكون لهن مكان منفصل عن الشعبة وعرضت الأمر على الإمام الشهيد فوافق وتم البحث عن المكان الجديد وكان شرط الإمام أن يكون قريبا من المركز العام, واتخذ المكان 17 شارع سنجر الخازن بالحلمية الجديدة بالقاهرةفى 14 إبريل 1944 – 14 ربيع الآخر 1363 هـ وتكونت أول لجنة تنفيذية للأخوات، واختيرت لجنة تسمى لجنة الإرشاد العامة من 12 أختا انتخبهن الأخوات المائة اللاتي خصهن الإمام البنا بالدرس الأسبوعى , وكان المنهج فيما بعد هو المذكور فى كتابى:" الأخوات المسلمات", وأصبحت من هذا التاريخ سكرتيرا رسميا لقسم الأخوات.
نشاط قسم الأخوات المسلمات:
يقول الأستاذ محمود الجوهري:
كانت هناك أنشطة متعددة منها رعاية الأيتام فقد كان هناك مدرسة اليتيمات " دار التربية الإسلامية للفتاة" وكانت الناظرة الأخت فاطمة عبد الهادى ( زوجة الشهيد محمد يوسف هواش عليه رحمة الله)، وكانت رئيسة مجلس الإدارة الأخت آمال العشماوي زوجة المستشار الأخ منير دلة.
أما عن مساعدة الأسر الفقيرة فقد برز دور الأخوات عندما اعتقل كثير من الأخوان فى حادث السيارة الجيب 1948م، وهى قضية الإخوان المسلمين التى كانت فى المحاكم المصرية وقامت الأخوات بجهد خارق للعادة حيث نظمن القيام بشئون المسجونين من الإخوان فى سجن طره فى هذا الوقت والمسجونين على ذمة القضية واستأجرت الأخوات شقة قريبة من السجن وشكلن لجنة من عدد معين بحيث يكون فى هذه الشقة يوميا اثنين أو ثلاثة منهم لتجهيز الأدوية أو بعض الطعام والملابس وغسلها وتنظيفها يوميا بعد أن تنتقل من السجن إلى الشقة المؤجرى لهذا الغرض.
وكان القائم بهذا الجهد:
الأخت أمينة على, والأخت فاطمة عبد الهادى, والأخت فاطمة توفيق , والأخت سنية الوشاحى, والأخت زهرة السنانيرى والأخت فاطمة عبيد (الشهيرة بأم أحمد وإن كان صعب عليها الحضور للشقة لأنها بعيد عنها). ومن أنشطة قسم الأخوات كذلك يقول الأستاذ محمود الجوهري:
فتحنا " مستوصفا" فى إمبابة بعد 1954 م فى أيام الأستاذحسن الهضيبي، واقتصر العمل على المتطوعين وكان من ضمن الفريق المتطوع د. أحمد الملط رحمه الله.
وكان ضمن نشاط قسم الأخوات: حل مشاكل الأسر, وكانت أى مشكلة يعرف بها الإمام الشهيد فى بيت من البيوت الأخوان كان يرسل إلىّ أو إذا كنت موجودا كان يقول: اذهب أنت والحاجة أمينة بيت فلان فى المكان الفلانى, وحلوا المشكلة وكنا نذهب نسهر فى بعض الأوقات مدة طويلة حتى تحل المشكلة.
ومع مرور الأيام، واستمرار العمل فى قسم الأخوات وزيادة الأعباء لم أعد أتحمل أعباء العمل فى قسم الأخوات فذهبت إلى الإمام الشهيد حسن البنا، وطلبت منه تغيير نشاطى إلى قسم آخر مع الرجال فكتبت طلبا بالإعفاء من العمل مع الأخوات وتوجيهى إلى نشاط آخر من فروع الإخوان المسلمين وأعطيته الطلب فقرأه ثم نظر إلىّ وقال: حاضر وبإبتسامة لطيفة كتب بالقلم الأحمر:
الأستاذ محمود الجوهري سكرتير قسم الأخوات حتى الممات:
وكنت داخل نشاط الأخوات منقطعا عن كل شىء يخص الإخوان فلا كتيبة ولا درسا فكل يوم أذهب إلى مقر الإخوات وكان لا يخلو الحال من وجود عمل.
وظل مقر الأخوات فى شارع سنجر فترة حوالى سنة ونصف ثم نقل إلى منزل المستشار منير دلة.
نشاط قسم الأخوات المسلمات وقت الشدة والضيق
يقول الأستاذ محمود الجوهري:
بعد الحل الأول قامت مجموعة من الأخوات سلمهم الإمام الشهيد مذكرة" تفند مبررات حل الإخوان" بالطواف بها على مكاتب الوزراء ومجلس النواب ومجلس الشيوخ والقصر الملكى ورئاسة الوزراء ومن ضمن المكاتب التى مرت عليها هذه المجموعة مكتب وزير من وزراء الوزارة السعدية فى هذا الوقت وهو على أيوب وهو كان شديد الكراهية كباقى أعضاء الوزارة السعدية للإخوان وما يقوم به الإخوان فلما عرف أن هذه العريضة من المرشد العام ومن الأخوات هاج هياج الثائر فى الحرب وهدد وصاح ولكن الأخوات كن فى ثبات, فردت عليه إحداهن: هذا ما نسلمه لك هو رأى الإخوان قبلته أن لم تقبله.
وانصرفن من عنده إلى القصر الملكى فى عابدين لتبليغ هذه العريضة للملك عن طريق لقائهن بالملكة واستقبلتهن كبيرة الوصيفات بكلام لطيف.
وأذكر من هذه اللجنة أمينة على وفاطمة عبد الهادى وزينب عبد المجيد وفاطمة توفيق وكن مجموعة حوالى سبع أو ثمان.
مواقف للأستاذ محمود الجوهري مع الإمام الشهيد حسن البنا
الأستاذ محمود الجوهري حارس خاص لالإمام الشهيد:
بالإضافة إلى أن الأستاذ محمود الجوهري كان سكرتير قسم الأخوات فى إحدى الفترات كان حارسا خاصا يلازم الإمام البنا وكان فى أواخر حياة الإمام الشهيد وكان ذلك بتكليف له من النظام الخاص وكان معه فى الحراسة الأستاذ سعد الوليلي عليه رحمه الله.
ويحكى الأستاذمحمود الجوهري هذا الموقف قائلا:
كان عملى فى قسم الأخوات وكنت – بقدر الإمكان – أوفق بين عملى مع الأخوات ومصاحبتى للأستاذ الإمام البنا, و الإمام فى هذا الوقت كان قد أنشأ مجلة اسمها " الشهاب" وكانت قريبة من المركز العام وكان العمل ينتهى فى المركز العام بعد صلاة العشاء فكان بعد المركز العام يذهب إلى مقر مجلة الشهاب فكنت اصحبه فى المجلة حتى الفجر يجهز مقاله ويراجع شيئا ويطلع على أحوال هذه الشعبة أو تلك.
وعندما سئل ومتى كنت تنام؟
قال : بعد صلاة الفجر أوصله إلى البيت ثم اذهب إلى بيتى ثم أنام حوالى ساعتين أو ثلاثة وأذهب للمدرسة الساعة الثامنة صباحا, حتى حوالى 2,30 أو3 بعد الظهر وإذا كان هناك شىء فى مركز الأخوات أذهب إليه إلى المركز العام لمرافقة الإمام الشهيد.
هذا غير المرافقة للذهاب لمكان كذا أو محاضرة فى مكان كذا وفى فترة الشتاء كان يذهب شهرا لمختلف محافظات الوجه البحرى لزيارة الشعب الإخوان فى هذه المحافظات فكنت أصحبه فى هذه الرحلات جميعا, دكرنس, والدقهلية, وبنها ودمنهور والإسماعيلية.
والإسماعيلية ذهبتها معه وذهبتها مرة أخرى ولم أكن معه وذلك وقت ترشيحه لمجلس النواب لأنه كان معروفا هناك وفى الجولة الأولى تساوى مع أحد مرشحى الوفد فى الأصوات وفى المرة الثانية حصل تزوير بناء على الأمر من انجلترا إلى القاهرة.
هذا النظام انتهى , وسيأتى نظام جديد:
كانت هناك موقف بعد الحل سنة 1948, وجاء فى هذا الوقت الإمام البنا والأخ المسئول عن الأخوات فى سوريا الدكتور مصطفى السباعى عليه رحمه الله وجاءوا واجتمعوا عندى فى البيت فى السيدة زينب هو والإمام الشهيد حسن البنا، وذلك تحت حراسة مشددة، وفى وقت متأخر من الليل.
وكان عندى بعض الأوراق التى استطعنا أن نأخذها من المركز العام بعد الحل, وكان من ضمنها استمارات التحاق بالأخوات واستمارات تنظيمية, المهم بعض الأوراق الخاصة بالعمل فعرضتها على الإمام البنا وقلت : هذه الأوراق أمكن أن نأخذها : فقال لا داعى لها كل شىء سوف يتغير وسوف يأتى بعد ذلك أنظمة جديدة... وهذا انتهى, وسياتى نظام جديد إلى ما يشاء الله.
أى يومىّ من الموت افر؟
يقول الأستاذ محمود الجوهري:
كنا فى لقاء فى القاهرة وتصادف أن عدنا أنا وهو فقط حتى البيت وكان فى الحلمية، وقبل البيت بقليل وجدته يقول لى يعنى يا محمود ماذا يمكن أن تعمل ثم أمسك يدى وقال بيتين من الشعر هما:
اى يومىّ من الموت أفرّ
يوم لا يقدر أو يوم قـدر
يوم لا يقدر لايؤتى به
ومن المقدور لا ينجو الحذر
وقال: سلام يا شيخ محمود, اذهب إلى بيتك
يكفيك ( قسم الأخوات المسلمات) جهادا :
يحكى الأستاذ محمود الجوهري:
عندما فتح باب التطوع فى 1948 م لجهاد فى فلسطين وقتها كنت فى سن الشباب حوالى 35 سنة ودخلت الصف الذى سيعرض على الإمام الشهيد حسن البنا لتسجيل الأسماء والأمر بالذهاب بهم إلى معسكر التدريب ثم الذهاب لفلسطين.
فلما رآنى قال: ماذا تريد؟
فقلت: التطوع فى فلسطين
فقال: اركن بجوارى هنا...
وكثت حتى أنهى فرز كل الموجودين
وسألته: لماذا لا اذهب؟
فقال ك أحسن عملك الذى أنت فيه وهذا نوع من الجهاد، ويكفيك 0 قسم الأخوات المسلمات جهاد) وطبعا اكتفيت بهذا التوجيه الكريم، واحتسبت هذا عند الله.
مؤلفات الأستاذ محمود الجوهري
بحكم تكوين الأستاذ محمود الجوهري على القرآن وحفظه له وهو فى سن صغير كل ذلك أدى إلى أن يكون له بيان قوى وأسلوب بليغ فى التعبير والمطلع على سيرة الأستاذ محمود الجوهري يجد أنه من كتاب الإخوان المسلمين فى مجلاتهم وصحفهم وإن غلب عليه فى الفترة الأولى من حياته الجانب العملى. لكن فى فترة مرض الحاجة أمينة وجلوسه بجوارها فى العام 1978 فكر فى كتاب يسجل فيه تاريخ الأخوات المسلمات فكتب " المسلمات وبناء الأسرة القرآنية".
يقول الأستاذ محمود الجوهري:
فى عام 1978 م وعندما كانت الحاجة أمينة مريضة فكرت فى كتابة كتاب يضم ما نريد تربية الأخوات المسلمات عليه, فبدأت أكتب وأجمع المراجع وكان عندى ما يقرب من 150 مرجعا أحيانا كنت أجلس ساعتين أو ثلاثة أو أربع بالقرب من السرير الذى كانت جالسة عليه وهى تطلب منى الكف عن القراءة والكتابة للراحة حتى جاءت الفرصة لطبع الكتاب وجاء الأخ محمد عبد الحكيم الخيال وأخذه وطبعه: كتاب " الأخوات المسلمات وبناء الأسرة القرآنية".
وبعد ذلك عملت كتاب " الأخت المسلمة أساس المجتمع الفاضل" وقدم له الدكتور محمد السيد مرزوق عميد كلية البنات الإسلامية بجامعة الأزهر.
وبعد ذلك الكتاب كتبت كتاب " أواصر المجتمع المسلم ومسئولية الشباب نحوها".
ثم كتاب: " ماذا قدم الإسلام للمرأة" وقدم له الشيخ " محمد عبد الله الخطيب" من علماء الأزهر الشريف. ومؤلفات الأستاذ محمود الجوهري تجمع بين سلاسة الأسلوب وعمق الفكرة وصدق العاطفة, فهو ليس كاتبا محترفا بالمفهوم المعاصر لكنه صاحب دعوة ملكت عليه كيانه يعبر عنها بما يملك من أسلوب وعاطفة جياشة تراها على ألفاظه وتعبيراته وتتفاعل معها وتوقن بصدق كاتبها وحرارة عاطفته نحو الإسلام وإصلاح مجتمعه
رحم الله أستاذنا محمود الجوهري.
قالوا عنه:
قال الدكتور "محمد حبيب" - النائب الأول للمرشد العام لجماعة (الإخوان المسلمون)- لموقع (إخوان أون لاين): "الحاج "محمود الجوهري" أحد أعلام الدعوة، ومن الرعيل الأول لجماعة (الإخوان المسلمون) ، فهو ممن صاحبوا الإمام الشهيد "حسن البنا" عن قُرب، وجاهد معه منذ أن انضم إلى جماعة (الإخوان) في عام 1940 م، ولم يدَّخِر وسعًا وجهدًا- رحمه الله- في العمل على بناء الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم، وإعداد المرأة المسلمة؛ لتكون جديرة بتربية أجيال تفهم الإسلام فهمًا صحيحًا، وتلتزم بتعاليمه، وتعمل جاهدة على نشر دعوته".
وفاته:
تُوفي في وقتٍ متأخر من مساء الثلاثاء 30/3/2004 م، وتم تشييع جنازة الفقيد الراحل بعد صلاة ظهر يوم الأربعاء 31/3/2004 م من مسجد الشيخ علي يوسف بحي (المنيرة) بالقاهرة.
كان الفقيد قد أُصيب بأزمة قلبية دخل على أثرها المستشفى، وقد طلب قبل وفاته بيومين رؤيةَ فضيلة الأستاذ "محمد مهدي عاكف" - المرشد العام لجماعة (الإخوان المسلمون)- ونائبه الثاني المهندس "خيرت الشاطر" ، والدكتور "محمود عزت" عضو مكتب الإرشاد ، وقام الثلاثة بزيارته بعد ظهر أمس الثلاثاء، واقتصر عزاء الفقيد على تشييع جنازته من المسجد فقط؛ تنفيذًا لما جاء بوصيته.
خاتمة:
ليست هذه الصفحات تعريفا بالأستاذ محمود الجوهري ولا تاريخا له ولكنها حق مركب من جهتين:
الجهة الأولى:
أنها حق الرجل على تلاميذه ومحبيه أن يعرفوا بعضا من سيرته التى كان حريصا طوال حياته ألا يتكلم فيها بل إنه كان يعتبر تضحياته وما قدم فى سبيل نصرة دين الله وإعلاء شأن تلك الدعوة الصادقة شيئا عاديا وكان – رحمه الله- يقول لى عندما ألح عليه فى تسجيل ما وعته ذاكرته وهى تحمل الكثير : ليس فى سيرتى شيئا يستحق الذكر أو التسجيل.
الجهة الثانية:
هو حق الأجيال القادمة فى أن تعف أعلام الدعوة وسيرهم وما قدموا فداء لتلك الدعوة فيوقنوا أنهم على الحق وأن دعوتهم أشرف الدعوات وأن فكرتهم أسمى الفكر ويدركوا حجم التضحيات والدماء والأعمار التى فى سبيل دعوة الله فيعضوا عليها بالنواجذ ولا يعظم عندهم شىء فى سبيل الله تبقى كلمة هى فى حق كل من يقوم على ثغر من ثغور الدعوة وهى أن الشجرة الباسقة وارفة الظلال التى رواها الإمام الشهيد بدمائه فى أول العهد ثم سار على دربه أنا صالحون – بحسبهم كذلك ولا نزكى على الله أحدا – توشك أن تسقط ورقاتها أو تذبل فما أحرانا أن ننشر سير الصالحين ونشيعها بين الناس.
وهذا الأمر يحقق للدعوة عدة فوائد:
أولها: ضرب المثل والقدوة فما أحوج الأجيال إلى أن ترى النماذج أو تسمع عنها.
ثانيها: أن يظل مشعل الحق مرفوعا, علما يلتف الناس حوله وهاديا يهديهم الطريق.
ثالثها: لابد من كفة حق تواجه كفة الباطل, على مستوى الأفكار وعلى مستوى الرموز فكما أن للباطل رموزا, فلابد أن يكون للحق رموزا, وأعجب أن شذاذ الآفاق من علمانى مجتمعاتنا وهم من يصدق فيهم قول الشاعر :" معور ينافح عن معور" يشهرون بعضهم بعضا, ويدافع بعضهم عن بعض ولا نقوم نحن حملة الحق وأصحابه ببيان ما فى حقنا من خير ونفع للعالمين ونشر نماذجه البشرية وقدوتنا الصالحة ولعل هذه دعوة إلى نشر سير الصالحين.
أمينة الجوهري .... العطاء والوفاء:
هي زوجة الشيخ محمود الجوهري
لقد شهدت البلاد موجة طاغية من الانحلال الأخلاقي تحت ظل الاحتلال الإنجليزي، الذي عمل على تجريد الأمة من هويتها الإسلامية، ولقد استهدف المحتل ضرب حصن الأمة المتمثل في المرأة؛ لأنه يدرك أنها الحصن الحصين لأية أمة، فعمل على نشر الانحلال وفلسفة تحرير المرأة، وعاونه على ذلك رجال ونساء حسبوا أنفسهم على الأمة الإسلامية، وبالرغم من شراسة الحملة ضد المرأة إلا أنه ظهرت نماذج للمرأة استطاعت التصدي للفكر الغربي والرد على أذنابه، ونشر الفضيلة وسط نساء الأمة.
ولقد كان بين الأخوات المسلمات نماذج صدق فى القرن العشرين: أمهات وزوجات وبنات وأخوات تجسدت فيهن سيرة نساء السلف الصالح فهمًا وعملاً وصبرًا على المحن التي تعرضن لها.
وهذه زهرة أخرى من بستان الأخوات المسلمات نقتطفها ونهديها لأبناء الأمة الإسلامية رجالاً ونساء، شيوخًا وشبابًا؛ ليتعرفوا على النماذج الصالحة للمرأة المسلمة في ظل التغريب ومحاولة طمس هوية الأمة.
معنا زهرة عملت منذ تفتحها على نشر عبيرها وسط بنات الأمة وهى السيدة أمينة الجوهري.
نشأتها:
نشأت أمينة علي وهذا اسمها الحقيقي في بيت حرص على تعلم القرآن الكريم، والسير على نهج رسول الله (ص) ، فبالرغم من كونها لم تحصل على شهادات دراسية إلا أن أباها عمل على تعليمها الكتابة والقراءة مما ساعدها كثيرًا على حفظ قدر كبير من القرآن الكريم، وترعرت الزهرة على حب الإسلام، وعملت على بث روح الإسلام الصحيح وسط صديقاتها وقريناتها.
وفي عام 1935م تقدم الشاب محمود الجوهري ليحظى بهذه الزهرة المصونة، وتم الزواج ليجتمع هذان القلبان على حب الإسلام والعمل له، فكان سندًا لها، وكانت عونًا له على نشر مفاهيم الإسلام الصحيحة.
على طريق الدعوة:
كان الشاب محمود الجوهري -الذي ولد عام 1913م- شابًّا يحب الإسلام والعمل له، وكان يدعو أن يرزقه الله الزوجة الصالحة التي تعينه على ذلك، واستجاب الله لدعائه فرزقه بفتاة على خلق ودين وهي السيدة أمينة علي، وتم الزفاف عام 1935م، ولم يدريا ما خبأه الله لهما من خير، ففي عام 1940م تعرف الزوج على دعوة الإخوان المسلمين، وعاد وقلبه يرقص فرحًا بهذا الخير يزفه لشريكة حياته، فما كان منها إلا أن شاركته الفرحة، وطلبت منه أن تعمل هي أيضًا تحت هذا اللواء، ويذكر الأستاذ الجوهري عن كيفية تعرفهما على دعوة الإخوان
فيقول: "كان لي زميل في المدرسة، سكنه في حي (طولون)، وكان يسبقني في الانتساب إلى الإخوان المسلمين بفترة، وكان بحكم منزله في حي (طولون) قد طلب منه بعض السيدات أن يعطيهنّ درسًا في الدين في مكانٍ أثري وواسع كان بالقرب من مسجد (أحمد بن طولون)، وكان يرى نشاطي، ويرى أنني كنت أقوم في المدرسة بجمع الأولاد في فترة الظهر، وهي فترة بين الصباح والمساء، وكانت الساعة حوالي الواحدة ظهرًا، كنت أذهب إلى المنزل أتناول الغداء، ثم أرجع إلى المدرسة أجمع الأولاد وأعلمهم أولاً كيفية الوضوء، ثم أعلِّمُهم كيفية أداء الصلاة، وكانت الاستجابة من التلاميذ استجابةً طيبةً.
وكان العدد كبيرًا، وفي هذه الأثناء طلب مني زميلي "الأستاذ هاشم العمري" أن ألقي درسًا للسيدات في هذا المكان الأثري الذي كان يلقي فيه هو درسًا للسيدات، وفعلاً ذهبتُ، ولكني أخذت معي زوجتي الحاجة "أمينة علي"، وعندما ذهبنا إلى المكان جعلتُ الحاجة "أمينة" تتكلم وتعطي الدرس، وكان ذلك في عام 1942م، وبعد إلقائها الدرس طلبت الحاضرات معاودة ترددها على المكان مرةً أخرى، وجاءت لي "أمينة" وقالت: يريدون درسًا في أماكن أخرى؟
فقلت لها: انتظري حتى أسأل، وذهبت إلى الإمام الشهيد "حسن البنا" وقلتُ له على الموضوع كله، وقلت له: هناك ثلاثة أو أربعة مساجد مفتوحة، ونريد وُعَّاظًا. فقال: الحمد لله.. هذا عظيم، وقال لي: لا ترد طلبًا.. فقلت: نريد وعاظًا، فكلَّم الشيخ "عبد اللطيف الشعشاعي"، فكان يعطي الدروس الشيخ "عبد اللطيف الشعشاعي" و"محمود سعيد" و"زينب عبد المجيد" زوجة الشيخ "عبد اللطيف" و"أمينة علي" لكل واحد منهم درس.
ولقد اعتنى الإمام الشهيد -عليه رحمة الله- بقسم الأخوات فأولاه اهتمامًا شديدًا، واتخذ هذا القسم له مقرًا في 17 شارع الخازن بالحلمية الجديدة، بجوار المركز العام، ولقد انتخب القسم لجنة تنفيذية من بعض الأخوات للإشراف على عمل الأخوات، وقد ضمت هذه اللجنة كلاًّ من:
السيدة أمال عشماوي "رئيسة".
والسيدة فاطمة عبد الهادي "وكيلة".
والسيدة أمينة علي "أمينة الصندوق".
وفاطمة توفيق "سكرتيرة أولى".
ومنيرة محمد نصر "سكرتيرة ثانية".
وزينب عبد المجيد.
وهانم صالح.
وسنية الوشاحي.
وفاطمة عبيد.
وزهرة السنانيري.
ومحاسن بدر.
وفاطمة البدري.
وكان ذلك في 12 من ربيع الأول 1363ه الموافق 14 من أبريل 1944م، واتخذت لها مقرًّا بالمنزل رقم 17شارع سنجر الخازن بالحلمية الجديدة بالقاهرة، ثم تحول مقر القسم لمنزل المستشار منير الدلة بشارع إسماعيل سري رقم 16، وفي انتخابات 1948 اختيرت السيدة أمينة علي سكرتيرة للقسم.
وقد نشطت السيدة أمينة علي في نشر فكر الأخوات المسلمات بالاشتراك مع أخواتها، فكونّ لجنة لزيارة الشعب والأقاليم وتفقد أحوالها، وتكونت هذه اللجنة من أمينة الجوهري وزينب عبد المجيد زوجة الشيخ عبد اللطيف الشعشاعي واعظ قسم الأخوات، وفاطمة عبد الهادي حرم الشهيد محمد يوسف هواش -الذي حكم عليه عبد الناصر مع الشهيد سيد قطب وعبد الفتاح إسماعيل بالإعدام عام 1965م- وقد زارت هذه اللجنة معظم فروع الأخوات في الوجه البحري والأسكندرية وبعض مدن الصعيد.
نشاطها الدعوي:
لقد تولى الأستاذمحمود الجوهري مسئولية القسم منذ عام 1942 ومعه الحاجة أمينة زوجه، والشيخ عبد اللطيف الشعشاعي، وزوجه والأخ محمود سعيد وأخته وربما يعود ذلك إلى أن الأخوات لم يؤهلن بعد للمستوى الإداري المطلوب وإن كان منهن مجاهدات ضربن أروع الأمثلة في العمل الدعوي والثبات وقت المحن أذكر منهن الحاجة فاطمة عبد الباري ( أم صلاح )، وهي أمية وتقطن حي الجيارة بمصر القديمة وبالرغم من ذلك لم تكلف بشيء إلا أتمته على أكمل وجه.
كانت أمينة علي أمينة الصندوق لقسم الأخوات، ثم انتخبت سكرتيرة للقسم، ولم يكن ذلك عملها فحسب بل كانت داعية في المقام الأول، فكتبت في صحف الإخوان المسلمين المختلفة تحث النساء على العمل للإسلام، وتوجه الأخوات لكيفية العمل، وكانت تكتب في ركن الأخوات في مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية تحت عنوان: أخواتنا، وفي مجلة الإخوان اليومية تحت عنوان: إليك.
أضف لذلك نشاطها في لجنة الزيارات التي كونها القسم، ولم يقتصر نشاطها على الجانب الدعوي وفقط، بل كان لها دورها في الجانب السياسي؛ حيث كانت ضمن المجموعة التي توجهت للوزراء والملك بمذكرة من الإمام البنا لدحض أسباب حل الجماعة عام 1948م، يقول الأستاذ الجوهري:
"قامت مجموعة من (الأخوات) سلَّمهم الإمام الشهيد مذكرةً تفنِّد مبررات حل (الإخوان) للطواف بها على مكاتب الوزراء ومجلس النواب ومجلس الشيوخ والقصر الملكي ورئاسة الوزراء، ومن ضمن المكاتب التي مرَّت عليها هذه المجموعة مكتب وزير من وزراء الوزارة السعدية في هذا الوقت، وهو "علي أيوب"، وقد كان شديد الكراهية كباقي أعضاء الوزارة السعدية لـ(الإخوان) وما يقوم به (الإخوان).
فلمَّا عرف أن هذه العريضة من المرشد العام ومن (الأخوات) هاج هياج الثائر في الحرب، وهدَّد وصاح، ولكن (الأخوات) كُنَّ في ثبات، فردت عليه إحداهن: "هذا ما سلمناه لك هو رأي (الإخوان).. قبلته أم لم تقبله"، وانصرفن من عنده إلى القصر الملكي في (عابدين)، وأذكُر من هذه اللجنة "أمينة علي" و"فاطمة عبد الهادي" و"زينب عبد المجيد" و"فاطمة توفيق"..
مجموعة مكونة من حوالي سبعة أو ثمانية، ودخلن القصر الملكي لتبليغ هذه العريضة للملك عن طريق لقائهن بالملكة، فاستقبلتهن كبيرةُ الوصيفات بكلام لطيف، فقالت الحاجة "أمينة علي" وهن خارجات من القصر: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾ (الدخان: 25-26)، وإن شاء الله نرث هذه الجنات.
كما أنها اعتنت بالجانب الاجتماعي فأنشأت مع الأخوات مدرسة لليتيمات (مدرسة التربية الإسلامية للفتاة)، وكانت ناظرة المدرسة الأخت فاطمة عبد الهادي، وكان مقر المدرسة في شارع بستان الفاضل بالمنيرة، وظلت تعمل حتى أصابها ما أصاب ممتلكات الجماعة بعد الحل في 8 ديسمبر 1948م، حيث استولت الحكومة عليها، وتقول فاطمة خليل في ذلك:
"وفي عصرنا الحاضر هناك نساء شاركن في تنمية الجانب الاجتماعي في المجتمع؛ فهذه أمينة علي زوجة محمود الجوهري تنشئ مدرسة لتعليم الفتيات اليتيمات، ومن خلالها تقيم المعارض للأشغال اليدوية، وتجعل ريعها لمساعدة أسر الشهداء والأسرى والمعتقلين .
فعلى النساء الداعيات اتّباع الشريعة الربانية، وأن يكن أقوى عقيدةً وأعلى همةً مما هن عليه، فيعملن على استنهاض همم النساء ليقمن بأداء الأمانة العظمى التي أخذها الله على بني البشر، وهي التمكين لدين الله في الأرض، وتعيد الأجيال التائهة إلى الإسلام وواحته الغناء".
وفي 1954م كان لها دور في مستوصف الإخوان بإمبابة في علاج الفقراء، ومحاولة حل المشاكل الأسرية التي تقع بين الأزواج والزوجات، يقول الأستاذ الجوهري: "وكان من ضمن نشاط قسم (الأخوات) حلُّ مشاكل الأسر، وكانت أي مشكلة يعرف بها الإمام الشهيد في بيت من بيوت (الإخوان) كان يرسل إليَّ، أو إذا كنت موجودًا كان يقول: روح أنت والحاجة "أمينة" بيت فلان في المكان الفلاني وحلُّوا المشكلة، وكنَّا نذهب، وكنَّا نسهر في بعض الأوقات مدةً طويلةً حتى تُحلَّ المشكلة".
كما أقام الأخوات معرضًا للملابس والأدوات المنزلية وغيرها من المشاريع التي كانوا ينفقون عائدها على الفقراء.
وبعد تعرض الإخوان للمحنة عام 1954م، ودخول كثير منهم السجن، أخذت السيدة أمينة على عاتقها رعاية أبناء الشهداء والإنفاق على بيوت المعتقلين من الإخوان، وشاركها كثير من الأخوات أمثال السيدة نعيمة خطاب زوجة المستشار الهضيبي وابنتها خالدة، والسيدة زينب الغزالي، والسيدة أم أحمد وغيرهن، فقد كون لجنتين اللجنة الأولى ومهمتها إعداد الطعام والملابس للإخوان بالسجون، وكانت مسئولة هذه اللجنة الأخت زهرة السنانيري شقيقة الأستاذ كمال السنانيري تعاونها الأخت أمينة علي وفاطمة عبد الهادي وسنية الوشاحي وغيرهن، واللجنة الثانية مهمتها زيارة أسر الإخوان المعتقلين بصفة مستمرة، وتقديم كل ما تحتاجه هذه الأسر ماديًّا وأدبيًّا.
وبعد مذبحة طرة في أول يونيو 1957م، والتي أقدم عليها نظام عبد الناصر في حق واحد وعشرين من الإخوان قامت الأخوات برعاية أسرهم، تقول السيدة زينب الغزالي في ذلك: "علمت أن الوالدة الفاضلة المجاهدة الكبيرة حرم الأستاذ الهضيبي تبذل هي أيضًا مجهودًا كبيرًا مع بعض الفضليات الكريمات من الأخوات المسلمات مثل: المجاهدة آمال العشماوي حرم الأستاذ منير الدلة، وكانت هي بنفسها على رأس الأخوات المسلمات. ومثلخالدة حسن الهضيبي وأمينة قطب وحميدة قطب وفتحية بكر والمجاهدة أمينة الجوهري وعلية الهضيبي وتحية سليمان الجبيلي. واتسعت اتصالاتي رويدًا رويدًا فاتصلت بخالدة الهضيبي في سرية شديدة ثم بحميدة قطب وأمينة قطب. وكل ذلك من أجل المعذبين والأطفال واليتامى".
محنتها:
لم تكن شخصية مثل السيدة أمينة علي أن تنجو من يد الظالمين؛ فنتيجة لجهادها في الدعوة إلى الله قبض عليها الطغاة عام 1965م، وأودعوها السجن رغم إصابتها بمرض السكر والذبحة الصدرية والقلب، حتى كانت تأتيها إغماءة بين الحين والآخر، مما اضطر زوجها أن يكتب اعترافًا بأنه المسئول عما نسب إليها من قضايا وأخرجوها من السجن خوفًا أن تموت داخله بعد أن قضت في أتون جحيم السجن الحربي ثلاثة أشهر، قضتها بين التعذيب والتحقيق ومنع الأدوية عنها، يقول المهندس محمد الصروي: لقد اكنوا يقتادوها إلى السجن الحربي للتحقيق معها في نشاط قسم الأخوات.. ثم يعيدوها إلى معتقل سجن النساء بالقناطر".
وقد اعتقل معها أكثر من مائتي أخت من الأخوات المسلمات،فتقول الحاجة زينب حسانين زوجة الأستاذ جودة شعبان: فذهبت أنا وأبني الرضيع الحديث الولادة (ياسر) ومعي حماتي وركبنا معهم عربة الترحيلات التي لا تليق بالآدميين، وذهبنا إلى قسم السيدة زينب.. وهناك في تخشيبة قسم السيدة وجدنا الأخت الحاجة " أمينة الجوهري " حرم الأستاذ محمود الجوهري أمين عام قسم الأخوات المسلمات (قبل عام 1954م)..
ثم دخل علينا في التخشيبة أربعون شاباً وشيخاً من الإخوان المسلمين.. وبعد قليل تم ترحيلنا في الفجر إلى معتقل القلعة حيث التعذيب الرهيب.. ومررت أنا ورضيعي وحماتي على مشاهد التعذيب البشعة.. ثم وضعونا ومعنا الأخت أمينة في زنزانة مظلمة، ومن فضل الله أن الطفل الرضيع كان نائماً طوال الوقت، وقالت لهم الأخت أمينة أنها مصابة بذبحة صدرية.. ولكنهم لم يعيروها أي انتباه.. فالأرواح عندهم – آنذاك – لا وزن لها.
وبعد وقت قليل أخذونا ثانية نحن النساء ومعنا الرضيع في عربة لوري ظلت تمر على كل أقسام الشرطة بالقاهرة لتجميع المعتقلات من النساء، فجمعوا عدداً ضخماً طوال النهار وجزءاً من الليل، ونحن قابعون في العربة.. ولا تسألني هل أكلتم شيئاً أو شربتم شيئاً.. أو ماذا فعل الرضيع.. وتنهدت وقالت: حسبنا الله ونعم الوكيل.. حتى صار الوصول إلى سجن النساء أملاً كبيراً لنا !!
وبالرغم من ذلك صبرت واحتسبت لله كل ذلك، ولم تقنط يومًا من قدر الله، بل كانت دائمًا ما تلجأ إليه بالدعاء حتى أفرج عن زوجها عام 1973م، وما كادت تفرح بخروج زوجها حتى ابتلاها الله في ابنها المقدم حامد حيث استشهد في حرب أكتوبر 1973م أثناء العبور، فما زادت عن الاسترجاع وترديد قول الخنساء: "الحمد لله الذى شرفني بقتله، وأدعو الله أن يجمعني به في مستقر رحمته".
وكانت قد رزقها الله بثلاثة من الأولاد، فكانت مثالاً للزوجة الصالحة والأم الحنون؛ حيث لم تقصر يومًا في حق زوجها أو دينها؛ فكانت تصلي الفجر، وتؤدي ما عليها نحو بيتها وزوجها وأولادها، ثم تذهب إلى أحد الدروس أو مهام الدعوة الإسلامية فى العاشرة صباحًا لتعود ظهرًا قبل أن يعود زوجها.
رحيلها:
ظلت أمينة علي تعاني من الأمراض التي تكالبت عليها حتى لحقت بالرفيق الأعلى في مارس عام 1980م، وهي ثابتة على طريق دعوة الله ومبادئ الإخوان، وظل زوجها وفيًّا لها ولدعوة الله حتى لحق بها في مساء الثلاثاء الموافق الثامن من صفر 1425ه، 30 مارس 2004م ليسعدا معًا إن شاء الله برضا الرحمن.
المراجع:
١_ محمد عبد الحكيم خيال، محمود محمد الجوهري: الأخوات المسلمات وبناء الأسرة القرآنية، الطبعة الثانية، دار الدعوة للطبع والنشر والتوزيع، 1993م.
٢_ جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، الكتاب الخامس، الطبعة الأولى، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2005م.
٣_مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية لعام 1947، 1948م
٤_ وجريدة الإخوان المسلمين اليومية لعام 1948م.
٥_ زينب الغزالي:أيام من حياتي، دار التوزيع والنشر الإسلامية، الطبعة الأولى، 1999م.
٦_ فاطمة بنت خليل محمد محسن: دور المرأة المسلمة.
٧_ الأصالة والمعاصرة، مكتبة صيد الفوائد الإسلامية.
٨_ إخوان أون لاين، 4/4/2004م.
٩_ محمد الصروي: الإخوان المسلمون في سجون مصر (من عام 1942م-1975م)، دار التوزيع والنشر الاسلامية، 2006م.
١٠_ كتاب: محمود الجوهري .. حارس الأسرة الأمين ، عمرو عبد الكريم.
١١_ كتاب: الإخوان المسلمون والمجتمع المصري ،محمد شوقي زكي .
وسوم: ألعدد 1056