المهندس العبقري الشهيد الدكتور عبد الرزاق عرعور : قصة لا تُنسى
( ١٩٤٣_ ١٩٨١م)
هو المهندس السوري العبقري الشهيد الذي رفع رأس أمته عاليا في أرقى جامعات الغرب، ثم عاد إلى حلب؛ وكان في خدمة العلم والدين والوطن، ولقي الله شهيدا بريئا في مجزرة المشارقة في حلب في صباح العيد عام ١٩٨١م.
مولده؛ ونشأته:
ولد د. عبد الرزاق عرعور في حلب يوم الخامس من كانون الثاني (يناير) عام 1943 ونشأ في كنف أسرته التي كانت تسكن في حي المشارقة (1).
وكان والده مصطفى من مواليد 1885 يعمل تاجرا ومقاول طرق, ميسور الحال؛ وذو مكانة مرموقة في حي المشارقة.
وأما والدته السيدة عائشة عرعور من مواليد 1892 أي أنها أنجبته؛ وهي في الخمسين من العمر.
وأخوته محمد (شقيقه)، وغسان، وعصام (إخوة غير أشقاء).
الدراسة؛ والتكوين:
درس عبد الرزاق مصطفى عرعور الابتدائية في مدرسة الملك فيصل في حلب.
ثم درس الإعدادية والثانوية في مدرسة المأمون، وحصل على الشهادة الثانوية عام 1960م، وكان متفوقا في دراسته، وكان من بعض مدرسيه من تنبأ له بمستقبل باهر(2).
أرسله والده إلى ألمانيا الغربية لدراسة الهندسة المدنية، حتى يتولى بعد عودته أعمال والده في التعهدات، والبناء.
وعندما وصل الشاب الصغير إلى هانوفر سمع من الشبان العرب المقيمين هناك ما يثبط الهمة. فقد أسهبوا في الحديث عن صعوبة دراسة الهندسة في ألمانيا، وأن احتمال إنهاء دراسة الهندسة ضعيف. وكانت حجتهم أن من جاء قبله إلى المانيا, وكانوا أكبر منه سنا وأكثر وعياً لم يستطيعوا دراسة الهندسة.
فزاده ذلك عندها عزما وتصميما، وواجه التحدي بالدراسة بجد واجتهاد، حتى تخرج بتفوق، وحصل على شهادة الهندسة المدنية عام 1965 بتفوق.
كان حلمه أن يتابع الدراسات العليا للحصول على الدكتوراه، فقدم طلبا للتسجل في الدكتوراه بجامعة هانوفر.
وانتقل من مدينة هانوفر إلى مدينة إيسن Essen للعمل، في انتظار البت بطلبه للتسجل في الدكتوراه. عمل هناك في شركة لإنشاء الجسور، وأثبت جدارة وتميزا.
فعرضت عليه الشركة التي عمل فيها أن ترسله للعمل في المملكة العربية السعودية كمدير عام لفرعها هناك، براتب شهري يعتبر كبيرا آنذاك، وكان 18 ألف ريال شهرياً. فقبل العرض، وبدأ يستعد للسفر.
وصلته قبل سفره إلى السعودية بأيام رسالة من جامعة هانوفر تعلمه فيها بأن طلبه للتسجيل للدكتوراه قد قُبل، وبأنه مرشح لمنحة مالية للدراسة، وفي حال رغبته بقبول العرض عليه أن يتواصل مع الجامعة بأسرع وقت ممكن.
كان هذا اختبار فصل على مفترق طرق في الحياة بين العلم والمال.
هل يترك المنصب المعروض عليه كمدير شركة هندسية ألمانية للعمل في السعودية براتب شهري 18000 ريال في ذلك الوقت مع مستقبل لدخل أعلى، أم يسير في طريق آخر هو متابعة الدراسة كطالب دراسات عليا للدكتوراه براتب شهري يكفيه للحياة فقط، واقل بكثير من ذلك الراتب المعروض عليه كمدير شركة في السعودية. في ذلك الوقت كان قد تزوج حديثا، فعرض على زوجته أحد الطريقين المال أو العلم، وكان يسعده منها اختيار العلم، لأنه يريد من شريكة حياته أن تكون ذات هدف ورؤية.
كانت سعادته كبيرة عندما فضلت زوجته خيار العلم وشجعته، ووعدته بالدعم الكامل إلى أن يحصل على الدكتوراه. توجّه بحماس إلى جامعة هانوفر بعد أن دعمته زوجته بتفضيلها العلم ليلتحق مجدداً بدراسة الدكتوراه.
كان موضوع بحثه الذي طرحته عليه الجامعة في مجال "القشريات المتعددة الفتحات"، وكان موضوع تخصصه "القشريات الأسطوانية ذات المقطع الدائري والتشوهات فيها".
كان البحث في هذا الموضوع صعباً وفيه تحديات، وقد تجنبه قبله عدد من المهندسين الأوروبيين لصعوبته. إلا أنه قبِل التحدي وباشر العمل بالبحث، وتوصل إلى نتائج ذات أهمية جعلت بروفيسور فلوجر Pflüger، وهو بروفيسور الإنشاءات يختاره لأن يكون معيداً يساعده في تدريس مادته.
كان من أثر نجاحه في التدريس أن لقبه طلاب الهندسة هناك باسم فلوجر الصغير.
استطاع بالعمل الدؤوب والمثابرة خلال ثلاث سنوات أن يتوصل إلى نتائج هامة في بحثه، وأن يتأهل لمناقشة رسالة الدكتوراه، فقدم الرسالة للتقييم، وحضر جلسة الحكم، فوافقت عليها لجنة الحكم، ومنحته جامعة هانوفر شهادة الدكتوراه عام 1970.
بعد حصوله على الدكتوراه تلقى عروضا ذات أهمية وبرواتب عالية للعمل في ألمانيا وخارجها، لكنه وفي قلبه حماس متوقد أن يقدّم لحلب ما تعلمه في هانوفر، ففضّل العودة إلى حلب عام 1971 ليخدم وطنه، وتنفيذا للوعد قبل سفره إلى المانيا الذي أعطاه لوالده (3).
الوظائف، والأعمال:
التدريس:
بعد أن عاد إلى حلب عام 1971 قدّم طلبا للتعيين كعضو هيئة تدريسية في كلية الهندسة بجامعة حلب.
عرضت شهادتا الهندسة والدكتوراه التي حصل عليها من ألمانيا على لجان متخصصة لتقييمها(4).
لم يكن في ذلك الوقت أحد في حلب قد حصل على شهادة هندسة ودكتوراه من ألمانيا الغربية، فاعتمدت الشهادتان من وزارة التعليم العالي بعد التقييم، وصدر قرار بتعيينه مدرسا في كلية الهندسة بجامعة حلب.
بالرغم من أن دراسته للهندسة والدكتوراه كانتا باللغة الألمانية، فقد استطاع التأقلم مع التدريس باللغة العربية بكلية الهندسة بجامعة حلب في وقت قصير، وتعلم المصطلحات العربية للهندسة الإنشائية، وانسجم في أجواء التدريس مع طلابه وزملائه. كان جديا ومتشددا في دروسه، لكنه كان متسامحا وصاحب روحٍ مرحة، وخُلق دمث، وتفانٍ منقطع النظير.
لم يبخل أبداً على طلابه بوقته، وكان جاهزاً للإجابة عن أسئلة الطلاب والمهندسين خارج المحاضرات في أي وقت.
درّس مادة مقاومة المواد لطلاب العمارة والهندسة الميكانيكية و الكهربائية والهندسة المدنية(5)، والتي كانت تُعتبر من المواد الأساسية في فروع الهندسة. كان شرحه مسهباً وواضحاً وشيقاً، وأحبه طلابه ومازالوا يكنّون له الحب، ويذكرونه بالخير والوفاء. ثم درّس مادة حساب الإنشاءات في كلية الهندسة المدنية بجامعة حلب وبجامعة تشرين.
كان يحاور الطلاب، وينمّي فهمهم من خلال ذلك، مع احترام رأي الطالب، وإن كان الرأي غير تام في البداية، حتى يشجع الطلاب لبيان مستوى فهمهم، ثم يقوم بالإعادة للوصول إلى تمام الفهم(5-12).
الاستشارات الهندسية:
عمل كمهندس انشائي، وأنجز عددا من الدراسات الإنشائية لمنشآ ت عامة وسكنية وصناعية ومدنية وجسور في حلب ومحافظات أخرى في سوريا(13).
بدأ التفكير بمشروع المدينة الرياضية في الحمدانية عام 1980م، وكُلفت مؤسسة الإسكان العسكرية بالدراسة والتنفيذ.
ونظرا لأن هذا العمل كان نوعيا، ويحتاج إلى خبرة خاصة، فقد عهد إليه بالدراسة الإنشائية.
فقرر السفر إلى المانيا الغربية للبحث في عناصر المشروع واختيار أفضل الحلول لاستعمال تقنية متطورة في الإنشاء قبل البدء بالدراسة، إلا أنه فوجئ بمنعه من السفر لأسباب لم يفهمها.
كتبه:
١- كتاب مقاومة المواد لطلاب العمارة (14): موسوعة شاملة مستفيضة لعلم مقاومة المواد من 1050 صفحة.
كتب في إهدائه "إلى من ربياني صغيراً لأخدم وطني كثيراً. إلى والديّ الكريمين أهدي هذا الكتاب". يعبر هذا الإهداء عن مشاعره في حب الوطن الذي يرتبط عنده بحب الوالدين.
٢- كتاب مقاومة المواد (لطلاب الكهرباء والميكانيك)، وهو مجلد من حوالي 500 صفحة.
٣- كتاب الانشاءات المعدنية: غير مطبوع إذ لم تسنح له الفرصة لطباعته قبل استشهاده.
وكتبه موجودة في جميع الجامعات العربية، إذ أهدى نسخة لكل جامعة عربية.
أسرته:
تزوج من فاديا بليد، تولد 24/6/ 1950، عام 1967، ورُزقا بابن هو صفوان، وثلاث بنات أنفة، وشادن، وآية الله(15).
سارت زوجته الأرملة بعد استشهاده بالراية التي رفعها في خدمة الوطن، وسعت لتربية الأولاد الأيتام الذين كان أكبرهم بعمر الحادية عشرة، وحضهم على حسن الخلق ومحبة العلم.
كانت زوجته أمّاً مثالية حملت مسؤولية كبرى كأم وأب على عاتقها، وبذلت جهدا كبيرا من أجل نجاح أولادها، واستمرار ذكرى زوجها.
عملت بكل قواها في توجيه أولادها للسير على خطى والدهم وتنفيذ وصاياه.
كانت تذكر والدهم يومياً وكأنه حيّ وتوجههم بلسانه، حتى أنها كانت تضع مصروف البيت في جيب بدلته، فإذا احتاج أحدهم لمبلغ من المال كانت تقول له "خذه من جيب والدك".
وظلت مخلصة لرسالة زوجها في حب الوطن وحب العلم، وساعية في إعداد الأولاد ليكونوا صالحين وحاصلين على أعلى الدرجات العلمية. وظلت زوجته القوية صامدة تحت وطأة عبء المسؤولية لإيصال الأولاد إلى ما كان يرغب فيه أبوهم من أخلاق وعلم.
لكنها وهي ذات النفس الكبيرة تعب جسمها فأصابتها نوبة دماغية توفيت بسببها يوم الجمعة 25/1/2001 والتقت مع زوجها في عليين بعد طول فراق.
استشهاده:
كان يتجنب في الحديث مع زملائه ورفاقه أي موضوع له علاقة بالسياسة أو بالأوضاع، وكان من أقواله المأثورة: نحن مهندسون ومهمتنا البناء والمشاريع الهندسية لخدمة الوطن ولا علاقة لنا بالسياسة أو الأوضاع، فهناك كثيرون غيرنا يتناولونها.
بعد ان تقاعد الدكتور أحمد يوسف الحسن رئيس جامعة حلب جرى البحث عن مرشحين لهذا المنصب، وقد استمزج بعض المسؤولين رأيه لوضع اسمه بين المرشحين عام 1980 لرئاسة الجامعة فاعتذر بدبلوماسية قائلا: إنني رجل علم، ولست رجل إدارة، ولا أتطلع لأي منصب.
بدأت في حلب اضطرابات وثورة عام 1979، واستمرت إلى الربع الأول من عام 1980 فمست النقابات والجامعة، وأدت إلى اعتقال اثنين من زملائه في كلية الهندسة، وإلى استشهاد زملاء في الجامعة من كلية العلوم وكلية الزراعة وكلية الطب.
أثرت هذه الفواجع كثيراً عليه، فحزن حزناً شديداً على ما كان يجري في حلب، وعلى الفواجع في سوريا، فقد كان مرهف الحس، رقيق القلب يؤلمه أن يصاب وطنه بسوء.
قبل أن يبدأ العام الدراسي 1980-1981 اعتكف في بيته، وتفرغ للعبادة في العشر الأخير من رمضان عام 1400 للهجرة في شهر آب 1980.
وصار يحض أولاده في كل مناسبة على مكارم الأخلاق، وعلى أن يواظبوا على التعلم لأعلى الدرجات/ وأن يسيروا على خطاه، ويحملوا رسالته في العلم وخدمة الوطن.
وختم تلاوته للقرآن الكريم في 27 رمضان 1400 الموافق 8 آب 1980 بعد أن بدأه أول رمضان، وتوسل إلى الله عز وجل داعيا "اللهم إني أسألك أن تقوِي إيماني بك، وأن تستر حرماتي، وأن تتوفاني وأنت راض عني".
كان من عادته أن يجتمع مع أقاربه ببيت خاله في حي المشارقة في أول يوم من أيام عيد الفطر، ثم يزور قبر والديه المدفونين في مقبرة السنابلة بالمشارقة. بتاريخ 1 شوال عام 1400 الموافق 11 آب (أغسطس) عام 1980 وبعد الساعة الثانية عشرة ظهرا، وأثناء زيارته لبيت خاله، سُمعت أصوات إطلاق رصاص في المنطقة.
بعد نصف ساعة طُرق الباب، وظهر جنود على الباب، فرحب صاحب البيت بهم، وقدم لهم حلوى العيد ودعاهم لشرب القهوة فرفض الجنود.
طلب الجنود من كل رجل موجود في البيت أن يذهبوا معهم إلى موقع شمالي غربي مقبرة السنابلة، وكان عدد الرجال من آل عرعور في ذلك البيت ثلاثة عشر رجلا فخرجوا مع الجنود.
بعد نصف ساعة سُمع إطلاق رصاص كثيف في المنطقة.
كانت معه زوجته في زيارة بيت خاله، فتوجست شرا من أخذ الرجال ومن إطلاق الرصاص، فأسرعت راكضة إلى الموقع فشاهدت على الأرض عددا كبيرا من الرجال المصابين، ورأت زوجها وهو مصاب ومضرج بالدماء.
عندما حاولت زوجته نقله إلى المستشفى فوجئت بإطلاق الرصاص عليها بجانبها إرهابا لمنعها، فكانت نتيجة إطلاق الرصاص عليها وفاجعة فقد زوجها مشيب مفرق شعرها فورا، وهي الشابة ذات الثلاثين ربيعاً.
واستشهد في ذلك اليوم ثلاثة وثمانون بريئا من رجال المشارقة، منهم ثلاثة عشر رجلا من آل عرعور .
باستشهاده فقدت حلب علما متميزا في التفاني لخدمة نهضة الوطن كرّس حياته للعلم، ولنهضة أمته ووطنه، وترك بصمة في عالم الهندسة وبين طلابه، لكن نجمه سيبقى لامعا، وذكره العطر خالدا.
رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.
الهوامش:
- المشارقة في حلب، حي شعبي سكانه محافظون وأهل مروءة وشهامة وكرم وشجاعة. يعود بناؤه للقرن الثامن عشر ويقال إن سكانه الذين حلوا فيه هم من قبائل عربية وصلت من شرقي سوريا. تمتد المشارقة غربي سور حلب القديمة مواجهة لباب الجنان وباب انطاكية غربي مجرى نهر قويق. من عائلاتها: عرعور وحوري وداية ودودان ومجدمي ودرويش وسعداوي وأطرش والفيل وقوجة وفارس وأبوصالح وبليد. كان في شمالها مقبرة تدعى مقبرة السنابلة، تجاور قبور إبراهيم هنانو وسعدالله الجابري والجندي المجهول، لها سور حجري وباب حديدي مطل على شارع الفيض، دفن فيها عام 1950 الشيخ محمد راغب الطباخ. وإلى شرقها كانت توجد محطة للوقود. وتضم المشارقة حارات متعددة كالكتّاب والعينين وجسر النهر. كانت المشارقة مقرا لمتعهدي أعمال الحفريات والردميات المشهورين في حلب، وكانت مصدرا للمتعهدين لاستئجار آليات الحفر كالكومبرسورات والتركسات والبواكر. بدأ التنظيم العمراني فيها بهدم أقسام منها في أواخر الستينيات عندما كان المهندس عبد الغني السعداوي رئيسا للبلدية. كانت نتيجة الفاجعة التي حلت بأبناء المشارقة، أن سويت المقبرة بالأرض، وهدم سورها الشمالي، وهدمت عدة أقسام من المشارقة، فلم يتبق منها سوى أقل من عُشر مساحتها. وتوسع الهدم حتى وصل لمحاذاة بستان الزهرة، وأنشئت فيها ساحات، ومركز انطلاق الباصات، وأبنية عامة، وجامع وتمثال، امتدت حتى كاراج الباصات وكاراج الحجز.
- كان الأستاذ وداد طرابيشي في ثانوية المأمون مدّرسه في الرياضيات، ولم يكن قد حصل على درجة الدكتوراه بعد.
كان يتنبأ له دائماً بأنه سيكون ذا شأن بعد أًن كان يرى تميزه في الرياضيات على رفاقه.
- زمان الوصل، الدكتور حسام حفار 2015-08-18 : في بداية السبعينات من القرن الماضي، كنت قد وصلت الى مدينة هانوفر للدراسة، وكان جميع السوريين والعرب يتحدثون عن الدكتور عبد الرزاق عرعور، الأستاذ المتميز في الهندسة المدنية، الذي تفوق بعلمه على زملائه الألمان، وبالطبع العرب، وعن أخلاقه العالية، وكيف أنه يجمع الطلاب العرب ويعطيهم الدروس في الرياضيات والهندسة بلا مقابل، وأن إدارة الجامعة في هانوفر عرضت عليه عروضا مغرية للبقاء في ألمانيا والتدريس فيها، لكنه أبى وأراد الذهاب إلى موطنه سوريا، وإلى مدينته حلب لتستفيد من علمه وأدبه.
- علق على ذلك الدكتور وهيب طنّوس، مسؤول التعليم العالي، وقد تتبع تقييم الشهادات، بأن هذه أول شهادات حقيقية في الهندسة من المانيا الغربية تدخل سوريا.
- قال الدكتور محمد ملهم بدوي (وهو أستاذ الهندسة الإنشائية في كلية الهندسة المدنية ومن خريجي بريطانيا): عندما كنا في السنة الاولى من دراستنا في كلية الهندسة المدنية كنا نسمع بأن مادة "مقاومة المواد" عقدة الكلية. وعند انتقالنا الى السنة الثانية أكرمنا الله بانتقال الدكتور عبد الرزاق عرعور (رحمه الله) للتدريس في الكلية، فكنا أول دفعة تدرس على يديه "مقاومة المواد" فوجدناها مادة سهلة بسيطة، فهمها أكثر من 90% من الدفعة، وكنا ثلاث شعب، بعدد طلاب يقارب الـ 1000 طالب، وهذه الدفعة تخرجت معظمها بمعدلات عالية، وأوفد منها للتحصيل العالي أكثر من 20، ممن عادوا مدرسين في الكلية. والفضل يعود للدكتور عرعور (رحمه الله) لأنه فك طلاسم مفهوم "مقاومة المواد" بأسلوب أبوي لجميع الطلاب دون استثناء. وأذكر أنه طلب من جميع الطلاب إحضار آلة حاسبة متطورة، ولن يسمح بحضور الطالب إلا ومعه إياها، لكن أوضح له بعض الطلاب بأن لا طاقة لهم بشرائها. وبروحه الأبوية تأثر من أجلهم فطلب ممن لا يستطيع شراءها مراجعته سرا، وشجع الطلاب على التبرع، ولم يهنأ له بال إلا بعد شراء الآلات الحاسبة لجميع من لا يستطيع ذلك. فكان لي شرف الدراسة لمقاومة المواد على يديه، ولتكون الأساس لتفوق معظم الدفعة في باقي المواد وخلال الدراسات العليا بعدها، وانتهجت أسلوبه لأكون أقرب للطلاب مثله، وآمل أن أكون كذلك. رحمه الله وأكرم مثواه وجزاه الله عنا كل خير، وجعل ذريته من بعده ذرية صالحة تدعو له. ويكفيه أن شهد له من درّسنا مادة "حساب الإنشاءات" في السنة الثالثة، د. سمير جبارة، أن ناقشنا في البداية فوجد معظم الدفعة تفهم أصول "مقاومة المواد" بشكل لم يكن يره من قبل، فقابل الدكتور عرعور وأبلغه بأنه استلم منه دفعة لم يستلم مثلها من قبل.
- الدكتور سامح جزماتي، عميد كلية الهندسة المدنية سابقاً، ونقلاً عن ابنه الدكتور باسل، قال: لقد كان محبوبا جدا من قبل زملائه وطلابه، لما لديه من الأخلاق العالية، والمعلومات الوفيرة.
أخبرني والدي عن الفاجعة التي أودت بحياته وبحياة المواطنين في منطقة المشارقة في حلب يوم العيد. أحسبه عند الله من الشهداء. ولقد كان كتابه مرجعا علميا مهماً.
- الدكتور وليد فتلون (استاذ الهندسة الإنشائية وخريج ألمانيا): كان، رحمه الله، رائعا علمياً واجتماعياً. كان محبوباً جداً.
أتكلم دائما عنه ولا أنساه. كانت وفاته خسارة كبيرة للوطن. كانت قاعة محاضرته مكتظة بالطلاب، رغم أن الحضور لم يكن الزامياً. كان يعطي المادة بأسلوب مختلف تماماً عما تعلمه الطلاب سايقاً. كان يعطي المقرر بشكل عملي وبأمثلة متنوعة ومهمة، ومن الحياة العملية، وكمهندس مارس المهنة في ألمانيا. كان جواداً ومتفانياً. رحل الدكتور عبد الرزاق عرعور ومازال يعيش في وجدان كل طالب من طلابه.
- المهندس ياسر زيدي: الله يرحمه ويدخله جنات النعيم. كان قوي الشخصية. كنا في محاضرة له، وكان عدد الطلاب كبيرا في المدرج، ولكن الهدوء يعم أرجاء المدرج، فلا تسمع إلا صوته واحتكاك الطبشورة على اللوح. وفجأة اخترق صوت مع ضحكات خافته هذا السكون. فالتفت إلينا وقال مؤشرا بإصبعه: أنت يامن تلبس الكنزة الخمرية قم وقف. التفتنا فوجدنا أحد زملائنا لابسا كنزة خمرية قد وقف. فقال الدكتور هل ترون زميلكم الواقف. اعتبارا منه كمركز، وعلى دائرة نصف قطرها 4 طلاب ليقفوا ويخرجوا من المحاضرة. وفعلا قام الطلاب وخرجوا وبمراقبة هندسية شديدة منه. ودون اعتراض أو نقاش... حزم وخفة دم.
- المهندس جمال الريحاوي: كان من أجود وأفهم وأجمل الدكاترة. هو رجل، ولا كل الرجال.
- مروان الهيب: كان مثالا في التدريس. احتفظ بكتبه في "مقاومة المواد". وكنت أتساءل: كيف جمعها؟ العمر لكم، فكلنا نحاول أن نسير على نهجه العلمي فهو من العمالقة.
- أبو محمود أحمد: في الحقيقة فإن الدكتور عبد الرزاق من العمالقة في علوم "مقاومة المواد" وطريقته في رسم القوة القاطعة (القص) والعزم، رائعة. وما زلت أحتفظ بكتبه الرائعة. وكتبه غنية بكل شيء عن "مقاومة المواد". رحمه الله، فقد كان عالماً.
- ميشيل الحمصي: الله يرحمه، أعطانا مادة "مقاومة المواد" سنة ١٩٧٦، ومادة "البيتون المسلح" سنة ١٩٧٨. فقدانه كان خسارة كبيرة لجامعة حلب.
- د. مصطفى بركات: عرفته وعملت معه على مدى السنوات الثلاث الأخيرة من عمره، رحمه الله. وهي سنوات حُفرت في ذاكرتي، لدرجة تذكري إيّاها بشكل شبه يومي.
فكان نعم الأستاذ والأخ والصديق. جمعنا ودّ أخوي وتوأمة في حب الهندسة وتفاهم بالعمل لدرجة أني كنت أجد نفسي موجوداً معه في حديثه عن طموحاته المستقبلية العلمية والعملية. حضرت له إحدى محاضراته بكلية العمارة بحلب، وعندما عاد إلى مكتبه سألني: هل كان الشرح واضحاً؟ فقلت له: "خُلقت لتكون أستاذاً". تميّز بقوة شخصيته ودماثة خلقه ولطفه وحبه لعائلته ولأهله وأصدقائه. كما كان واثقاً من نفسه وقدراته مع تواضعه وقربه من طلابه، بحيث كان مكتبه في كلية الهندسة الكهربائية مفتوحاً لاستقبالهم والإجابة على أسئلتهم واستفساراتهم بكل سعة صدرٍ ورحابةٍ. وقد عمل، رحمه الله، جاهداً لجعل اختبار مادة مقاومة المواد التي يدرسها مادةً مفتوحةً، رغبةً منه بتركيز الطلاب على فهم المادة والابتعاد عن الحفظ قدر الإمكان، تماشياً مع تطور أساليب التدريس في الجامعات العالمية. عاصرت طموحاته المستقبلية حتى آخر يوم في رمضانه الأخير، فوجدته فد خصص معظم وقته للبحث العلمي وإعداد الكتب والتدريس بغية خدمة وطنه والنهوض به. كما اهتم كثيراً بدراسة المشاريع المميزة المتاحة. وعملت معه في خمسة مشاريع وتأثرت به كثيراً، ولم يزل أثره في نفسي حتى يومنا هذا، حيث لمست منه الودّ واللطف في التعامل وغزارة إعطاء المعلومات، بحيث كنت أشعر أنه يريد أن يعطي كل ما لديه دفعةً واحدة. خطّ حياته على طريق العلم ونسجها بحب الهندسة، ولم يكن له أي توجه سياسي، ولا يعير السياسة أي اهتمام يحيده عن طموحاته العلمية، فالسياسة عنده كما يقول "لها أهلها". رحمه الله. خسر العلمُ وطلبتُه بفقدانه مبكراً الكثيرَ من الطموح والكنوز، التي كان يمكنه أن يضيفها إلى العلوم الهندسية الأساسية. أثره كبير في نفسي ما حييت، ويندر أن يمر يوم لا أتذكره. لازمني ظله بعد استشهاده حيث الأساتذة الذين عرفوا عملي معه عندما كنت أتشدد بالتدقيق أو التحدي بتقديم الحلول كانوا يقولون لي: متل معلمك الله يرحمه.
مصادر الترجمة:
١_ ترجمة بقلم ابنته أنفة عرعور .
٢_ معلومات ا.د.م محمود فيصل الرفاعي.
٣_ صفحة عبد الرحمن الراغب.
٤_ مواقع إلكترونية أخرى.
وسوم: العدد 1057