الشيخ الداعية عبدالحفيظ حداد
(1943- 2018م)
هو الشيخ الداعية الإسلامي عبد الحفيظ حداد الذي ينتمي إلى أسرة حموية عريقة ظهر فيها العديد من العلماء.
مولده، ونشأته:
وُلد الشيخ عبدالحفيظ الحداد في مدينة حماة في سوريا عام 1943م، ونشأ في بيئةٍ محافظةٍ محبةٍ للدين، فكان الوالد رحمه الله ـ وهو من تجّار مدينة حماة في مجال موادّ البناء ـ محبًّا للعلم والعلماء، وتربطه بالكثير من علماء البلد علاقاتٌ قوية وخاصَّةً فضيلة الشيخ محمد الحامد رحمه الله تعالى .
الدراسة، والتكوين:
وفي هذه البيئة نشأ، وتربّى الشيخ عبدالحفيظ رحمه الله، وتلقّى تعليمه بمراحله الثلاثة ـ الابتدائية والإعدادية والثانوية ـ وعندما حصل على شهادته الثانوية بفرعها العلمي حرص الأهل على تشجيعه للذهاب لتركيا لدراسة الطب، وفعلاً ذهب لتركيا لهذا الهدف لكنَّه لم يجد ضالَّته المنشودة، وما يصبو إليه في هذا الفرع، ورجع قبل أن يكمل سنته الأولى من عام 1964م فقد كانت رغبته متوجّهةً لطلب العلم الشرعي ، وفعلاً تقدّم بطلبه للالتحاق بكلية الشريعة في جامعة دمشق التي أكمل فيها تعليمه الأكاديمي بعد أن نال قسطاً وافراً من العلوم الشرعية قبل انتسابه للجامعة من خلال ملازمته التّامّة لدروس فضيلة الشيخ محمد الحامد رحمه الله، فقد كانت دروسه رحمه الله جامعةً متكاملةً في مجال العلوم الشرعية بجوانبها المتعددة، وخاصَّةً ما يتعلق منها بالعقيدة والتفسير والفقه والحديث والسيرة، وقد كان درس الشيخ الحامد رحمه الله يُعقَد بشكلٍ يومي من بعد صلاة المغرب بقليل إلى ما بعد أذان العشاء بعشرين دقيقة تقريباً ، إضافةً إلى دروسه الصباحيَّة الخاصَّة لخواصّ طلبته على مدار الأسبوع أيضاً، وقد كان حضور الشيخ عبدالحفيظ وتتلمذه على يد الشيخ الحامد منذ فترةٍ مبكرة عندما كان يصحبه الوالد رحمه الله معه وهو صغير ، ولقد كان لهذه المرحلة من ملازمته للشيخ الحامد أكبر الأثر في بنائه العلمي ودقّته الشرعيَّة دقَّةً استحوذت على كيانه واهتماماته التي صاغت أسلوب حياته مراعيةً تحرّي الحكم الشرعي في كل جوانبها المختلفة ، فالشيخ الحامد رحمه الله عُرِفَ واشتُهر بورعه ودقَّته الشرعية في تحرِّيه للحق والوقوف عنده والجهر به وعدم مجاملة أحدٍ على حسابه.
وكما استفاد من فضيلة الشيخ الحامد رحمه الله في بنائه العلمي، استفاد أيضاً من شمائله وأخلاقه وما يتمثّل به الشيخ من قيمٍ وأخلاقٍ فاضلةٍ مستقاةٍ من أخلاق وشمائل المعلم الأول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن منطلق الوفاء الذي حثّ عليه الإسلام وأوصانا به النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: “لا يشكر الله من لا يشكر الناس” فقد كان دائم الثناء على شيخه الحامد والاستشهاد به ، ولقد سمعته وسمعت قوله لبعض الإخوة الذين جاؤوا لعيادته في مرضه الأخير : لم ترَ عيني مثل الشيخ الحامد رحمه الله تعالى.
وفي كلية الشريعة التي انتسب إليها عام 1965م وكان من المنتظمين في حضور المحاضرات مع أنّ الحضور لا يُلزَمُ به طلاب كلية الشريعة في تلك المرحلة فقد استفاد من ثلّةٍ من العلماء الكبار المتميزين بعلمهم وفضلهم كفضيلة الشيخ والأستاذ الكبير الأصولي :
فتحي الدريني، والشيخ مصطفى أحمد الزرقا، والدكتور الفقيه وهبة الزحيلي، وفضيلة الشيخ الدكتور: محمد أديب الصالح... وغيرهم رحمهم الله جميعاً، إضافةً إلى إفادته من علماء دمشق الكبار والتي كانت مساجد دمشق عامرة بدروسهم العلمية كفضيلة الشيخ محمد الهاشمي، والشيخ عبدالكريم الرفاعي، والشيخ حسن حبنّكة الميداني... وغيرهم رحمهم الله تعالى.
الوظائف، والمسؤوليات:
وبعد تخرّجه في الجامعة عُيّن مدرّساً لمادة التربية الدينية، وتنقّل بين عدد من المدن، وكان في كل مكان يحلّ به للتدريس يترك أثراً علمياً ونشاطاً دعوياً إلى أن استقرّ به المقام مدرِّساً في مدينة حماة، لكنَّ استقراره هذا لم يدم طويلاً إذ اضطرّ للخروج والسفر منها كشأن الكثيرين الذين خرجوا في تلك الفترة، وقد كان خروجه من البلد عام 1981م ـ 1401هـ قاصداً مكة المكرمة حيث أقام بها فترةً درّس خلالها في دار الحديث الخيرية بأجياد.
ثم انتقل بعدها لمدينة جدة حيث عمل خطيباً وإماماً ومدرِّساً في مسجد التحلية، واستمرَ فيه قرابة الأربعة عشر عاماً إلى أن استقرّ به المقام أخيراً بالعمل باحثاً في الهيئة العالمية للإعجاز العلمي برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وظلَّ قائماً على عمله مجتهداً في أدائه إلى أن أقعده مرضه الأخير قبل شهرين من وفاته تقريباً، وخلال فترة عمله إماماً وخطيباً في مسجد التحلية في جدة تابع مسيرته العلمية موفِّقاً بين عمله وتحصيله العلمي حيث حصل على درجة الماجستير من جامعة ( بهاولبور ) بالبنجاب، وبعدها تابع سيره العلمي بالحصول على درجة الدكتوراة كذلك من نفس الجامعة وعنوانها: ” الإسلام والصحة العامّة ” عام 1407هـ ـ 1408هـ .
صفاته، وأخلاقه:
كان _رحمه الله_ محبًّا للخير، متواضعاً، جواداً، يألَفُ ويُؤلَف، دمثَ الأخلاق، مصلحاً لذات البين، ناصحاً لإخوانه، زاهداً بدنياه، متطلِّعاً لما عند الله من المثوبة والأجر، فاتحاً بيته لكلِّ من قصده على اختلاف مستوياتهم وتوجهاتهم الفكرية ، حريصاً على توجيههم روحياً وتزكيتهم نفسياً وإفادتهم علمياً ، ناصحاً لهم بما ينبغي أن يكونوا عليه من التزامٍ بالأحكام التي يقررها الشرع الكريم، لا يجامل في هذا أحداً .
اتَّصف رحمه الله بالعلم ودقة الفهم وإصلاح ذات البين وحسن الخلق وبشاشة الوجه وطيب المعشر وكرم الضيافة، ولم يرزق بعقب.
كان زاهداً في الدنيا متقللاً منها، متمسكاً بالسنة والأثر، ودوداً لطيفاً بالصغير والكبير والقاصي والداني، نال محبة جميع من حوله وكسب ثناء كل من عرفه ولقيه .
وفاته:
توفي الباحث الإسلامي السوري، الشيخ عبد الحفيظ الحداد يوم الإثنين 30 رجب 1439هـ الموافق لـ 16/ 4/ 2018م، بعد الظهر بعد صراع طويل مع المرض في السعودية عن عمر ناهز 75 عامًا.
رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.
أصداء الرحيل:
توفي الباحث الإسلامي السوري، الشيخ عبد الحفيظ الحداد، بعد صراعه مع المرض في مكة المكرمة في السعودية عن عمر ناهز 75 عامًا.
ونعى باحثون وشيوخ سوريون الحداد اليوم، الاثنين 16 من نيسان، والذي توفي في مكة المكرمة حيث يستقر منذ سنوات.
والحداد من مواليد مدينة حماة عام 1943، وكان يعمل باحثًا في “الهيئة العالمية للإعجاز العلمي للقرآن والسنة”، التابعة لـ “رابطة العالم الإسلامي”.
وقال الشيخ مرهف السقا، المنحدر من حماة ويقطن في السعودية، عبر صفحته الشخصية في “فيس بوك”، إنه زار الحداد الجمعة الماضية بعد أن ساء وضعه.
ويعتبر الباحث الإسلامي العلامة الأبرز في حماة وتتلمذ على يديه كل من الشيخ محمد الحامد المتوفى عام 1969.
واعتبر السقا أن الحامد “كان يتميز بصدقه وجديته العلمية”.
والتقى الحداد بمفتي حماة سابقًا الشيخ سعيد النعسان، بحسب السقا، ونقل عن الحداد قوله إن الأخير قرأ عليه القرآن حين كان عمره خمس سنوات عام 1948.
وختم السقا منشوره بجملة “لم أر مثله في الصدق والعلم والعمل وفعل الخير والسعي فيه”.
وكان الحداد إمامًا وخطيبًا في مدينة جدة قبل انتقاله إلى مكة المكرمة.
وتوفي باحثون ودعاة سوريون خارج حدود بلادهم خلال السنوات الماضية، ومن أبرزهم العلامة والمفكر السوري محمد أديب صالح، الذي توفي عن عمر ناهز 90 عامًا، في الرياض تموز من العام الماضي.
كما توفي العلامة السوري الدكتور محمد فوزي فيض الله الحلبي، في مدينة أسبارطة التركية عن عمر ناهز 92 عامًا، في أيلول من عام 2017.
الشيخ عبد الحفيظ الحداد رحمه الله تعالى:
وكتب الشيخ مجد مكي يقول في نعيه: لما بلغني نبأ وفاة أخي الكبير الكريم الشيخ عبد الحفيظ الحداد ظهر أمس الاثنين سلخ رجب 1439 كتبت هذه الكلمات في رثائه:
تلقيت قبل قليل نبأ وفاة الأخ الكريم الشيخ عبد الحفيظ الحداد الحَمَوي في مكة المكرمة عن 75 عاما.
وهو من مواليد حماة 1943م، ومن أبرز شيوخه الذين لازمهم في حماة العلامة الشيخ محمد الحامد رحمه الله تعالى، وتخرج في كلية الشريعة بدمشق سنة 1387هـ - 1967م.
وتربطني بالأخ الكبير الفقيد وبوالده الفاضل وأخيه الحبيب عبد الرحمن صلة قديمة منذ إقامتي في مكة المكرمة في أوائل القرن الخامس عشر الهجري.
وكان قد هاجر من سوريا كحال الكثير من أهل السنة في ذلك الوقت في عام 1401 هـ واستقر به المقام في مكة المكرمة حيث عمل مدرساً في دار الحديث الخيرية، ثم انتقل بعدها إماماً وخطيباً في مسجد التحلية في جدة على مدى أربعة عشر عامًا، عاد بعدها باحثاً شرعياً ومحققاً ومدققاً في هيئة الإعجاز العلمي برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة ومازال فيها إلى أن ابتُلي بمرضٍ خطير أقعده عن الحركة وعانى كثيراً من الآلام كان خلالها صابراً محتسباً مستسلماً لقضاء ربه ومولاه إلى أن انتقل إلى جوار ربه ظهر هذا اليوم الاثنين 30 من رجب الفرد 1439.
اتَّصف رحمه الله بالعلم ودقة الفهم وإصلاح ذات البين وحسن الخلق وبشاشة الوجه وطيب المعشر وكرم الضيافة، ولم يرزق بعقب.
سمح له بالعودة إلى حماة بعد طول انتظار وشوق وعدة محاولات لإصلاح أوضاعه الأمنية، ولكنه قوبل من الجهات المخابراتية بالرفض الشديد، وطُلب منه العودة من حيث أتى، ولم يسمح له بالاستقرار أو التفكير بالعودة إلى بلده التي ولد ونشأ فيها.
كان زاهداً في الدنيا متقللاً منها، متمسكاً بالسنة والأثر، ودوداً لطيفاً بالصغير والكبير والقاصي والداني، نال محبة جميع من حوله وكسب ثناء كل من عرفه ولقيه .
أقدّم خالص العزاء لإخوانه وأسرته وتلاميذه وأصحابه .
رحم الله أخانا الكريم برحمته الواسعة، وتجاوز عنه، وتقبل منه صالح أعماله.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وكتب مرهف سقا في صفحته على الفيسبوك يقول:
توفي قبل قليل شيخنا الشيخ الدكتور عبد الحفيظ الحداد في مكة المكرمة.
شيخنا من مواليد حماة 1943م، وكان يعمل في الهيئة العالمية للإعجاز العلمي للقرآن والسنة التابعة لرابطة العالم الإسلامي، أبرز شيوخه العلامة الشيخ محمد الحامد رحمه الله، فقد كان ملازما له، يتميز الشيخ عبد الحفيظ رحمه الله بصدقه وجديّته العلمية.
اللهم عوضنا خيراً واغفر له وارحمه وأنزله منازل الأبرار واجزه خيرا عن المسلمين .
كنت قد زرته الجمعة الماضية في بيته لأعوده في مرضه وسألته: هل التقيتم بمفتي حماة الشيخ سعيد النعسان؟ فقال لي : وهو ينتشي سرورا: قرأت عليه القرآن عام ١٩٤٨ وكان عمري خمس سنوات، لم أر مثله في الصدق والعلم والعمل وفعل الخير والسعي فيه...إنا لله وإنا إليه راجعون.
وكتب الأخ الكريم محمد بشير حداد في صفحته:
الشيخ الدكتور عبد الحفيظ حداد في ذمة الله.
تلقيت بحزن بالغ نبأ وفاة الأخ الحبيب الكبير العالم الحموي الدكتور الشيخ عبد الحفيظ حداد
في مكة المكرمة ظهر اليوم الاثنين 30 /رجب /1439 الموافق 16/4/2018 .
وبيننا ودّ وحب وأخوة ووفاء يمتد جذرها لصحبة والده الحاج محمد حداد مع جدي الشيخ محمد بشير حداد ومع والدي ومع علماء حلب ورجالها رحمهم الله تعالى .
وكانوا هم دائمي التردد من حماه الى حلب الشهباء وبينهم وبين أسر حلبية مصاهرة وقرابات ..
وفقيدنا الراحل رحمه الله نشأ مع إخوته الأحبة في أسرة دين واستقامة ، وتوجه هو مع بعض إخوته برعاية والدهم لطلب العلوم الشرعية حتى الدراسات العليا ، وقد لازم عالم حماه ومجاهدها العلامة الشيخ محمد الحامد رحمه الله إلى وفاته.
وقد تلاقينا في رحاب مكة منذ هجرته اليها حيث كنا فيها.
ومن سماته المباركة: اللطف والود والكرم وحلاوة الحديث والتبسم والحرص على الاتباع والدقة العلمية ،والعطاء الدعوي ، والتعليم مع التواضع ولين الجانب وحسن العشرة ..
تغمد الله حبيبنا الفقيد بواسع رحماته وتقبله في المهاجرين في سبيله مع العلماء العاملين وأسكنه فردوس جنانه ..
أتقدم بأحر التعازي لآل الحداد في حماه و لذوي الفقيد ومحبيه ولأهل مدينة حماه ومشايخها ولعلماء سورية ..
إنا لله وإنا اليه راجعون.
وكتب محمد نضال مهندس: تعرفت على الشيخ في بداية إقامتنا بمكة المكرمة 1981
وكان إماماً بمسجد صغير بشعب عامر فسلّمني اياه وكنت أتقاضى 500 ريال شهرياً وبقيت فيه أكثر من عام إلى أن تم قبولي بجامعة أم القرى
كان الشيخ بسَّاما وقورًا متواضعًا كريمًا وكان والده رحمهم الله من أصحاب جدي ووالدي فكان التواصل من الأجداد إلى الاباء فالأبناء
زرته في المستشفى من حوالي عشرة أيام وكان الشيخ حامدًا شاكرًا سعيدًا رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة.
صلينا على الشيخ بالحرم الشريف بعد العشاء، ثم ووري الثرى في جنة المعلاة بالقرب من الشيخ عبد الله علوان والشيخ كامل سرميني رحمهم الله جميعاً رحمة واسعه
وأعاننا على ساعة الختام وجعلها على الإيمان الكامل، وعظَّم أجركم إخواني الكرام . إنا لله وإنا اليه راجعون.
الأخ الكبير الشيخ عبد الحفيظ الحداد:
ويقول عبد الرحمن حداد شقيقه الكبير: الحمد لله القائل في كتابه: ( وبشِّر الصابرين الَّذين إذا أصابتهم مصيبةٌ قالوا إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون )، والصلاة والسلام على نبيِّنا محمدٍ القائل: " ما من مسلمٍ تصيبه مصيبةٌ فيقول ما أمره الله: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون ، اللهمّ أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها إلاَ أخلف الله له خيراً منها " رواه مسلم .
إنَّ العين لتدمع، وإنَّ القلب ليحزن ، وإنا على فراقك يا أُخيَّ لمحزونون
وُلد أخي الشيخ عبد الحفيظ الحداد رحمه الله تعالى في مدينتنا حماة بسوريا عام 1943م، ونشأ في بيئةٍ محافظةٍ محبةٍ للدين، فكان الوالد رحمه الله ـ وهو من تجّار مدينة حماة في مجال موادّ البناء ـ محبًّا للعلم والعلماء، وتربطه بالكثير من علماء البلد علاقاتٌ قوية وخاصَّةً فضيلة الشيخ محمد الحامد رحمه الله تعالى .
في هذه البيئة نشأ، وتربّى الشيخ عبدالحفيظ رحمه الله، وتلقّى تعليمه بمراحله الثلاثة ـ الابتدائية والإعدادية والثانوية ـ وعندما حصل على شهادته الثانوية بفرعها العلمي حرص الأهل على تشجيعه للذهاب لتركيا لدراسة الطب ، وفعلاً ذهب لتركيا لهذا الهدف لكنَّه لم يجد ضالَّته المنشودة وما يصبو إليه في هذا الفرع ورجع قبل أن يكمل سنته الأولى من عام 1964م فقد كانت رغبته متوجّهةً لطلب العلم الشرعي ، وفعلاً تقدّم بطلبه للالتحاق بكلية الشريعة في جامعة دمشق التي أكمل فيها تعليمه الأكاديمي بعد أن نال قسطاً وافراً من العلوم الشرعية قبل انتسابه للجامعة من خلال ملازمته التّامّة لدروس فضيلة الشيخ محمد الحامد رحمه الله ، فقد كانت دروسه رحمه الله جامعةً متكاملةً في مجال العلوم الشرعية بجوانبها المتعددة، وخاصَّةً ما يتعلق منها بالعقيدة والتفسير والفقه والحديث والسيرة ، وقد كان درس الشيخ الحامد رحمه الله يُعقَد بشكلٍ يومي من بعد صلاة المغرب بقليل إلى ما بعد أذان العشاء بعشرين دقيقة تقريباً ، إضافةً إلى دروسه الصباحيَّة الخاصَّة لخواصّ طلبته على مدار الأسبوع أيضاً، وقد كان حضور الشيخ عبدالحفيظ وتتلمذه على يد الشيخ الحامد منذ فترةٍ مبكرة عندما كان يصحبه الوالد رحمه الله معه وهو صغير ، ولقد كان لهذه المرحلة من ملازمته للشيخ الحامد أكبر الأثر في بنائه العلمي ودقّته الشرعيَّة دقَّةً استحوذت على كيانه واهتماماته التي صاغت أسلوب حياته مراعيةً تحرّي الحكم الشرعي في كل جوانبها المختلفة ، فالشيخ الحامد رحمه الله عُرِفَ واشتُهر بورعه ودقَّته الشرعية في تحرِّيه للحق والوقوف عنده والجهر به وعدم مجاملة أحدٍ على حسابه. وكما استفاد من فضيلة الشيخ الحامد رحمه الله في بنائه العلمي، استفاد أيضاً من شمائله وأخلاقه وما يتمثّل به الشيخ من قيمٍ وأخلاقٍ فاضلةٍ مستقاةٍ من أخلاق وشمائل المعلم الأول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن منطلق الوفاء الذي حثّ عليه الإسلام وأوصانا به النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: "لايشكر الله من لايشكر الناس" فقد كان دائم الثناء على شيخه الحامد والاستشهاد به ، ولقد سمعته وسمعت قوله لبعض الإخوة الذين جاؤوا لعيادته في مرضه الأخير: لم ترَ عيني مثل الشيخ الحامد رحمه الله تعالى.
وفي كلية الشريعة التي انتسب إليها عام 1965م وكان من المنتظمين في حضور المحاضرات مع أنّ الحضور لا يُلزَمُ به طلاب كلية الشريعة في تلك المرحلة فقد استفاد من ثلّةٍ من العلماء الكبار المتميزين بعلمهم وفضلهم كفضيلة الشيخ والأستاذ الكبير الأصولي: فتحي الدريني، والشيخ مصطفى أحمد الزرقا، والدكتور الفقيه وهبة الزحيلي، وفضيلة الشيخ الدكتور : محمد أديب الصالح وغيرهم رحمهم الله جميعاً، إضافةً إلى إفادته من علماء دمشق الكبار والتي كانت مساجد دمشق عامرة بدروسهم العلمية كفضيلة الشيخ محمد الهاشمي، والشيخ عبد الكريم الرفاعي، والشيخ حسن حبنّكة الميداني.. وغيرهم رحمهم الله تعالى.
وبعد تخرّجه في الجامعة عُيّن مدرّساً لمادة التربية الدينية، وتنقّل بين عدد من المدن، وكان في كل مكان يحلّ به للتدريس يترك أثراً علمياً ونشاطاً دعوياً إلى أن استقرّ به المقام مدرِّساً في مدينتنا حماة، لكنَّ استقراره هذا لم يدم طويلاً إذ اضطرّ للخروج والسفر منها كشأن الكثيرين الذين خرجوا في تلك الفترة ، وقد كان خروجه من البلد عام 1981م ـ 1401هـ قاصداً مكة المكرمة حيث أقام بها فترةً درّس خلالها في دار الحديث الخيرية بأجياد، ثم انتقل بعدها لمدينة جدة حيث عمل خطيباً وإماماً ومدرِّساً في مسجد التحلية، واستمرَ فيه قرابة الأربعة عشر عاماً إلى أن استقرّ به المقام أخيراً بالعمل باحثاً في الهيئة العالمية للإعجاز العلمي برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وظلَّ قائماً على عمله مجتهداً في أدائه إلى أن أقعده مرضه الأخير قبل شهرين من وفاته تقريباً ، وخلال فترة عمله إماماً وخطيباً في مسجد التحلية في جدة تابع مسيرته العلمية موفِّقاً بين عمله وتحصيله العلمي حيث حصل على درجة الماجستير من جامعة ( بهاولبور ) بالبنجاب، وبعدها تابع سيره العلمي بالحصول على درجة الدكتوراة كذلك من نفس الجامعة وعنوانها: " الإسلام والصحة العامّة " عام 1407هـ ـ 1408هـ .
كان رحمه الله محبًّا للخير ، متواضعاً، جواداً، يألَفُ ويُؤلَف، دمثَ الأخلاق، مصلحاً لذات البين، ناصحاً لإخوانه، زاهداً بدنياه، متطلِّعاً لما عند الله من المثوبة والأجر، فاتحاً بيته لكلِّ من قصده على اختلاف مستوياتهم وتوجهاتهم الفكرية، حريصاً على توجيههم روحياً وتزكيتهم نفسياً وإفادتهم علمياً، ناصحاً لهم بما ينبغي أن يكونوا عليه من التزامٍ بالأحكام التي يقررها الشرع الكريم، لا يجامل في هذا أحداً .
تغمّده الله بواسع مغفرته ورحمته وألحقه بركاب عباده وأوليائه الصالحين وجزاه خيراً عمّا قدمه، والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ عبد الحفيظ الحداد:
ويقول إبراهيم عبيد في رثائه:
ورحل الشيخ الجليل، عليه سحائب الرحمة وشآبيب المغفرة
وتمضي سنة الله في خلقه ( كل نفس ذائقة الموت )
ويرحل الشيخ الجليل، والعالم الربّاني، المحبُّ لله جلَّ جلاله ولرسوله صلوات ربي وسلامه عليه، الوقَّاف عند حدود الله، الصادع بالحق لا تأخذه بالله لومة لائم؛ ليلقى وجه ربه الكريم صابراً محتسباً راضياً مرضياً.
قرأت ما كتبه ذووه وطلابه ومحبوه وما أظنهم وفوه حقَّه رغم صدق ما كتبوا.
ولما تكرم عليَّ فضيلة الشيخ الفاضل مجْد أحمد مكي مطالباً بالكتابة عمَّن شغف فؤادي حباً، تزاحمت الأفكار والأحداث والمناقب في مخيلتي، وخنقتي العَبرة.
فكيف لمثلي أن يفيَ بحق شيخنا وحبيبنا ووالدنا وأخينا أبي أسامة؟!!
كيف ألخِّص ما يقارب أربعين عاماً من معايشتي إيَّاه رحمه الله في سطور معدودة وكلمات محدودة!!
لم يسبق لي معرفة الشيخ في مدينة حماه رغم معرفتي بأسرته الكريمة حيث لزم الدراسة بجامعة دمشق بعد مقفله من تركيا تاركًا دراسة الطب ليلتحق بكلية الشريعة بجامعة دمشق، محققاً طموحه الذي تربَّى عليه على أيدي علماء حماة، وخاصة شيخ مشايخها فضيلة العالم الربَّاني المجاهد محمد محمود الحامد رحمه الله، حيث لازمه رحمه الله من نعومة أظفاره، وظل ذكر الشيخ ومناقبه وفتواه على لسانه حتى قبض رحمه الله تعالى.
بعد نيله درجة البكالوريوس من كلية الشريعة ودبلوم التربية من كلية التربية بدمشق حيث كان الطالب الشغوف بالعلم، التحق بخدمة العَلم في كتيبة المدفعية المضادة للطائرات، فتمثلت فيه روح الجندي المسلم المخلص لدينه ووطنه التي حملت رؤساءه على تكريمه ومنحه رتبة عسكرية إضافية لقاء استبساله بردِّ العدوان الإسرائيلي عام 1973م.
ثم عيِّن بعد تسريحه من الجيش مدرساً لمادة التربية الدينية في ثانويات الساحل السوري، فكان الداعية والمربي الحكيم في بيئة يغلب عليها الطائفية المقيتة، فكسب بحكمته ودعوته الوسطية الخالية من الغلو والتطرف والتعصب حب المجتمع هناك له.
أجل كان رحمه الله وسطاً ... كان صوفياً سلفياً ... حارب تطرف المتصوفة وشذوذهم وخرافاتهم حتى اختلف مع شيخ الطريقة نفسه وراجعه في كثير من الأمور.
كما التزم بالسنة النبوية الشريفة ونهج السلف الصالح وقَّافاً عند حدودهما، متمسكاً بالمذهب الحنفي، محارباً تنطع المغالين، مناظراً لهم.
عاد إلى عشقه القديم مدينة حماه مدرساً لمادة التربية الإسلامية في ثانوية أبي الفداء، لكن الأحداث عام 1980م لم تُنظره حيث تعرض للتعذيب والملاحقة الأمنية بعد إعدام شقيقه الأكبر د. طاهر حداد رحمه الله تعالى.
فخرج منها حاجاً بيت الله الحرام، حيث كان اللقاء به عليه الرحمة والرضوان.
في الرواق مقابل ميزاب الكعبة المشرفة، بدأت رحلة حب في الله ولله ... بوجه مهيب مشرق باسم مرحِّب بصحبة أخيه الفاضل الشيخ د. عبدالرحمن حداد.
مسيرة أخوة وحب وعلم وأدب ومرح، استمرت ما يقرب من أربعين عاماً عرفت من خلالها كثيراً من حياته.
عرفته ابناً باراً بوالديه فقد كانت فرحته الغامرة دليلاً لا تخطئها العين بإقامته مع أمه وأبيه في بيته في التحلية بجدة، يحقق لهما مطالبهما وما يشتهون بسعادة بالغة، ويهيىء لهما جوًا من الراحة في السكنى، مقدرًا شيخوختهما ونفسيتهما، رغم ضيق مسكنه بادئ سكناه في جدة حتى بلغ الأمر أن يزجر زوجه إرضاءً لأمه، وذلك بالاتفاق مع زوجه المصون أم أحمد.
عرفته زوجاً مخلصاً لزوجاته الأربع حتى اللواتي فارقهنَّ، فارقهنَّ بإحسان. ما سمعته يعيب على إحداهنَّ شيئاً، وإذا مرت به مناسبة ذكر محاسن أخلاقها.
وتعددت زيجاته لمَّا لم يرزقه الله الولد فطلبه طباً وزواجاً، ولما تيقَّن أن الله جعله عقيماً قال لأمه: أريد امرأة لها أولاد حتى لا تطلب مني ذلك.
وكانت أم أحمد حفظها الله الزوجة الثالثة بعد فراق الأولتين، والتي كان لها ولد وبنت، فكانت له الزوجة الوفية الكريمة البارة بأهله وضيوفه الكثر.
وكان رحمه أباً ومعلماً ومربياً لأولادها ولأولاد أولادها حتى كان منهم الحافظ والطبيب والمهندس.
عرفته طيب الله ثراه محباً للعلم وأهله، كان عالماً ربَّانياً يصدع بالحق، وقَّافاً عند حدود الله، لا تأخذه بالله لومة لائم، فكان إذا ما بدا له الحق وثب كالهزبر مناصراً له مهما كان الخصم عالماً أو قريباً أو صديقاً، وفي الوقت نفسه إذا كان على أمر وبدا له الصواب والحق في غيره، توقف مباشرة وآب للصواب. وكان يزرع في تلاميذه ورواد خطبه ومسجده هذه المعاني.
عرفته رحمه الله كريماً مفتشاً عن الضيوف، محباً لهم، باذلاً كل ما يسعدهم من طعام وشراب ومرح ومعونة ومساعدة وقضاء حوائج حتى آخر لحظة من حياته رحمه الله، وما زرته في ليل أو نهار إلا وجدت عنده ضيوفاً يُكرمون.
عرفته صالحاً مصلحاً فكم من خلافات زوجية كان صلاحها على يديه سواء من الأقارب أو الأباعد.
عرفته إنساناً صادقاً صدوقاً يحب الخير للإنسانية جمعاء، يدعو للسلم والسلام أن يعم البشرية كافة، يحترم الكبير مناصحاً وموجهاً، ويعطف على الصغير ملاطفاً ومربياً، يعرض فكرته بحكمة ومداعبة ومرح، يناصر المظلوم، ويدفع الظالم، وينصح العاصي، ويساعد المحتاج باذلا من ماله وجاهه حتى وهو يعاني من آلام مبرحة ومن سكرات الموت.
نِعْم رحل العالم المجاهد الربَّاني.
اللهم أجرنا في مصابنا واخلفنا خيراً منه.
رحمك الله شيخنا الفاضل أبا أسامة.
وجزاك الله خيراً عما قدَّمت للإسلام والمسلمين.
وأنزلك منازل الأبرار مع الأنبياء والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
وكتب الشاعر د. خالد حسن هنداوي قصيدة أهداها إلى روح فقيدنا الغالي عبد الحفيظ حداد، صبّ الله عليه شآبيب الرضوان، جاء فيها:
عبدَ الحفيظِ رعاكَ اللهُ مرتحِلا فاذهبْ مُضيفُك نادَى: مرحباً وهلا
هو الكريمُ الذي آواكَ مفتقراً وهو المجيرُ لمن في ساحه نزلا
والضيفُ ما دام في قرب السخيّ سما ألستَ محبوبَه الأكباد َوالـمُقَلا
وفدتَ في غربةٍ ترجوه خالقَنا أجرَ الشهادةِ تُكسى الحُورَ والحُلَلا
على فراقكَ إنا جِدّ في حَزَنٍ وقد رضينا بمن قد قدّر الأجلا
حسبتُ أنك بالآلامِ منشغلٌ فقلت: سوف أناجي الحِبّ متّصلا
إذا المنيّةُ سهمٌ ماله خلَفٌ يُخيب ظنّي ولا يَعبا بمن كسلا
عبدَ الحفيظ أليس اللهُ حافظَنا والشافيَ العبدَ إنْ داءٌ به ثقلا
إنَّ السلامة حقاً في مصاحبةٍ بلا فواصلِ عجزٍ فاغتنم نُزُلا
لما عرفتَ الرضا أو شِمْتَ لذّته طعمتَه بلسماً بل ذقتَه عسلا
كم كنتَ في ذكر مولانا على لَهَجٍ مع الرسول تُوافي السهلَ والجبلا
وكم تمرّغتَ بالأعتابِ منكسراً وكنتَ في الليل قوّاماً ومبتهِلا
وقمتَ تكدحُ مِعواناً لإخوتنا وهمُّك الدينُ أن يبقى لنا أملا
خدمتَ أهل التقى بِرّاً ومرحمةً وكنتَ تسأل من في حاجة سألا
ما غِرتَ إلا لأجلِ الله محتسباً وما ندمتَ على الدنيا كمَن جهلِا
يا ليتَ أنّا بدنيانا نشدّ على أنّا اقتداءٌ بمَن كانوا لنا مثلا
نرجوه سبحانه في الخلد يجمعنا مرافقين الأُلى أنعِمْ بهم رُسُلا
ويكشف الضرّ عن مأساة أمّتنا وينصر الحقَّ بالأخيار والفُضَلا
نمْ يا حبيبي ففي الفردوس موعدُنا حيث العطيةُ لا نبغي بها بدلا
هناك ننعمُ لا حُزنٌ ولا وَجَلٌ والكلّ يُجزى بما في عمره عملا
كالوالد الصالح الأتقى "محمّدِنا" و"غالبِ" الظلمِ مَن أبلى بنا وعلا
يا ربّ رحماك أيقظنا فأنت بلا نوم فكيفَ لمن عن موته غفلا
رحم الله الشيخ الداعية عبد الحفيظ حداد، وغفر له، وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
مصادر الترجمة:
١_ موقع رابطة العلماء السوريين.
٢_ مجلة عنب بلدي.
٣_ موقع علماء حماة.
٤_ رثاء الأعلام في شعر د. خالد هنداوي: عمر العبسو.
٥_مواقع إلكترونية أخرى.
وسوم: العدد 1075