الشيخ العالم المحدث الدكتور محمود أحمد ميرة

sdsgffg1092.jpg

{ ١٣٤٨ _ ١٤٤١ )/ (١٩٢٩_ ٢٠٢٠م}

هو العالم المحدث الداعية المحقق محمود أحمد ميرة أحد أبرز علماء حلب.

مولده، ونشأته:

وُلِدَ الشيخ المحدث محمود أحمد ميرة في مدينة حلب عام ١٣٤٨هـ/ ١٩٢٩م في حي الكلاسة في حلب في سورية .

نسبه، وأسرته: 

هو الشيخ الدكتور الشيخ محمود بن الحاج أحمد بن صالح ميرة (السيد عبدو) الحلبي.

عرف بشهامة أهله وتمسكهم بالدين والأخلاق الكريمة 

نشأ، وترعرع في أحضان أسرة عرفت بالتقى والصلاح، 

فوالده الحاج أحمد رجل تقي صالح، محب للعلم والعلماء، يزاحم على حضور مجالسهم، صحب الشيخ محمد أبا النصر خلف الحمصي، وأخذ عنه الطريقة (النقشبندية)، كما صحب الشيخ عيسى البيانوني، وأخذ عنه حبّه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورقة قلبه، وحبه للعلم والعلماء، دون أن يهمل حياته وأسرته وعمله، فقد كان يعمل في مهنة البناء، وهو فيها من أمهر البنائين.

الشهادات التي حصل عليها:

تلقى تعليمه الأولي في كتاب الشيخ مصطفى عليكاج، فتعلم عنده مبادئ القراءة والكتابة وقراءة القرآن الكريم، ثم بدأ بحفظ القرآن الكريم على شيخه هذا، واستطاع أن يحفظ عليه عشرة أجزاء من القرآن، ولما يتجاوز السابعة من عمره، ثمّ تابع حفظه على شيخه الشيخ عبد القادر خوجة، فحفظ عليه أكثر القرآن الكريم.

وأراد والده أن يلحقه بمعهد التعليم الشرعي، (المدرسة الشعبانية)، فطلب من صديقه الشيخ عطاء الله الصابوني مدير المعهد في ذلك الوقت، أن يلحقه به ليكون طالبا للعلم، لكنّ الشيخ الصابوني أخبر والده بأنه لا يمكنه أن يكون طالباً للعلم في هذا المعهد، ما لم يحصل على الشهادة الابتدائية، وفعلاً انتسب الشيخ إلى المدرسة الابتدائية، ونظرا لتقدمه في العلم، فقد دخل إلى الصف الثالث الابتدائي عام: 1939 م، وحصل على الشهادة الابتدائية عام 1942م.

وحاول والده ثانية أن يدفع به إلى طلب العلم، وتوسط له لينتسب إلى المدرسة الخسروية، لكن ظروفاً قاهرة حالت بينه وبين الانتساب لهذه المدرسة، فانصرف للعمل في التجارة، وبقي يعمل فيها إلى عام 1949 م، وكان قد بلغ التاسعة عشرة من عمره، وأراد والده أن يفرح به، وهو ابنه الوحيد فزوجه، وبعد زواجه انطلق مع والده، ليعمل في مهنة البناء، وهي من أقسى المهن وأصعبها، وطوال هذه المدة لم ينقطع المترجم عن حضور مجالس العلماء وحلقاتهم مع والده أو بمفرده.

ومن أهم هذه الحلقات: حلقة شيخه الشيخ محمد الياقتي، الذي كان يقرأ في الجامع الأموي الكبير، كتاب 

(إرشاد الساري شرح صحيح البخاري).

انتسب الشيخ إلى معهد الشعبانية المبارك، سنة: 1949م، وكان قد بلغ العشرين من عمره تقريباً، وفي هذه المدرسة، التقى المترجم بكوكبة كبيرة من علماء حلب الكبار، فتتلمذ عليهم، وأخذ عنهم مختلف العلوم الشرعية والعربية، وكان من شيوخه في هذه المدرسة: الشيخ عبد الله سراج الدين، والشيخ محمد راغب الطباخ، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة، والشيخ محمد نجيب خياطة، والشيخ عبد الوهاب ألتونجي، والشيخ إبراهيم الترمانيني، والشيخ محمد زين العابدين الجذبة، وقرأ عليهم علوم القرآن وتلاوته وتجويده، والحديث الشريف ومصطلحه، والتوحيد والمنطق والتفسير والفرائض، والتاريخ الإسلامي، والشيخ عبد الرحمن زين العابدين، والشيخ محمد أبو الخير زين العابدين، والشيخ أسعد العبه جي، والشيخ سامي البصمه جي، والشيخ محمد المعدل، والشيخ بكري رجب، والشيخ حامد هلال، والشيخ أحمد أبو صالح، والشيخ عبد الفتاح حميدة، والشيخ طاهر خير الله، وأخذ عنهم، علوم النحو والصرف والعربية والعقيدة والأصول، والشيخ محمد الغشيم، والشيخ أحمد قلاش، والشيخ عبد الله حماد، وقرأ عليهم الفقه الشافعي، والبلاغة، والعروض، والشيخ محمد بلنكو، والشيخ محمد الملاح، والشيخ عبد الله خير الله، والشيخ أمين الله عيروض، والشيخ علاء الدين علايا، وقرأ عليهم الفقه الحنفي، والتفسير، والشيخ إبراهيم الرفاعي، والشيخ صبحي الجمل، والشيخ نزار لبنية، وأخذ عنهم العلوم العامة.

وأكب الشيخ المترجم له، ينهل من علوم شيوخه هؤلاء، بهمة طالب العلم المجد، دون أن يهمل العمل مع والده، ليسد نفقاته ونفقات أسرته، وهكذا فقد جمع بين طلب العلم والعمل، فكان يذهب في الصباح إلى المدرسة، وبعد الظهر إلى العمل، ويمضي شطراً من الليل في المطالعة وتحضير الدروس، إلى أن تخرج في المدرسة (الشعبانية)، عام: 1954 م.

بعد تخرج الشيخ في المدرسة (الشعبانية)، وأراد متابعة طلبه العلم في (كلية الشريعة) في (جامعة دمشق )، بناء على توصية شيخه الشيخ حامد هلال، لكنّ عقبة الشهادة الثانوية وقفت عائقاً أمامه، وحاول بكل جهده أن ينتسب للثانوية الشرعية بحلب، ليحصل منها على الشهادة الثانوية، لكنّ جهوده باءت بالفشل، وذلك لكبر سنه، ثمّ استطاع وبمساعدة صديقه الشيخ عبد الرحمن كرّام - رحمه الله - أن ينتسب إلى معهد الجمعية الغراء بدمشق، ونتيجة امتحانه من قبل مديرها الشيخ أحمد الدقر، قبل في السنة الأخيرة منها، وحصل على شهادتها التي خولته دخول كلية الشريعة في جامعة دمشق.

انتسب الشيخ إلى كلية الشريعة بدمشق، عام 1955 م، وأكب على تحصيل العلم فيها، رغم مسؤوليته الكبيرة عن أسرته، ومعارضة والده الذي لا يطيق صبراً على فراق ابنه الوحيد، وفي كلية الشريعة التقى المترجم عدداّ من شيوخه الكبار الذين أخذ عنهم، وتأثر بهم أمثال الشيخ الدكتور معروف الدواليبي، والشيخ الدكتور مصطفى الزرقا، والدكتور الشيخ فوزي فيض الله، والدكتور الشيخ أبو اليسر عابدين، والدكتور الشيخ مصطفى السباعي، والشيخ علي الطنطاوي، والشيخ مصطفى الخن، وغيرهم من أساتذة هذه الكلية، كما التقى المترجم في دمشق عدداً من شيوخها، وحضر مجالسهم الخاصة، وفي مقدمتهم الشيخ حسن حبنكه الميداني، وقد حضر عليه طرفاً من شرح صحيح الإمام مسلم في بيته.

وفي السنوات الأخيرة من دراسته في كلية الشريعة، جمع المترجم بين الدراسة والتدريس، حيث كانت له دروس في ثانوية الغزالي، وفي الثانوية العلمية، وفي معهد العلوم الشرعية في حلب.

تخرج الشيخ في كلية الشريعة، عام : 1960م، وانتسب بعدها إلى كلية التربية في جامعة دمشق، وحصل منها على دبلوم التأهيل التربوي، عام 1961 م، تفرغ بعدها للتدريس في عدد من المدارس في مدينة حلب، ثمّ عين مدرسا في وزارة التربية، فتولى إدارة بعض الثانويات في المدن والقرى التابعة لمحافظتي إدلب وحلب، وبقي فيها إلى عام 1965 - 1966 م، وفي هذا العام، تعاقد مع الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة مدرساً فيها، وظلّ يدرس في هذه الجامعة حوالي إحدى وعشرين سنة، ثمّ انتقل إلى جامعة الامام محمد بن سعود في مدينة الرياض، سنة 1406 هـ.

وأثناء إقامته في المدينة المنورة، أنتسب إلى جامعة الأزهر في القاهرة، ليتابع طلبه للعلم فيها، وحصل منها على درجة (الماجستير) في الحديث النبوي الشريف، وذلك عن رسالته دراسة حديث النبي صلى الله عليه وسلم.

تابع الشيخ طلبه للعلم في الأزهر، إلى أن حصل على درجة (الدكتوراه) في الحديث عن رسالته (الحاكم النيسابوري وكتابه المستدرك على الصحيحين) وذلك بإشراف الدكتور الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف، والشيخ السيد محمد الحكيم، ونال عليها درجة الشرف الأولى مع التوصية بطباعتها.

خلال رحلة الشيخ العلمية استطاع أن يحصّل الشهادات العلمية التالية:

1- شهادة المدرسة الشعبانية (معهد التعليم الشرعي)، عام: 1954 م.

2- شهادة الجمعية الغراء بدمشق وهي تعادل الثانوية الشرعية، عام: 1955 م.

3- الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة بدمشق، عام: 1960 م.

4- دبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة دمشق، عام: 1961م.

5- درجة (الماجستير) في الحديث الشريف من جامعة الأزهر بالقاهرة، عام: 1969 م.

6- درجة (الدكتوراه) في الحديث الشريف من جامعة الأزهر في القاهرة، عام: 1972م.

كما عمل على نشر العلم الذي حصله وبذله لطلابه فكان:

1- مدرساً لمادة التربية الإسلامية في ثانوية الغزالي الخاصة بين عامي 1957 و 1962م.

2- مدرساً ومديراً تابعاً لوزارة التربية في منطقة حارم التابعة لمحافظة إدلب بين عامي 1962 و 1964م.

3- مدرساً في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة بين عامي 1965 و1987م.

4- مدرساً في جامعة الامام محمد بن سعود في الرياض من عام 1987 إلى أن تقاعد.

✿طيب القلب، كريم النفس واليد، طيب المعاشرة، حلو المؤانسة، شائق الحديث، لا يملً جليسه، يحب ضيوفه وطلابه، ويقوم على خدمتهم بنفسه( )، وهو صاحب ودً ووفاء لأصحابه وأهله، وإخوانه وأساتذته وشيوخه خاصة، ويتمتع بذاكرة نادرة عجيبة، يذكر الحوادث القديمة، ويقدمها لمحدثة بتفاصيلها الدقيقة بشكل دقيق، وهو ما يفتأ يذكر جميع شيوخه بالإجلال والتوقير، ويثني ويترحم عليهم، وقد عرفت الشيخ وهو في عنفوان شبابه يقطع يومه بين طلب العلم والتعليم والعمل، دون كلل أو ملل.

✦ جميل الوجه، أبيض البشرة، مشرب بحمرة، تزين وجهه لحية بيضاء زادته جمالاً ومهابة.

✿ انتقل صباح هذا اليوم الجمعة ٢٧ من شوال ١٤٤١ إلى الدار الآخرة عن 94 عامًا. رحمه الله 

أصداء الرحيل:

جماعة الإخوان في سورية تنعى العلامة الشيخ محمود أحمد ميرة

19 يونيو، 2020 

تنعى جماعة الإخوان في سورية، الشيخ الدكتور محمود أحمد ميرة، الذي وافاه الأجل، صباح اليوم الجمعة 27 شوال 1441هـ، الموافق 19 حزيران 2020م، في العاصمة السعودية الرياض، عن عمر ناهز 94 عاماً.

والشيخ ميرة -رحمه الله- من علماء حلب الشهباء الراسخين، عالم عامل، داعية، محدث، محقق، ولد في حي الكلاسة، في رمضان 1347هـ- شُباط 1929م، حيث نشأ وترعرع في أحضان أسرة عرفت بالتقوى والصلاح.

الدراسة، والتكوين:

تلقى تعليمه الأولي في الكتاب، ثم كان في شبابه يقطع يومه بين طلب العلم والتعليم والعمل، دون كلل أو ملل، ورغم عمله مع والده في مهنة البناء، وهي من أقسى المهن وأصعبها، إلا أنه لم ينقطع عن حضور مجالس العلماء وحلقاتهم.

انتسب الشيخ لمعهد العلوم الشرعية (المدرسة الشعبانية) سنة 1949م، وكان قد بلغ العشرين من عمره تقريباً، حيث التقى فيها بكوكبة كبيرة من علماء حلب الكبار، فتتلمذ عليهم، وأخذ عنهم مختلف العلوم الشرعية وعلوم اللعة العربية، إلى أن تخرج فيها سنة 1954م.

بعد ذلك انتسب الشيخ إلى معهد الجمعية الغراء بدمشق، وحصل على شهادتها التي خولته دخول كلية الشريعة في جامعة دمشق عام 1955م، حيث جمع في السنوات الأخيرة من دراسته فيها بين الدراسة والتدريس، إلى أن تخرج عام 1960م، وانتسب بعدها إلى كلية التربية في جامعة دمشق، وحصل منها على دبلوم التأهيل التربوي، عام 1961م.

تفرغ بعد ذلك للتدريس في عدد من المدارس في مدينة حلب، ثمّ عين مدرساً في وزارة التربية، فتولى إدارة بعض الثانويات في المدن والقرى التابعة لمحافظتي إدلب وحلب، وبقي فيها إلى عام 1965- 1966م، وفي ذلك العام، تعاقد مع الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة مدرساً فيها، وظلّ يدرس في هذه الجامعة حوالي إحدى وعشرين سنة، ثمّ انتقل إلى جامعة الامام محمد بن سعود في مدينة الرياض، حيث عمل فيها في الفترة من عام 1406هـ- 1986م إلى 1416هـ -1996م .

وأثناء إقامته في المدينة المنورة، انتسب إلى جامعة الأزهر في القاهرة، ليتابع طلبه للعلم فيها، وحصل منها على درجتي (الماجستير) ثم (الدكتوراه) في الحديث النبوي الشريف عام 1972م.

كان رحمه الله -كما وصفه محبوه- طيب القلب، كريم النفس واليد، طيب المعاشرة، حلو المؤانسة، شائق الحديث، لا يملّ جليسه، يحب ضيوفه وطلابه، ويقوم على خدمتهم بنفسه، وهو صاحب ودً ووفاء لأصحابه وأهله، وإخوانه وأساتذته وشيوخه خاصة، ويتمتع بذاكرة نادرة عجيبة.

رحم الله الشيخ ميرة، وتقبل الله منه جهده وجهاده وهجرته وثباته وصبره ووفاءه، وجزاه خير جزاء العلماء العاملين، والدعاة المثابرين.

اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله، وعوّض المسلمين وأهل الشام خاصة في مصيبتهم خيرا.

وخالص العزاء والمواساة لأسرة الفقيد وأهل خاصته وإخوانه ومحبيه.

وإنا لله وإنا إليه راجعون.

جماعة الإخوان المسلمين في سورية

المكتب الإعلامي

27 شوال 1441هـ، 19 حزيران 2020م.

في وداع الراحلين : العالم العابد الثبت الدكتور محمود أحمد ميرة في ذمة الله

20.06.2020

وكتب الداعية الإسلامي زهير سالم يقول:

لقي وجه ربه ضحى هذا اليوم الجمعة السابع والعشرين من شوال / 1441 شيخنا وأستاذنا ومعلمنا الشيخ محمود ميرة رحمه الله تعالى وتقبله في الصالحين ..

من علماء حلب الشهباء الراسخين والسباقين، توفاه الله في مهجره في مدينة الرياض، تقبل الله منه جهده وجهاده وهجرته وثباته وصبره ووفاءه وجزاه خير جزاء العلماء العاملين ، والدعاة المثابرين ..لم يحل بينه وبين القيام على أمر دعوته شغل ولا مرض ولا سن ولا عذل عاذلين ولا تثبيط مثبطين ..

 وكان أول ما تعرفنا بالشيخ رحمه الله تعالى في مدينتنا في حلب، في أوائل الستينيات، عندما غاب الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، رحمه الله تعالى، عن حلب أو غُيّب بفعل الظالمين، فأجلسه مجلسه في جامع زكي باشا، في تدريس كتاب الفقه " فتح باب العناية "

 وجاءنا الشيخ محمود رحمه الله تعالى، يوم الاثنين بعد صلاة المغرب على الموعد المقرر للدرس، والحزن يوشح الوجوه لغياب الشيخ عبد الفتاح، ولعله من الصعب أن أشرح للخليين حجم القهر والحزن الذي يحسه الطلاب المحبون، إذا غيّب الظلم عنهم شيخهم . ربما حضر بعض التلاميذ، ليس رغية في علم، وإنما امتثالا لأمر شيخهم الأول : أن درس الاثنين في جامع زكي باشا يباشره الشيخ الأستاذ محمود أحمد ميرة ، فكان هذا التوكيل بحد ذاته شهادة وتزكية وتوثيق ، وكلما تقلب بنا الزمان ، وتبدلت ببعض الناس الأخلاق ؛ أردد نعمت الشهادة ونعم التوثيق ..

كثير من الناس عندما يتغيرون ويتبدلون، أو تسول لهم أنفسهم فيغيرون ويبدلون: هذا دين وهذه دنيا ، هذه دعوة وهذه سياسة ، لا يدركون معنى العهد يعيش في قلوب أناس يصممون على أن يلقوا الله على عهده الأول معه ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا ). وقضى اليوم الشيخ محمود ثابتا على العهد ، وفيًّا له ، وترك الرسالة لمن خلفه من إخوانه :

 الثبات ..الثبات ، الوفاء ..الوفاء ..، احذروا أن يتلاعب بكم أو أن يتخبطكم الشيطان بمعسول وعد الكاذبين والمفرطين والمضيّعين ..

وجاء الشيخ محمود رحمه الله إلى مجلس الشيخ في جامع زكي باشا، والحزن يغشى وجوه الطلاب، وقد تقلص عدد من يحضر الدرس إلى النصف تقريبا ، وبدأ بنا ليهون علينا؛ بأن الله شرع التيمم عند فقد الماء. 

وأنه في مقامه الذي هو فيه، يقولها رحمه الله تعالى بين البسمة والدمعة ، هو ذاك التيمم والصعيد الطهور . لعلي كنت يومها في السادسة عشرة ، وكانت أول مرة أسمع التمثيل ، فيعجبني ، ويزرع الشيخ رحمه الله تعالى بسمة على الشفاه ..

ثم امتدت بنا الأيام والتقيت الشيخ محمود رحمه الله تعالى أكثر من مرة، وفي كل مرة ألتقيه أزداد منه علما وثقة ويقينا. أدرك اليوم أن بعض الرجال مجرد أن تلقاهم أو تسمع نبض حديثهم ، أو يحدثك محدث عن أخبارهم، أو يحمل لك سلاما منهم ؛ يمتلئ قلبك باليقين وبالثقة وبالأمل ... وأزعم أن شيخنا وأستاذنا الشيخ محمود رحمه الله تعالى كان واحدا منهم ..

والتقيته مرة في محفل مشهود شارك فيه مرة، جلسنا يومها متجاورين، وسمع حوار المتحاورين ، وجدال المتجادلين، فمال عليّ وقال: أعانكم الله على ما تعانون . هذه المرة الأخيرة ولا أعود !!

ولم يعد الأخ أبو أحمد يغشى المحافل تلك، ولكنه لم ينقطع طوال غربة شارفت امتدت لعقول عن رسائل الصلة والمودة سقيا لقديم عهد يبذلها شيخنا أبو أحمد سباقا، على عادة أهل فضل من " الطراز الأول "

كان الشيخ محمود رحمه الله تعالى رجل عبادة وعلم وعقل ..وما أقل أن يجتمع في الناس العلم والعقل . ويظنون أن الحقيقة تهذي كما يهذون !!

يموت العالم مثل الشيخ محمود فتشعر أن ركنا كنت تأوي إليه قد انهد ، تذكر كلمة نبي الله لوط : ( لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ) تعلم أن بعض ركنك الشديد قد انهدّ ، ثم تذكر قول سيدنا رسول الله : "رحم الله أخي لوطًا فقد كان يأوي إلى ركن شديد" . فلا تملك إلا أن تقول : حسبنا الله ونعم الوكيل ..

إن الله لا ينتزع العلم انتزاعا ، وإنما ينتزعه بقبض العلماء ، حتى إذا لم يُبق عالما ؛ اتخذ الناس رؤوسا جهالا فضلوا وأضلوا ..حسبنا الله ونعم الوكيل ..

ومن علامة الرأس الجاهل : أن يدور رأيه مع مصلحته ، ولو خرق نحيا للَعْقة زيت ولا يبالي... حسبنا الله ونعم الوكيل ..

ويذهب يوما بعد يوم الذين يعاش في أكنافهم ، ويلتمس الخير من أنفاسهم ..ذهب الذين يعاش في أكنافهم ، أنشدها يوما لبيد ، وتمثلت بها يوما أمنا عائشة ، ثم غدت ملاذا لكل الذين تغيب عن حياتهم شموسهم ...

رحم الله أستاذنا وشيخنا ومعلمنا وأخانا الشيخ محمود أحمد ميرة ، وتقبل منه صالح ما عمل ، وغفر له ما دون ذلك ، ورفع درجته في عليين ، وألحقه بالصالحين ..

اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تفتنا بعده ، واغفر لنا وله وعوض المسلمين وأهل الشام خاصة في مصيبتهم خيرا ..

وخالص العزاء والمواساة لأسرة الفقيد وأهل خاصته وإخوانه ومحبيه ..وإنا لله وإنا إليه راجعون ..

لندن : 27/ شوال / 1441

19/ 6/ 2020

_____________

*مدير مركز الشرق العربي

 مصادر الترجمة:

١_ترجمة الأستاذ محمد عدنان كاتبي.

٢_ موقع اخوان سورية.

٣_ مركز الشرق العربي: زهير سالم.

٤_ موقع رابطة العلماء السوريين.

٥_ الموسوعة التاريخية لأعلام حلب.

٦_ مواقع إلكترونية أخرى.

وسوم: العدد 1092