تَرجَمَتَانِ فَرِيدَتَانِ لِلإمَامَينِ الرَّبَّانِيَّينِ الجَلِيلَينِ

الفَقِيهِ الحَنَفِيِّ المَرغِينَانِيِّ

(511 - 593 هـ = 1117- 1197م)

وكِتَابُهُ: "الهِدَايَةُ فِي شَرحِ البِدَايَة"

و

المُفَسِّرُ البَيضَاوِيِّ الشَّافِعِيِّ

(نَحوَ 600ـ 691هـ = نَحوَ 1203ـ 1292م)

وكِتَابُهُ: "أنوَارُ التَّنزِيلِ وأسرَارُ التَّأوِيلِ"

بسم الله الرحمن الرحيم

توطئة

الحمد لله رب العالمين القائل سبحانه: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب*). الزمر (9).

وهو القائل عز شأنه: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)، والقائل جل جلاله: (إنما يخشى الله من عباده العلماء)، والقائل تعالى: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط).

والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد سيد العلماء والفقهاء القائل: "إني لأعلمكم بالله، واخشاكم له".

وقال فيما صح عنه : "إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر". رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه، وغيرهم.

وقال : "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم".

ولله در سيد التابعين الحسن البصري القائل:

"العلماء سُرُجُ الأزمنة، فكل عالم مِصباحُ زمانه، يستضيءُ به أهلُ عَصرِه، ولولا العلماء لصار الناس كالبَهَائم"

ورحم الله سابِقًا البَربَرِيَّ الذي قال:

العِلمُ   يُحيِي   قُلوبَ المَيِّتِينَ   كَمَا  

     تَحيَا البِلادُ إذا ما مَسَّهَا المَطَرُ

والعلمُ يَجلُو العَمَى عن قلب صاحبه

كَمَا يُجَلِّي -سَوَادَ الظُّلمَةِ- القَمَرُ

أما بعدُ: فهذه صفحات كتبتها في ترجمة إمامين جليلين، وعالمين كبيرين، أحدهما علامة وفقيه وأصولي حنفي رباني، إنه الإمام الشيخ علي بن أبي بكر المرغيناني ت 593هـ، صاحب كتاب "الهِدَايَة".

والآخر علامة وفقيه شافعي وأصولي ومتكلم ومفسر؛ إنه الإمام ناصر

الدين عبد الله بن عمر البيضاوي ت 691هـ، صاحب "أنوار التنزيل وأسرار التأويل" المشهور بـ "تفسير البيضاوي".

وسبب كتابتي هاتين الترجمتين المهمتين لهذين العالِمين العَلَمَين هو أني انتهيت من تدريس طلابي في ألمانيا تدريس كتابي: "اللباب في شرح الكتاب" للشيخ الغنيمي الميداني، وكتاب "تفسير النسفي".

وكان لا بد أن ننتقل إلى كتابين جديدين في بداية العام الجديد، وكان المُقرر على هؤلاء الطلاب في معهدهم في هذه السنة الخامسة كتاب "الهداية شرح البداية" الشهير للمرغيناني في الفقه الحنفي.

وفي التفسير كتاب "تفسير البيضاوي" المعروف.

فاستخرت الله تعالى، وشمَّرت عن ساعِد الجِدِّ والبحث، وبدأت -قبل نحو ثلاثة أسابيع- في تأليف هاتي الترجمتين اللتين أضنتاني كثيرا، وأرهقتاني جدا؛ بسبب قلة المعلومات عن حياة البيضاوي وشُحِّها، وكثرة المعلومات عن المرغيناني لكنها كانت متفرقة ومبثوثة في كتب كثيرة، وليست مجموعة في كتاب أو كتابين أو كتب قليلة.

وبعد البحث المُضني الجادِّ والدَّؤوب الذي واصلت العمل فيه ليلا ونهارا، حتى وفقني الله تعالى لكتابة ترجمتين خريدتين فريدتين -لم يُوجد مثلهما في كتاب- للشيخين الجليلين المذكورين اللذين كتب الله لكتابيهما القبول في العالم الإسلامي؛ فصارا يُدرَّسان في جُل البلدان الإسلامية في المدارس والمعاهد والجامعات، وما زالا كذلك منذ نحو ثمانية قرون.

كما شُرحا وكتب عليهما الحواشي والتعليقات والتخريجات والمختصرات والبحوث والدراسات بالعشرات، بل تجاوز المِئةَ بعضُها.

وقد تجاوزت مصادر كتابي -بفضل الله تعالى- الخمسين مصدرا.

واللهَ الكريمَ أسأل، وبنبيه الرؤوف الرحيم أتوسَّل، أن يجعل عملي خالصا لوجهه الكريم، وأن يُثيبني عليه الثواب الجزيل، وأن يشفع لي هذان العالمان الربانيان، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخميس في: 16/ربيع الأول/1446هـ = 19/أيلول - سبتمبر/2024م

الباب الأول

الإمام المرغيناني

وفيه تسعة فصول

 

الفصل الأول: اسمه ونسبه، مولده وأسرته، ونشأته

الفصل الثاني: تعريف بأوطانه:

                 رشدان، مرغينان، سمرقند

الفصل الثالث: عصر المرغيناني، وتعليمه وشيوخه

الفصل الرابع: رَحَلاتُه وأسفارُه، وحَجُّه واعتِمَارُه

الفصل الخامس: وفاته وآثاره؛ طلابه ومؤلفاته،

                   وبعض أخلاقه وأحواله وأقواله

الفصل السادس: منزلته العلمية، وسنده الفقهي

الفصل السابع: كتاب الهداية قصته، وسبب تأليفه،

                 وتاريخه، ومدته، وسنده الفقهي

الفصل الثامن: أهميته ومكانته لدى العلماء،

                 وبعض حفاظه، ومصادره

الفصل التاسع: من أهم شروحه وحواشيه،

                     وتخريج أحاديثه

الفصل الأول

اسم المرغيناني ونسبه ومولده وأسرته ونشأته

 

الإمام برهان الدين المرغيناني

(511 - 593 هـ = 1117- 1197م)

*اسمه ونسبه:

هو أبو الحسن، علي بن أبي بكر بن عبد الجليل بن الخليل، الصِّدِّيقي، الفرغاني، شيخ الإسلام، برهان الدين الفَرغاني المَرغِينانِي الرِّشداني: الإمام الصدر الحافظ الأصولي الفقيه الحنفي المُجتهِد، المُحَدِّث، المفسر العلامة النِّحرِير المحقق، الأديب، المُفرِط في الذَّكَاء، الزاهِد الوَرِع، من كبار فقهاء الحنفية وأعلامهم، صاحب كتاب "الهداية" أشهر كتبهم، مُشارك في أنواع من العلوم.

ينتهي نسبه إلى الصِّدِّيق الأكبر سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

وكُتبه تعد من الكتب الأساسية المتداولة، لدى دارسي المذهب الحنفي.

*ولادته وأسرته:

ولد لأسرة عربية يرجع نسبها إلى سيدنا أبي بكر الصديق عبد الله بن أبي قُحافة (رضي الله عنهما)، عقب صلاة العصر، يوم الاثنين 8/رجب/511هـ، كما ذكره الشيخ محمد عبد الحي اللكنوي.

وقد ولد في قرية "رِشدان" التابعة لِمرغينان، والتي تلفظ الآن ريشتان، ثم انتقل في سن الثالثة عشرة للعيش بمدينة "مرغينان" المعروفة حاليا بـ "مرغلان"، والمُتاخمة لـ "تُركِستان"، وكلاهما يقع في ولاية "فرغانة" -المنسوب إليها أيضًا- من دولة "جمهورية أوزبكستان".

وفرغانة: كورة كبيرة، وولاية واسعة ببلاد ما وراء النهر "نهر جَيحُون".

وكتب فيها القسم الأول من كتابه الشهير "الهداية"، لكن أهم جزء من حياته عاشه في مدينة "سمرقند".

*نشأته:

نشأ الطفل المرغيناني في بيت علم وفضل ودين في كنف أسرة فاضلة كريمة، وفي بيئة متدينة؛ فنشأ نشأة علمية، وتربى تربية دينية.

وقد اهتم بالعلم وطلبه منذ نعومة أظفاره، لترعرعه في أسرة علمية، وذكائه الخارق الذي وهبه الله إياه.

*خطأ في تاريخ ميلاده:

*ذكر الزركلي في كتابه (الأعلام) أنه ولد في عام 530 هجرية، وهو غير صحيح لسببين: أولهما- أن الشيخ المرغيناني تفقه على الشيخ علي بن محمد الإسبيجابي ت (535هـ)؛ فكيف يَتفَقَّه عليه وعُمرُه خمسُ سنوات؟!

*ولأن المرغيناني وُلد في "رِشدان"، وانتقل إلى "مرغينان" و"سمرقند" وعاش فيهما؛ فسأعرِّف بهذه الأماكن الثلاثة.

*فأقول وبالله التوفيق:

الفصل الثاني

تعريف بأوطان المرغيناني: رِشدان، مرغينان، سمرقند

 

رِشدان = رشتان

*قال ياقوت الحموي "مِن قُرى (مرغينان)، ومرغينان من قرى (فَرغانة) بما وراء النهر-يَقصِد نهرَ جَيحون-، يُنسب إليها شيخ الإسلام بخوارزم المعروف بـ (الرشتاني)".

رِشتان

 

"رِشتان" هي مدينة في ولاية فرغانة، في أوزبكستان، وتقع في منتصف المسافة تقريبا بين قوقند وفرغانة.

*مساحتها: نحو (19) كم2. *سكانها: نحو (60) ألفَ نَسَمَة.

ذكرت المدينة في كثير من كتب الجغرافيين العرب باسم رشتان.

قال الإصطخري في المسالك والممالك: "من سوج إلى رشتان مرحلة، من رشتان إلى زندرامش مرحلة".

قال ياقوت عن مرغينان: "بلدة بما وراء النهر، مِن أشهَر البِلاد مِن نواحي فَرغانة، خرج منها جماعة من الفضلاء".

*"معجم البلدان" 5/108، و"الموسوعة الحرة"

مَرغينان = مرغلان

مرغلان هي مدينة تقع في "جمهورية أوزبكستان" في ولاية فرغانة.

*مساحتها: (40،83) كم2. *سكانها: يُقدَّرون بـ 197,000 نسمة.

وتعرف قديمًا باسم مرغينان، وتقع في الجنوب الشرقي من وادي فرغانة،

وهي مدينة قديمة، (وفي سنة 2007م احتفلت اليونسكو بها بِعَدِّها مدينة تاريخية بمناسبة مرور ألفي عام على تأسيسها).

يتكون اسمها القديم من مقطعين باللغة الفارسية (مرغ) ويعني دجاج و (نان) ويعني خبز، وتقع في درب الحرير، ومن علمائها الأعلام الكبار الإمام علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني المرغيناني (ت 593هـ)، من أكابر فقهاء الحنفية، من تصانيفه: "بداية المبتدي"، وشرحه: "الهداية".

ويصفها السَّمعاني بأنها "من أشهر البلاد من نواحي فرغانة، وقد أصبحت منذ عهد القراخانيين أهم مدن المنطقة".

*"الموسوعة الحُرَّة"

 

dfsfsg10961.jpg

مُصَوَّر مَرغِلان "مَرغِينان"

 dfsfsg1096.jpg

سمرقند

سمرقند هي المدينة الثانية بعد طشقند أهميةً وعددًا، في (جمهورية أوزبكستان) وحاضرة مقاطعة سمرقند البالغة مساحتها نحو 31 ألف كم2، وإحدى الجمهوريات الإسلامية المنفصلة عن الاتحاد السوفييتي البائد.

تقبع المدينة في وادي زيرافشان الخصب، وذلك بين قناتي دارغوم وسيّاب على ارتفاع 710م، وتبعد عن طشقند العاصمة 275كم و 249 كم شمال أفغانستان، ويمر بها الخط الحديدي العابر آسيا الروسية كاملا (كراسنافوسك ـ طشقند) وكذلك على الخط الحديدي طشقند ترميذ، وتقع على طريق الحرير الذي يربط أوربا مع آسيا.

مناخ المدينة قارِّي جاف شتاؤها قارس (- 24 ْ - 2ْ درجة وسطي شهر كانون2) وصيفها حار جاف (28ْـ 24ْ وسطي شهر تموز)، الهطول مُتوسطي الطابع شتوي ربيعي لا يزيد على 327ـ 300ملم وسطيًّا، وفي الجبال المطلة على المدينة (نوراتاو وآغتاو) يبلغ 800 ـ 600ملم.

"زيرفشان" النهر الكبير الوحيد الذي يمر بالمدينة، ويتفرع فرعين هما آك دره (الوادي الأبيض) وقره دره (الوادي الأسود)، وهو المصدر الأول لمياه الشرب والري والصناعة.

*سكانها:

تضم سمرقند أجناسًا مختلفة من الناس، جلهم من الأوزبك (75) ثم الروس (7%) والتتار (6%) والطاجيك (5%) إضافة لأقليات أصغر كالفُرس، والأوكرانيين، واليهود.

تنامى، في قرن ونيف من الزمان، عدد سكانها من نحو 55 ألف نسمة لدى احتلالها من قبل الروس إلى نحو النصف مليون نسمة عام 1983، واتسعت من بضعة كيلومترات مربعة إلى 55 كم2 حالِيًّا، ويُقدر عدد سكانها حالِيًّا بنحو (700) ألف نسمة.

إن النمو السريع لعدد السكان يعود نسبة التزايد السكانية العالية، وخاصة وسط المسلمين منهم (25ـ30 في الألف). وأقل من ذلك بكثير بالنسبة للروس، كما شهدت المدينة نزوحاً ريفياً واسعاً نحوها بعد الاستقلال. وتحظى المدينة بمستوى معاشي جيد، فمتوسط الأعمار 70 سنة للرجال و75 سنة للنساء، ولكل 1500 نسمة طبيب، والمراكز الصحية بمختلف درجاتها واسعة الانتشار ونسبة الأمية متدنية كثيراً (10ـ 15%)، والمجتمع فتي، جله من الأطفال والشباب وعدد أفراد الأسرة كبير (6ـ 5 اشخاص) بالنسبة للمسلمين وأقل بكثير في أسر الروس.

*اقتصادها:

تطورت المدينة بسرعة اقتصادياً وخاصة في العهد السوفيتي، إذ انتقلت

من مدينة لصناعات حرفية بسيطة إلى مدينة المصانع والمؤسسات الصناعية الكبرى، ومن أبرز مؤسساتها الصناعية: صناعات القطن والحرير والجلود والأحذية، ومختلف الصناعات الغذائية، وفيها صناعات معدنية ثقيلة كصناعة الجرارات الزراعية والمكائن الكبيرة (السيارات الشاحنة) ومصانع للفوسفات والورق وللأدوات المنزلية بكل أنواعها، وصناعة الألبسة. ولأغلب هذه الصناعات معاهد علمية متوسطة وعالية

تخرج أعدادًا كبيرة من العلماء والمهندسين والفنيين.

*من أوابدها وآثارها:

سمرقند من أعرق مدن آسيا الوسطى أوابدًا وآثارًا إسلامية بالدرجة الأولى، وخاصة في الجزء القديم الإسلامي الطابع من المدينة، الذي كان محاطاً بسور طويل (9 ـ 8كم) ولقد هدمه وبواباته جيش الاحتلال الروسي، إلا أن أساس وملامح السور لاتزال محفوظة.

تزخر المدينة بمجموعة مزارات ومقامات ومدارس دينية، ومن أبرزها مراقد شاهي زينده، وروح أباد التي شيدت في منتصف القرن الرابع عشر. وفي عصر تيمورلنك الذي خلد زوجته الصينية بيبي خانُم بمراقد عدة حملت اسمها، بل وبنى مقاماً لنفسه سمي غور أمير.

ومن آثار القرن الخامس عشر المرموقة مزار آك سراي، وتميزت سمرقند كذلك بمجمع من المدارس الدينية الفاتنة المظهر، وذلك في ساحة ريغستان، يضاف إليها مرصد ابن تيمورلنك الكبير العالم الفلكي أولوغ بيك (1417-1420) ومدرسة شيردار، وتيلاكاري.

أما في ضواحي سمرقند فهناك مرقد عبدي دارون، وجوبان أتا، وعشرت خان. ومن المساجد الأثرية البارزة كذلك جامع نمازغاه (المُصَلَّى)، ومدرسة خوجه أحرار، وخانيغاه، وسواها.

أما الجزء الأوربي الحديث للمدينة، فقد بناه الروس بدءًا من 1871م وتميز بشوارعه المستقيمة العريضة المخضرة الشعاعية الانطلاق الغنية بالحدائق، وفيه تركزت أبرز المتاحف الأوزبكية والروسية ودور وقصور الثقافة وجامعة سمرقند المرموقة، إضافة لمعاهد علمية مختلفة: طبية وهندسية، وزراعية، وتربوية، وغير ذلك.

*تاريخها:

جاء ذكر مدينة سمرقند في التراث اليوناني القديم العائد للقرن الرابع قبل الميلاد، ولقد عُرفت باسم "ماراكندا" منذ هذا التاريخ وحتى القرن السادس الميلادي، وكانت حاضرة (دولة الصُّغد) آنذاك، إلا أنها ضُمَّت بعد ذلك لِمُمتلكات الخاقانات التركية، دمَّرها الاسكندر المقدوني سنة 329ق.م، وفتحها العرب المسلمون (92-94هـ/710-712م) فانتشر فيها الإسلام، وبدأ هنا عصر الحضارة العربية الإسلامية.

وما بين القرنين التاسع والعاشر الميلاديين تبعت الدولة السامانية التابعة للخلافة العباسية اسميًّا، ولكن في القرن الحادي عشر استولى عليها الكارغانديون وبعدها بقرن تقريبًا أضحت جزءًا من دولة السلاجقة الأتراك، إلا أن شاهات ملوك خوارزم استولوا عليها في مطلع القرن الثالث عشر ولم تمض فترة طويلة حتى اقتحمها جنكيزخان عام 1220م وأتى عليها تخريبًا وتدميرًا.

سطع العصر الذهبي لسمرقند في نهاية القرن الرابع عشر وفي القرن الخامس عشر، وخاصة عندما جعلها تيمورلنك حاضرة امبراطوريته المترامية الأطراف، وأصبحت مثالاً لمدن آسيا الوسطى الإسلامية ثقافة وبناء واقتصاداً، بعد ذلك بدأ شأنها بالأفول، إذ امتدت إليها يد ملوك الشيبانين الذين جعلوا بخارى عاصمة لهم، وخلفهم في الملك خانات بخارى. استمر وضع المدينة مضطربًا حتى سنة 1868م عندما اقتحمها الجيش الروسي القيصرى وضمت أوزبكستان كاملاً للامبراطورية الروسية، وجعل القيصر منها عاصمة لمقاطعة زيرافشان، ولما استولى البلاشفة على السلطة أصبحت عاصمة لأوزبكستان في الفترة (1924-1930م)، بعدها برزت طشقند عاصمة ولاتزال.

*"الموسوعة العربية" 11/136، للكاتب شاهر جمال آغا.

*وكتبت عن "سمرقند" (الموسوعة الحُرَّة) قائلة:

سمرقند

سمرقند هي مدينة في أوزبكستان، يبلغ عدد سكانها 400,000 نسمة، وهي ثاني أكبر مدن أوزبكستان.

*تاريخها:

اختلفت الآراء حول مؤسسها فهناك بعض الآراء ترى أنه (كيكاوس بن كيقباذ) وهناك آراء تقول إنه (الإسكندر الأكبر) وهناك من يرى أنه (شمر أبو كرب) ولذلك سميت (شمركنت) وعُربت إلى (سمرقند).

*الفتح الإسلامي لها:

في سنة (87هـ ـ 705 م) تم الفتح الإسلامي لمدينة "سمرقند" على يد

القائد المسلم "قتيبة بن مسلم الباهلي"، ثم أعاد فتحها مرة أخرى سنة (92هـ ـ 710م). وبعد الفتح الإسلامي قام المسلمون بتحويل عدد من المعابد إلى مساجد لتأدية الصلاة، وتعليم الدين الإسلامي لأهل البلاد.

وفي العصر العباسي ازدهرت مدينة (سمرقند) ازدهاراً كبيرًا خصوصًا في عهد الخليفة العباسي (المعتمد على الله) الذي جعل من مدينة سمرقند) عاصمة لبلاد ما وراء النهر واستمرت كذلك حتى عهد الأمير (أحمد بن إسماعيل) الذي نقل العاصمة إلى بخارى فصارت المدينتان مركزين حضاريين وازدهرت الحياة الاجتماعية والاقتصادية بهما في عهد الدولة السامانية وظلت هكذا حتى خضعت لحكم الدولة الخوارزمية في عهد السلطان (علاء الدين محمد بن تكش) الذي هاجم بلاد ما وراء النهر واستولى على سمرقند عام 606هـ/ 1209م.

*الغزو المغولي:

في بداية الغزو المغولي للمدينة؛ قام «المغول» بتدمير معظم العمائر الإسلامية، وشهدت نكسة حقيقية حلت بالمدينة حين دكها جنكيز خان فبعد أن خرَّب بُخارى تحرك صوب سمرقند واستخدم الحيلة للإيقاع بها حيث قاد من أهل بخارى جمعاً عظيماً حتى يتصور أهل سمرقند أنهم من جملة جيشه فيفزعون لضخامته ورغم أن هذا الفعل جرى مفعول السحر إلا أن أهل سمرقند لم يسكتوا عن الدفاع عن مدينتهم فأبدوا مقاومة شجاعة لثلاثة أيام وخرجوا في اليوم الثالث من المدينة وهاجموا المغول إلا أن جيوش جنكيز خان قد انتصرت ودخل (جنكيز خان) المدينة في العاشر من المحرم سنة 617هـ/ 1220م وبعد أن خرب قصر الحاكم بها أمر بالقتل والنهب وعامل سمرقند بما عامل به بخارى من قبل، كما أسر الآلاف من صناع سمرقند المهرة وفرضت الضرائب الباهظة على من تبقى من السكان في المدينة وأمسى الجزء القديم من المدينة خراباً مهجوراً بسبب تدمير قناة المياه الجارية من قبل المغول، وبعد ذلك اتجه "المغول" أنفسهم بعد اعتناق الإسلام إلى تشييد العديد من العمائر الإسلامية، خاصة في العهد التيموري، وذلك على مدى (150) عامًا هي فترة حكمهم لبلاد ما

وراء النهر من (617هـ ـ 1220م) إلى عام (772هـ ـ 1370 م).

*الدولة التيمورية:

عقب سيطرته على سمرقند في العصور الوسطى، أعلنها تيمورلنك، مؤسس إمبراطورية تيمور العظمى، عاصمة لدولته. وأحضر تيمورلنك أفضل المعمارين، والفنانين والحرفيين من شتى بقاع الأرض من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، لبناء سمرقند بأفضل شكل ممكن، ما جعلها مركز ثقل العالم في تلك المرحلة من التاريخ. وتحولت المدينة إلى مركز علمي عالمي في عهد ابنه أولوغ بيك.

ونجحت المدينة في نَيل إعجاب كل من زارها على مر القرون الماضية، لا سيما أنها كانت من أهم أجزاء طريق الحرير. ولا تزال المدينة التي حظيت بمكانة واسعة في أشعار ومدائح وروايات الشعراء والكتّاب، تحافظ على رونقها التاريخي في يومنا الحالي.

*الحكم القيصري الروسي والسوفييتي:

وفي القرن (19م) استولى الجيش الروسي على بلاد ما وراء النهر ومنها مدينة "سمرقند". وفي سنة (1918 م) بعد قيام الثورة الشيوعية في روسيا استولى الثوار على مدينة «سمرقند» وظلت تحت سيطرتهم إلى أن سقطت الشيوعية في عام (1992 م). وقد نالت "سمرقند" الاستقلال ضمن جمهوريات رابطة الدول المستقلة، بعد تفكك الاتحاد السوفيتي.

*سمرقند والإسلام:

نادى الغلام: يا قتيبة (هكذا بلا لقب) فجاء قتيبة وجلس هو وكبير الكهنة أمام القاضي جُميْع ثم قال القاضي: ما دعواك يا سمرقندي؟ قال: اجتاحنا قتيبة بجيشه ولم يدعنا إلى الإسلام ويمهلنا حتى ننظر في أمرنا. التفت القاضي إلى قتيبة وقال: وما تقول في هذا يا قتيبة؟ قال قتيبة: الحرب خدعة وهذا بلد عظيم وكل البلدان من حوله كانوا يقاومون ولم يدخلوا الإسلام ولم يقبلوا بالجزية. قال القاضي: يا قتيبة هل دعوتهم للإسلام أو الجزية أو الحرب؟ قال قتيبة: لا إنما باغتناهم لما ذكرت لك. قال القاضي: أراك قد أقررت، وإذا أقر المدعي عليه انتهت المحاكمة، يا قتيبة ما نصر الله هذه الأمة إلا بالدين واجتناب الغدر وإقامة العدل.

ثم قال: قضينا بإخراج جميع المسلمين من أرض سمرقند من حكام وجيوش ورجال وأطفال ونساء وأن تترك الدكاكين والدور، وأنْ لا يبق في سمرقند أحد، على أنْ ينذرهم المسلمون بعد ذلك!

لم يصدق الكهنة ما شاهدوه وسمعوه، فلا شهود ولا أدلة ولم تدم المحاكمة

إلا دقائق معدودة، ولم يشعروا إلا والقاضي والغلام وقتيبة ينصرفون أمامهم، وبعد ساعات قليلة سمع أهل سمرقند بجلبة تعلو وأصوات ترتفع وغبار يعم الجنبات، ورايات تلوح خلال الغبار، فسألوا فقيل لهم إنَّ الحكم قد نُفِذَ وأنَّ الجيش قد انسحب، في مشهدٍ تقشعر منه جلود الذين شاهدوه أو سمعوا به.

وما إنْ غرُبت شمس ذلك اليوم إلا والكلاب تتجول بطرق سمرقند الخالية، وصوت بكاءٍ يُسمع في كل بيتٍ على خروج تلك الأمة العادلة الرحيمة من بلدهم، ولم يتمالك الكهنة وأهل سمرقند أنفسهم لساعات أكثر، حتى خرجوا أفواجاً وكبير الكهنة أمامهم باتجاه معسكر المسلمين وهم يرددون شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله.

فيا لَلَّه ما أعظمها من قصة، وما أنصعها من صفحة! من صفحات تاريخنا المشرق، أرأيتم جيشاً يفتح مدينة ثم يشتكي أهل المدينة للدولة المنتصرة، فيحكم قضاؤها على الجيش الظافر بالخروج؟ والله لا نعلم شبه لهذا الموقف لأمة من الأمم.

بقي أن تعرف أن هذه الحادثة كانت في عهد الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز، حيث أرسل أهل سمرقند رسولهم إليه بعد دخول الجيش الإسلامي لأراضيهم دون إنذار أو دعوة، فكتب مع رسولهم للقاضي أن احكم بينهم فكانت هذه القصة التي تعتبر من الأساطير.

هي قصة من كتاب "قصص من التاريخ" للشيخ الأديب علي الطنطاوي، وانظر القصة في تأريخ الرسل والملوك للطبري وفتوح البلدان للبلاذري.

*موقعها الجغرافي:

تقع مدينة "سمرقند" في آسيا الوسطى، في بلاد أوزبكستان. ومعنى الاسم "قلعة الأرض"، وقد وصفها "ابن بطوطة" بقوله: " إنها من أكبر المدن وأحسنها وأتمها جمالاً، مبنية على شاطئ وادٍ يعرف بوادي القصَّارين، وكانت تضم قصورًا عظيمة، وعمارة تُنْبئ عن هِمَم أهلها.

*سكانها:

بحسب التقارير الرسمية، فإن غالبية سكان سمرقند هم من الأوزبك، وهم من الشعب التركي. ومع ذلك، فإن معظم "الأوزبك" هم في الواقع طاجيك، وهم شعب إيراني، على الرغم من أن جوازات سفرهم تذكر أصلهم العِرقي على أنهم أوزبكيون.

ما يقرب من 70٪ من سكان سمرقند هم من الطاجيك (الفارسية) - يتحدثون الطاجيكية. يتركز الطاجيك بشكل خاص في الجزء الشرقي من المدينة، حيث توجد المعالم المعمارية الرئيسية.

وفقًا لمصادر مستقلة مختلفة، الطاجيك هم أغلبية عرقية في سمرقند. يشكل الأوزبك الإثنيون ثاني أكبر مجموعة، ويتركزون بشكل أكبر في غرب سمرقند. يصعب الحصول على أرقام ديموغرافية دقيقة، لأن بعض الناس في أوزبكستان يعرفون بأنهم «أوزبكيون» على الرغم من أنهم يتحدثون الطاجيكية كلغة أولى، غالبًا لأنهم مسجلون كأوزبك من قبل الحكومة المركزية بالرغم من لغتهم وهويتهم الطاجيكية. كما أوضح بول بيرجن:

خلال تعداد عام 1926، تم تسجيل جزء كبير من السكان الطاجيك على أنهم أوزبكيون. وهكذا، على سبيل المثال، في الإحصاء السكاني لعام 1920 في مدينة سمرقند، تم تسجيل الطاجيك على أنهم 44758 وعدد الأوزبك فقط 3301. وفقًا لتعداد عام 1926، تم تسجيل عدد الأوزبك بـ 43364 والطاجيك بـ 10716 فقط. في سلسلة من قرى الكشلاك في خوجاند أوكروغ، التي تم تسجيل سكانها على أنهم طاجيك في عام 1920 على سبيل المثال في عشت وكالاتشا وأجار طاجيك وغيرهم، في تعداد عام 1926 تم تسجيلهم كأوزبك. يمكن تقديم حقائق مماثلة أيضًا فيما يتعلق بفرغانة وسمرقند وخاصة ولايات بخارى.

سمرقند هي أيضًا موطن لمجتمعات عرقية كبيرة من الروس، والأوكرانيين، والبيلاروسيين، والأرمن، والأذريين، والتتار، والكوريين، والبولنديين، والألمان، وجميعهم يعيشون -في المقام الأول- في وسط وأحياء غرب المدينة.

لقد هاجر هؤلاء إلى سمرقند منذ نهاية القرن التاسع عشر، وخاصة خلال الحقبة السوفيتية. إلى حد كبير، يتحدثون اللغة الروسية.

يوجد في أقصى غرب وجنوب غرب سمرقند سكان من عرب آسيا الوسطى، ويتحدث معظمهم اللغة الأوزبكية. فقط جزء صغير من الجيل الأكبر سنا يتحدث اللغة العربية في آسيا الوسطى. في سمرقند الشرقية كان هناك محلة كبيرة من اليهود البخاريين (آسيا الوسطى)، ولكن ابتداءً من السبعينيات، غادر مئات الآلاف من اليهود أوزبكستان إلى الكيان الصهيوني والولايات المتحدة وكندا وأستراليا وأوروبا. لم يتبق اليوم سوى عددٍ قليل من العائلات اليهودية في سمرقند.

يوجد أيضًا في الجزء الشرقي من سمرقند عدة أحياء يعيش فيها "غجر" آسيا الوسطى (ليولي ودجوجي وباريا ومجموعات أخرى). بدأ هؤلاء الأشخاص في الوصول إلى سمرقند منذ عدة قرون مما يُعرف الآن بالهند وباكستان. يتحدثون بشكل أساسي لهجة من اللغة الطاجيكية، فضلاً عن لغاتهم الخاصة، وعلى الأخص لغة الباريا

*ديانة سُكانِها:

معظم سكان سمرقند مسلمون، معظمهم من السنة (معظمهم من الحنفية) والصوفيين. ما يقرب من 80-85 ٪ من المسلمين في المدينة هم من السنة، ويتألفون من الطاجيك والأوزبك والعرب السامرقنديين الذين يعيشون فيها تقريبًا.

ولاية سمرقند هي إحدى منطقتين في أوزبكستان إلى جانب (ولاية بخارى) التي تضم عددًا كبيرًا من الشيعة. يبلغ إجمالي عدد سكان ولاية سمرقند أكثر من 3,720,000 نسمة (2019)؛ وبحسب بعض البيانات، هناك حوالي 150,000 من الشيعة، معظمهم من الشيعة الاثنا عشرية.

في حين لا توجد بيانات رسمية عن العدد الإجمالي للشيعة في أوزبكستان، يقدر عددهم "بمئات الآلاف".

*"الموسوعة الحُرَّة" بتصرف يسير.

الفصل الثالث

عصر المرغيناني، وتعليمه وشيوخه

 

أولا- عصره

(القرن السادس الهجري = الثاني عشر الميلادي)

مما لا شك فيه أن للبيئة والعصر -اللذين يعيش الإنسان فيهما- أثرَهما في شخصيته؛ فهو كائن يتأثر ويؤثر بالحياة السياسية والاجتماعية والدينية السائدة في عصره، وتنعكس بعض آثارها أو كلها على شخصيته.

ويمكن أ نقول بادئ ذي بدء: إن الشيخ المرغيناني عاش عصرين مختلفين متناقضين في الوقت نفسه؟؟ّ!!

ففي قسم من العالم الإسلامي كان الاضطراب والقلق والفساد واختلال الأمن، والفتن والسوء ... ، كان هذا ينطبق على جُلِّ العراق، ومصر.

أما في الموصل وبلاد الشام: (حلب، حماة) ثم (دمشق ومصر) أخيرًا؛ فقد كان الوضع مُختلفا تماما، وسنُفصل القول؛ فنجعله في قسمين:

أولهما - العراق ومصر:

فقد عاش الإمام المرغيناني فترة تاريخية قَلِقَةً ومُضطرِبَةً، فيهما، وإن كان هو بعيدا نسبيا عنهما، لكن لابد من انعكاسه ولو يسيرا على بلاده؛ فقد اتَّسَمَت بعدم الاستِقرار السياسي، وانعِدام الأمن في بعض البقاع، وظهور بعض الفِتن والقلاقِل، وهي فترة حياته ما بين: (511 - 593هـ).

فقد عاصر الشيخ المرغيناني الدولة العباسية في أحلك أيامها وظروفها؛ إذ كان عصر الدويلات المُتناحِرَة، بعد أفُول الوجود الفعلي للسلطة العُليا القويَّة، وشهد الشيخ سِتَّةً مِن خُلفاء بني العباس، بدءًا بالخليفة (29) وهو المُسترشِد بالله، وانتهاء بالخليفة (34) وهو الناصر لدين الله، وهم:

29- المسترشد بالله 512-529هـ/1118-1135م

30- الراشد بالله 529-530هـ/1135-1136م

31- المقتضي لأمر الله 530-555هـ/1136-1160م

32- المستنجد بالله 555-566هـ/1160-1170م

33- المستضيء بالله 566-575هـ/1170-1180م

34- الناصر لدين الله 575-622هـ/1180-1225م.

لكنه عاصر من خلافة الناصر لدين الله ثماني عشرة سنة فحسبُ؛ لأنه توفي سنة (593هـ).

وفي ذلك العصر دَبَّ الضعفُ في أوصال تلك الدولة، وبدأت الفِتن تَمُدُّ أعناقها وتستشري، وأحوال البلاد تضطرب، وسلطان الخلفاء يزداد ضعفا؛ بسبب اعتمادهم على الفُرس والتُّرك، ومُناصَبَتهم العَدَاء لِلعَلَوِيِّين آلِ البيت، وظهور كثير من الطوائف والفِرَق المارِقة مِن الدين، مما أدى في نهاية الأمر إلى سقوطها المُرَوِّع على يد التتار سنة 656هـ.

أما السلطة الفعلية فقد سُلبت منهم؛ إذ أصبحوا العوبة بيد الأتراك القادمين من تركستان، والذين بالغوا في إذلالهم والتضييق عليهم حتى في حياتهم الخاصَّة، واضطرُّوهم إلى بيع ما يملِكون، مِمَّا شَجَّع بعض الطامِحِين إلى السلطة لِلظَّفَر بها، ونتج عن ذلك التمَرُّدُ المُؤَدِّي إلى الانقِسام، وهذا ما حصل فِعلًا في جهات كثيرة من نواحي الدولة العباسية حِينَذاك.

كما كان في عصر الإمام المرغيناني بعض الحملات والحروب الصليبية واحتلالهم لبيت المقدس وبعض المدن الأخرى للمسلمين، لكن كانت هناك بشرى كبيرة ونصرا وفتحا مُبينا في عصره أيضا، وذلك عام 583هـ الذي انتصر فيه السلطان الصالح صلاح الدين الأيوبي على الصليبيين في معركة "حطين" الغَرَّاء الشهيرة، واستعاد بيت المقدس والمسجد الأقصى ومدينة القدس والمدن المُحتَلَّة الأخرى للمسلمين، وطهَّرَها مِن رجس الصلبيين الأنجاس، وكان ذلك قبل وفاة المرغيناني بعشر سنوات.

وبسبب اضطراب الحياة السياسية في ذلك العصر؛ فقد كان لذلك أسوأُ الأثر في الحياة الاجتماعية والاقتصادية؛ فعمَّت الفوضى، وكثرت الفِتَنُ والثورات فاضطربت الحياة الاجتماعية، وأنهِكَ الِاقتِصادُ، وغَلت السِّلَعُ في أحيان كثيرة، واختَلَّ الأمنُ، ولا سيما في مصر في ظل الخِلافة العُبَيدِيَّة.

كما انقسَمَ المُسلمون إلى شِيَع وطوائف؛ فحصل التنازُع والتَّفَكُّكُ والِاقتِتالُ، وقَوِيَت شَوكَةُ الأتراك الذين كانوا يعملون في الجيش، أو خَدَمًا في البيوت، وظهر في المجتمع التمَيُّزُ الطبقِيُّ بِسبب انقِسامِ الناس إلى طبقات.

ثانيهما- الشام والموصل، ثم مصر:

وما سبق ذِكرُه ينطبق على العراق ومصر، أما في الشام (حلب، ودمشق، والموصل) فقد بدأ عهد جديد مُختلف ومُشرق منذ سنة 521هـ إذ تولى القائد والحاكم الصالح عماد الدين زنكي مدينة الموصل، ثم حلب عام 522، ثم حماة، وبعد استشهاده جاء ابنه الصالح السلطان محمود نور الدين زنكي فتولى السلطنة سنة 541هـ وقام بإصلاحات كبيرة، وبنى المدارس والمساجد والمشافي والمعاهد العلمية، وحارب الصليبيين، وضم إلى حلب دمشق والرها "أورفة"، وحران والموصل ...، ووحد مصر مع الشام سنة 564هـ، ولما توفي خلفه السلطان الصالخ صلاح الدين الأيوبي فحكم مصر والشام، وبنى المدارس والمعاهد العلمية والمساجد والمستشفيات، وختم إصلاحاته بالنصر المبين يوم "حطين" سنة 583هـ.

وبالرغم من تلك الاضطرابات السياسية والاجتماعية، إلا أن الحياة الاقتصادية كانت مُزدَهِرَةً؛ بسبب تعدد موارد بيت المال، مما كان له أكبرُ الأثر في الحياتَين الاقتصادية والعِلمية.

ومن أكبر الأدلة على النهضة العلمية وقوتها في ذلك العصر؛ تَدوِينُ كثير من الفُنون المختلفة، سواء منها علوم الكتاب والسنة، أو علوم الآلة، وكثرة بناء المدارس والمعاهد العلمية ودور الحديث في جُل أنحاء العالم الإسلامي؛ فكان هذا العصر من أفضل العصور.

ويكفي أن نُدَلِّل لِصِحَة ذلك بدور العلماء في الإصلاح والتجديد كالإمام الرباني الغزالي ت 505هـ ومدرسته، والإمام الرباني الشيخ عبد القادر الجيلاني ت 561هـ ومدارسه ومدارس تلاميذه العلماء في العراق والشام، والإمام الرباني الشيخ أحمد الرفاعي ت 578هـ ومدارس البطائح وتلاميذه، وفي الجزائر والمغرب وإفريقيا عامة كان الإمام الرباني الشيخ أبو مدين شعيب بن الحسين ت 594ه، ودور كل هؤلاء ومدراسهم وتلاميذهم في الإصلاح والتجديد، وتضافر جهود هؤلاء العلماء المصلحين المُجددين مع الدولتين الصالحتين الزنكية والصلاحية الأيوبية في ذلك.

ويكفي أن نعلم -لصحة ذلك- أنه ظهر في ذلك العصر كبار العلماء في الفقه والتفسير والحديث والتصوف؛ وعلى سبيل المثال لا الحصر منهم:

حجة الإسلام الغزالي ت 505هـ، وكالشيخ المرغيناني ت 593هـ وشيوخه وتلاميذه في الفقه الحنفي في ما وراء النهر، وعلاء الدين السمرقندي ت 540هـ، وعلاء الدين الكاساني ت 587هـ، والفقيه الكبير قاضي خان ت 592هـ، وفي المغرب والأندلس ظهر الإمام أبو بكر بن العربي -(ت 543هـ)- الفقيه المحدث المفسر، والقاضي عياض اليحصبي ت 544هـ، والإمام عبد الرحمن السهيلي ت 581هـ، والإمام المفسر ابن عطية الغرناطي ت 546هـ، والإمام المقرئ الكبير القاسم بن فيره الشاطبي ت 590هـ، وفي فارس الإمام محمود الزمخشري ت 538هـ، والإمام عبد الكريم الشهرستاني ت 548هـ، والإمام محمد بن عبد الكريم الرافعي الشافعي، وفي العراق: الإمام ضياء الدين ابن الشجري ت 542هـ، والإمام الرباني الشيخ عبد القادر الجيلاني ت 561هـ، والإمام أبو البركات الأنباري ت 577هـ، والإمام الرباني الشيخ أحمد بن علي الرفاعي ت 578هـ، والإمام الموسوعي الشيخ عبد الرحمن بن علي الجوزي ت 597هـ، وفي الشام الإمام المحدث والمؤرخ الكبير والفقيه الشافعي علي بن الحسن (ابن عساكر) ت 571هـ، وغيرهم كثير جدا.

*يُنظر للمزيد عن عصر المرغيناني:

1- "النهاية في شرح الهداية" دراسة وتحقيق أ. عبد العزيز الوهيبي. فيه لمحة موجزة عن ذلك العصر.

2- "هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس". د. ماجد عرسان الكيلاني. وفيه تفصيل مطول عن الحياة الفكرية في القرن السادس الهجري واضطرابها، والفساد المستشري حينها، ودور العلماء ومدارسهم في الإصلاح والتجديد والنهضة.

3- "لمحات في المكتبة والبحث والمصادر" للعلامة الشيخ د. محمد عجاج الخطيب، رحمه الله تعالى.

4- "ترتيب الأعلام على الأعوام" للأستاذ زهير ظاظا.

ثانيا- تعليمه وشيوخه

*بدايات طلبه للعلم:

بدأ الشيخ المرغيناني طلبه وتحصيله للعلم وصغير على أبيه الإمام أبي بكر بن عبد الجليل المرغيناني، فأخذ منه قسطا وافرا.

كما تعلم من جده لأمه الشيخ عمر بن حبيب مسائل الخلاف، ونُبَذًا مِن مُقَطَّعات الأشعار وهو يافع، مع وصيته له بِالجِدِّ والمُثابرة والاجتهاد.

وبعد وفاة جده اختلف إلى علماء كبار آخَرِين في بلده، كان منهم:

الشيخ أبو المعالي زياد بن إلياس، والإمام محمد بن محمد بن الحسن؛ فلازمه حتى سنة (535هـ)، كما قرأ على ضياء الدين صاعد المرغيناني.

وممن أجازه من علماء بلدته: عثمان الخواقندي، وفضل الله الأشقورقاني، والإمام محمد بن أحمد الخطيبي.

*تعليمه ودراسته، وشيوخه:

درس الشيخ المرغيناني الفقه وعلوم زمانه بأنواعها، وجَدَّ واجتهد في تحصيل العلم، فأخذه عن كثير من الشيوخ، من كبار العلماء والأئمة الأجلاء، بعضُهم كان في بلده، وبعضُهم رحَل إليهم، وتلقَّى عنهم، وسمع منهم، وأجازوه، وبِذلك وَصَلَ إلى ما وصل مِن المَجد والشُّهرة والقَبُول.

وكَثُرَ شيوخ المرغيناني وأساتيذه حتَّى إنه جمع لنفسه "مَشيَخَة" سَمَّاها "مَشيَخَةَ الفُقَهاء"، ذّكّرّ فيها (32) شيخًا؛ دَوَّن فيها أسماءهم، وتَرجم لهم، وذكر نُتفا من أخبارهم، وأحوالهم، وأقوالهم وأشعارهم التي قالوها، أو تَمَثَّلُوا بها، وسأذكر هؤلاء العلماءَ الكِبارَ مُرَتَّبِينَ على الحروف الهِجَائِيَّة:

1- أحمد بن عبد الرشيد بن الحسين، قِوام الدين البخاري ت 542هـ: وهو والد الإمام طاهر بن أحمد صاحب كتاب: "خُلاصة الفتاوى".

له كتاب "شَرح الجامع الصغير".

2- أحمد بن عبد العزيز بن عمر بن مازه، الصدر السعيد، تاجُ الدِّين: هو أخو عمر بن عبد العزيز "الصَّدر الشَّهِيد" الآتي.

أجاز المرغيناني برواية مسموعاته ومُستَجَازَاتِه مُشَافَهَةً بِـ "بُخَارَى"، ومن جُملة ما أخَذَ عنه "السِّيَر الكَبِير" للإمام محمد بن الحسن الشيباني مِن طَريق الشمس السَّرَخسِيّ.

3- أحمد بن عمر بن محمد بن أحمد النسفي: أبو الليث، المَجد النَّسَفِي (507- 552هـ): هو من أهل "سمرقند"، وهو ابن "نجم الدين عمر النسفي" الآتي في حرف العين؛ فالأب وابنه شيخان للمرغيناني.

كان فقيها فاضلا، واعِظًا كامِلًا، حسَنَ الصَّمت، وَصُولًا لِلأصدقاء.

صنف مؤلفاتٍ حِسَانًا في الفقه والتفسير والحديث، والفتاوى، وغيرها

أخذ عنه المرغيناني، وأجازه مِن سمرقند.

ولمَّا أراد الحَجَّ وَدَّعَ الناسَ ببغداد بمجلس وعظه، وأنشَدَ ودُمُوعُه تَفِيضُ:

يا عَالِمَ الغَيبِ ، والشَّهَادَةْ             هَبنِي -بِتَوحِيدِكَ- الشَّهادَة

أسألُ في غُربَتِي ، و لَوبِي             مِنكَ   وَفَاةً   على الشهادة

*اللُّوب واللَّوب: العَطَش. "المعجم الوسيط" 844.

وخرَجَ فقُتل شهيدا -رحمه الله- على يد قُطَّاعٍ للطريق اعترَضُوا قافِلتَه.

4- أبو بكر بن حاتم الرِّشداني؛ "الحَكِيم": الإمام الزاهد، قال المرغيناني: سمعته يُنشِد:

و إذا الكريمُ   أتَيتَهُ بِخَدِيعة               و رأيتَهُ -فيما تَرُومُ- يُخَادِعُ

فاعلَم بِأنَّكَ لم تُخادِع جاهِلًا               إنَّ الكَريمَ   -بِنفسه- يَتَخَادَعُ

5- أبو بكر بن زياد المرغيناني: الإمام الزاهد الخطيب، كان خطيبا بمرغينان لمدة طويلة، وكان مُجتَهِدًا في العِبادة.

6- والده الإمام أبو بكر بن عبد الجليل المرغيناني: كان يبتدئ دُرُوسَه يومَ الأربعاء، وكان ابنه الشيخ علي يَقفُو أثَرَهُ ويقول: هكَذَا كان يفعلُ أبِي.

7- بكر بن محمد بن علي بن الفضل الأنصاري الخزرجي السلمي الجابري البخاري الزَّرَنجَرِيّ، أبو الفضل: الإمام العلامة. و"زَرَنجَر" قرية من قرى بخارى.

8- الحسن بن علي بن عبد العزيز بن عبد الرزاق، أبو المَحَاسِن، ظَهِير الدِّين المرغيناني: كان فقيها مُحَدِّثًا، وكان وَرِعًا تَقِيًّا، نشر العِلمَ إملاءً وتَصنِيفًا، وكان يُنشِد الأشعارَ.

روَى عنه المَرغيناني "جامِعَ التِّرمِذي" بِالإجازة بِسَمَاعه مِن بُرهان الأئمَّة عبد العزيز بن عمر. صنَّف كتاب "الأقضِيَة والشُّروط"، ز"الفتاوَى"، و"الفَوَائد"، وغيرَها، ومما سمعه المرغيناني يُنشِده:

الجَاهِلُونَ فَمَوتَى قبلَ مَوتِهمُو           و العالِمُونَ -وإن ماتُوا- فأحيَاءُ

9- زياد بن إلياس، ظهير الدين، أبو المعالي، تلميذ أبي الحسن البزدوي: كان مِن كِبَار المَشَايخ بِفَرغانة، وكان -مع غزارة العِلم والفَضل- حَسَنَ الأخلاق، فاضِلًا مُتَواضِعًا، جَوَادًا، مُلَاطِفًا لِأصحابه.

اختلف إليه المرغيناني بعد وفاة جَدِّه، وقرأ عليه أشياء مِن الفِقه والخِلاف.

10- سعيد بن يوسف الحنفي البَلخِيّ القاضي، نَزِيلُ بلخ: أخذ عنه الشيخُ المُتَرجَمُ الحَديثَ، وأجازَهُ إجازَةً مُطلقَةً عامَّة.

11- صاعد بن أسعد بن إسحاق، أبو محمد، شيخ الإسلام، ضياء الدين المَرغِيناني ت 593هـ: الإمام المحدث والفقيه الحنفي؛ فقد قرأ عليه الشيخ المرغيناني كِتاب "الجامِع" للتِّرمِذِي في مرغينان.

12- عبد الله بن أبي الفتح الخانقاهي، المَرغيناني: كان شيخا زاهدا واعظا مشتغلا بالعبادة، منقطعا إلى الله تعالى، صاحب كرامات ظاهرة، روى عنه المرغيناني، وقد عُمِّرَ حتى جاوز المئة.

قال المرغيناني: سمعتُه بمرغينان يُنشِد:

جَعلتُ هَدِيَّتِي مِنكُم سِوَاكًا               و لم أوثِر -به أحَدًا- سِوَاكَا

بَعثتُ إليكَ عُودًا مِن أراكٍ               رَجاءً أن أعُودَ ، و أن أراكَا

13- عبد الله بن محمد بن الفضل الفُرَاوي الصاعِدي، النيسابوري، أبو البركات، صفي الدين المُعَدِّل، توفي بنيسابور سنة 549هـ: كان فاضلا عفيفا، مِن بيت عِلم وزُهد وصَلاح، له باعٌ في الشُّرُوط والسِّجِلَّات.

أجازَ الشيخَ المَرغِيناني إجازَةً مُطلَقَةً مُشَافَهَةً في "نَيسابور".

ومِمَّا سَمِعه منه إنشادًا لِغيره:

إنَّا على الدنيا ، و لذَّاتها               نَدُورُ، والمَوتُ علينا يَدُورْ

نحنُ بَنُو الأرضِ وسُكَّانُها               مِنها خُلقنا ، و إليها نَحُورْ

14- عثمان بن إبراهيم بن علي الخُواقَندي الفَرغاني؛ "الأستاذ":

تفقه ببخارى على بُرهان الأئمَّة عبد العزيز بن عُمَر، و"خُواقند" بلدة مِن فرغانة. قرأ المَرغينانيُّ عليه الفِقهَ وغَيرَه، وأجَازَه مُشَافَهَةً بـ "فَرغانَة".

15- عثمان بن علي بن محمد بن علي، أبو عمر البِيكَندِي البخاري (465- 552هـ):

تلميذ شمس الأئمة السرخسي، هو مِن بُخارى، ووالده من بيكند.

كان إماما فاضلا زاهدا ورعا عفيفا، متواضعا، كثير العبادة والخَير، نَزِهَ النفس، قانِعًا باليسير. هو مِن مشايخ المرغيناني، ذكره في "مشيخته".

توفي يوم 9/شَوَّال/552هـ، وشَيَّعَه أُمَمٌ. و"بيكَند": بلدة في ما وراء النهر على مرحلة من "بُخارى"، كانت بلدة حسنة، كثيرة العلماء.

16- عثمان بن محمد -أبي جعفر- بن إبراهيم بن علي، سيف الدين: هو من مشايخ "فرغانة"، وقد روى عنه المرغيناني: كتاب "التفسير" له، و"التنبيه"، و"البُستان".

17- علي بن الحسين بن عبد الله الغزنوي، أبو الحسن، برهان الدين: قرأ المرغيناني عليه ببغداد سنة 545هـ، -"خلال رحلته إلى الحج على ما أظُنُّ"-، ومما سمع منه حديثين بِسَنَديهِما صَدَّرَ بهما كتابه "التجنيس والمزيد" ص (84- 85)؛ أولهما حديث "طلَبُ العلِم فرسضة على كل مُسلِم"، والآخَر حديث: "مَن تفقَّه في دين الله كَفَاهُ الله هَمَّه، ورزَقَه مِن حيثُ لا يحتسب"، وكلاهما مِن (مُسنَد أبي حنيفة) رحمه اللهُ تعالى.

18- علي بن محمد بن إسماعيل، شيخ الإسلام، أبو الحسن الإسبيجابي السمرقندي (454- 535هـ): هو مِن عُظماء الحنفية لِزَمَانه، ولم يكن في وقته أحَدٌ -فيما وراءَ النهر- يَعرف مَذهَبَ أبي حنيفة مِثلَهُ.

سكن "سمرقند"، وصار المُفتِيَ والمُقَدَّمَ فيها، وكان له تلاميذ كثيرون.

اختلَفَ المرغينانِيُّ إليه مُدَّةً مَدِيدَة، وحَصَّلَ مِنه فوائدَ جَلِيلة، وأخذ عنه "الزِّيَادات"، وبعضَ "الجامِع". ومن مؤلفاته "شرح مُختصر الطحاوي"، و"المبسوط". و"إسبيجاب" بلدة بين "طشقند" و"سِيرام".

19- عمر بن حبيب بن لَمَكِي الزَّرَندَرَامَشِي، أبو حفص القاضي الإمام: هو جَدُ الشيخ المرغيناني لِأمِّه، كان من كبار العلماء، ومن المُتَبَحِّرِين في الفقه والخِلاف، وكان صاحِبَ نَظَرٍ في دقائق الفتوى والقَضَايا، تفقَّهَ على شَمس الأئِمَّة السَّرَخسِيِّ، وقبله على الإمام أحمد بن عبد العزيز الزَّوزَنِي.

تلقى المرغينانِيُّ عنه بَعضَ مَسائل الخِلاف، ونُبَذًا مِن مُقَطَّعات الأشعار.

*ومما أفاد مِنه المرغيناني:

تَعَلَّم يا بُنَيَّ العِلمَ ، و افقَهْ               و كُن في الفِقه ذا جُهدٍ و رَايِ

و لا تَكُ مِثلَ خَيَّالٍ   تَرَاهُ               على مَرِّ الزمانِ   إلى وَرَايِ

20- عمر بن عبد العزيز بن عمر بن مازه، حسام الدين، أبو محمد "الصدر الشهيد" ت سنة 536هـ: كان إمام الفروع والأصول، والمنقول والمعقول، من كبار أعيان فقهاء الحنفية، ناظر العلماءَ، وصنف الكتب المشهورة، وكان السلطان ومَن دُونَه يُعَظِّمُونَه.

تفقه على أبيه برهان الدين الكبير، وتفقه عليه علماء كثيرون، منهم المرغيناني، وكان يُكرمه أستاذُه ويُقَدِّمه، وكان من خواصِّ تلامِذته.

قتله ملك الخطا -لعله جنكيزخان؟- في وقعة "قطوان" بسمرقند؛ فقَضَى شهيدا مع أعيان الفقهاء.

*من كتبه: "الفتاوى الصغرى"، و"الفتاوى الكبرى"، و"شرح أدب القضاء للخَصَّاف"، و"الواقعات"، و"المُنتقى"، و"شرح الجامع الصغير".

21- عمر بن عبد المؤمن بن يوسف الكَجْواري البَلخي، أبو حفص، شيخ الإسلام، صفي الدين، ت 559هـ: اجتمع به صاحب "الهداية" في سَفَرهما إلى الحج سنة 544هـ، ثم رافقه إلى مكة والمدينة، ثم إلى هَمَذَان، وقرأ عليه أحاديث، وناظره في المسائل.

*ومِمَّا سمعه منه المرغيناني ما أنشده في الإجازة لنجم الدين عمر النسفي:

أجَزتُ لَهم رِوايَةَ مُستَجَازِي           ومَسمُوعِي، ومَجموعي بِشَرطِهْ

فَلَا تَدَعُوا دُعَائي بَعدَ مَوتِي           و كاتِبَهُ   -أبو حَفصٍ-   بِخَطِّهْ

22- عمر بن محمد بن أحمد، نجم الدين أبو حفص النسفي السمرقندي، أبو الليث (462- 537هـ):

وهو الإمام "مُفتي الثَّقَلَين"، مؤلف "العقائد النسفية في التوحيد".

كان إماما فاضلا، أصوليا متكلما، مفسرا محدثا، فقيها نحويا، من الأئمة   المشهورين بالحفظ والإتقان، والقبول التام، وقد روى الحديث عن (55) شيخا، وله تصانيف كثيرة جدا؛ في الفقه والحديث والتفسير، والشروط.

*ومن مؤلفاته: "التيسير في التفسير"، و"كتاب المواقيت"، و"طِلبَة الطَلَبَة" في المصطلحات الفقهية الحنفية، و"القَند في علماء سمرقند"، و"تاريخ بخارى"، وغيرها. ولد بـ "نَسَف"، وتوفي في "سمرقند"، وهو والد أحمد المذكور آنفا، والمقتول شهيدا؛ فالأب عمر وابنه أحمد كلاهما شيخ لِلمَرغيناني.   قرأ عليه المرغيناني بَعضَ تَصانِيفِه.

23- عمر بن محمد بن عبد الله البسطامي، أبو شجاع، ضياء الإسلام (475- 562هـ): مُحَدِّث بلخ ومُسنِدُها. ولد بـ "بلخ"، وهو من كبار مشايخ بلخ، كان فقيها، حافظا، محدثا، مفسرا، أديبا، شاعرا، كاتبا، حسن الأخلاق، وكان له أسانيد عالية، ويد باسطة في أنواع من العلوم.

أخذ عنه المرغيناني العِلم، وقال عنه: هُوَ مِن كُبَرَاء مَشَايخ بَلخ، وأجازه إجازة مطلقة بجميع مسموعاته ومستجازاته بخطه.

24- فضل الله بن عمران، أبو الفضل، الأشفُورقانِيّ: الإمام الزاهد، قدم مرغينان، وأجاز الشيخَ المرغيناني إجازةً مُطلَقة.

25- قيس بن محمد بن إسحاق، أبو المعالي، المرغيناني، توفي سنة 527هـ: كان إماما فاضلا، أقام بسمرقند، ودَرَّسَ بِها. قال المرغيناني عنه: "بينَنا وبينَه قَرَابَةٌ فَريبة". توفي في "جامع سمرقند" وهو صائم.

26- محمد بن أحمد بن عبد الله الخطيبي الجادَكِي: كان إماما خطيبا زاهدا. أجاز المرغيناني في رِشدان، لمَّا قدِمَها.

27- محمد بن أبي بكر بن عبد الله، أبو طاهر، الخطيب، البُوشَنجي: كان إماما زاهدا خطيبا، وقد أجاز المرغيناني بمرو بجميع مسموعاته بخطه، ومنها "التفسير الوسيط" لعلي الواحِدِي.

28- محمد بن الحسن -"ابن الوزير الخوارزمي"- بن مسعود بن الحسن: أجاز هذا الشيخُ تِلمِيذَهُ المرغيناني بجميع مسموعاته ومُستَجَازاته مُشَافَهَةً بـ "مَرو"، ومِن جُملتها "شرح معاني الآثار للطحاوي".

29- محمد بن الحسين بن ناصر، ضياء الدين الَبندَنِيجي، النَّوسُوخِيّ -تلميذ صاحب "التحفة"علاء الدين السمرقندي: من "بندنيج" ببلاد فرغانة.

أجاز البندنيجي المرغيناني بجميع مسموعاته مُشافهة بمرو، ومنها "الجامع الصحيح للإمام مُسلم".

30- محمد بن سليمان، أبو عبد الله الأوشِي، شيخ الإسلام، نصر الدين: كان من الزُّهَّاد، وكتب للمرغيناني مِن "أوش" بالإجازة بمسموعاته بخطه، ومنها: "غريب الحديث" لابن قُتَيبَة".

31- محمد بن عبد الرحمن بن أحمد، أبو عبد الله البخاري، "الزاهد العلاء" توفي 546هـ: كان فقيها فاضلا مفتيا، مُذَكِّرًا أصوليا متكلما.

هو من شيوخ المرغيناني، أجازه برواية جميع ما صَحَّ مِن مسموعاته، ومُصنفاته، ومُستجازاته، إجازة مطلقة مُشافَهَةً، وكتب بخط يده.

32- محمد بن عبد الله بن أبي بكر، الخطيب، الكُشمِيهَني، أبو الفتح المَروَزي، ت سنة 548هـ: كان شَيخَ مَرو في عصره، كان إماما زاهدا حسن السيرة، عالِمًا سَخِيًّا، مُكرِمًا لِلغُرَبَاء. و"كُشمِيهَن" قرية بمَرو.

قرأ عليه الشيخُ المرغيناني جُلَّ صَحيحِ البخاري، وأجازه في بَقِيَّته مُشَافَهَةً بِمَروٍ سنة 545هـ.

33- محمد بن عمر بن عبد الملك بن عبد العزيز، الصَّفَّار، البُخاري، أبو ثابت، المُستَملِي (467- 554هـ): من بُخارَى، كان فقيها، حَسَنَ السِّيرَة، جَمِيلَ الأمر، سمع منه الشيخُ المرغيناني، وأجاز له.

34- محمد بن محمد بن الحسن الحنفي، مِنهاج الشريعة: كان -رحمه الله- إمام الأئمة على الإطلاق.

تفقه عليه المرغيناني، وقال عنه: "لم تر عيني أغزَرَ مِنه فضلا، ولا أوفَرَ علما، ولا أوسعَ منه صدرًا، ولا أعَمَّ مِنه بَرَكة".

وأخذ عنه وعَلَّق "الجامِعَين"، و"الزيادات"، و"أدب القاضي" للخصاف، والأخبار والآثار المسندة.

قال المرغيناني: أنشدني أستاذي محمد بن محمد بن الحسن:

عَليكَ   بِإقلالِ الزِّيَارَةِ   إنَّها           إذا كَثُرَت صارَت إلى الهَجر مَسلَكَا

ألَم تَرَ أن القَطرَ يُسأمُ دائمًا           و يُسألُ -بِالايدِي- إذا هو امسَكَا

35- محمد بن محمود بن علي بن الحسين، العَلَّامة أبو الرِّضا الطَّرَازِي، سَديد الدين (499- نحو 570هـ): أحَدُ مَشايخ بُخارى، كان فاضلا مُمَيَّزًا، أجاز تلميذَهُ المَرغيناني ببُخارى.

36- محمد بن محمود الغزنوي، أبو العلاء: كان نَسِيجَ وَحدِه في العِلم، وله كتاب "البصائر" في التفسير.

سمع المرغيناني مِنه الحديث بنيسابور؛ إذ قدم عليهم رَسُولًا من مدينة غزنة سنة 544هـ.

37- هبة الرحمن بن عبد الواحد ابن الأستاذ أبي القاسم القُشَيرِيّ، أبو الأسعد ت 546هـ: سمع منه المرغيناني صحيحَ البُخاريِّ، بسماعه من الحفصي، عن الكُشمِهَنِي، عن الفِرَبرِيِّ عَن الإمام البُخاري.

الفصل الرابع

رحلاته وأسفاره، حجه واعتماره

 

أولا- رحلاته وأسفاره

لم يسافر الإمام المرغيناني ولم يرحل إلا لطلب العلم، ثم إلى حج بيت الله الحرام سنة 544هـ.

وسيأتي الحديث عن حجه واعتماره لاحقا، لكني سأبدأ الحديث عن سفره ورحلاته من أجل طلب العلم.

لقد أخذ الإمام المرغيناني كثيرا من العلم في بلده مرغينان، -كما سبق أن ذكرنا- لكنه لم يكتف بذلك؛ بل أراد أن يشبع نَهَمَه بالمزيد منه؛ فشدَّ رِحاله إلى بلاد أخرى فيما وراء النهر؛ فسافر إلى "سمرقند" ولقي بها عددا من جلة العلماء؛ منهم: نجم الدين عمر بن محمد النسفي، وابنه أحمد، كما لقي ثمَّة عليًّا الإسبيجابي شيخَ المَّهب الحنفي فيها.

كما رحل إلى "بخارى" والتقى فيها بالصدر الشهيد حسام الدين، وأخذ عنه الفقه والأصول، وكان يُكرمه غايَةَ الإكرام، ويُقدِّمه في دروسه الخاصة، وأخذ عن أخيه أحمد وأجازه.

والتقى في رحلته كذلك بقوام الدين البخاري، وعثمان البيكندي، ومحمد بن عبد الرحمن البخاري، وبمحمد بن عمر بن عبد الملك، وأبي الرضي محمد بن محمود الطرازي، وسمع منهما وأجازاه.

وارتحل أيضا إلى "مرو" فأخذ عن جماعة من العلماء: كالكشميهني، وضياء الدين النوسوخي، وأجازه، ومحمد بن الحسن بن مسعود، وأجازه.

ومنهم محمد البوشنجي، الذي أجازه أيضا بمسموعاته وبتفسير الواحدي.

كما ارتحل كذلك إلى "نيسابور" والتقى بالمحدث المسند أبي البركات عبد الله بن محمد الفُرَاوِيّ النيسابوري.

وكذلك فقد زار "بَغداد" سنة 545هـ، -"وأظنها لم تكن رِحلةً خاصة إليها، وإنما كانت مُرورا بِها أثناء رحلته إلى الحج والله أعلم"- ولقيَ بها الإمام الزاهد بُرهانَ الدين علي بن الحسن الغَزنوي؛ فقرأ عليه فيها، وسمع منه حديثين مِن مُسنَد الإمام أبي حنيفة، أسندهما في مُفتَتح كتابه "التجنيس والمَزيد"، وقد تَقَدَّما عند ذكر الغزنوي بين شيوخ المرغيناني.

ثانيا- رحلته إلى بيت الله الحرام

في عام 544هـ شدَّ الإمام المرغيناني رِحالَه آمًّا بيتَ الله الحرام، وزيارة الحبيب المصطفى عليه وآله أزكى الصلاة وأتم السلام، فحجَّ واعتمر، وزار سيدنا رسول الله  ، والتقى بطائفة من كبار الأئمة العلماء في الحرمين الشريفين، أفاد منهم واستفادوا منه.

الفصل الخامس

وفاته، وآثاره؛ طلابه ومؤلفاته،

وبعض أخلاقه وأحواله وأقواله، ومِمَّا كُتب عنه

أولا- رحيله عن الدنيا

وافى الشيخَ المَرغِيناني حِمَامُه ليلة الثلاثاء الرابع عشر من ذي الحجة، سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة، وكان ذلك في خلافة "الناصر لدين الله" العبَّاسي، ودُفن بسمرقند في (جمهورية أوزبكستان)، في "مقبرة تشوكارديزا"، قرب مقبرة "تربة المُحَمَّدِين" المشهورة حتى الآن، وهي مقبرة دُفِن فيها نحوُ 400 نفسٍ كُلٌّ منهم يُسَمَّى مُحَمَّدًا، مِمَّن صَنَّف وأفتى، قرب مقبرة "تربة المحمديين"، ولما توفي المرغيناني أراد أهله دفنَه فيها فمَنَعُوهم مِن ذلك؛ فدُفنَ بِقُربها.

قال سيد أحمد: وسبب منعهم دفن المرغيناني بتلك المقبرة - والله أعلم- أنها موقوفة على من اسمه محمد، واسم المرغيناني علي -كما هو معروف- فلذلك منعوهم من دفنه فيها، لا لطعن في الإمام المرغيناني حاشاه.

وكان عمره حين توفي أربعًا وسبعين عامًا في عام 593هـ - 1197م، رحمه الله رحمة واسعة، وجعله في عِلِّيِّين.

ثانيا- آثاره: أ- تلاميذه وطلابه

أخذ عن الشيخ المرغيناني عَدَدٌ كبير، وجَمٌّ غَفِير من التلامذة والطلاب، تفقَّهوا وتخرَّجوا عليه وانتفعوا به، عُرف منهم:

1- شمس الأئمة محمد بن عبد الستار العِمَادِي، البَرَاتَقِيني "شمس الأئمَّة الكَردَرِي"، أبو الوَجد (559- 642هـ):

ولد في "براتقين"، وتوفي في "بخارى".

كان أستاذَ الأئمَّة على الإطلاق، والمَوفُودَ إليه مِن الآفاق، تفقَّهَ على كثير من العلماء، مِنهم المَرغيناني، وهو أوَّلُ مَن قرأ عليه كِتابَه "الهِدَايَةَ".

وقد انتفع الكَردَرِيُّ كثيرًا بشيخه المرغيناني، وتَخَرَّج به، وروى الهدايةَ" للناس عنه؛ كما يقول القُرَشِيُّ وغيرُه.

*له من الكُتب:

1- "تأسيس القواعد في عِصمة الأنبياء". 2- "الفوائد المُنِيفَة في الذَّبِّ عَن أبي حَنِيفة". 3- "كتاب في حَل مُشكلات القُدُورِيّ".

4- "الرَّدُّ والِانتِصار لِأبي حَنِيفة إمام فُقَهَاء الأمصَار".

2- بُرهان الإسلام إبراهيم الزَّرنُوجِي ت نحو 610هـ: هو صاحب الكتاب الشهير "تَعلِيم المُتَعَلِّم طَرِيقَ التَّعَلُّم"، وقد أكثر مِن ذِكر شيخه المرغيناني في هذا الكتاب، ونقَلَ عَنه كَثِيرًا في مواضِعَ عِدَّة.

3- محمد بن علي بن عثمان، قاضي القضاة، السمرقندي: كان مُفتِيًا، حافِظًا لِلرِّواية، مُشَارًا إليه، تفقه على الشيخ المرغيناني، وقرأ عليه. وكان قاضي القضاة، وهو جد قاضي مرو محمد بن أبي بكر لِأمِّه.

4- محمود بن حسين، جلال الدين، وبرهان الدين الأستَرُوشَني ت 632هـ: نسبته إلى "أستروشنة" قصبة من فرغانة شَرقِيَّها، تسمى "بُونجَكت"، وقد تفقه على المرغيناني، وهو والِد محمد الآتِي.

5- محمد بن محمود بن حسين، مجد الدين الأستروشني ت 632هـ: كان في عصره من المُجتهدين أخذ عن أبيه، وعن الشيخ المرغيناني، وله كتاب "الفصول الاستروشنية" في 30 فصلًا، و"جامع أحكام الصِّغار".

6- محمود بن أسعَد "أبي الخير" البلخي، برهان الدين ت 687هـ: الإمام العالِم المشهور بالذكاء والفِطنة.

قيل: لم يكن في زمانه أعلمَ منه بالنحو واللغة والفقه والحديث؟!

تفقه على الشيخ المرغيناني، وأخذ الحديث عن الشيخ حسن بن محمد الصغاني صاحب "المشارق"، وقدم الهند فاحتفى به الملوك والأمراء.

كان يقول: "إني سافرت مع أبي في صِبايَ حين كنتُ ابنَ سَبع فوافيت موكِبَ العلامة برهان الدين المرغيناني في أثناء الطريق؛ فنظر إليَّ

العلامةُ وأنعَمَ فِيَّ النَّظَرَ وقال: سيكون لهذا الصبي شأنٌ في العِلم! فرافقته ثم قال: سيكون هذا الصبي رجلا شهما يحضر لديه المُلوكُ والأمراء".

ذكر تلمذته للمرغيناني مؤرخ الهند الكبير وعالمها الشيخ عبد الحي الحسني في كتابه: (الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام) مرتين ص:

(117) و(127)؛ فإن صح هذا ربما يكون البلخي هذا أصغر تلامذة المرغيناني، وآخرهم وفاةً، والله أعلم.

7- عمر بن محمود بن محمد، القاضي الإمام: أحَدُ أصحاب المرغيناني، قدم من رِشدان وتفقه عليه، وواظب على دروسه مُدَّةً.

8- المُحَبَّر بن نصر، أبو الفضائل، الإمام فخر الدين الدَّهِستاني ت 605هـ: مِمَّن تفقه على المرغيناني.

9- محمد بن أبي بكر، زين الدين: هو عم محمود بن أبي بكر بن عبد القاهر، ووالد سراج الدين عمر. تفقه عليه محمود عبد القاهر في مصر.

*كما أخذ عن الشيخ المرغيناني، أولاده الثلاثة، وهم:

10- محمد بن علي بن أبي بكر، أبو الفتح الرِّشداني المرغيناني الفرغاني، شيخ الإسلام، جلال الدين: نشأ في حِجر أبيه، وغُذِّيَ بِعِلمه وأدَبِه، وتفقه عليه حتى صار شيخَ الإسلام، وانتهت إليه رِئاسةُ المَذهب في عصره. نعته القُرَشِيُّ في "الجَواهر المُضِيَّة" بـ (الإمام).

11- عمر بن علي بن أبي بكر، نظام الدين المرغيناني الفرغاني، أبو حفص، شيخ الإسلام: تفقه على والده حتى برع في الفقه وأفتى، وصار مرجِعًا، مِن كُتبه: "جواهر الفقه والفوائد".

12- عماد الدين بن علي بن أبي بكر، شيخ الإسلام الفرغاني: تفقه على أبيه، وصُدِّر للدرس والإفتاء والتدريس مع حداثة سِنِّه، وصار مَرجِعًا في الفتوى، له كتاب "أدَب القاضي"، وقد قُتل على أيدي الكُفَّار شهيدا.

*ملاحظة مهمة:

ذكر حاجي خليفة في "كشف الظنون" ص (2032) أن حسين بن علي السِّغناقي صاحب "النهاية في شرح الهداية" كان تلميذًا لِلمَرغيناني، وهو خطأ ظاهر؛ فبعيد جدا أن يعيش المرء نحو (130) سنة؟؟!!

وهو وهم وخطأ تبعه عليه اثنان:

أ- مُحقق كتاب "الهداية" الأستاذ عبد السلام عبد الهادي شَنَّار في المجلد الأول من "الهداية" ص (18) منه.

ب- سلمى بنت مُجير الدين الديروي ووالدها الشيخ مجير الدين في كتابهما (الهادي إلى رياض الفقه) ص (257).

وقد روى الصِّغناقي "الهداية" بواسطتين عن المرغيناني هما: محمد بن محمد بن نصر البخاري، وفخر الدين المايمرغي بسماعمهما من شمس الدين الكَردَري تلميذ الإمام المرغيناني. *"المكتبة الشاملة".

ب- أولاده المخلدون؛ مؤلفاته

للشيخ المرغيناني مؤلفات عظيمة ومهمة عكف عليها العلماء دراسة وشرحا، وتعليقا وتحشية، وتخريجا، منها:

1- "كتاب البداية" = "بداية المبتدي".

2- "كتاب الهداية شرح البداية". في الفقه الحنفي، وهو أهَمُّ كُتبه وأجَلُّها، وأشهرها؛ لذلك كثرت عليه الشروح والحواشي.

3- "كتاب الكفاية = "كفاية المنتهي شرح بداية المبتدي". شرح فيه كتابه ومتنه "بداية المبتدي" شرحا مطولا جدا في نحو 80 مجلدا، وهو كتاب مفقود -كما قال العيني-، أو عزيز الوجود؛ كما قال اللكنوي.

4- "الزِّيَادات". وقد ذكره المرغيناني في الهداية وعزا إليه مَرَّاتٍ عِدَّة.

5- "شرح الجامع الكبير". للإمام محمد بن الحسن الشيباني". فقه.

6- "كتاب المنتقى" = "منتقى الفروع". 7- "مختارات مجموع النوازل".

8- "التجنيس والمزيد". فتاوى ونوازل وعيون المسائل ...، وهو كتاب لبيان ما ستنبطه المتأخرون، ولم ينص عليه المتأخرون، كما يقول مؤلفه.

وقد حققه تحقيقا علميا جيدا وعلق عليه وخرج أحاديثه د. محمد أمين مكي، وأخرجه في مجلدين كبيرين في نحو 1000 ص.

9- "عُدَّة الناسِك في عِدَّة مِن المناسك". ويسمى أيضا "مناسك الحج"، ويسمى أيضا اختصارا "العُدَّة". 10- "فرائض العثماني". وله شروح.

11- "نشر المَذهب"، أو "نشر المذاهب".

12- "معجم شيوخ المرغيناني". ويُسمى "المَشيَخَة"، و"مشيخة الفقهاء" أيضا، وهو مشيخة للمرغيناني على طريقة المُحَدِّثِين؛ ذكر فيها أسماء شيوخه الذين لقيهم وأخذ عنهم، وروى عنهم، كما يروي فيها أحاديث مرفوعة من طريقهم بسندهم المُتَّصِل، ويذكر إجازات مشايخه له.

وقد ضاعت هذه المشيخة مع الأسف، إلا أن الشيخ عبد القادر القرشي قد اطلع عليها، ونقل عنها، وبثها في كتابه الشهير "الجواهر المُضِيَّة" في نحو (25) مرة.

لم تبق جميع مؤلفات المرغيناني حتى اليوم؛ بل فُقد بعضها، ويحتفظ "معهد الاستشراق" التابع لـ "أكاديمية العلوم" بـ"جمهورية أوزبكستان" بعدد من مؤلفاته المخطوطة هي:

1- "بداية المبتدي".     2- "مجمع مختارات النوازل".

3- "الهداية في الفقه". 4- "الكفاية في شرح الهداية".

ثالثا- من أخلاقه وأحواله وأقواله

*كان الإمام المرغيناني -رحمه الله ورضي عنه- زاهدا ورعا مُتعبدا ناسكا، مُقبلا على الآخرة، وكان حريصا على وقته لا يُضيع شيئا منه في غير علم، أو عبادة، أو فائدة.

ومن عاداته الحسنة المُستَحَبَّة أنه كان يُوقف بدايةَ السَّبقِ في الدرس على يوم الأربعاء، ويروي في ذلك حديثَ "ما مِن شيء بُدئَ يوم الأربعاء إلا وقد تَمَّ"، كما نقله عنه تلميذه برهان الإسلام الزرنوجي.

ويدل له حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه بسند جيد أخرجه البخاري في "الأدب المُفرد" وأحمد والبزار- قال: "دعا رسول الله  في هذا المسجد- مسجد الفتح- يومَ الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء؛ فاستُجيب له ما بين الصلاتين -أي الظهر والعصر- مِن الأربعاء".

قال جابر رضي الله عنه: ولم ينزل بي أمر مُهمٌّ غليظ إلا تَوَخَّيتُ تِلكَ الساعَةَ فأدعو فيها فأعرف الإجابة".

وكذلك كان الشيخ يوسف الهمذاني ت (535هـ) يُوقِف كل عَمَل من الخير على يوم الأربعاء لحديث: "وخَلق النورَ يومَ الأربعاء" -كما في صحيح مُسلم-، وأما حديث "يوم الأربعاء يوم نحس مُستَمِرٍّ" فهو يومُ نَحسٍ على الكُفَّار؛ فيكون مبارَكًا على المُؤمِنين.

قال الإمام اللكنوي رحمه الله: "ودأبه الذي ذكره الزرنوجي قد اقتدى به كثير ممن جاء بعده حتى علماءِ زماننا؛ فإنهم يُوقفون بدايَةَ السَّبق إلى الأربعاء، ويقولون: (الكتاب الذي يُشرع فيه يومَ الأربعاء، يُوَفَّق لِإتمامه في زمن يسيرٍ)".

*ومن أقواله وآدابه:

1- "ينبغي ألَّا يكون لطالب العِلم فترة؛ فإنها آفة، وإنما فقت شُرَكائي بأني لم تَقَع لي الفَترةُ في التحصيل".

2- "ينبغي لطالب العلم أ يُحَصِّل (كتابَ الوَصِيَّة) التي كتبها أبو حنيفة ليوسف بن خالد عد الرُّجوع إلى أهله".

3- "من التعظيم الواجب ألَّا يَمُدَّ الرِّجلَ إلى الكِتاب، ويضع كتاب التفسير فوق سائر الكتب (تعظيما)، ولا يضع شيئا آخَرَ على الكِتاب".

4- "كان طلبَةُ العِلم في الزمان الأوَّل يُفوِّضون أمرَهم في التعلم إلى أستاذهم، وكاوا يصلون إلى مقصودهم ومُرادهم، والآنَ يختارون بأنفسهم فلا يحصُل مقصودُهم مِن العِلم والفِقه".

*مما أنشده شعرا:

5- ومما أنشده المرغيناني لبعضهم، ورواه عنه تلميذه برهان الإسلام الزرنوجي صاحب "تعليم المُتَعَلِّم":

فساد   كبير   عالم   مُتَهَتِّكُ         و أكبرُ مِنه جاهلٌ مُتَسِّكُ

هُما فِتنَةٌ -لِلعالَمِينَ- عَظيمةٌ         لِمَن بِهما في دِينه يَتَمَسَّكُ

6- كم مِن شيخ كبير أدركتُه، وما استخرجتُه، وأقول على هذا الفَوت:

لَهفًا على فَوت التلاقِي لَهفَا           ما كُلُّ ما فَاتَ ويَفنى يُلفَى

7- وأنشد أيضا:

وفي الجهل قبل الموت موت لأهله       فأجسامُهم -قبلَ القُبور-   قُبُورُ

وإن امرَءًا -لم يَحيَ بِالعِلم- مَيِّتٌ     فليس له -حتى النُّشُور- نُشورُ

 

رابعا- مِمَّا كُتب عن المرغيناني وألف فيه

لقد ترجم للشيخ المرغيناني كثير من المؤرخين والعلماء، وكتب عنه بعضهم كتبا مستقلة، كما كُتب دراسات ورسائل علمية عنه.

أ- فممن ترجم له في كتابه:

الإمام الذهبي في كتابه "سير أعلام النبلاء"، والقرشي في "الجواهر المضية"، والشيخ قاسم بن قطلوبغا في "تاج التراجم"، وطاشكبري زاده في "مفتاح السعادة"، وحاجي خليفة في "كشف الظنون"، وإسماعيل البغدادي في "هدية العارفين"، والشيخ اللكنوي في "الفوائد البهية"، والحجوي الثعالبي في "الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي"، ويوسف سركيس في "معجم المطبوعات"، والزركلي في "الأعلام"، وعمر كحالة في "معجم المؤلفين".

ب- ومن الكتب التي قدمت دراسة شاملة لحياته وأطالت في ترجمته:

1- "دراسة حديثية مُقارنة لنصب الراية وفتح القدير ومنية الألمعي" للعلامة الشيخ محمد عوامة، وقد كتب فيه ترجمة مُفردة دقيقة مُرَكَّزة عالية للإمام المرغيناني، كما قال د. سائد بكداش، وقد طُبعت في مجلد خاص مع "نصب الراية" للزيلعي.

2- "دراسة موجزة حول الإمام المرغيناني وكتابه الهداية": للشيخ محمد عبد الله المعصوم من بنغلادش في (62) ص.

فقد عرف بالمرغيناني تعريفا شاملا مفصلا، فذكر اسمه ونسبه ولقبه وكنيته ونسبته ومولده ونشأته، وشيوخه وتلاميذه، وثناء العلماء عليه، ومنزلته في الحديث، ومؤلفاته، ووفاته، وأخلاقه وعاداته، وسنده في الفقه.

3- "البدور المضية في تراجم الحنفية": للعلامة الشيخ محمد حفظ الرحمن الكملائي فقد ترجم المرغيناني ترجمة مطولة مفصلة في (41) ص، في المجلد (12) من كتابه الضخم الفذ.

4- "النهاية في شرح البداية" لحسام الدين السِّغناقي الحنفي ت 714هـ: دراسة وتحقيق أ. عبد العزيز الوهيبي، وهي رسالة تخصص علمية؛ "ماجستير" قدمها إلى "كلية الشريعة - جامعة أم القرى" في مكة المكرمة، وقد كتب دراسة واسعة ومفصلة لحياة الشيخ المرغيناني "شيخ شيوخ السغناقي" وكتابه (الهداية) في نحو (50) ص.

5- "كتاب التجنيس والمزيد للمرغيناني" لصاحب الهداية المرغيناني، تحقيق وتعليق د. محمد أمين مكي الأستاذ في "الجامعة الإسلامية العالمية" في باكستان"؛ فقد عرف بالمرغيناني تعريفا شاملا مفصلا، وذكر اسمه

ونسبه ولقبه وكنيته ونسبته ومولده ونشأته، وشيوخه وتلاميذه وأقرانه، ومنزلته العلمية، ومؤلفاته، ووفاته، في (35) ص.

6- "الهادي إلى رياض الفقه والفقهاء": للشيخة العالِمة الباكستانية سَلمى بنت العلامة المُفتي الشيخ مجيب الرحمن الدَّيرَوي: كتبت هذا الكتاب عن والدها "الديروي"، وتكلمت فيه عن العلم وفضل التعلم والتعليم، وآداب المُعلِّم والمُتَعلِّم، ثم تكلمت عن الفقه ومعناه، وضرورته وشروطه ...، ثم عن الإمام أبي حنيفة وشيوخه وأصحابه، وكتب الفقه الحنفي ...، ثم عن الأئمة الثلاثة الباقين وشيوخهم وتلاميذهم، ثم عن المصطلحات الفقهية، والأدلة الشرعية الأصلية والفرعية ... .

ثم تحدثَت عن الإمام المرغيناني وحياته وفقهه ومنزلته فيه ...، ثم عن كتاب "الهداية" ومكانته وشروحه ...، في (28) ص.

ج- ومن الرسائل والتحقيقات التي كُتبت عنه أو عن بعض كتبه:

1- "الضوابط الفقهية لأحكام فقه الأسرة من كتاب (الهداية) للإمام المرغيناني": (رسالة تخصص؛ ماجستير) في "الفقه الإسلامي" للأستاذ أسامة محمد شيخ، قُدمت إلى "كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة أم القرى" في مكة المكرمة، في (414) ص، درس فيها حياة المرغيناني وكتابه الهداية فقط في (82) ص.

2- "الهداية شرح بداية المُبتَدِي" للمرغيناني: تحقيق أ. د. سائد بكداش؛ فقد حققه تحقيقا علميا فائقا على أكثر من (20) نُسخة خطية، وقدم له بدراسة شاملة ومطولة ومفصلة ترجم فيها للإمام المرغيناني ترجمة متوسطة في نحو (20) ص، ثم تكلم عن كتاب الهداية وعمله في التحقيق له في نحو (200) ص، ومراجعه في نحو (45) ص، بلغت (351) مرجعا؟؟!!

وهو خير طبعة وتحقيق لكتاب "الهداية" فيما أعتقد، والله أعلم.

3- "خمس رسائل على كتاب (الهداية) في الفقه الحنفي للإمام المرغيناني- للأئمة الأجلاء: العِمادي والحمزاوي واللكنوي والمُطيعي". أ. محمد عبد الله الشعار. في (196) ص.

4- "برهان الدين المرغيناني: عالم عظيم في الحقوق من وسط آسيا": هو بحث كتبه أ.د. محمد البخاري في طشقند بتاريخ: 7/11/2015م.

الفصل السادس

منزلته العلمية، وسنده الفقهي

أولا- منزلة المرغيناني لدى العلماء عامة، وعلماء الحنفية خاصَّة

1- قال فيه مؤرخ الإسلام الإمام الذهبي: "العَلَّامة"، عالم ما وراء النهر، كان من أوعية العلم، رحمه الله".

2- وقال الإمام الحافظ المحدث والفقيه الشافعي والمؤرخ ابن حجر العسقلاني ت 852هـ عن المرغيناني: "هو الشيخ الإمام برهان الدين أبو الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الرِّشداني، كان إماما عالما، مُقَدَّمًا في الفنون".

3- ذكر الشيخ محمد عبد الحي اللكنوي في كتاب الفوائد البهية قائلًا: "واعلم أنهم قسموا أصحابنا الحنفية على ست طبقات، وذكر أنهم يعدونه في الطبقة الرابعة فقال: والرابعة: طبقة أصحاب الترجيح كالقُدُوري، وصاحب الهداية (يقصد برهان الدين المرغيناني)، القادرين على تفضيل بعض الروايات على بعض بحسن الدراية".

4- وكتب السيد محمد بدر الدين أبو فراس النعساني الحلبي صاحب التعاليق على الفوائد البهية في ترجمة مؤلف الهداية ما نصه:

"كما ذكره ابن كمال باشا من طبقة أصحاب الترجيح القادرين على تفضيل بعض الروايات على بعض برأيهم النجيح.

وتُعقِّب بأن شأنه ليس أدون من قاضيخان، وله في نقد الدلائل واستخراج المسائل شأنٌ أيُّ شأنٍ، فهو أحق بالاجتهاد في المذهب، وعدُّه من المُجتهدين في المذهب، إلى العقل السليم أقرب".

5- وقال العلامة الفقيه والمؤرخ الشيخ عبد القادر القُرَشِي الحنفي صاحب "الجواهر المُضِيَّة" فيه: "شيخُ الإسلام، العلامة المُحَقِّق صاحب "الهِدَاية"، أقَرَّ له أهلُ عَصرِه بِالفَضل والتَّقَدُّم؛ كالإمام فَخر الدِّين قاضِي خان، والإمام زَين الدين العَتَّابِي، ... .

"وفاقَ شُيوخَه وأقرانَه، وأذعَنُوا لِه كُلُّهم، ولا سِيَّما بعدَ تصنيفه لكتاب "الهِدَايَة"، و"كِفايَة المُنتَهِي"، ونَشَرَ المَذهَبَ، وتَفَقَّه عليه الجَمُّ الغَفِيرُ...،

سَمِعتُ قاضِيَ القُضَاة شَمسَ الدين ابنَ الحَرِيرِيِّ يَذكُر عن العلامة جَمَالِ الدين ابنِ مَالِك: أن صاحِبَ "الهِدايَة" كان يَعرِفُ ثَمَانِيَةَ عُلوم".

*وقال فيه أيضا: "ورَحَلَ، وسَمِعَ، ولَقِيَ المَشَايِخَ، وجَمَعَ لِنَفسه "مَشيَخة"، كَتَبتُها، وعَلَّقتُ مِنها فَوَائدَ".

*ملاحظة بِفائدة: العلوم الثمانية هي العلوم التي من نالها صار فقيها مُجتهدا، وهي: 1- معرفة الكِتاب. 2- معرفة السنة.

3- معرفة النحو والعربية والصرف. 4- معرفة الإجماع.

5- معرفة أسباب النزول والناسخ والمنسوخ. 6- علم العقل والقياس.

7- علم الحَدِّ والبُرهان. 8- علم الجرح والتعديل، وأحوال رُوَاة الحَديث.

*"ينظر: "مقدمة تحقيق كتاب الهداية" للعلامة ش د. سائد بكاش 1/19.

6- وقال العلامة والفقيه الحنفي الشيخ محمد عبد الحي اللكنوي عنه:

"كان إماما فقيها حافظا محدثا مفسرا جامعا للعلوم، ضابطا للفنون، متقنا محققا نظارا مدققا زاهدا ورعا، بارعا فاضلا ماهرا، أصوليا أديبا شاعرا، لم تر العيون مثله في العلم والأدب. وله اليد الباسطة في الخلاف، والباع المُمتَدُّ في المذهب، تفقه على الأئمة المشهورين ... ". ثم قال فيه: "وأقَرَّ له بالفضل والتقدم أهلُ عَصره؛ كالإمام فخر الدين قاضيخان، والصدر صاحب "المُحيط" و"الذخيرة" محمود بن أحمد بن عبد العزيز، والشيخ زين الدين أبو نصر أحمد بن محمد العَتَّابِي، وصاحب "الفتاوى الظَّهِيرية" ظهير الدين محمد بن أحمد البُخاري، وغيرهم".

7- وقال فيه الإمام العلامة المحدث ابن المُستَوفي الإربِلي ت 637هـ:

"كان من أكابر الحنفية، حافظًا، مفسرا، محققا، أديبا، مُجتهدًا، له عِدَّة مُؤلفات، أشهرها: بداية المبتدي، وشرحه: الهِداية".

8- وقال العلامة الإمام حسام الدين الصِّغناقي ت 714هـ فيه:

"الإمام البارع المتقن، الوَرِع المُوقِن، مُفتي البَشَر، سيف النظر، ملجأ العلماء، أستاذ الفقهاء، رئيس أهل السنة والجماعة، عمدة أهل التقوى

والنزاهة، شيخ الإسلام، افتِخار العلماء العامِلين ...".

ثانيا- سند الإمام المرغيناني في المذهب الحنفي

للشيخ المرغيناني أسانيد عِدَّة في الفقه الإسلامي تصله بالسلف الصالح، إلى ساداتهم من الصحابة الكرام رضي الله عنهم، إلى سيدنا عبد الله بن مسعود خاصة فسيدنا رسول الله ، لكني سأذكر سنده العالي منها، وهو:

(أخذ الفقهَ الإمامُ علي بن أبي بكر المرغيناني عن:

1- مُفتي الثقلين نجم الدين عمر بن محمد النسفي ت 537هـ.

2- وهو عن فخر الإسلام علي بن محمد البزدوي ت 482هـ.

3- وهو عن شمس الأئمة عبد العزيز بن أحمد الحلواني ت 449هـ.

4- وهو عن أبي علي الحسين بن الخضر النسفي ت 424هـ.

5- وهو عن الإمام أبي بكر بن محمد الكماري البخاري ت 381هـ.

6- وهو عن أبي محمد عبد الله بن محمد الحارثي السبذموني ت 340هـ. 7- وهو عن أبي بكر بن أبي عبد الله "أبي حفص الصغير" ت ؟

8- وهو عن محمد بن أحمد بن أبي حفص الصغير ت 264هـ.

9- وهو عن الشيخ أحمد بن أبي حفص الكبير ت 217هـ.

10- وهو عن الإمام محمد بن الحسن الشيباني ت 189هـ.

11- وهو عن الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت ت 150هـ.

12- وهو عن حَمَّاد بن أبي سُليمان ت 120هـ.

13- وهو عن إبراهيم النخعي ت 96هـ. 14- وهو عن علقمة ت 62هـ. 15- وأسود ت 74هـ. وهما عن جِلَّة الصحابة، ولا سيما:

16- عبد الله بن مسعود ت 32هـ، وعن عمر بن الخطاب ت 23هـ، عن علي بن أبي طالب ت 40هـ، وعن عائشة ت 57هـ .

17- وهم عن سيد الكائنات وامير الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد رسول

الله ، ورحم التابعين ومن ذُكروا في هذا السند أجمعين).

الفصل السابع

كتابه (الهداية) قصته، وسبب تأليفه،

وتاريخه، ومدته

أولا- قصة كتابه "الهداية" وسبب تأليفه

ألف المرغيناني كتابه بل متنه "بداية المبتدي" أولا، وهو أصل كتاب الهداية، وقد جمع فيه بين متنين هما: "المتن المختصر للقدوري"، و"الجامع الصغير" للإمام محمد بن الحسن الشيباني.

ثم شرحه شرحا مطولا في ثمانين مجلدا، سماه: "كفاية المنتهي"، ثم اختصره في كتابه "الهداية شرح بداية المبتدي".

وقد قال فيه المؤلف:

وجدت المختصر المنسوب إلى القدوري أجمل كتاب في أحسن إيجاز وإعجاب، ورأيت كُبراء الدهر يُرَغِّبون الصغير والكبير في حفظ الجامع الصغير، فهممت أن أجمع بينهما ولا أتجاوز فيه عنهما إلا ما دعت الضرورة إليه، وسميته: (بداية المبتدي).

وقد اختار المؤلف في ترتيب أبوابه ترتيب الجامع الصغير للإمام محمد بن الحسن الشيباني. هذا، وقد شرح كتابه بداية المبتدي شرحين: الأول: بكتاب أسماه (كفاية المنتهي) يقع في ثمانين مجلدا، كما نقله اللكنوي عن مفتاح السعادة، لكنه فُقد وضاعَ.

والثاني: سمّاه "الهداية"، وهو كتابه الشهير.

وسبب شرحه الثاني للبداية:

أنه لما تبين في شرحه الأول التطويل، وخشي أن يُترك الكتاب ويُهجَر، عاد فشرح كتابه بداية المبتدي شرحا ثانيًا مختصرًا، وهو كتابه المشهور المُتداول بين فقهاء ودارسي المذهب، وقد اعتنى كثير من العلماء والباحثين بكتابة الحواشي والشروح على كتاب الهداية.

ثانيا- تاريخ تأليف الهداية، ومُدَّته، وصِيَامُه الخَفِيُّ فيها

ابتدأ الشيخ المرغيناني تأليف هدايته ظُهرَ الأربعاء من شهر ذي القَعدَة/573هـ، واستغرق تأليفه 13 سنة.

ومن عجيب امره وأسباب قبوله الكبير، ما ذكر المؤرخون:

أن الإمام المرغيناني ألفه وهو صائم يُخفي صِيامَه طيلة تلك السنوات؟! كما ذكر العلماء؛ فكان يأتيه خادمه بالطعام فيقول له الشيخ: "خَلِّه ورُح"، ثم يعطيه لأحد الطلاب أو الفقراء، فيأتي الخادم فيجد الصحنَ فارغًا فيظن أن الشيخ أكلَه؟؟!!

الفصل الثامن

أهمية كتاب "الهداية" ومكانته لدى العلماء

وبعض حُفَّاظِه، ومَصَادِرُه

 

أولا- أهَمِّيَّته، ومكانته لدى العلماء والفقهاء

ولأهمية هذا الكتاب لدى العلماء والفقهاء وطلبة العلم؛ فقد كثرت شروح العلماء وحواشيهم وتعليقاتهم عليه، -مُنذ ألَّفَهُ صاحبه إلى الآن- حتى بلغت العشرات، وخرج بعض العلماء أحاديثه، وبعضهم اختصروه، وبعضهم الآخر حَفِظه، وبعضهم نظمه.

ولأهميته جدا عند الحنفية واستيعابه ودِقته وجلالة مؤلِّفه فقد أصبح مُعتَمَدًا ومُقَرَّرًا لتدريس الطلبة في جُل أنحاء العالم الإسلامي منذ أكثر من ثمانية قُرون، وما زال يُدَرَّس حتى الآن في بلاد الشام، ومصر، وتركيا، وباكستان، وبنغلاديش، وأفغانستان، وغيرها.

كما تُرجم إلى لغات حَيَّة كثيرة؛ منها: الفارسية، والإنجليزية، والروسية، والأوزبكية، وغيرها.

ولِذا فقد كثرت أقوال العلماء والفقهاء في كتاب "الهداية" مَدحًا وإطراء قديما وحَدِيثًا، ومما قالوا فيه:

أ- وقال فيه الإمام عماد الدين بن الشيخ المرغيناني صاحبه:

كِتابُ الهِدَايَةِ   يُهدِي   الهُدَى             إلى حافِظِيه ، و يَجلُو العَمَى

فلَازِمه و احفَظهُ يا ذَا الحِجَا!               فمَن نالَهُ   نالَ أقصَى المُنَى

ب- قال برهان الشريعة محمود بن صدر الشريعة: "وهو كتاب فاخر، وبحر مَوَّاج زاخِر، كتاب جليل القَدر، عظيم الشأن، زاهِر الخَطَر، باهر البُرهان، قد تَمَّت حَسَنَاتُه، وعمَّت بَرَكاتُه، وبَهَرَت آياتُه".

 

ج- وقال العلامة أحمد بن مصطفى "طاش كبري زاده" ت 968هـ:

"كتاب الهداية -كما قال صاحب الوقاية- كتاب فاخِر، لم تكتَحِل عَينُ الزمان بِثَانِيه، ومِن لطائف أحواله: أنه مع اشتماله الدَّقائق، وحُسن الإيجاز في التحرير، وَقَع سهلًا بظاهره على كل طالب؛ فهو بالحقيقة سهل مُمتَنِع، والأولى ألَّا يُبالِغ أحَد في وَصفه؛ فإن السُّكُوتَ عن مَدحه مَدحُه".

د- وقال فيه الإتقاني: "هو كِتاب الكِبار".

هـ- وقال فيه أحد الشعراء:

إن "الهِدَايَةَ" -كالقُرآن- قد نَسَخَت        

ما صَنَّفُوا قبلَها في الشَّرع مِن كُتُبِ

فاحفظ قواعِدَها واسلُك مِسَالِكَها           يِسلَمْ مَقَالُكَ مِن زَيغ، ومن كَذِبِ

و- وقال العلامة الشيخ محمد أنور شاه الكِشمِيري "إمام العَصر" ت 1352هـ: "ليس في أسفار المَذاهب الأربعة كِتابٌ بِمثابة كتاب الهِداية، في تلخيص كلام القوم، وحُسنِ تَعبيره الرائق، والجَمع لِلمُهِمَّات، في تَفَقُّه نَفس، بِكَلِمات كُلُّها دُرَرٌ وغُرَرٌ".

ز- وقال الشيخ محمد عاشق إلهي البرني المدني ت 1422هـ:

"مِن أشهر كتب المرغيناني: كتاب الهداية، المعروف شرقًا وغَربًا، ولا تخلو مِنه مَدرسَة، تَجلُو بِه بصيرة العالِم النِّحرير الفقيه، وتحلو به ثمرةُ التحصيل لِلطالب النبيه".

ح- ومن الثناءات الجميلة على الهداية قول بعضهم من أهل القرن الثامن هـ في بيتين رائعين على نسخة نفيسة لأحد كبار علماء الحنفية كتبت سنة 732هـ في (متحف طوب كابي) بإسطنبول، هُما:

هِدَايَتُنا - هذِه - قد غَدَت               طِرازٌ     لِمَذهَبِنا   المُذهَبِ

فألفاظُها   - دُرَرٌ -   كُلُّها               و مَا مِثلُها -قَطُّ- في مَذهَبِ

ثانيا- مِن حُفَّاظ الهداية غيبًا

بلغت العناية والاهتمام والمحبة -بل العِشق- لكتاب الهداية للمرغيناني أن حفظه بعض العلماء، منهم:

1- الشيخ محمود بن أبي بكر بن عبد القاهر، "شهاب الدين" ت 680هـ، وهو ممن تفقه على الإمام الحَصِيري بدمشق.

2- عبد الرحمن بن أبي بكر البسطامي الحلبي نزيل القاهرة ت 728هـ.

3- ابنه عمر أيضا كان يحفظها.

4- شمس الدين محمد بن عثمان الحريري الأنصاري الحنفي ت 728هـ.

5- العلامة الفقيه الحنفي الكبير الشيخ عثمان بن داود المُلتاني ت 736هـ.

ثالثا- مصادر الهداية

لم يذكر المرغيناني أسماء مصادر في كتابه مجموعة، ولم يبينها، وصرح بالنقل عن مصادر قليلة، بعضها له، لكنه ذكرها منثورة في أماكن عِدَّة من كتابه، وأحيانا يذكر اسم العالِم المنقول عنه دُونَ تسمية كتابه.

*وهذه أهم مصادر "الهداية" التي ذكرها د. سائد بكداش، حفظه الله:

1- نقل عن العلامة الإمام العبقري الخليل بن أحمد الفراهيدي ت 170هـ.

2- الموطأ: للإمام مالك بن أنس ت 179هـ. 3- الإملاء: لأبي يوسف.

4- الجوامع، أو: جوامع البرامكة: لأبي يوسف، وقد صنفه من أجلهم.

5- الإملاء: ولم يُحَدِّد المرغيناني صاحِبَه. مع العلم أن هناك إملاءات عديدة: لأبي يوسف، ومحمد بن الحسن، وغيرهما.

6- النوادر: وهناك أكثر من كتاب في النوادر، لأبي يوسف ومحمد.

7- الأصل = المبسوط: لمحمد بن الحسن الشيباني ت 189هـ.

8- الجامع الكبير: للشيباني.   9- الجامع الصغير: له أيضا.

10- السِّيَر الكَبير: له أيضا. 11- السِّيَر الصغير: = = .

12- الزيادات: لابن الحسن أيضا. 13- زيادات الزيادات: له أيضا.

14- أدَبُ القاضي: لِلخَصَّاف ت 261هـ. 15- سنن أبي داود ت 275هـ.

16- أبو جعفر الطَّحَاوي 321هـ. 17- أبو منصور الماتريدي 333هـ.

18- المُنتقى: لِلحاكم الشهيد ت 334هـ.   19- الكافي: له أيضا.

20- الكرخي ت 340هـ. وله في المذهب كتب عديدة.

21- أبو بكر الرازي الجَصَّاص ت 370هـ، وله في المذهب كتب عديدة.

22- يوسف بن علي الجرجاني تلميذ الكرخي، صاحب "خزانة الأكمل".

23- مُختلِف الرِّواية: لأبي الليث السمرقندي ت 393هـ.

24- مختصر القدوري: للإمام القدوري ت 428هـ.

25- شرح مختصر الكرخي: للقدوري. 26- الأسرار: للدَّبُّوسي 430هـ.

27- أحمد بن محمد الناطفي ت 446هـ، وهو صاحب "الاجناس".

28- شرح الجامع الصغير: للإمام محمد البزدوي ت 482هـ.

29- شرح السير الكبير: لم يذكر مؤلفه، ولعله أراد "شرح السرخسي"؟

30- خُواهَر زادَه ت 483هـ. 31- السرخسي ت 483هـ، ولم يحدد كتابه ولعله أراد "المبسوط". 32- شروح الجامع الصغير؟

33- المنظومة النسفية: لنجم الدين النسفي 537هـ.

34- بداية المبتدي، وكفاية المنتهي: للمرغيناني نفسه.

35- الزيادات: له أيضا، ويُحِيل إليه. 36- التجنيس والمزيد: له كذلك.

37- عُدَّة الناسِك في عِدَّة مِن المَناسِك. له أيضًا.

الفصل التاسع

من أهم شُروحِ "الهداية" وتعليقاتِه،

وحَواشِيهِ المطبوعة، وتخريجِ أحاديثه، وطبَعَاتِه

أولا- من أهم شروحه وحواشيه

سبق أن ذكرنا أنها كثيرة، بل هي كثيرة جدا أنافت على (120) شرحا وحاشية وعملا ودراسة، كما يقول د. سائد بكداش.

هذا مع العلم أنه لم يُطبع من شروح الهداية تلك إلا نحو بضعة عشر؟!

*من تلك الشروح والحواشي والتعليقات:

1- "النهاية في شرح الهداية". للإمام حسام الدين حسين بن علي الصِّغناقي التركستاني (وُلد نحو 650هـ؟- 714هـ): وهو تلميذ تلاميذ الشيخ المرغيناني.

وشرحه هذا من أحسن شروح الهداية وأكملها، وهو أكبر الشروح أيضا.

وقد حقق أكثره وطبع في رسائل علمية عدة قدمت إلى "كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة أم القرى" قبل نحو عشر سنوات.

كما طبعته في 11 مجلدا دار الكتب العلمية في بيروت سنة 2023م.

2- "غاية البيان نادرة الزمان في آخر الأوان". للإمام الإتقاني قوام الدين أمير كاتب بن أمير عمر الأترازي الفارابي ت 758هـ.، وكان رأسا في مذهب الحنفية، وأجمعوا على علمه وتفننه.

وشرحه هذا شرح نفيس حافل طويل متقن، وهو مخطوط يقع في نحو 16 مجلدا، وإذا طبع يقدر بنحو 20 مجلدا.

3- "البناية في شرح الهداية ": للإمام المُفنَّن بدر الدين محمود بن أحمد العيني ت 855هـ، وهو أفضل شروحها، وهو شرح كبير ضخم، وهو من أمتع الشروح وأنفعها، وهو شامل لكل كلمة، مع حله لمعضلات الهداية، هذا، إلى توضيح المسائل، وسَوق الدلائل، وتبيين الغوامض، وإعراب الكلمات، والكلام في الرواة ... .

وقد انتهى من شرحه لها في القاهرة سنة 850هـ، وهو في التسعين، وكان ابتدأه سنة 817هـ مع انشغاله بتآليف أخرى غيره.

4- "حاشية على الهداية": للإمام سعدي جلبي، شيخ الإسلام في الدولة العثمانية، واسمه: سعد الله بن عيسى الرومي، ت 945هـ، مَلَك كُتبًا كثيرة، وكان قَوِيَّ الحِفظ جِدًّا، يصرف جميع وقته بالاشتغال بالعلم.

وحاشيته هذه تعليقات مختصرة دقيقة نافعة للغاية، مُبَيّنة، مع مناقشات وتصويبات، وتحقيق وتدقيق.

5- "وِقاية الرواية في مسائل الهداية": لبرهان الشريعة محمود بن أحمد صدر الشريعة الأكبر، ت أول القرن الثامن.

وشرحه هذا مطبوع مشهور جدا، مُتداوَل للغاية، ولا سيما في بلاد ما وراء النهر، وعليه شروح وحواش كثيرة.

6- "العناية شرح الهداية": للإمام أكمل الدين محمد بن محمد البابِرتي الرومي الحنفي ت 786هـ، من "بابِرت" التابعة لـ "أرض روم" بتركية.

كان إماما فقيها أصوليا محققا مدققا، بارعا في الحديث وعلومه، حافظا ضابطا، معتنيا باللغة وعلومها.

لخَّص شرحه من "النهاية" للصغناقي؛ فأحسن فيه واجاد، و"جاء في غاية الإيجاز والملاحة"، كما يقول ابن الشِّحنة ت 890هـ، وطبع في مجلَّدين.

7- "فتح القدير للعاجز الفقير": للإمام الفقيه الأصولي المحدث المفنن كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي "ابن الهُمام" ت 861هـ، لكنه توفي ولم يُكمله؛ بل وصل فيه إلى أوائل "كتاب الوكالة".

وتلقى العلماء شرحه بالقبول، وانتفعوا به كثيرا، وكان مرجعا لكبارهم.

8- "نتائج الأفكار في كشف الرموز والأسرار": للإمام قاضي زاد أحمد بن قودر الرومي ت 988هـ، وهو إمام محقق كبير.

وقد أكمل به "فتح القدير" لابن الهمام من حيثُ وقفَ في "كتاب الوكالة" إلى نهايته، على طريقة الشيخ ابن الهمام في التوسع فيه استِدلالًا وتعليلًا ومناقشة وتعَقُّبًا، وغير ذلك.

وهو مطبوع مع شروح الهداية في الأجزاء الثلاثة الأخيرة من 9 أجزاء.

9- "السقاية لعطشان الهداية؛ حاشية اللكنوي على الهداية": للإمام محمد بن عبد الحي اللكنوي ت 1304هـ، وهو تتمة لما بدأ به والده العلامة الشيخ محمد عبد الحليم اللكنوي، رحمه الله- من "خيار العيب في كتاب البيوع" إلى نهاية الكتاب.

وطبعت في جزأين كبيرين باسم: "هداية أولين وهداية آخَرين".

10- "حاشية السَّنبلي على الهداية": للعلامة المحدث الفقيه حسن ب ظهور حسن السنبلي ت 1305هـ، وهي تعليقات مبسوطة مطولة بالعربية على طريقة الشرح بالقول.

وكثير من علماء الهند يفضلون هذه الحاشية على حاشية اللكنوي على الهداية؛ كما نقل د. سائد بداش عن المحدث الفقيه الشيخ محمد حبيب الله قُربان المَظاهري الهندي المَدَني.

*ومن الشروح المهمة غير المطبوعة:

11- "معراج الدراية إلى شرح الهداية": لإمام الهدى شيخ الإسلام قِوام الدين محمد بن محمد بن أحمد البخاري الخبازي الكاكي ت 749هـ.

وهو شرح حسن أربى فيه على من تَقَدَّمَه مِن شُرَّاح الهداية، وهو شرح كبير عظيم، ملآنُ بالفوائد النادرة، غزير الفرائد الغالية مع الأدلة الكثيرة للأقوال ونقاشها، كما يقول د. سائد بكداش.

ثانيا- من الكتب المُخَرِّجة لأحاديث "الهِدَاية"

وقد أُلِّفت كتب في تخريج الأحاديث لكتاب "الهِداية"؛ منها:

1- "العناية بمعرفة أحاديث الهداية". للشيخ محيي الدين عبد القادر بن محمد القرشي المصري.

2- "الكفاية في معرفة أحاديث الهداية". للشيخ علاء الدين.

3- "نصب الراية لأحاديث الهداية". للشيخ جمال الدين بن عبد الله بن يوسف الزيلعي، وهو أشهرها وأجَلُّها.

وقد اختصره الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه "الدراية في منتخب تخريج أحاديث الهداية".

4- "منية الألمعي فيما فات من تخريج أحاديث الهداية للزيلعي". تأليف الامام الحافظ قاسم بن قطلوبغا الجمالي ت 879هـ.

ثالثا- من أهم طبعات كتاب الهداية

لقد ذكرنا من قبل أهمية كتاب الهداية، وانتشاره، وشروحه، واهتمام العلماء به، ومصادره، ومكانته، ... .

فهو كتاب كتب الله له القبول وانتشر انتشارا واسعا منذ تأليف صاحبه له عليه الرحمة والرضوان.

ولذا فقد كثرت نسخه منذ القديم، حتى كانت بالآلاف في بلدان شتى عبر مئات السنين، تجاوزت ثمانية قرون.

ولما ظهرت الطباعة العربية الإسلامية قبل نحو قرنين ونصف من الزمان؛ فقد كان من أوائل الكتب التي طبعت فيها كتاب "الهداية" للمرغيناني؛ فقد طبع سنة (1791م) في "لُندُرة؛ لُندُن" مع ترجمة له بالإنجليزية، باعتناء المِسيُو هاملتون في (4) أجزاء.

كما طبع في كلكته في الهند سنة 1807م في جزأين.

وطبع كذلك في قازان بروسيا سنة 1888م، مع حاشية الأستاذ اللكنوي، وطبع أيضا مع "الوقاية" في بومباي بالهند سنة (1270هـ).

كما طبع "الهداية" مع "فتح القدير" لابن الهمام، ومع "العناية" و"الكفاية" في (9) مج بمصر في "المطبعة الميمنية" عام 1319هـ.

ثم توالت طبعاته وتتابعت حتى عصرنا في كثير من البلدان الإسلامية، ومن آخر طبعاته كانت:

أ- طبعة "دار السِّرَاج" بتحقيق د. سائد بكداش على أكثر من (20) نسخة خطية، في (7) مج عام 1440هـ - 2019م.

ب- طبعة "دار الدقاق" و"دار الفيحاء" في دمشق وبيروت بتحقيق أ. عبد السلام شنَّار في (4) مجلدات ضخمة، سنة 1440هـ - 2019م.

الباب الثاني

الإمام البيضاوي

وفيه ثمانية فصول

 

الفصل الأول: اسمه ونسبه ومولده، وأسرته

                 ووالده، ونشأته وتربيته

الفصل الثاني: تعريف بأوطانه: البيضاء،

                 شيراز، تبريز

الفصل الثالث: عصر الإمام البيضاوي

الفصل الرابع: طلبه العلم وشيوخه وأساتيذه

الفصل الخامس: توليه القضاء، ورحيله لتبريز،

                   ووفاته، وحليته وصفاته

الفصل السادس: آثاره؛ طلابه ومصنفاته

الفصل السابع: تفسيره (أنوار التنزيل) منزلته

       واشتهاره وكثرة تدريسه، وحواشيه وتعليقاته

الفصل الثامن: منزلة البيضاوي لدى العلماء،

           وبعض شمائله وأخلاقه، ومما ألف فيه

 

الفصل الأول

اسم البيضاوي ونسبه، ومولده، وأسرته

ووالده، ونشأته وتربيته

الإمام القاضي البيضاوي

أولا- اسمه ونسبه

هو ناصر الدين، أبو سعيد، أو أبو الخير، عبد الله بن عمر بن محمد بن علي البيضاوي، الشيرازي، الفارسي الشافعي: شيخ الإسلام الإمام العلامة المُحَقِّق قاضي القضاة المفسر المتكلم المحدث النحوي الأديب الفقيه المُفتِي الأصولي، الباحث، المنطقي، المؤرخ، الفَلَكِي، ذو التصانيف المُفيدة الشهيرة، أحد أعلام أهل السنة والجماعة الكبار، وأعلام الأدب الفارسي.

*يُعرف الشيخ البيضاوي بـ "القاضي"، وبـ "قاضي القضاة"؛ لأنه تولى هذين المَنصِبَين مُدَّة من الزَّمَن، ويُلَقَّب بِـ "ناصِر الدِّين".

ثانيا- مولده

*والشِّيرازي: نسبة إلى مدينة "شيراز"، وهي بلدة عظيمة مشهورة وسط بلاد فارس (إيران) حالِيًّا، ونُسب إليها لأنه تَوَلَّى قَضاءها مُدَّة وسكنها.

*والفارسي: نسبة إلى بلاد فارس (إيران) حاليا، التي ولد فيها، ونشأ وترعرعَ في ربوعها، وتعلم لغتها، ودرس وتعلم وعمل فيها، وألف بعض كتبه بالفارسية، ويُعدُّ البيضاوي من أعلام الأدب الفارسي أيضا.

ثالثا- أسرته

عرفت أسرة الشيخ البيضاوي بالعلم والمعرفة، وقد تعاقب فيها القضاة والعلماء؛ فقد كان أبوه (أبو القاسم عمر) عالما كبيرا، وفقيها شافعيا، وعُيِّن قاضيا لِلقُضَاة -كما سيأتي-، وجده (فخر الدين محمد، أبو عبد الله) كان -رحمه الله- عالِمًا وكان قاضِيًا لِلقُضَاة، وكان له كتاب في علم العقيدة الإسلامية. ووالد جده (صدر الدين، أبو الحسن، علي) كان من العلماء أيضا.   ولم يذكر أحد من مُتَرجِمِيه سَنةَ ولادته سِوى مَصدرين:

1- د. نور الدين عتر رحمه الله- في "الموسوعة العربية"؛ فذكر أنها كانت في (نحو 600هـ = نحو 1203م).

2- "الموسوعة العربية الميسرة"؛ فقد جعلتها سنة (1226م)، ولم يذكُرا مصدرًا ولا تَعلِيلًا؟! لكني اعتمدت كلام د العتر ورجحته لتمكنه، ولأن المؤرخين ذكروا أن البيضاوي رحمه الله - قد عُمِّر.

رابعا- والده

هو أبو القاسم عمر بن محمد البيضاوي (ت 675هـ): كان إماما مُتَبَحِّرًا، وفقيها شافعيا تفقَّهَ على العلامة مجير الدين محمود بن المبارك البغدادي الشافعي؛ الذي تفقه على حجة الإسلام الغزالي، رحمهم الله جميعا.

انتقل أبو القاسم إلى شيراز، وكان مُقرَّبًا مِن الأتابك أبي بكر بن سعد بن زِنكي حاكم فارس ما بين (623- 658هـ)، الذي عَيَّنَهُ قضاء القُضَاة ثَمَّة، أو ما كان يُسَمَّى "قاضِيَ المَمَالِك" عند الدولة السلغرية الفارِسيَّة، أيَّامَ ظُهور المَغُول "التَتَر" وتَفَاقُم خَطَرِهم.

كان -رحمه الله- من أئمة العلم، درَّس وحدَّث، وجمع بين العِلم والتقوى، وتقلَّدَ القضاء بشيراز لِسِنين، ودَرَّس وأسمع وحَدَّث، وروى عن شيخه عبد الرحمن السجستاني، وقد تأثر به البيضاوي كثيرًا، وكان يشير إلى أقواله في ثنايا كُتبه، كـ "الغاية القُصوى"، وغيره.

خامسا- نشأته وتربيته

نشأ الطفل البيضاوي وترعرع في مدينة البيضاء، وفيها تربَّى في بيت علم وبركة، في كنف والده العالِم والفقيه الشافعي؛ فأخذ العلم عنه، وتفقه عليه أولا على مذهب الإمام الشافعي.

وحين انتقل والد البيضاوي إلى مدينة "شيراز" صحب والده إليها، واستقرَّ معه فيها، وفيها شَبَّ وأيفَعَ، وتعلم في مدارسها، وأخَذ على يد علمائها وفقهائها وأدبائها الذين لجؤوا إليها من ظلم التتار.

الفصل الثاني

تعريف بأوطانه الثلاثة:

البيضاء، وشيراز، وتبريز

*ولولادة الإمام البيضاوي في مدينة "البيضاء" ونشأته فيها، ولانتقاله إلى مدينة "شيراز" وسكناه فيها طويلا، وتوليه القضاء فيها، وانتقاله إلى مدينة "تِبرِيز" ووفاته ودَفنه فيها، لا بُدَّ مِن نُبذة نُعَرِّف بها بهذه المُدُن الثلاث.

البيضاء

هي مدينة مشهورة في إيران -"فارس" قديما-، من أعمال مدينة "شيراز، وتقع في ولاية "فارس"، شمالِيَّ شِيراز"، وغَربِيَّ "إصطَخر".

*بلغ عدد سكانها سنة 2016م نحو (7252) نسمة.

وكانت أكبر مدينة في كورة "إصطخر"؛ كما يقول الجُغرافي الإصطخري.

وسُمِّيت بالبيضاء لأن لها قلعة تظهَر مِن بُعد ويُرَى بَيَاضُها.

وكان اسمها بالفارسية "نسايك"، والآن تسمى "بَيزَا"، وكانت مُعسكرا للمسلمين يقصدونها في فتح إصطخر.

وكان بناء أهلها من الطين، وهي تامة العِمارة، خِصبة جِدًّا، وكان فيها حِصن، ورَبَضٌ عامِر.

بينها وبين "شيراز" نحو 40 كِيلًا، وكان أهل شيراز ينتفعون من مِيرَتها.

ويُنسب إلى علماء وأدباء كثيرون؛ أبرزهم: سيبويه علامة النحو الكبير، والحسين بن منصور "الحَلَّاج"، والإمام المفسر والفقيه والمتكلم القاضي ناصر الدين عبد الله بن عمر البيضاوي، وغيرهم.

وذكر الجغرافيون أهل البيضاء -قديما- قَومًا مَيَاسِيرَ، وزِيُّهم -في اللباس والعَمائم- يُشبِهُ زِيَّ العِراقِيِّين.

*وخير من كتب عن هذه البلدة الأستاذة معصومة بادنج في بحث علمي رصين واسع ورائع، ومُفصَّل تاريخيا وجغرافيا، وإليكموه بتصرف.

البيضاء ناحية وقضاء ومدينة تاريخيّة في فارس

1- ناحية البيضاء: في محافظة سبيدان (البِيض)، في الشمال الغربي من إقليم فارس، في منطقة باردة، في سهل خصب وتضمّ أقضية: البيضاء، وبانِش، وكوشْكْ هزار.

يحدها من الشمال ناحية كامفريوز (في محافظة مرودشت)، ومن الشرق محافظة مرودشت، ومن الجنوب محافظة شيراز، ومن الغرب الناحية المركزيّة (محافظة سبيدان).

*من جبالها المهمّة: غَر، ومُور، وشش بير (الشيوخ الستّة)، ونِسا (من سلسلة جبال زاغروس)، ويقع مضيق غوره دان (قوره دان) في السفح الشمالي من جبل غوره دان (على بعد حوالي 26 كم إلى الجنوب الشرقيّ من أردكان). يروي أراضيها نهر أردكان الفصلي، ونهر شش بير.

*يجري نهر كُر في الجهة الشماليّة الشرقيّة منها.

في هذه الناحية عدّة سلاسل قنوات ووَفرة من الينابيع؛ من بينها جَوَرَك، وتشله غاه بزرك (الكبير)، وتشله غاه كوتشك (الصغير)، وأنجيرك، وهفت خوان (بمحاذاة قرية هفت خوان).

تقع قراها بشكل رئيسيّ في السهل.

*من نباتاتها: أشجار البلّوط، والبطم، واللّوز الجبلي، وأصابع العروس، ولسان الثور.

*ومن حيواناتها: الماعز الجبلي، والوعول، والنعاج، والغزلان، والذئاب، والخنازير البريّة، والثعالب والأرانب. ومن الطيور: الحجل، والدرّاج.

*من محاصيلها الزراعية المُهمّة: القمح، والشعير، والبقول، والعنب، والتفّاح، والخضراوات.

*من الشائع فيها تربية الحيوانات (الأغنام، والأبقار، والجِمال)، والنَّحل. *ومن صنائعها اليدويّة حياكة البُسُط القطنيّة، وصناعة السجّاد.

*تُصدَّر بُسُطُها المزخرفة بالرسوم سالاري (األأميريّة) والمحمّدية.

تستوطنُها عشيرة كَرَمي من عشائر القبيلة القشقائيّة، كما تقيم فيها بطونٌ

من العشيرة اللُّريّة مَمسَني.

*البلدات المُهمّة في ناحية البيضاء:

أ- هِرابال (مركز قضاء البيضاء) على بعد 54 كم إلى الجنوب الشرقيّ من أردكان، فيها مزاران هما مزار ناصر بن عمّار، ومزار إمام زادة.

ب- بانِش (مركز قضاء بانِش). كوشْكْ هزار (مركز قضاء كوشْكْ هزار). وتلّ البيضاء على بعد 63 كم إلى الجنوب الشرقيّ من أردكان).

*وفيها الكثير من الآثار القديمة.

*بلدات قضاء البيضاء المُهمّة هي: قرية مَلْيان على بعد 64 كم إلى الجنوب الشرقيّ من أردكان فيها آثار لبضع قلاع قديمة، وتلّة قديمة، ومزار باسم السيد أحمد شاه إيران.

قرية شيخ عَبود وفيها مزار باسم الشيخ شهاب الدين، وموضع باسم الشاه غيب، وقرية "زياد آباد" حوالي 59 كم إلى الجنوب الشرقيّ من أردكان، وهي التي عدّها البعض "قلعة زياد" نفسها.

*هنالك رجالٌ عظماء أصلهم من البيضاء، من بينهم سيبويه العلّامة النحْويّ المتوفّى سنة 194هـ، والحسين بن منصور الحلّاج المتوفّى سنة 307هـ المتصوّف المشهور، وعبد الله بن عمر البيضاويّ المتوفّى سنة 696هـ مفسّر القرآن.

*الموقع الجغرافي لمدينة البيضاء التاريخيّة:

2- مدينة البيضاء التاريخيّة: إحدى مدن إيران التاريخيّة القديمة، تقع في ناحية البيضاء في المنطقة الباردة من فارس.

ولا تزال أطلالها ماثلةً بالقرب من بلدة مَلْيان.

يقول ياقوت الحمَوي نقلًا عن حمزة الإصفهاني:ّ اسم البيضاء معرّب "دَر إسْفيد"، كان اسمها الفارسيّ نَسا، نسايَك.

يُنسب بناء مدينة البيضاء إلى غشتاسب، ابن لُهراسب الكياني.

*في السنة 17هـ أرسل الخليفة الراشدي عمر بن الخطّاب رضي الله عنه عثمانَ بن أبي العاص لفتح كورة إصطخر، لكنّ والي إصطخر وافق على

دفع الجزية، وجنّب أهالي البيضاء خوض غمار الحرب.

*في العام 28هـ، هاجم عامر بن كريز ديار بارِز وقلاع فارس -التي كانت خاضعة لأهالي البيضاء- وفتحَها.

*في العام 39هـ، في أثناء خلافة سيدنا عليّ بن أبي طالب عليه السلام، امتنع أهالي فارس عن تأدية الخراج لسهل بن حنيف؛ فأرسل الإمام -عليه السلام- إليهم زيادَ بن أبيه، فعاملهم بالحُسنى، وجعل مدينة إصطخر مقرًّا لحكمه، وشيّد بين البيضاء وإصطخر قلعة، سُمِّيت "قلعة زياد"، وحمل إليها الأموال.

*في العام 129هـ، كانت البيضاء ساحة المعركة التي جرت بين عامر بن ضُبارة مبعوث الخليفة الأمويّ مروان الثاني، وبين عبد الله بن معاوية. *حسبَ جُغرافيّي القرن 3هـ كانت البيضاءُ من مدن كورة إصطخر؛ وذكروا أنّ المسافة بينها وبني شيراز ستّة فراسخ أو سبعة فراسخ.

*في هذه المرحلة نفسها 261هـ أُقيم سرادق السلطان يعقوب بن اللّيث في البيضاء، التي كان فيها مرج واسع، وجرت معركة بينه وبين مُحمّد بن واصل في ناحية مروسدان من نواحي البيضاء

*في القرن الرابع الهجريّ كانت البيضاء تُعدّ من أكبر مدن كورة إصطخر، تضمّ قلعةً وسورًا وبرجًا ورَباطًا، وكانت

مبانيها من الطين، وعماراتها مُتقنة، ومناخها رطب والمدينة نفسها كانت وافرة الخيرات، تُصدّر غلالها إلى شيراز.

*في أواخر القرن نفسه، حسبها المقدسيّ من ضمن مدن شيراز، مُضيفًا: إنّ نَسا التي تُسمّى أيضًا البيضاء، مدينةٌ نظيفة، جميلة، حسنةُ المناخ، وفيها مسجد جامع ومزار.

*في العام 415هـ جرت معركة حامية الوطيس بين قوام الدولة الديلميّ المتوفى سنة 419هـ المشهور بقوام الدولة أبي الفوارس وبين أخيه سلطان الدولة الديلميّ المتوفى سنة 415هـ بين مدينة البيضاء ومدينة إصطخر، أسفرت عن هزيمة أبي الفوارس.

*في العام 442هـ توجّه طغرل بيك على رأس جيشه إلى ناحية البيضاء، ونهب قراها، وعاد منها بالغنائم الكثيرة.

*في العام 447هـ، توجّه فولاد، القائد الديلميّ الذي كان قد احتلّ قلعة إصطخر، إلى شيراز، وألغى الخطبة باسم طغرل بيك، وجعلها باسم أبي سعد، أخي طغرل بيك. رأى أبو سعد في ذلك خديعة،ً وحاصر شيراز، التي مات عدد كبير من أهلها جُوعًا. جلأ فولاد إلى ضواحي البيضاء وقلعة إصطخر، لكنّ جيشَ أبي سعد احتلّها أيضًا.

*في أوائل القرن السادس الهجري، كانت البيضاء مدينةً صغيرة، لكنّها جميلة، فيها مرج مساحته عشرة فراسخ بعشرة فراسخ، ونواحٍ عديدة، ومسجد جامع ومنبر، وكانت عامرةً.

*ظلّت لقلعة البيضاء أهمِّيّتها، ففي العام 533هـ حين استولى الأمير قراسُنْقُر على مدن فارس، توجّه الأتابك قراسُنْقُر لمحاربة الأمير بوزَبه فلجأ هذا الأخير خوفًا إلى قلعة البيضاء.

*في عصر الأتابك أبي بكر المتوفّى سنة 607هـ بُنِيَ في البيضاء رباط باسم المظفّري،ّ ورباط الشيخ جمال الدين حسين الدزكيّ.

*في القرن السابع الهجري كانت قلعة البيضاء موجودةً، وكان يُطلق عليها اسم (قلعة سپيد) أي "القلعة البيضاء"، فحين توفّيَ الأتابِك سعد زنكي في في البيضاء في العام 622هـ، أرسل وزيرُه الخواجة غياث الدين اليزديّ خاتَمَه إلى "القلعة البيضاء".

*ذكر القزويني أنه كان في البيضاء كذلك حيّات وعقاربُ وغيرها من الحشرات والهوام المُؤذية.

*في أوائل القرن الثامن الهجري كرّر حمد الله المستوفي ما كان قد كتبه ابن البلخيّ عن مدينة البيضاء، لكنّه مل يُشِر إلى مسجدها الجامع ومنبرها؛

لأنه -كما يبدو- لم يعد له أيّ أثر بعد الاجتياح المغولي؛ بسبب المعارك المتتالية التي جرت فيها.

*في العصر التيموري كان سهل البيضاء -كذلك- ساحةَ الحرب بين الأمراء، ففي العام 818هـ، جرت معركة فيه بين الأمير إبراهيم سلطان، والأمير با يقرا.

منذ العصر الزنديّ وما تلاه، ورد في المصادر اسم "تل البيضاء"، الذي يبدو أنّه الموضع القديم لمدينة البيضاء، وكان المكان الذي تعبره الجيوش الزنديّة والقاجاريّة، وتتوقّف فيه.

*في العام (1311هـ - 1893م) كان طولُ ناحية البيضاء من بوزنجان (نحو 30 كيلو مترًا إلى الجنوب الشرقيّ من أردكان (حتّى كوشْكْ) على بعد 21 كم إلى الشمال الشرقيّ من زرقان (ثمانية فراسخ، وعرضُها من قرية تنغ خياره (على بعد 73 كم إلى الجنوب الشرقيّ من أردكان) أكثر من ثلاثة فراسخ.

*كان يَحُدُّها من الشمال رامجرد وكامفيروز، ومن الغرب أردكان، ومن الجنوب ضاحية شيراز، وكانت مساحة مرجها "قرق البيضاء" ثلاثة فراسخ بفرسخ واحد، وكانت مرعى الخُيول الملكيّة، وموضع منصّات مدفعيّة شيراز.

*كانت مدينة مَلْيون (تقع قرية مَلْيان الحاليّة بجانب أطلالها) المركزَ القديم لناحية البيضاء، ففي هذا المكان تُشاهَد آثار كثيرة من العمارات الكبيرة المدمّرة، وفي مواضع منه آثار برج القلعة القديم؛ ممّا يُثبت وجود ناحية البيضاء الكبيرة والتاريخيّة في القرون الماضية.

*ينظر للمزيد عن مدينة البيضاء: 1- "معجم البلدان" لياقوت الحموي.

2- "الروض المعطار في خبر الأقطار" للحميري.

3- بحث ومقالة: (البيضاء ناحية وقضاء ومدينة تاريخية في فارس) للأستاذة معصومة بادنج.

4- "الموسوعة الحرة".

dfsfsg10962.jpg

شيراز

قاعدة إقليم فارس، تقع إلى الجنوب الغربي من إيران ضمن جبال زاغروس، على بعد 900كم تقريباً عن طهران، على ارتفاع 1540م فوق مستوى سطح البحر. كانت عاصمة إيران لفترات عديدة. تمثل موقعاً تاريخياً ومدينة حديثة، وتفتخر بكونها مهداً للكثير من كبار رجال العلم

والأدب الإيراني والإسلامي، من بينهم حافظ والسعدي، سيبويه، وابن المقفع، وقطب الدين الشيرازي، وشاعر القرن الثامن خواجه. سميت بدار العلم نظراً لعراقتها العلمية والثقافية، ولها شهرة ذائعة الصيت، مما جعلها من أهم مراكز البلاد السياحية. يرجع الباحثون نشأتها إلى القرن السابع، علماً أنه جاء ذكر مدينة شيراز في ألواح الطين من خزانة قصر الملك جمشيد، وعلى الرغم من الفيضانات الفاجعة والأوبئة والزلازل، بقيت معظم أجزاء المدينة محافظة على روعتها. بنى فيها المغول في أوائل القرن الثالث عشر المسجد الجديد والقلعة، كما احتلها تيمورلنك وبنى مسجده فيها عام 894، وفيها مكتبة عظيمة، كما بنيت فيها مدرسة دينية وأصبحت مركزًا إسلاميًّا مهمًّا إلى جانب بغداد. في عام 1724م قسمت شيراز من قبل المحتلين الأفغان، وازدهرت شيراز في العصر الإسلامي ووصلت إلى الذروة في عهد كريم خان زند، وجعلها الحاكم عاصمة للبلاد من 1750ـ 1794م.

تقع شيراز في سهل زراعي واسع، وتشتهر بكثرة البساتين، وأشجار السرو الشامخة، وحقول الورد الفاتنة، وأشهر بساتينها إرَم، والخليلي، والفارسي، والتي تدل على مستوى الذوق الرفيع الذي وصل إليه أبناؤها في فن بناء الحدائق. تنتج شيراز الفاكهة (العنب والحمضيات) والقطن والأرز. كما تعد مركزاً تجارياً وصناعياً، وترتبط بواسطة الطرق البرية بميناء بوشهر على الخليج العربي، اشتهرت بصناعة السجاد، والأدوات المعدنية، والنسيج، والصناعات البتروكيميائية، والسكر، والإسمنت، والمخصبات، والصناعات التقليدية المطعمة بالعاج، والفضة.

اقتضت مكانة شيراز العلمية والدينية التوجه نحو بناء العديد من المدارس والمساجد المهمة، منها الجامع العتيق ومسجد وكيل والمسجد الجديد، ومدرسة وكيل والمدرسة المنصورية، وفيها معهد حديث للطب وجامعة شيراز التي أُنشئت في عام 1945م، وتتألف من أربعة معاهد، مدرسة الصحة وكليات الطب والزراعة والآداب.

تنتشر في أنحاء المدينة أبنية تذكارية قديمة وجميلة، منها باب القرآن، سوق وكيل، وقصر كريم خان، وعمارة نارنجستان. وقد بلغ عدد سكان المدينة نحو 1053025 نسمة في عام 1996. *"الموسوعة العربية" 11/868، الكاتب علي دياب.

*وجاء في "الموسوعة الحرة" عن (شيراز) أيضا:

شيراز

شيراز هي مدينة إيرانية. وهي مركز محافظة فارس ومقاطعة شيراز. وحسب إحصاء سنة 2006 كان عدد سكان شيراز 1,204,882 نسمة. وتعد شيراز سادس أكبر مدينة في إيران بعد كلٍ من طهران ومشهد وأصفهان وتبريز وكرج.

*موقعها:

وتقع شيراز في منتصف أرض محافظة فارس، على ارتفاع 1486 مترا عن مستوى سطح البحر. وتقع بالقرب من جبال زاجروس، وتتمتع شيراز بجو لطيف يميزها عن المناطق القريبة منها كيزد وخوزستان. ويقع في غرب شيراز جبل دراك. وفي شمالها تقع جبال بمو، وسبزبوشان وجهل مقام وباباكوهي، وهذه الجبال تابعة لجبال زاجروس.

يختلف اسم شيراز في الكتب والأوراق التاريخية، حيث تسمت شيراز بعدة أسماء منها «تیرازیس»، «شیرازیس» و«شیراز». وأيضاً لقبت شيراز بـ«دار العلم» في أيام الدولة الصفوية لكثرة رجال الدين فيها آنذاك. ومن الأسماء القديمة لها أيضاً شهر راز والمكان الأصلي لمدينة شيراز كان في قلعة أبو نصر. شيراز كانت عاصمة لعدة دول تاريخية كالدولة الصفارية والدولة البويهية والدولة الزندية في (1750-1781).

تشتهر شيراز بالشعراء، وقد أنجبت أشهر الشعراء الذين كتبوا باللغة

الفارسية (كحافظ الشيرازي، وسعدي الشيرازي..)، وتشتهر أيضا بالحدائق والزهور.

*تاريخها قبل الإسلام:

يرجع تاريخ شيراز حسب التقديرات لأكثر من 4,000 سنة. وقد عثر على اسم شيراز في النقوش المسمارية القديمة التي يرجع تاريخها إلى عام 2,000 قبل الميلاد في الزاوية الجنوبية الغربية من مدينة شيراز. ووفقا لبعض الأساطير الإيرانية القديمة، فإن مؤسس مدينة شيراز هو طهمورث وهو ملك أسطوري فارسي. لكن المدينة تحولت بعده إلى خراب ومجرد آثار. ويميز شيراز أن أقدم عينة من النبيذ في العالم اكتشفت على جرار طينية بالقرب من شيراز، ويرجع تاريخها إلى ما يقرب من 7000 سنة.

في عصر الأخمينيين، كانت تقع شيراز على طريقه من شوشان إلى برسيبوليس وباسارغاد. وقد ذكر في ملحمة الشاهنامة للفردوسي أن أرطابونس الخامس، الإمبراطور الأشكاني قام بتوسيع نطاق سيطرته على شيراز. كما يقع قصر أبي النصر الذي يعود للحقبة الأشكانية في شيراز.

في الحقبة الساسانية، كانت شيراز بين الطريق التي كانت تربط بيشابو وغور إلى إصطخر.

كما كانت شيراز مركزاً إقليمياً مهما للساسانيين.

*الفتح الإسلامي لشيراز:

شيراز من المدن التي استجدت عمارتها واختطاطها في الإسلام، وأول من تولى عمارتها محمد بن القاسم الثقفي، وبعد الفتح الإسلامي للمدينة ظلت شيراز المركز العسكري والإداري لإقليم فارس منذ عام 650م. فصاعدا.

وقد غزاها أبو موسى الأشعري وعثمان ابن أبي العاص في أواخر خلافة عمر بن الخطاب، وفي القرون الأولى للإسلام كان لا يزال فيها هيكلان من هياكل النار التي كان يعبدها المجوس قبل الإسلام، كان أحدهما يسمى "كارنبان" والآخر "هرمز"؛ وكان ثمة هيكل ثالث خارج أبوابها يسمى "مسوبان" في قرية تركان.

هذا، وقد أعاد بناء المدينة محمد بن القاسم -بن محمد بن الحكم الثقفي ابن عم الحجاج بن يوسف الثقفي، ونائبه في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك-، على أنقاض مدينة قديمة كانت تبعة لولاية أردشير خره، وكانت قصبتها كور (جور)، وهي فيروز آباد الحديثة. وكانت المدينة في ذلك الوقت في غاية الازدهار.

وفي زمن عمر بن عبد العزيز، أظهر في آخر خلافته التي لم تدم أكثر من سنتين ونصف (99- 101هـ)، رغبة شديدة في توسيع المؤسسات الخيرية كما بنى كثيرا من المساجد وذلك ضمن حدود مدينة شيراز.

وفي القرن التاسع الميلادي أصاب العباسيين خلفاء بغداد تقهقر رافقته في عام 822 م إعلان طاهر بن الحسين، أحد قادة المأمون، استقلال ذاتي عن الخليفة، وأسس أول دولة مستقلة ذاتيا شرقي بغداد. وفي عام 867 م تمثل به يعقوب بن ليث الذي استولى على مقاطعة سجستان ومنها امتدت سلطته لتشمل معظم بلاد فارس. وقد جلب المجد إلى شيراز باتخاذه إياها عاصمة له. وبنى أخوه الذي خلفه في الحكم عام 879 م المسجد القديم، وذلك في عام 894 م، وكان أول مسجد جامع بني في شيراز. وتعاظم الرخاء الذي بدأه الصفاريون في شيراز عندما اتخذها البويهيون قاعدة أولى لسلطتهم.

وقد أسس أبو شجاع بويه الدولة البويهية، وقد خدم الأمراء السامانيين الذين طردوا الصفاريين. وفي عام 945 م كان من ابنه أحمد أن أجبر الخليفة المستكفي على تعيينه قائدا عاما وتلقيبه بمعز الدولة، كذلك أجبر الخليفة على أن يخصه بذكر اسمه في صلاة الجمعة مقرونا باسم الخليفة كما ضرب اسمه على السكة. وظل البويهيون لأكثر من قرن من الزمن هم الذين يقررون من سيكون الخليفة في بغداد وأصبح العراق محكوماً كأية مقاطعة أخرى من عاصمتهم شيراز. وقد حاول البويهيون فرض شعائرهم الدينية حيث كانوا من الشيعة.

وفي عام 950 م، أصبحت حكومة إقليم فارس في أيدي ابن أخيه عضد الدولة ابن ركن الدولة. وركن الدولة هو الذي بنى ركن آباد، القناة المشهورة في شيراز، ودعاها باسمه. وفي هذه الأثناء بسط عضد الدولة سيطرته على جميع الإمبراطورية البويهية وبلغت في عهده الذي انتهى عام 983 م أوج مجدها. وشيراز تدين في الكثير من أبنيتها إلى عضد الدولة الذي أنشأ فيها القناطر والجسور وبنى فيها مستشفى جميلا وقفت له الأوقاف ورعى العلوم والفنون والعلماء والشعراء.

وبأفول نجم البويهيين أخذ ازدهار شيراز المادي في التقهقر. في تلك الأثناء كانت قوة جديدة في طور الصعود، فبقيام السلاجقة بزغ عصر جديد مهم في تاريخ الإسلام والخلافة. ففي عام 956 م ظهر زعيم يدعى سلجوق وذلك على رأس قبائل الغز أو أغز التركمانية. وكان قومه هؤلاء الرحل قد تحدروا من سهول قيرغيزستان في بلاد تركستان فاستقروا في منطقة بخارى الواقعة في أوزباكستان حاليا، حيث اعتنقوا المذهب السني ونصروه بغيرة وحماسة. وشق سلجوق ثم ابنه من بعده طريقهما رويدا رويدا في مناطق خانات الأيلك ومناطق السامانيين مثبتين أقدامهما. ثم نشط حفيد سلجوق المعروف بطغرل، فشن هجوما هو وأخوه بلغا فيه خراسان ثم انتزعوا مرو ونيسابور من أيدي الغزنويين في عام 1037 م، وما لبثا أن استوليا على بلخ وغرغان وطبرستان والري وأصفهان فتداعى أمام بأسهما صرح بني بويه.

وفي عام 1055م بلغت جيوش طغرل بك أبواب بغداد واضطر القائد الذي كان من قبل بني بويه إلى ترك بغداد، ورحل عنها وهكذا عاد الزمام مرة أخرى إلى بغداد. وأضحى إقليم فارس يحكمه ولاة من قبل السلاجقة

يدعون الأتابكة وذلك لأكثر من ثمانين سنة.

ثم استطاع سنقر بن مودود الثورة على أسياده من السلاجقة ونجح في الاستقلال بإقليم فارس. وقد حافظت هذه العائلة التي عرفت في التاريخ بالسلغريين نسبة إلى جدهم سلغر الذي كان في خدمة طغرل بك في أول الدولة السلجوقية. ووقعت شيراز تحت سلطان هذه الأسرة وظلت تحيط بها الفتن والمكائد في التصارع على الملك.

وفي عام 1226 م تولى الحكم سعد بن زنكي وأبو بكر ابن سعد وهما من بيت السلغريين واستمرّا لمدة طويلة كانت حافلة بالأحداث. وفي عهدهما تخلص إقليم فارس من الفوضى والبؤس الذين كانا قد حلا به في أواخر القرن الثاني عشر الميلادي، فاستعادت هذه المقاطعة مجدها وازدهارها الذين كانت تتمتع بهما في عهد البويهيين.

أما سعد فقد قدم لشيراز المسجد الجديد، وهو من أكبر المباني الدينية في الشرق الإسلامي وأجملها. كما رمم سور المدينة الذي كان الأتابك جاولي قد بناه. أما إبنه أبو بكر فقد كان هو الذي عمل كل ما بوسعه لكي يعيد رونق شيراز القديم، ومع أن كارثة المغول حلت في عهده إذ دمر هولاكو خان بغداد سنة 1258 م، وذلك قبل موت أبي بكر بسنتين فإن دهاء أبي بكر السياسي وحكمته المرنة خلصا شيراز من الكارثة العامة وجعلا من المدينة موئلا يلجأ إليه كثير من الهاربين من وجه المغول وذلك بعد أن اضطر إلى تقديم الولاء إلى ابن جنكيز خان ودفع له الجزية ثم من بعده لهولاكو وبموت أبي بكر انهار بيت بني سلغر وفي عام 1264 م تولت الحكم آبش خاتون بنت سعد الثاني ثم تزوجت من مانكور تيمور الابن الرابع لهولاكو خان ومن ثم أصبح إقليم فارس تحت حكم المغول مباشرة.

وفي عام 694هـ/ 1295م اعتلى غازان العرش وعاد نجم الازدهار الفارسي إلى الصعود. كان غازان مسلماً مؤمناً متعبداً. وقد كان لموته في الثانية والثلاثين وقع أليم على جميع البلاد. وعين أخوه أولجاتيو عام 1305م رجلا يدعى شرف الدين محمود شاه مديرا للممتلكات الإمبراطورية من إقليم فارس. وقد خلفه في هذا المنصب أبو سعيد 1317م. ولم يأت عام 1325م حتى نصب أبو سعيد نفسه حاكماً مستقلاً على المقاطعة وتلت ذلك مضاعفات سياسية في إقليم فارس استمرت حتى مجيء تيمور لنك.

وبموت أبي سعيد استولى أبو إسحاق على شيراز وأصفهان وهو أحد أبناء محمود شاه إينجو. وأخيراً استطاع أن يطرد عدوه القديم بينما نادى محمد بن مظفر بنفسه سيدا على يزد، وكان قد ذاع صيته لشجاعته وهو في خدمة أبي سعيد. وفي عام 1340 م حاصر شيراز أحد الأتابكة المنافسين وأخذها عنوة. واضطر ابن محمود شاه أن يرضى بأصفهان ولكنه ما لبث أن عاد في السنة التالية ليستولي على شيراز خدعة وينصب نفسه حاكماً على إقليم فارس كله.

ومنذ عام 1353 م إلى عام 1393 م، أي عندما فتح تيمور لنك شيراز للمرة الثانية والأخيرة، كان يحكم معظم إقليم فارس أفراد من بني مظفر. ونادراً ما كانت تمر سنة واحدة لا تعكر صفوها حرب داخلية، وبعد سقوط منصور آخر أمراء بني مظفر انتهى عصر الرونق الملكي الثاني في شيراز. وتحول إقليم فارس إلى مقاطعة مهملة في الإمبراطورية التيمورية، وكانت لا تزال على هذه الحال عندما استولى الصفويون على بلاد فارس أجمع.

وعاد نجم المدينة إلى الصعود في عهد الأمير قوبي خان وكان الحاكم العام لإقليم فارس من قبل الشاه عباس. حيث عمل كثيراً على تجميل المدينة مقلداً في ذلك ما فعله سيده في أصفهان، وقد بنى الأسوار وغرس أشجار السرو على الجانبين لمسافة بعيدة على الطريق المؤدية إلى أصفهان مضفيا على المدينة من جهة الشرق ما يليق بها من منظر، كذلك نصب السرادقات بين مسافة وأخرى على غرار تشاهرباغ الشهير الذي بناه الشاه عباس في أصفهان. كما بنى في الميدان الكبير قصراً فخماً. وفي عام 1615 م. بنى الكلية المعروفة بمدرسة خان، ولم يبق منها إلا بهو مثمن الشكل يمتاز بالفسيفساء والقيشاني البديع.

وفي عام 1668م هطلت الأمطار بغزارة ووافق ذلك وقت ذوبان الثلوج على الجبال، مما سبب فيضانا عارما تضررت منه المدينة ضرراً شديداً؛ فقد تبع هذا الفيضان وباء جعل المدينة في حالة يرثى لها. وكانت شيراز قد ابتلت من هذه الكارثة إلى حد بعيد.

وفي عام 1725م جند الأفغان قوة للاستيلاء على شيراز، وكانوا قد استولوا قبلاً على أصفهان وحكموا معظم بلاد فارس. غير أن هذه القوات صدت وقتل قائدها. ثم حاصرت المدينة قوة أفغانية تفوق الأولى عددا واستولت عليها بعد أن مات كثيرا من السكان جوعا. وقد جعلها كريم خان زند عاصمته وأحاطها بالأسوار والخنادق ورصف شوارعها وأقام العمائر الجميلة فيها، وبخاصة السوق الكبير.

وفي عام 1729 م وردت الأخبار تقول: إن نادر قولي بك الذي أصبح فيما بعد نادر شاه، طرد الأفغان من أصفهان، فثار أهل شيراز ولكن الحامية الأفغانية أخضعتهم وقتلت منهم الكثير وأنزلت بالمدينة وببساتينها خسائر فادحة. غير أن نادر قولي بك هزم الأفغانيين في ديسمبر عام 1729 م، وذلك في معركة جرت قرب شيراز التي سقطت بعد ذلك في يديه. فأعاد النظام والأمن، وأصلح الأضرار التي نزلت المدينة وغرس البساتين. ولكن تقي خان شيرازي، حاكم شيراز قاده طموحه لسوء الحظ إلى التمرد على نادر شاه ونصب نفسه حاكما مستقلا على شيراز. فأرسل نادر الجيوش في الحال لإخماد نار الثورة، وسقطت المدينة في يديه بعد حصار دام أربعة أشهر ونصف، ثم أعمل الجنود في شيراز السلب فنهبوا كل بيت وقتلوا كثيرا من الأهالي. وبعد اغتيال نادر شاه عام 1747 م عانت شيراز الأهوال مرة أخرى.

وفي عهد كريم خان زند أصبحت شيراز عاصمة بلاد فارس. وعند موته عام 1779 م كانت المدينة قد استعادت كثيراً من مجدها السابق وبعد خمس عشرة سنة تولى الحكم آقا محمد شاه مؤسس العائلة القاجارية وعدو بني زند اللدود، واتخذ طهران عاصمة له بدلا من شيراز فعادت مرة أخرى إلى التأخر.

*جغرافيتها:

تقع مدينة شيراز في جنوب إيران وشمال غرب محافظة فارس. وتقع شيراز في سهل أخضر على سفوح جبال زاغروس (على ارتفاع 1500 متر عن مستوى سطح البحر). وشيراز منطقة جبلية، ومن الجبال المشهورة فيها جبل دراك، وجبل باباكوهي، وجبل جهل مقام، وجبل سبزبوشان.

وتقع شيراز 919 كيلومترا (571 ميلا) إلى الجنوب من طهران. أحد الأنهار الموسمية في شيراز وهو نهر «رودخانه خشك» يصب في الجزء الشمالي من المدينة في بحيرة مهارلو.

تتمتع شيراز بمناخ معتدل في المواسم العادية. وتحتوي شيراز على عدد كبير من الحدائق، ولكن بسبب النمو السكاني في المدينة، فقدت الكثير من هذه الحدائق لبناء شقق. هطول الأمطار في السنوات الأخيرة قد تغير بصورة ملحوظة، وبلغ 23 بوصة في السنة، ومتوسط سقوط الأمطار سنوياً بين 14 و 18 بوصة.

*سكانها:

بلغ عدد سكان شيراز سنة 2006 حوالي 1,204,882 نسمة. وغالبية سكان شيراز من الفرس، ويتكلمون لهجة خاصة من لهجات اللغة الفارسية تعرف باسم «اللهجة الشيرازية»، وهي اللهجة السائدة في جنوب إيران، كما تعيش أقليات أذرية وكردية وعربية وغيرها في شيراز.

هذا الجدول يوضح بعض المصطلحات المستخدمة في اللهجة الشيرازية، والتي تختلف عن اللغة الفارسية القياسية، مع مقابلها في اللغة العربية:

*دين أهل شيراز ومذهبهم:

أكثر سكان شيراز مسلمون على المذهب الشيعي الإثني عشري، كما تعيش فيها أقلية من أتباع المذهب السني. في مايو 2008، تعرض أحد مساجد الشيعة في شيراز إلى تفجير أودى بحياة أربعة عشر شخصًا. ووجهت إيران الإتهام إلى الولايات المتحدة وبريطانيا، فقد صرح المتحدث باسم القضاء الإيراني علي رضا جمشيدي للتلفزيون الإيراني:

شيراز   إن الإرهابيين المسؤولين عن التفجير عملاء لحكومتي الولايات المتحدة وبريطانيا في إيران. وقد تم تحديد العلاقة بين من زرعوا القنابل في شيراز وبين الولايات المتحدة وبريطانيا وانهم يحصلون على دعم مالي وكانوا في الواقع يعملون كعملاء أجانب في إيران.     شيراز

وكانت نسبة كبيرة من اليهود تعيش في شيراز، ومعظمهم هاجر إلى الولايات المتحدة وإسرائيل.

وفي الوقت الحاضر يعيش في شيراز حوالي 4000 يهودي فقط.

وبسبب التنصير المسيحي في إيران نشأت طائفة مسيحية في شيراز وغالبيتهم بروتستانت. وتوجد في شيراز حالياً كنيستين تعملان بفعالية،

الأولى كنيسة أرمنية، والثانية كنيسة إنجيلية.

*اقتصادها:

تعد شيراز المركز الاقتصادي لجنوب إيران. في النصف الثاني من القرن التاسع عشر حصلت العديد من التغييرات والتطويرات في شيراز. وافتتاح قناة السويس سنة 1869 كان له أثر على نمو الاقتصاد في شيراز. فنشأت حركة استيراد كبيرة في جنوب إيران للبضائع الأوروبية الرخيصة، ويكون الاستيراد مباشرة من أوروبا. وأحياناً تستورد البضائع من الهند.

وابتدأ المزراعين بحصد أرباح خيالية من اشياء من مزروعات لم تكن تزرع في إيران. كالخشخاش المنوم التبغ والقطن والكثير من هذه المحاصيل مرت على شيراز في طريقها إلى الخليج العربي. وقد عمل التجار الإيرانيين شبكات تسويق لهذه المحاصيل لمسافات طويلة بعيدة عن فارس. وأسسوا هذه التجارة في مدن مومباي وكلكتا وبورسعيد وإسطنبول وحتى هونغ كونغ.

اقتصاد شيراز يعتمد على منتجاتها المحلية ومنها العنب والحمضيات والقطن والرز. وبعض الصناعات كالاسمنت والسكر والسماد والمصنوعات النسيجية والمصنوعات الخشبية والمعدنية والسجاد تنتشر في شيراز. شيراز فيها أيضاً بئر نفط وهو من أهم البئر في إيران. وشيراز مركز مهم للصناعات الإلكترونية. حيث أن 53% من الاستثمار الإيراني في الصناعات الإلكترونية موجود في شيراز.

والزراعة دائما جزء رئيسي من الاقتصاد في شيراز والمناطق المحيطة، ويعود ذلك بسبب توافر المياه في شيراز والمناطق التي تقع حواليها على عكس الصحاري القريبة منها. تشتهر شيراز أيضاً مشهور بالورد وصناعة السجاد. زراعة العنب لها تاريخ طويل في المنطقة.

شيراز أيضاً أهم مدينة في إيران في تكنولوجيا المعلومات وصناعة الاتصالات والإلكترونيات.

وتحتوي شيراز على عدد كبير من المُجمَّعات التجارية، أهمها:

1- مجمع خليج فارس فارس) يقع مقابل منطقه جلستان.

2- مركز التجارة العالمي:

يقع في منطقة قصر دشت بين عفيف آباد وولي عصر

3- مجمع ستاره: يقع في شارع عفيف آباد.

*مواصلاتها:

مطار شيراز الدولي (إياتا: SYZ) (ايكاو: OISS)، وهو ثاني أهم مطار في إيران بعد مطار الإمام الخميني الدولي. وهو يخدم سكان شيراز وجميع مدن محافظة فارس.

مترو شيراز S.U.R.O (بالفارسية متروی شیراز) مشروع ابتدأت الحكومة الإيرانية بعمله في شيراز، وذلك ضمن خطة لبناء مشاريع مماثلة في مدن أخرى في إيران (كقم، أصفهان، مشهد وتبريز). وذلك لإن المدن الإيرانية تزداد نمواً سكانياً يوماً بعد يوم، مما يجعل الحاجة إلى وسائل مواصلات أكثر. هذا وسيتكون المترو من ثلاثة خطوط:

خط 1: سيكون يبتدأ من ساحة جلسرخ (گلسرخ) (القريبة من المطار) إلى ساحة احسان وساحة ميرزا كوجك خان في شمال غرب شيراز.

خط 2: سيكون طوله 8.5 كم ويتقاطع مع خط 1 عند ساحة الإمام الحسين (میدان امام‌ حسین)

خط 3: سيكون طوله 16 كم، وسيكون يمر على محطة القطارات كي يخدم المسافرين عبر القطار ليركبوا المترو في أي وقت.

شيراز لديها شبكة باصات حديثة تتكون من سبعة خطوط. ويتحرك في هذه الخطوط 5000 باص. ثالث باص سريع (Bus Rapid Transit)) في إيران فتح في شيراز سنة 2009 والآن يعمل على خطين. وسيفتح أيضاً خطين آخرين سنة 2010. وشركة إيران خودرو (الذي كان اسمها "ایران ناسیونال" قبل الثورة) هي التي تدير الباصات.

*التعليم فيها:

يوجد في شيراز عدد من الجامعات، ومؤسسات التعليم العالي، منها:

1- جامعة شيراز للعلوم الطبية: تأسست سنة 1950.

2- جامعة شيراز التقنية: تأسست سنة 2004، وهي متخصصة.

3- جامعة شهید باهنر شیراز الفنية والمهنية

4- مركز حافظ شيراز للتعليم العالي.

5- مركز اس ارجاد شيراز للتعليم العالي.

*بلدية شيراز:

تأسست بلدية شيراز سنة 1907 م. وتتبع لها ثمانية مراكز بلدية. وأول رئيس لبلدية شيراز كان حبيب الله خان حاج قوام ديوان، وأما الرئيس الحالي للبلدية فهو محمد علي معتكف.

تَبرِيز

ويتألف السهل من توضعات طمي نهر آجي تشاي (النهر المر) ولحقياته، أما الجبال فهي جبل سهند (خرم داغ) الذي يرتفع 3722م، ويقع جنوب تبريز، ثم جبل سبلان (سَوَلان) (4821م) شرقها، فجبل قره داغ (2941م) وامتداد جبل سبلان شمالها، إضافة إلى مرتفعات أخرى تنتهي في الشمال الغربي بجبل أرارات (5165م) أعلى جبال شرقي تركية وأذربيجان، وهذه الجبال اندفاعية الأصل وتتألف من براكين ضخمة هامدة، ظهرت على امتداد خط ضعف في القشرة الأرضية وصدع كبير محوره شمالي غربي ـ جنوبي شرقي، مازالت الحركات البنائية ناشطة على طوله، تظهر زلازل عنيفة مدمرة وهزات شبه يومية، خربت المدينة أكثر من مرة، كما في زلازل أعوام 858- 1641- 1727- 1856، وغيرها.

فرض الموقع الجغرافي المرتفع في قلب منطقة جبلية على تبريز وظهيرها مناخاً داخلياً بعيداً عن المؤثرات البحرية، من النموذج السهبي القاسي والبارد القاري شتاءً، والجاف القاري صيفاً، تراوح فيه درجات الحرارة بين (-16 و30 درجة مئوية). أمطار تبريز قليلة نسبياً يسقط قسم منها ثلوجاً تكثر في الجبال، ومن ثمّ فإن مياهها قليلة وخاصةً في فصل الصيف الذي تجف فيه الأنهار، ماعدا آجي تشاي، ويعاني السكان من نقص في مياه الشرب في المدينة ومياه الري في ظهيرها الزراعي المروي الغني بالبساتين ومزارع الخضراوات. وتعد تبريز مركزاً مهماً لتجارة أنواع الفواكه والخضراوات، وتشتهر بتجفيف الثمار مثل المشمش والعنب (الزبيب) وغيرهما، وهي محطة تجارة وعقدة مواصلات مهمة في الجبال، تمر فيها الطريق القادمة من البحر الأسود (طرابزون)، ومن تركية والبحر المتوسط إلى بقية أنحاء إيران وآسيا الوسطى، كذلك تشتهر بصناعة السجاد والبسط التبريزية في أحياء الشمال والشمال الشرقي، وبالصناعات النسيجية ولاسيما الحريرية منها، وبالصناعات الجلدية والخشبية إضافة إلى معامل الكبريت والطحين، وصناعات أخرى حديثة

إضافة إلى مئات المشاغل (الورشات) الصناعية المختلفة.

نشأت تبريز بلدة صغيرة على نهر (رود) خانة ميدان تشاي أحد روافد آجي تشاي، ثم أخذت بالنمو والازدهار منذ القرن التاسع الميلادي، وزادت أهميتها في العهد السلجوقي، وفي العهد الإيلخاني، اتسعت تبريز وقامت فيها حركة عمرانية واقتصادية كبيرة، إذ شُيدت فيها المساجد والمآذن والمساكن وشُقت القنوات وأُقيمت القصور جنوب غربي المدينة، كما بُني فيها جامع الجمعة الكبير ومدرسته وزاويته، وأُحيطت بسور طوله 25كم (أُزيل عام 1870) وله ثمانية أبواب كبيرة وخمسة صغيرة، وعلى ضلعه الجنوبي قلعة، ويحتل سوق (بازار) تبريز جزءاً مهماً من المدينة داخل السور، إذ يعدُّ أكبر أسواق الشرق الأوسط التقليدية. لكن تبريز فقدت الكثير من مجدها في العهد التيموري (نحو 1500م) وعهد قبيلتي الشاة السوداء والشاة البيضاء، مع احتفاظها بأهميتها التجارية وبعض الدور الإداري حتى بداية القرن السادس عشر، ثم تعرضت للغارات والحملات العثمانية التي خربتها إضافة إلى تدميرها بالزلازل، إذ غدت مدينة حدودية ذات أهمية استراتيجية في الصراع الإيراني ـ العثماني ثم الروسي الذي دخل مسرح الأحداث منذ عام 1800. ثم توسعت المدينة خارج السور وأخذ مخططها الشرقي التقليدي يتأثر بالمخططات الحديثة في العهد البهلوي، وتحولت تبريز إلى مدينة قديمة (النواة) ومدينة حديثة (العمران المتأخر خارج السور)، فانتشرت فيها الأبنية الطابقية والشوارع العريضة المنتظمة والأسواق الحديثة والمنشآت الثقافية والاقتصادية والمرافق العصرية، وتوسعت باتجاه الغرب والجنوب الغربي وبقية الاتجاهات على محاور الطرقات الرئيسة، وبُنيت فيها المدارس والمستشفيات والفنادق والمتاحف والجامعة والمكتبات، إضافة إلى الأبنية الدينية الإسلامية. ويعد مسجد كبود (870هـ/1465م) ومسجد علي شاه (735هـ/1365م) من أقدم المعالم الباقية على الرغم من ضرب الزلازل لهما وتخريبهما، ويبقى سوق تبريز أهم معالمها وأبرزها كلها.

وقد ازداد عدد سكان تبريز بسرعة من 213542 نسمة عام 1940م إلى 1191043 نسمة عام 1996م

*"الموسوعة العربية" 5/911، الكاتب عادل عبد السلام.

الفصل الثالث

عصر الإمام البيضاوي

لقد عاش الإمام البيضاوي في القرن السابع الهجري، وهذا القرن كان من أسوأ القرون التي مرت على المسلمين بسبب ضعف وتفكك دولهم وحكامهم، وتسلط التتار المغول والصليبيين عليهم؛ فكان عصرا مُضطرِبًا سِيَاسِيًّا، فاسِدًا اجتِمَاعِيًّا، مُنحَلًّا خُلُقِيًّا.

وقد تسلط فيه التتار على المسلمين بقيادة جنكيز خان وأولاده، ثم حفيده هولاكو ما بين 616- 656هـ فدَمَّروا وخَرَّبُوا وقتلوا ونهبوا كثيرا من البلاد الإسلامية في الشام والعراق وغيرهما.

وكان آخرَ شنائعهم استيلاؤهم على بغداد، وتخريبهم للمساجد والجوامع، وحرقهم للكتب والمصاحف، وقتلهم مئات الآلاف من الناس والعلماء والفقهاء، ومنهم آخر خليفة عباسي في بغداد "المُستعصِم"، وقضوا على الخلافة العباسية فيها، وألقوا ملايين الكتب في "دِجلة"، وجعل جيش التتار يبني بعض الإصطبلات لخيله من الكُتب، وظلوا يقتلون ويدمرون ويخربون بضعة وثلاثين يوما، ولم ينج من شرهم إلا اليهود والنصارى، ومَن التجأ إليهم، وإلى دار الوزير (ابن العَلقَمِيِّ) الرافضي، وبعض التُّجَّار أخَذُوا لهم أمَانًا مُقابِل أموال جَزِيلَة، وأمست بَغداد مُوحِشةً جِدًّا، وتَعَطَّلت المَسَاجِد والجَمَاعات والجُمَع مُدَّة شُهور فيها، كما يقول ابن كثير.

كما غزا الفرنجة دمياط في مصر 615 هـ واحتلوها بعد قتال وحصار، وقتلوا جُلَّ أهلها ثم هزمهم المُسلمون.

ثم اتجه التتار نحوَ حلب ودِمَشق.

وظلوا يعيثون في الأرض فسادا حتى هيأ الله للمسلمين القائد المظفر قطز فانتصر عليهم في معركة "عين جالوت" سنة 658هـ فطردهم هو وقائده بيبرس الذي طردهم من حلب، وطهَّر البلاد من الصليبيين أيضا.

ونتيجة لذلك فقد هاجر كثير من العلماء من بلدانهم إلى أماكن أخرى آمنة، كما أن كثيرًا منهم آثَرُوا اعتزال المُجتمع، والانقطاع إلى العلم والبحث والدراسة والعبادة والابتعاد عن الحُكام والأمراء.

*إذن كان أكثر العالم الإسلامي مضطربا، إلا ولايتي "فارس" و"كرمان" جنوبي إيران- وهما اللتان تصالحتا مع التتر بدفع إتاوات إليهم بقيادة أمير فارس أبي بكر بن سعد بن زنكي، فانتشر الأمان في بلاده، وهاجر إليه عدد من العلماء والفقهاء والأدباء.

وكان من حُسن حظ الإمام البيضاوي أن عاش في تلك الإمارة بعيدا عن تلك الفتن والحروب، وتفرَّغ لِلعِلم والقضاء والتأليف والمُناظَرَة والتدريس.

الفصل الرابع

طلبه العِلم، وشُيوخه وأساتيذه

عاش البيضاوي جُلَّ حياته في شيراز المَشهورة بِالعِلم، ودَرَسَ العُلوم المُختلفة فيها؛ مِن مَنقول ومَعقُول، وعَرَبِيَّة، وأدَب فارِسِيّ، وسِوى ذلك على كبار العلماء الشيرازِيِّين، حتى نبغ في تلك العلوم.

*أما بالنسبة لشيوخه وأساتذته؛ فلم يذكر مُتَرجِمُوه أحَدًا مِن شُيوخه سِوى والدِه، وبعضهم ذكر تأثُّرَهُ بالشيخ محمد الكحتائي الصوفي الذي التقاه في مدينة "تبريز". وقد تتلمذ الإمام البيضاوي على جملة كبيرة من الشيوخ في شيراز حتى صارَ مُبَرِّزًا فِيهِم، وقد عُرف منهم:

1- والده الإمام أبو القاسم عمر بن محمد بن علي البيضاوي، (ت: 675هـ): كان إماما مُتَبَحِّرًا، من فقهاء الشافعية، جمع بين العلم والتقوى، وقد أخذ عنه ابنه الفقه على مذهب الشافعي، وقد تكلمنا عنه قريبا.

2- الإمام شهاب الدين أبو بكر بن نجم الدين عبد الرحمن البيضاوي: هو خال الشيخ البيضاوي، وكان شيخه في علم الحديث، وقد أجازه برواية كتاب "مصابيح السُّنَّة" لِلبَغَوِي، وقد كان إمامًا رَبَّانِيًا، كما وصفه تلميذه وابنُ أخته الشيخُ البيضاوِي.

3- الشيخ محمد بن محمد الكتحتائي الصوفي، صحبه البيضاوي وأخذ عنه الطريق واقتدى به في الزهد والعبادة، وكان له بالِغُ الأثَر في ترك القضاء والمَنَاصِب الدُّنيَوِيَّة، ولازمه حتى وفاته.

4- العارف شهاب الدين عمر بن محمد بن عبد الله السهروردي، أبو حفص البكري البغدادي ت 630هـ: هو صاحب "عَوَارِف المَعَارف"، كان فقيها فاضلا صوفيا إماما بارعًا، شيخَ وَقته في عِلم الحقيقة.

هذا، وقد قرأ الفقه والخِلاف والعربية، وسمع الحديث، ثم انقطع ولازم الخَلوَة، وداوَمَ الذِّكرَ والعِبَادة، ثم عَقَد مَجلِسَ الوَعظِ بمدرسة عَمِّه على نَهر دِجلة، وقُصِد من الأقطار.

5- الشيخ شرف الدين عمر الزكي البوشكاني (ت: 680هـ)، كان أستاذ العلماء، ومَرجِع الفُضَلاء، وجامع أقسام العلوم منقولها ومعقولها، وكان من أكابر العلماء العاملين، علاَّمة في جملة من الفنون، وكان من العُبَّاد الصالحين، له كرامات كثيرة، وعبارات بليغة، وكان الإمام البيضاوي عين تلامذته، تأدَّب به، وتَخَرَّج لَدَيه، ولما توفي رثاه تلميذه البيضاوي بقصيدة طويلة كانت مكتوبة على مرقده.

6- غِيَاثُ الدين، أبو مُضَر، محمد بن أسعد العَقِيلِي اليَزدِي: كان شيخه في علم الحديث، وقد أجازه برواية كتاب "مصابيح السنة" للبغوي.

7- الإمام جمالُ الدين أحمد الهَمْدانِي (عاج): هو شيخه في الحديث أيضا، ومِمَّن أجازه برواية "مصابيح السنَّة".

8- جمال الدين عثمان بن يوسف المكي: كان كذلك شيخَ البيضاوي في الحديث، وأجازه برواية "المصابيح" أيضا.

9- نصير الدين الطُّوسِيّ ت 672هـ: هو المولى والخَوَاجا نصير الدين، واسمه: محمد بن عبد الله الطوسي.

حَصَّل علم الأوائل جَيِّدًا، وصنف في علم الكلام، وشرح كتاب "الإشارات" لابن سينا، وكان عاقلا فاضلا كريمَ الأخلاق، توفي سنة 672هـ في مدينة بغداد عن (75) سنة، رحمه الله.

10- شرف الدين سعيد الشيرازي؟: كان أوحد علماء شيراز، وقد أخذ عنه الشيخ البيضاوي علوم المعقولات.

الفصل الخامس

توليه القضاء، ورحيله إلى تبريز، من مواقفه

ووفاته، حليته وصفاته

 

أولا- توليه القضاء

تولى الإمام البيضاوي القضاء مرات عدة، أولاها كانت في بلدته "البيضاء" مدة، ثم تَوَلَّى قضاء "شيراز" مدة أخرى من الزمان أيضا؛ فأقام فيها أحكام الشريعة على وجهها، ثم عين أخيرا سنة 680هـ قاضيا للقضاة فيها، وساعده على ذلك الشيخ محمد الكتحتائي، ثم صُرف عن عمله بعد ستة أشهر؛ لِشِدَّته في الحق.

ثانيا- رحيله إلى تِبريز

رحل إلى تِبريز؛ فلقي إكراما من حاكمها يومئذ، والتقى فيها بالشيخ محمد الكتحتائي، وناظر بها العلماء، وصرفه شيخه الكتحتائي عن تولي القضاء فيها؛ فعزف عن تولي القضاء.

وفي تبريز قضى السنوات الأخيرة من حياته، ولازم شيخه الكتحتائي المذكور، وصنف تفسيره المشهور (أنوار التنزيل)، وألقى دروسا في مدن عدة، واعتزل المناصب الدنيوية حتى وفاته.

وكان سبب اعتزاله المناصب، وتَفَرُّغه لِلعِلم، هو استيلاء هولاكو على جميع بلاد فارس، وانتهاء الدولة السلغرية.

ثالثا- من مواقفه

ومن مواقفه ما أخبر به التاج السبكي في طبقاته:

أنه لما صرف الإمام البيضاوي عن قضاء شيراز رحل إلى تبريز وصادف دخوله إليها مجلس درس، فجلس في أخرى ات القوم بحيث لم يعلم به أحد، فذكر المدرس نكتة زعم أن أحدًا من الحاضرين لا يقدر على جوابها وطلب من القوم حلها والجواب عنها فإن لم يقدروا فالحل فقط فإن لم يقدروا فإعادتها، فشرع البيضاوي في الجواب، فقال: لا أسمع حتى أعلم أنك فهمت فخيره بين إعادتها بلفظها أو معناها، فبهت المدرس، فقال: أعدها بلفظها، فأعادها ثم حلها وبيَّن أن في ترتيبه إياها خللا، ثم أجاب عنها وقابلها في الحال بمثلها ودعا المدرس إلى حلها فتعذر عليه ذلك، وكان الوزير حاضرًا، فأقامه من مجلسه وأدناه إلى جانبه وسأله من أنت؟ فأخبره أنه البيضاوي وأنه جاء في طلب القضاء بشيراز، فأكرمه وخلع عليه خلعة القضاء في يومه ورده مكرمًا بعد أن قضى له حاجته.

رابعا- انتقاله إلى الرفيق الأعلى

استوطن البيضاوي "تِبريز" في المرحلة الأخيرة من عمره حتى وفاته. وقد لقي الإمام البيضاوي وجه ربه في مدينة "تبريز" في شوال من سنة 691هـ على الراجح، كما قال تلميذه -"عبد الصمد بن محمود الفاروقي كاتب نسخة (تفسير البيضاوي) المحفوظة في أرضروم"- قال:

"وقد انخرط المُصنِّف -سقى الله ثراه، ورضي الله عنه وأرضاه- في سِلك الجواهر القُدسِيَّة بِتِبريز، مُتَعَرِّيًا عن جِلباب الجِسميَّة في شوال لسنة إحدى وتسعين وستمئة".

وأوصى قبل وفاته أن يُدفن عند قبر شيخه محمد الكتحتائي؛ فدُفن عند قبره في "خرانداب" من تبريز، شرقِيَّ تربة الخواجا ضياء الدين بن يحيى.

وأما قول الشهاب الخفاجي في حاشيته "كفاية الراضي" في التفسير: إنه توفي سنة 719 هـ، فمِمَّا لا يُعوَّل عليه.

هذا، وقد أوصى البيضاوي أيضا للقطب الشيرازي ت (710هـ) أن يُدفن بجانبه عند وفاته، كما أوصى الشيرازي أن يُدفن عند قبر البيضاوي إن مات قبله؛ فكلاهما أوصى أن يُدفن بجانب صاحبه لشدة محبتهما لبعضهما!

وأوصى قبل وفاته أن يُدفن عند قبر شيخه محمد الكتحتائي؛ فدُفن عند قبره في "خرانداب" من تبريز، شرقِيَّ تربة الخواجا ضياء الدين بن يحيى. (*)

وأما قول الشهاب الخفاجي في حاشيته "كفاية الراضي" في التفسير: إنه توفي سنة 719 هـ، فمما لا يُعوَّل عليه.

هذا، وقد أوصى البيضاوي أيضا للقطب الشيرازي ت (710هـ) أن يُدفن بجانبه عند وفاته، كما أوصى الشيرازي أن يُدفن عند قبر البيضاوي إن مات قبله؛ فكلاهما أوصى أن يُدفن بجانب صاحبه لشدة محبتهما لبعضهما!

*ملاحظة:

جاءت وفاة البيضاوي عند رياضي زادَه صاحب "أسماء الكتب المُتَمِّم لِكَشف الظنون" سنة 641هـ، ص (215)، وهو خطأ ظاهر وفاحش.

-------------------------------------------------------------------

(*) جاء في موقع محمد بلال الأرزنجاني -(إكس - تويتر)- حول تفسير البيضاوي وتحديد وفاته، ما يلي: "العثور على أقدم نسخة لتفسير البيضاوي في (أرضروم - تركية) يعود عمرها إلى ٧٥٠ سنة، نسخها تلميذ البيضاوي ظهير الدين عبد السلام بن محمد بن محمود بن عبد الصمد الفاروقي الفارابي، وفي آخره قيدت سنة وفاة البيضاوي (١٢٩٢) الميلادي وبذلك يرفع الخلاف في تاريخ وفاته".

أخذ قوله من "وكالة الانباء التركية"، ونشره يوم 20/12/2020م.

لكن مع ملاحظة مهمة أنه ذكر اسمه خطأ صوابه: عبد الصمد بن محمود ... ، وليس عبد السلام بن محمد. وقد ذكر في كشف الظنون، وهدية العارفين، ومعجم المؤلفين، وغيره (عبد الصمد بن محمود ...).

خامسا- حليته وصفاته

كان الإمام البيضاوي إمامًا بارعًا مصنفًا، مبرزًا نظارًا خيرًا صالحًا زاهدا متعبدًا، فقيهًا أصوليًا متكلمًا مفسرًا محدثًا أديبًا نحويًا مفتيًا قاضيًا نَظَّارًا، شديدًا في الحق، وكان فريد عصره، ووحيد دهره، أثنى على علمه وفضله غير واحد، وهو قاضي قضاة شيراز وعالم أذربيجان ونواحيها.

وقد تصدَّى سنين طويلة لِلفُتيا والتدريس، وبرع في الفقه والأصول، وجمع بين المعقول والمنقول، تكلم كل من الأئمة بالثناء على مصنفاته التي تشهد له برسوخ القدم، وعلو الكعب، وانتفع به الناس وبتصانيفه.

الفصل السادس

آثاره؛ طلابه، ومصنفاته

 

أ- تلاميذه وطلابه

أخذ عن الإمام البيضاوي مَن لا يُحصى كثرة من التلامذة، عُرف منهم:

1- الشيخ الإمام فخر الدين أبو المكارم أحمد بن الحسن الجاربَردي (ت 746هـ) في "تِبريز" في رمضان:

هو الإمام الفاضل الدَّيِّن الوَقُور، أخذ عن شيخه البيضاوي، كان مُواظِبًا على العلم والتَدرِيس للطلبة، وهو صاحب "المُغنِي" في النحو، وشارح "المنهاج" في أصول الفقه لشيخه، و"شرح الحاوي الصغير" في الفقه، و"شرح الشافية لابن الحاجب" في الصرف، وله حاشية مشهورة على كتاب "الكشاف" للزمخشري.

2- أبو عبد الله، محمد بن إسماعيل الزنجاني التيمي الصِّدِّيقي: ولد سنة 662هـ في شيراز، وكان عالما وفقيها كبيرا، درَّس وأفاد الطلبة، وكان قاضي شِيراز، وهو من أكابر تلاميذ الشيخ البيضاوي، وقد قدم اليمَنَ مَرَّتَين، وأخذ عنه كثير من طلاب العِلم فيها في "عَدَن" وغيرها؛ كالقاضي بهاء الدين محمد بن يوسف الجَنَدِيِّ السَّكسَكِيِّ ت نحو 732هـ، صاحب كتاب "السُّلُوك في طبقات العُلماء والمُلوك".

وقد أخذ الزنجاني عن شيخه البيضاوي "الأحاديث السُّبَاعِيَّة" وهي 14 حديثًا، و"الرسالة الجديدة للإمام الشافعي".

وللزنجاني مصنفات عديدة؛ منها: شرحان لكتاب "الغاية القُصوى" لشيخه البيضاوي، و"مختصر لِلمُحَرَّر"، و"شرح للمنهاج في الأصول" للبيضاوي أيضا، و"شرح المصباح شرح الطوالع" لشيخه البيضاوي أيضا.

3- الشيخ كمال الدين، عمر بن إلياس بن يونس المراغي، أبو القاسم الصوفي: ولد بأذربيجان عام 643هـ وتوفي بعد 732هـ، قرأ على شيخه البيضاوي: "المنهاج"، و"الغاية القصوى"، و"الطوالع".

4- الشيخ جمال الدين الكِسائي: وهو محمد بن أبي بكر بن محمد المقرئ.

سُمِّيَ بالكسائي لكونه كان يقرأ القرآن بقراءته، وكان مُستحضِرًا لها، وكان من علماء المشايخ بشيراز، دَرَّس الكُتب، وكان يعظ الناس ويدعوهم إلى الله تعالى سِنِين، ومَرقَدُه خَلف "دَرب كازَرُون" في رِباط.

وله صاحب تصانيف فائقة، منها: 1- "نور الهُدَى في شرح مَصابيح الدُّجَى". 2- "النجم في الأصول". 3- "سير القرائح في الأحاجي".

5- الشيخ روح الدين الطيار بن الشيخ جلال الدين الطيار: تلقى العِلم على البيضاوي، وشرح كتابه "المصابيح" شرحًا وافِيًا، وصنف كتابا في علم الكلام، وتوفي سنة نَيِّف وسبعمئة، ودُفن بِجِوار والده جلال الدين.

6- القاضي زين الدين علي بن روزبهان بن محمد الخَنجي؛ شيخ العَضُد الإيجي: ت سنة (707هـ) في صفر، ودُفن في مدرسته، وكان عالما ورعًا صالحًا جمع بين المعقول والمنقول، وصنف في الفروع والأصول، ومن كتبه ومصنفاته: (*)

1- شرح كتاب "الغاية القصوى" لشيخه البيضاوي في الفقه الشافعي، وسمَّى شرحه "النِّهَاية في شرح الغاية".

2- "المُعتَبَر في شرح المُختصر لابن الحاجِب". 3- "القواعد في النحو".

4- "شرح المنهاج للقاضي البيضاوي" شيخه. 5- "الشكوك على الكافية" في النحو. 6- "أجوبة إيرادات على كتاب المحصول للفخر الرازي".

وهو شيخ "عضد الدين الإيجي" المُتَكَلِّم المَشهور صاحب كتاب "المواقف" في علم العقائد والكلام، ومَن له التصانيف المشهورة.

7- القاضي روح الدين أبو طاهر بن أبي المعالي (ت 753هـ): كان قاضيا عادلا لا يحكم إلا بالحق، ولا يَضِنُّ بِعِلم على الخلق، يُحيي الليالي بالتلاوة والذكر، وقد شرح كتاب "الغاية القصوى" كذلك شرحا وافيًا.

-------------------------------------------------------------------

(*) مع الأسف ورد اسمه خاطئا في رسالة الأستاذية عن البيضاوي ليوسف أحمد علي؛ فقد جعله مع تاج الدين الهنكي اثنين، وهما شخص واحد، وأخطأ في إحالات الصفحات على ترجمته في "شد الإزار"؟!

8- القاضي روح الدين أبو طاهر بن أبي المعالي (ت 753هـ): كان قاضيا عادلا لا يحكم إلا بالحق، ولا يَضِنُّ بِعِلم على الخلق، يُحيي الليالي بالتلاوة والذكر، وقد شرح كتاب "الغاية القصوى" كذلك شرحا وافيًا.

9- العلامة عبد الصمد بن محمود بن عبد الصمد الفاروقي الأرضرومي: هو فقيه وأصولي مصنف، من تلاميذ البيضاوي، وقد كتب نسخة من تفسير شيخه "أنوار التنزيل" هي محفوظة في مدينة "أرضروم" حتى الآن، وهو الذي جزم بوفاة شيخه البيضاوي في شهر شوال من سنة 691هـ، كما سبق بيانه، وتوفي بعد سنة (707هـ).

من مصنفاته: "شرح طوالع الأنظار"، و"شرح منهاج الوصول"، كلاهما لشيخه ناصر الدين البيضاوي، فرغ من الأول سنة 707هـ، وفرغ من الثاني سنة 703هـ.

10- العلامة الشيخ عبد الرحمن بن أحمد الأصبهاني: قرأ على الشيخ البيضاوي كتابه "الغاية القصوى".  

ب- مؤلفاته وإنتاجه

خلف الإمام البيضاوي مؤلفات كثيرة في فنون شَتَّى؛ شملت النحو، والتفسير، والفقه، وأصول الفقه، والحديث، والأخلاق، والتاريخ، والهيئة، والعقيدة، والفلسفة والمنطق.

وقد امتاز الشيخ البيضاوي -رحمه الله- بتصانيفه البديعة المشهورة المُتنوعة، ومن تلك المصنفات:

1- "أنوار التنزيل وأسرار التأويل". هو تفسيره المشهور جدا، وبعض العلماء سماه "مختصر الكشاف"، وهو: "تفسير لغوي، نحوي، تاريخي، بلاغي، جَدَلِيّ مُختَصَر، مُرَكَّز، عَوَّل فيه على الزمخشري بعد أن نَحَّى آراءَ المُعتزلة، ولذا لقِيَ إقبالًا كبيرًا في القُرون الخمسة الأخيرة"-؛ كما وصفته بِحَقٍّ "الموسوعة العربية المُيَسَّرَة".

وهو أشهر كتبه، وأجلها وسيأتي الكلام عنه مفصلا لاحقا، بعون الله تعالى.

2- "منهاج الوصول إلى علم الأصول": في أصول الفقه، وهو مختصر مشهور جِدًّا مرتب على مقدمة وسبعة كتب. وقد أخذ كتابه من "الحاصل من المحصول" للأرموي ت 656هـ، والذي أخذ مصنفه من "المحصول" للفخر الرازي، و"المحصول" استمداده من كتابين لا يكاد يخرج عنهما غالبًا أحدهما: "المستصفى" للغزالي، والثاني: "المعتمد" لأبي الحسن البصري، والمنهاج متن مشهور جِدًّا، كان وما زال يُدَرَّس في المعاهد والمَدَارس؛ لذا فقد كثرت شُروحه وحواشيه فَتَجَاوَزت الثلاثين.

*قال فيه الشيخ د. نور الدين عتر: "ويمتاز كتاب البيضاوي بدقة العبارة وغزارة المعنى، حتى اقتصر عليه أكثر المشتغلين بعلم أصول الدين، وألفت عليه شروح كثيرة، أشهرها في زمننا "نهاية السول" للإسنوي".

وقد اعتنى به العلماء، وعليه شروح كثيرة من أوائلها شرح الجاربردي تلميذ المصنف، وشرح الشيخ سراج الدين القرشي المخزومي (ت 861هـ) وسمى شرحه "توضيح المُبهم والمجهول في شرح منهاج الأصول" وشرحه الشيخ تاج الدين السبكي وسماه "الإبهاج شرح المنهاج"، ومن أشهرها شرح الإسنوي المسمى "نهاية السول"، وقد طبع هذا المتن بمطبعة كردستان عام 1326هـ مع مجموعة متون أصولية.

3- "شرح منهاج الوصول". هو شرح لكتابه السابق في أصول الفقه.

4- "طوالع الأنوار من مطالع الأفكار". في أصول الدين"، وهو متن متين مختصر، وهو أهم كتبه في علم أصول الدين، قال عنه السبكي: "وهو أجَلُّ مُختصر صُنف في علم الكلام".

وقال فيه د. ور الدين عتر: وله "طوالع الأنوار" كتاب مختصر في أصول الدين، أورد فيه البيضاوي أدلة أهل السنة وناقش مخالفيهم، اعتنى العلماء بشرحه ووضع الحواشي عليه".

وقد اعتنى العلماء به إقراء وتدريسًا وشرحًا، وكان من الكتب المعتمدة في تدريس علم الكلام بالجامع الأزهر مدة طويلة، وممن شرحه الشريف الفرغاني الشهير بالعبري (ت 743هـ) ومن أشهر شروحه شرح شمس الدين أبي الثناء محمود بن عبد الرحمن الأصفهاني (674- 759هـ) المسمى "مطالع الأنظار شرح مطالع الأنوار" وقد طبع مع المتن بالمطبعة الخيرية بمصر عام 1331هـ.

5- "الغاية القصوى في دراية الفتوى": على مذهب الشافعية. هو أهم كتب البيضاوي الفقهية، وهو مختصر لكتاب "الوسيط" في الفقه الشافعي للغزالي، بَيَّنَ فيه عِلَلَهُ الفِقهِيَّة، ونبَّه على القول المُختار؛ كما يقول الشيخ د. نور الدين عتر، رحمه الله تعالى.

وألف الكِتاب لِيعتمِد عليه المُفتي والقاضي؛ كما قال البيضاوي عنه: "يَرجِع إليه مَن يَتَّسِمُ بِسِمَة الإفتاء، ويَعتَمِد عليه مَن يَتَسَنَّم أسنِمَةَ القَضَاء".

وقد شرحه الشريف الفرغاني (ت 743هـ)، كما شرحه الشيخ غياث الدين محمد بن محمد الواسطي المعروف بـ "ابن العاقولي الشافعي" (ت 796هـ)، وقد طبع الكتاب في مجلدين بتحقيق: الشيخ علي محيي الدين القره داغي، وقَدَّمَهُ رِسالة تَخَصُّص "ماجِستِير" إلى (كلية الشريعة والقانون - جامعة الأزهر)، في الفِقه المُوَازَن "المُقَارَن"، ونال عليه شهادة التخصص بامتِياز من الجامعة المذكورة، سنة 1982م، وطُبع في "دار الإصلاح - الدَّمَّام" في السعودية.

وقد خَرَّج الشيخ القرَداغي أحاديثَه، وعَلَّق عليه، وتَرجَمَ لِأعلامه أيضًا.

6- "شرح المحصول في أصول الفقه للفخر الرازي". أصول فقه.

7- "مِرصاد الأفهام إلى مبادئ الأحكام": وهو شرح لـ "مختصر ابن الحاجب" المشهور في أصول الفقه؛ المُسَمَّى "مُختصر مُنتهى السُّؤلِ والأمَل إلى عِلمَي الأصول والجَدَل".

8- "مصباح الأرواح في الكلام": هو مختصر كتابه "طوالع الأنوار" -في أصول الدين- سالف الذكر. وقد شرحه القاضي عبيد الله بن محمد الفرغاني العبري، والكتاب مخطوط.

9- "الإيضاح في أصول الدين": هو شرح لكتاب "المصباح" للمصنف.

10- "شرح التنبيه لأبي إسحاق الشيرازي": وهو في الفقه الشافعي، ويقع في أربعة مجلدات.

11- "شرح المنتخب في أصول الفقه للإمام فخر الدين الرازي".

12- "لب اللباب في علم الإعراب": وهو مختصر "كافية ابن الحاجب في النحو"، وهو مُنطوٍ على فوائد جليلة، شرحه مولانا محمد بن بيرعلي البيركوي (ت: 981هـ) وهو المعروف بـ "امتحان الأذكياء"، وله شروح أخرى، والكتاب مخطوط. 13- "شرح الكافية في النحو لابن الحاجب".

14- "شرح الفُصُول لنصير الدين الطوسي". في علم الفَلَك والهَيئة.

15- "شرح المطالع". هو شرح لـ "مطالع الأنوار في الحكمة والمنطق" للقاضي سراج الدين الأرموي.

16- "مُنتهى المُنى في شرح أسماء الله الحسنى".

17- "تحفة الأبرار في شرح مصابيح السنة للبغوي". في الحديث.

18- "رسالة في موضوعات العلوم وتعاريفها": هو مخطوط، وقد تحدث فيه عن علم الأدب وفروعه، وعلم النواميس وفروعه، والعِلم الطبيعي وفروعه، وعلم الهَندَسة، وعلم المُوسِيقى، وعلم الأخلاق، وعلم الحساب.

19- "نظام التواريخ": هو مخطوط، وهو تاريخ عام لِلدولة الفارسية، ومُختَصَرٌ جِدًّا، مِن بدء الخلق حتى 674هـ = 1275م

وقد "تناوَلَ فيه تاريخَ الأنبياء، والخلفاء الراشدين، والأمويين، والعباسيين، والصاريين، والسامانيين، والغَزنَوِيين، والدَّيَالِمَة، والسَّلجُوقِيين، والسلغريين والخُوَارِزمِيين، وتكلم عن المغول بوضوح واختصار، ويُعَدُّ مَتنًا في التاريخ"؛ كما يقول أ. عباس العَزَّاوي.

هذا، "وقد كتبه الشيخ البيضاوي باللغة الفارسية، وهو مصدر هامٌّ جِدا؛ لِمَا كَتَبَ عن المَغُول، وقد تُرجم إلى التركية والعربية"؛ كما يقول الشيخ د. نور الدين عتر، وهو الوَحِيد من كتب البيضاوي بالفارسية.

20- "تسبيع البردة": المسمى، (الكواكب الدرية تسبيع البردة البوصيرية في مدح خير البرية)، وهو تسبيع للبردة المباركة، يبتدأ فيها بقوله:

الله يعلمُ ما بِالقلب مِن ألَمِ           ومِن غرام بِأحشاء ، ومِن سَقَمِ

... الخ، وقد نشرته: (دار الأنصار للطباعة والنشر والتوزيع)، ميدان الإمام الحسين- القاهرة. 21- "التهذيب والأخلاق". رسالة في التصوف.

22- "متن في علم المَنطِق".   23- "متن في عِلم الهَيئة". مُختَصَر.

24- "تذكرة في الفروع".

الفصل السابع

تفسيره (أنوار التنزيل) منزلته واشتهاره،

وكثرة تدريسه، وحواشيه وتعليقاته، وطبعاته،

وبعض الملاحظات عليه

أولا- منزلته واشتهاره

لقد اشتُهر تفسير البيضاوي وبهر، وتلقاه العلماء بالقبول، وذاع ذكره في سائر الأقطار، وسار مسير الشمس في رابعة النهار، واشتغل به العلماء والفضلائ إقراءً وتدريسًا وشرحًا، وظل يدرس بالأزهر وغيره من معاهد العِلم قُرونًا عديدة.

وهو كتاب عظيم الشأن، غني عن البيان لخص فيه من "الكشاف للزمخشري" ما يتعلق بالإعراب والمعاني والبيان، ومن "التفسير الكبير للرازي" ما يتعلق بالحكمة والكلام، ومن "تفسير الراغب الأصفهاني" ما يتعلق بالاشتقاق وغوامض الحقائق ولطائف الإشارات.

ثم إنه ضَمَّ إليه ما وَرَاه زناد فكره؛ من الوجوه المعقولة، والتصرفات المقبولة، فكان تفسيره يحتوي فنونًا من العلم وعرة المسالك، وأنواعًا من القواعد مختلفة الطرائق.

*وفيه قال بعضُ الشُّعَرَاء:

أُولُو الألبابِ   لَم يأتُوا                 بِكَشف قِنَاعِ   ما   يُتلَى

و لَكِن   كانَ   لِلقاضِي                 يَدٌ   بَيضَاءُ     لا تَبلَى

*وقال عن تفسيره المذكور الشيخ د. نور الدين عتر: "أنوار التنزيل وأسرار التأويل": هو تفسيره للقرآن الكريم، وعرف باسم "تفسير البيضاوي"، ويُعَدُّ أشهَرَ مُصنفاته، وهو تفسير مُختصر مُتَوَسِّط الحَجم، استَمَدَّه البيضاوي مِن ثلاثة كُتب أسَاسِيَّة؛ فقد اعتمد على:

1- تفسير "الكشاف" للزمخشري، وقد استعان به فيما يتعلق بالإعراب، والمعاني والبيان، ومعاني الألفاظ، ولكنه لم يرض عن آراء الزمخشري المعتزلي المذهب.

2- كما استعان بكتاب "مفاتيح الغيب" للفخر الرازي (606هـ)، ونقل عنه ما يتصل بالحكمة، وعلم الكلام وأصول الدين.

3- وأخذ من كتاب الراغب الأصفهاني "مفردات القرآن" وغيرها.

وكانت له نظرته الخاصة في التفسير على مذهب أهل السنة والجماعة الشافعية، ابتعد بها عن آراء المعتزلة التي اعتنى "الكشاف" بنُصرتها، كما عُني البيضاوي بوجوه القراءات، وتخريجها لغة وإعرابًا، وأتى بلطائف في أسرار بلاغة القرآن وإعجازه، وجمع في تفسيره بين المأثور والرأي، فجاء تفسيره جليلا حافلا بالفوائد.

ولتفسير البيضاوي مكانة عظيمة عند أهل السنة، وإن أخذ عليه حاجي خليفة مؤلف (كشف الظنون): "أنه يحتوي فُنونًا من العلم وعرة المسالك وأنواعًا من القواعد مختلفة الطرائق"، ذلك لأن البيضاوي كان يعمد أحيانًا إلى الاختصار الشديد حتى يحتاج كلامه إلى تمعُّنٍ لمعرفة مراده، كما أُخذ عليه إكثاره من الأحاديث، وأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم، التي أوردها في آخر السور، وأكثر هذه الأحاديث موضوع.

كتبت على تفسير البيضاوي "أنوار التنزيل وأسرار التأويل" شروح وحواشٍ كثيرة تزيد على الثمانين.

ومن العلماء من كتب على بعض مواضع منه، وقد قرر تدريسه في المدارس والجامعات الإسلامية، ولا يزال التفسير في غاية الشهرة حتى   يومنا هذا، وله طبعات متعددة".

ثانيا- كثرة تدريسه والتعليقات والحواشي عليه

هذا، وقد رُزق الكتاب من عند الله -سبحانه وتعالى- بحُسن القبول عند جمهور الأفاضل والفحول؛ فعكفوا عليه بالدرس والتحشية؛ فمِنهم مَن عَلَّق تعليقة على سورة منه، ومنهم من كتب على بعض مواضع منه، ومنهم من حشَّى عليه تحشية تامَّة، وقد عَدَّ بروكلمان له (83) حاشِيَةً، منها:

1- من أوائلها حاشية أبي بكر بن الصائغ الحنبلي (ت: 714هـ) المسماة "الحسام الماضي وإيضاح غوامض القاضي" احتوت على علوم جمة، وفوائد كثيرة.

2- ومنها حاشية الشيخ محمد بن قرة منلا الخسرواني (ت 785هـ) وهي من أحسن التعاليق وأرجحها.

3- ومنها حاشية محمد بن محمد بن عبد الرحمن القاهري الشافعي بن إمام الكاملية (ت 864هـ): وهي مطولة اشتهرت وتداولها الناس كتابة وقراءة.

4- ومنها حاشية الشيخ الصديقي الخطيب الإمام العالم الفاضل الكازروني (ت 940 هـ) أورد فيها ما لا يحصى من الرقائق والحقائق، وقد طبعت مع التفسير في 5 أجزاء بطهران، عام 1272هـ، ثم بمطبعة الميمنية عام1330هـ.

5- وحاشية محمد بن مصلح الدين القوجوي الشهير بشيخ زاده (ت 951هـ): وهي من أعظم الحواشي نفعًا وأكثرها فائدة وأسهلها عبارة كتبها على سبيل الإيضاح والبيان في 8 مجلدات، ثم اختصرها بعد ذلك فعمَّت بركتها، واستعملها العلماء وانتفع بها الطلاب، وقد طبعت في 3 مجلدات ببولاق عام 1263هـ باعتناء وضبط الشيخ قُطَّة العدوي.

6- ومنها حاشية القاضي عبد الحكيم السيالكوتي (ت 1067هـ) طبعت في القسطنطينية سنة 1271هـ.

7- ومنها "حاشية الشهاب" الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد الخفاجي المصري (ت 1069هـ) المسماة "عناية القاضي وكفاية الراضي"، جمع فيها لب الحواشي، وأجاد وأفاد، وقد طبعت في 8 مجلدات بمطبعة بولاق بمصر عام 1283هـ.

8- ومنها أيضًا حاشية إسماعيل بن محمد بن مصطفى القونوي -نسبة إلى "قونية" في آسيا الصغرى- (ت: 1195هـ) وضعها بإيعاز السلطان العثماني عبد الحميد الأول طبعت في 7 مجلدات بالقسطنطينية سنة 1286هـ. وقد اعتنى بطبع هذا التفسير العلامة فلايشر الألماني في لايبزك من عام 1844م إلى 1848م، ووضع العلامة فل الألماني لهذه الطبعة فهارس مستوفية طبعت في لايبزك عام 1878م.

ثالثا- طبعه، ومن أفضل طبعاته

هذا، وقد طبع تفسير البيضاوي عشرات المرات، منذ طبعة بولاق بمصر سنة 1282هـ حتى يومنا هذا، ومازال يُطبع منذ أكثر من 150 سنة، كما تُرجم إلى اللغة الألمانية، وطُبع ثَمَّة.

*ومن أفضل طبعاته:

1- طبعة "دار الرشيد، دمشق - بيروت"، و"مؤسسة الإيمان بيروت"، بتحقيق ودراسة وافية له مع ترجمة شاملة لمؤلفه قام بها كل من: أ. محمد صبحي حلاق، ود. محمود أحمد الأطرش، وصدرت في (1781) ص، وذلك سنة 1421هـ - 2000م.

2- طبعة "رسالة منشورات مروان دعبول" بيروت، بتحقيق أ. فادي المغربي، في (5) مجلدات، سنة 1445هـ - 2024م.

رابعا- ملاحظات على تفسير البيضاوي

مِمَّا أخذه العُلماء على تفسيره أمور:

أ- ذكره فيه بعض الأحاديث الموضوعة، وهي المذكورة في نهاية كل سورة لبيان فضلها، -كما فعل الزمخشري في تفسيره-، وكثير منها موضوع مكذوب، كما قال علماء الحديث.

ب- بقيت بعض رواسب الاعتزال في تفسير البيضاوي، لم يتنبه لها، وهي قليلة، نَبَّه إليها علماء التفسير بَعدَهُ.

ج- متابعة الزمخشري في إنكار بعض القراءات المتواترة وتضعيفها.

د- تضعيفه بعض الأحاديث الصحيحة، أو شكه في صحتها.

هـ - استعماله المصدر "إنفاع" مراتٍ، مع أنه لم يرد في اللغة (أنفَعَ).

الفصل الثامن

منزلة البيضاوي لدى العلماء،

وبعض شمائله وأخلاقه، وبعض ما ألف فيه

 

أولا- منزلته لدى العلماء وأخلاقه وشمائل

 

1- قال فيه العلامة تاج الدين السبكي:

"كان إمامًا مُبَرِّزًا، نَظَّارًا، صالِحًا مُتَعَبِّدًا، زاهِدًا".

2- وقال الإمام ابن كثير: "هو القاضي الإمام العلامة ناصر الدين، عبد الله بن عمر الشيرازي؛ قاضيها وعالمها وعالم أذربيجان، وتلك النواحي.

3- وقال الإسنَوِي فيه: "كان المَذكور عالِمًا بعلوم كثيرة، صالِحًا خَيِّرًا".

4- وقال الشيخ اليافعي عنه: "الإمام، أعلم العلماء الأعلام، ذو التصانيف المُفيدة المُحَقَّقة، والمَبَاحِث الحَمِيدة المُدَقَّقَة".

5- وقال فيه العلامة د. نور الدين عتر رحمه الله:

"كان القاضي البيضاوي إمامًا في الفقه والتفسير والأصول على مذهب أهل السنة والجماعة، وكان علاّمة في علوم اللغة العربية والمنطق، نظّارًا بارعًا، صالحًا متعبدًا. له التآليف الكثيرة في مختلف العلوم، وكلها تمتاز بالاختصار مع التحقيق العلمي، ودقة العبارة التي تدلّ على قدم راسخة في العلم، وبراعة في التأليف".

*وقال عن أهم كتبه لدى العلماء: والكتب الثلاثة: "التفسير"، و"المنهاج"، و"الطوالع" من أكثر الكتب تداولًا بين العلماء وطلاب العلم دراسة وتدريسًا وحفظًا وشرحًا".

*وقال الشيخ العتر أيضا في مزايا مُؤلفات البيضاوي وما يؤخذ عليها:

"ويمتاز البيضاوي في مؤلفاته ومصنفاته بتركيز الكثير من المعلومات في أسلوب مقتضب لا إسهاب فيه، وقد أخذ عليه أنه لم يتحرّ الدّقة أحيانًا، ولم يلمّ إلمامًا تامًّا ببعض فروع العلم التي اشتغل بها وهي: التفسير التاريخي وتصنيف المعجمات واللهجات والقراءات المختلفة، ورأى آخرون في اختصاره وإيجاز عبارته تثبتاً ودراية في العلم وقدرة في التأليف".

6- وقال في كتبه أستاذنا العلامة د. محمد الزحيلي:

"كتب البيضاوي كانت السفير الصادق لنا، والرسولَ الأمينَ، والتَّرجُمانَ الصحيح، واللسانَ الفصيح، والصلة الوُثقى بيننا وبينه، وقد تتلمذ المسلمون -جِيلًا بعد جيل- على كتب البيضاوي، وتلقاها العلماء بالقبول، وعكبف عليها الطلاب بالدراسة والحفظ، وصارت كتبه معتمدة في الجامعات الإسلامية، والمعاهد العلمية للتدريس، وطبع الكثير منها عدة طبعات في عدة أقطار عربية وإسلامية، كما تُرجم بعضُها إلى عِدَّة لُغات.

وامتازت كُتب البيضاوي بالاختصار والدقة، وسلامة الاختيار، وحُسن التبويب، والتنظيم، وصارت قُطبَ الرَّحَى لعدد كبير من العُلماء   والمُصنِّفين، وتركَّزت عليها الدراسة؛ فتناولوها بالشروح العديدة، والحواشي الكثيرة، والتعليقات المُتنوِّعة المُفيدة ...، حتى اشتُهر البيضاوي

بِكُتبه، وعُرف في العالم الإسلامي بها ...".

7- وقال فيه المؤرخ العراقي أ. عباس العَزَّاوِي: "مِن أعاظم عُلماء الإسلام، ذاعَت شُهرتُه في الأقطار بحيثُ دَخَلَت مُؤلَّفاتُه في مَنَاهِج التدريس، وصار تَفسِيرُه يُدَرَّسُ في المَدارِس العِلمِيَّة، ويُعَدُّ مِن كُتب التفسير المُعتَبَرَة".

ثم قال عنه: "كان المُؤلِّف مَحمُودَ الأثَر، مَعرُوفَ المَنزِلة في كل آثاره، وانتشرت في الأقطار الإسلامية، واكتسبت عِنَاية ورِعَايَة".

وقال فيه أيضا: "...، نَشَأ في عهد المغول، وتكاملت ثقافَتُه في أيامهم، ونال المَكَانَةَ المُحتَرَمَة، والمَنزِلَةَ المَقبُولة ...". "تَجَوَّلَ في إيران، ووَقَفَ على الحالة في أيام المغول، وهُوَ شَاهِدُ عِيَان لِحَوَادثهم".

*وقال العزاوي شاهدا بنزاهة البيضاوي في كتابة التاريخ:

"...، وكان شاهِدَ عِيَان لِأمر المغول في هُجومهم، وفي حُكمهم، فَكَتَبَ ما رأى، ودَوَّنَ ما جَرَى".

ثم قال: "كَتَبَ بَنَزاهة قَلَم، ولِسان أديب مُعتَدِل، ولم يَتَهَوَّر بِكلمة، ولا عرَفَ غَرَضَهُ في حادِث، فكأنه جاءَ لِيكتُبَ دُونَ أن تكون له علاقة بِأحَد، تَرَكَ لِلقارئ حُكمَهُ كَمَا تُلهِمُه الوَقَائع".

ثانيا- بعض ما أُلِّف فيه

ومِمَّا ألف فيه العلماء من كتب:

أ- "القاضي البيضاوي: المفسر، الأصولي، المتكلم ...". لشيخنا د. محمد الزُّحَيلي سلسلة "أعلام المسلمين رقم (27)، (200) ص.

ب- القاضي ناصر الدين البيضاوي وأثره في أصول الفقه". د. جلال الدين عبد الرحمن، وهي رسالة أستاذية "دكتوراه" قدمها إلى "جامعة الأزهر- كلية الشريعة، قسم أصول الفقه" سنة 1976م، حازت مرتبة الشرف الأولى، وتقع في (624) ص.

ج- "البيضاوي ومنهجه في التفسير". أ. يوسف أحمد علي، رسالة أستاذية قدمت إلى (كلية الشريعة - جامعة أم القرى، فرع الكتاب والسنة" سنة 1406هـ - 1986م، وهي في (461) ص.

د- "البيضاوي مُفَسِّرًا". د. عبد العزيز حاجي، وهي رسالة (أستاذية؛ دكتوراه)، ط1، دار حازم، سنة 2000م، في (475) ص.

المراجع

 

أولا- الكتب:

1- "أسماء الكتب المُتمِّم لكشف الظنون". تأليف عبد اللطيف بن محمد "رياضي زادَه" من القرن (11هـ)، تح د. محمد ألتونجي، ط1؟ مكتبة الخانجي - مصر، 1395هـ - 1975م.

2- الأعلام للزركلي. خير الدين بن محمود الزركلي ت 1976م، ط15، دار العلم للملايين - بيروت، 2002م.

3- "اكتفاء القَنُوع بما هو مطبوع". للأستاذ إدوارد فنديك لفنديك، ط2، مطبعة بهمن - قُم، إيران، 1409هـ - 1989م؟

4- "أنوار التنزيل وأسرار التأويل" = (تفسير البيضاوي). للقاضي عبد الله بن عمر البيضاوي ت 691هـ، ترجمة مُهمة في أوله وشافية مع دراسة وافية لتفسيره للمُحقِّقَين أ. محمد صبحي حلَّاق، ود. محمود الأطرش، ط1، دار الرشيد - دمشق، مؤسسة الإيمان - بيروت، 1421هـ - 2000م، وقد أفدت منها كثيرا.

5- "أنوار التنزيل وأسرار التأويل؛ تفسير البيضاوي" (مُكَرَّر). تح أ فادي المغربي، ط1، رسالة ناشرون - بيروت، 1445هـ - 2024م.

6- "إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون". لإسماعيل باشا الباباني البغدادي، ط 1؟ دار إحياء التراث العربي - بيروت، د. ت، عن طبعة إسطنبول سنة 1364هـ - 1945م.                        

7- "البداية والنهاية". لإسماعيل بن عمر؛ ابن كثير الدمشقي ت 774هـ، ط 7- مكتبة المعارف - بيروت، 1408هـ - 1988م.

8- "البدور المُضِيَّة في تراجم الحنفية". للأستاذ المُفتي محمد حفظ الرحمن بن العلامة الشيخ محب الرحمن الكملائي، ط2، دار الصالح - القاهرة، 1439هـ - 2018م.

9- "بُغية الوُعاة في طبقات اللغويين والنحاة". جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ت 911هـ، ط1، تح أ محمد أبو الفضل إبراهيم، عيسى البابي الحلبي وشركاه - مصر، 1384هـ - 1965م.

10- "بلدان الخلافة الشرقية". أ. كي لِسترانج، ترجمة وتعليق الأستاذ بشير فرنسيس، والأستاذ كوركيس عواد، ط2، مؤسسة الرسالة - بيروت، 1405هـ - 1985م.

11- "البيضاوي ومنهجه في التفسير". أ. يوسف أحمد علي. رسالة أستاذية، قدمت إلى (كلية الشريعة - جامعة أم القرى، فرع الكتاب والسنة" سنة 1406هـ - 1986م، طباعة يَدَوِيَّة شخصية.

12- "تاج التراجم". للعلامة الشيخ قاسم بن قطلوبغا، زين الدين السودوني الحنفي ت 879هـ، تح أ محمد خير رمضان يوسف، ط1، دار القلم - دمشق، 1413هـ - 1992م.

13- "التجنيس والمَزيد". للإمام علي بن أبي بكر المرغيناني ت 593هـ، تح وتع وتخ د. محمد أمين مكي، ط1، إدارة القرآن والعلوم الإسلامية، كراتشي - باكستان، 1424هـ - 2004م.

14- "تحفة الأبرار شرح مصابيح السُّنَّة لِلبَغَوِيّ". للقاضي البيضاوي، تح ودراسة لجنة يرأسها أ نور الدين طالب، ط1، أوقاف دولة الكويت، إدارة الثقافة الإسلامية - الكويت؟ 1433هـ - 2012م.

15- "ترتيب الأعلام على الأعوام". (أعلام خير الدين الزِّرِكلِي ت 1396هـ) للأستاذ زهير ظاظا، ط1؟ شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم - بيروت، 1411هـ - 1990م.

16- "التعريف بالمؤرخين في عهد المغول والتُّركمان" للأستاذ عباس العزاوي، ط1، شركة الطباعة والتجارة المحدودة - بغداد، 1376هـ - 1957م، بمساعدة وزارة المعارف العراقية. وقد أفدت منه كثيرا، ولا سِيَّما بعض تفصيلات حياته.

17- "تعليم المتعلم طريق التعليم". للإمام برهان الإسلام إبراهيم الزرنوجي ت نحو 610هـ، تح أ. مروان قباني، ط1، المكتب الإسلامي - بيروت، 1401هـ - 1981م.

18- "تهذيب سير أعلام النبلاء للذهبي" تهذيب أحمد فايز الحمصي، ط1، مؤسسة الرسالة - بيروت، 1412هـ - 1991م.

19- "الجواهر المضية في طبقات الحنفية". للشيخ عبد القادر بن محمد بن نصر الله القرشي الحنفي ت 775هـ، تح د. عبد الفتاح الحلو، ط2، هَجَر للطباعة والنشر- مصر، 1413هـ - 1993م.

20- "خمس رسائل على كتاب الهداية في الفقه الحنفي للمرغيناني". للعِمادي والحمزاوي واللكنوي والمُطيعي، اعتنى بها وعلَّق عليها محمد عبد الله الشعار، ط1، دار الحديث الكَتَّانيَّة - الرباط، المغرب، وبيروت - لبنان، 1441هـ - 2020م.

21- "دراسة مُوجَزة حول الإمام المرغيناني وكتابه الهداية". للشيخ محمد عبد الله المعصوم، ط2، الجامعة الشرعية - مالي باغ دَكَّا، بنغلادِيش، 1437هـ- 2016م؟

22- "الروض المِعطار في خبر الأقطار". لمحمد بن عبد المنعم الحِميَرِي، تح د. إحسان عباس، ط2، مكتبة لبنان- 1984م.

23- "روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات" للخوانساري، وهو مهم جدا؛ فقد تفرَّدَ بذكر عدد من شيوخ البيضاوي.

24- "السلوك في طبقات العلماء والملوك". لبهاء الدين محمد بن يوسف الجَنَدِيّ السَّكسَكِيّ الكِندِي ت 732هـ، تح أ. محمد بن علي الأكوع، ط1، مكتبة الإرشاد - صنعاء، 1414هـ - 1993م.

25- "شَدُّ الإزار في حَطِّ الأوزار عن زُوَّار المَزَار" للشيخ مُعين الدين جُنيد الشيرازي، بتصحيح وتحشية الأستاذ محمد قزويني، ط1؟ طِهران، 1328هـ شمسي = 1912م، وهذا الكتاب مُهم جدا؛ فقد تفرَّد بذكر عدد من تلامذة الشيخ البيضاوي.

26- "شذرات الذهب في أخبار من ذهب". للشيخ عبد الحي بن أحمد؛ ابن العماد الحنبلي ت 1089هـ، تح وتع محمود الأرناؤوط ت 2017م، ط1، دار ابن كثير - دمشق، 1408هـ - 1988م.

27- "الضوابط الفقهية لأحكام فقه الأسرة من كتاب (الهداية) للإمام المرغيناني". رسالة "تخصص؛ ماجستير" في الفقه للطالب أسامة محمد شيخ، وإشراف د. أحمد الحبيب، مُقدَّمة إلى "كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة أم القرى" في مكة المكرمة، في سنة 1430- 1431هـ = 2009- 2010م؟

28- "طبقات الشافعية الكبرى". للشيخ تاج الدين عبد الوهاب بن علي السُّبكي ت 771هـ، تح أ. عبد الفتاح الحلو، ومحمود محمد الطناحي، ط1؟ عيسى البابي الحلبي وشركاه، ج8 سنة 1391هـ؟ 1971م، وأعادت نشره دار إحياء الكتب العربية بيروت، د. ت.

29- "طبقات المفسرين" للشيخ أحمد ب محمد الأدنَوِي من علماء القرن 11هـ، تح أ سليمان بن صالح الخزي، ط1، مكتبة العلوم والحِكم - المدينة المنورة، 1417هـ - 1997م.

30- "طبقات المفسرين" للحافظ شمس الدين محمد بن علي الداودي ت 945هـ، ط1، دار الكتب العلمية - بيروت، 1403هـ - 1983م.

31- "الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي". تأليف العلامة الشيخ محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي الفاسي ت 1376هـ، باعتناء أيمن صالح شعبان، ط1، دار الكتب العلمية - بيروت، 1416هـ- 1995م.

32- "الفوائد البهية في تراجم الحنفية". للشيخ أبي الحَسَنات محمد بن عبد الحي اللكنوي الهندي، تح الأستاذ محمد بدر الدين النعساني، ط 1؟، دار الكتاب الإسلامي - القاهرة، دون تاريخ طبع؟!

33- "القاضي البيضاوي: المفسر، الأصولي، المتكلم ...". د. محمد الزحيلي، ط1، دار القلم - دمشق، 1408هـ - 1988م.

34- "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون". لمصطفى بن عبد الله "كاتب جلبي، حاجي خليفة"، تصحيح وتعليق أ. محمد شرف الدين يالتقايا، ورفعة بيلكه الكليسي، ط1، إسطنبول، 1362هـ - 1941م.

35- "لَمَحَات في المكتبة والبحث والمصادر". د. محمد عجاج الخطيب رحمه الله، ط14، مؤسسة الرسالة - بيروت، 1413هـ - 1993م.

36- "مرآة الجنان وعِبرة اليقظان في معرفة ما يُعتبر مِن حوادث الزمان". للإمام عبد الله بن أسعد اليافعي اليمني ت 768هـ، وضع حواشيه خليل المنصور، ط1، دار الكتب العلمية - بيروت، 1417هـ- 1997م.

37- "معجم البلدان". للعلامة ياقوت بن عبد الله الحموي، ط1، دار صادر - بيروت، 1397هـ - 1977م.

38- "معجم المفسرين" للأستاذ عادل نويهض، ط3، مؤسسة نويهض الثقافية بيروت، 1409هـ - 1988م.

39- "معجم المطبوعات العربية والمعربة". ليوسف إليان سركيس ت 1351هـ، نشر: مكتبة الثقافة الدينية - القاهرة، 1346هـ - 1928م.

40- "معجم المؤلفين". لعمر رضا كحالة ت 1987م، ط1، مؤسسة الرسالة - بيروت، 1414هـ - 1993م.

41- "مفتاح السعادة ومصباح السِّيَادة في موضوعات العلوم". للشيخ أحمد بن مصطفى "طاشكبري زاده" ت 968هـ، ط1، دار الكتب العلمية - بيروت، 1405هـ- 1985م.

42- "الموسوعة العربية". على الشابكة، مقالة مهمة جدا فيها ونفيسة، عن الشيخ ناصر الدين البيضاوي، للعلامة الشيخ د. نور الدين عتر رحمه الله، وقد أفدت منها كثيرا.

43- "الموسوعة العربية الميسرة" لنخبة باحثين بإشراف د. حسين محمد نصار، ط3، المكتبة العصرية: صيدا، بيروت، 1431هـ - 2010م.

44- "النهاية في شرح الهداية". للشيخ حسام الدين الحسين بن علي بن حجاج السِّغناقي الحنفي ت 714هـ، تحقيق ودراسة أ. عبد العزيز بن عبد الله الوهيبي، "رسالة تخصص؛ ماجستير" مقدمة إلى "كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة أم القرى، مكة المكرمة"، 1436هـ.

45- "الهادي إلى رياض الفقه والفقهاء". للشيخة العالِمَة والفقيهة سلمى بنت المُفتي العلامة الشيخ مُجيب الرحمن الدَّيرَوِيّ على ضوء ما أفاده والدُها، ط1، مكتبة الإمام أبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني، تيمركره - باكستان، 1435هـ - 2014م؟

46- "هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس". د. ماجد عِرسان الكيلاني، ط3، دار القلم - دُبَي، 1423هـ - 2002م.

47- "الهداية شرح البداية". للمرغيناني"، تح د. سائد بكداش، ط1، دار السِّرَاج - المدينة المنورة، 1440هـ - 2019م.

48- "الهداية شرح بداية المُبتَدِي". للمرغيناني، (مكرر) تح أ عبد السلام عبد الهادي شَنَّار، ط1، دار الدقاق: دمشق - بيروت، دار الفيحاء: دمشق- بيروت، 1440هـ - 2019م.

49- "هدية العارفين". لإسماعيل باشا الباباني البغدادي، ط1؟ إستنبول، 1951م، إعادة نشر دار إحياء التراث العربي - بيروت، دون تاريخ؟!

50- "الوافي بالوفيات". لصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي ت 764هـ، تح أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، ط1، دار إحياء التراث العربي - بيروت، 1420هـ - 2000م.

51- معلوماتي الشخصية.

ثانيا- مواقع الشابكة وغيرها:

52- مجلة "الزهراء" للبحوث والدراسات الإسلامية، السنة العشرون، العدد (1)، رسالة علمية وبحث بعنوان "التعريف بكتاب منهاج الوصول إلى علم الأصول"، (جامعة شريف هداية الله الإسلامية الحكومية - جاكرتا) في إندونيسيا، سنة 1444هـ - 2023م.

53- "الموسوعة الحرة: ويكيبيديا".

54- بحث ومقالة نفيسة موسعة عن مدينة "البيضاء" للأستاذة معصومة بادنج بعنوان: (البيضاء ناحية وقضاء ومدينة تاريخية في فارس) نشرت في شهر1/2016م على هذا الرابط: .(dalalabbas.com)

55- مقالة بعنوان: (شيخ الإسلام الإمام برهان الدين المرغيناني) لأستاذ د. محمد البخاري نشرها في مدونته يوم 7/11/2015م.

وسوم: العدد 1096