فضيلة الداعية الشيخ محمد الغزالي
19عاماً على رحيل فارس المنابر وحكيم العلماء
بدر محمد بدر
فى التاسع من مارس الجارى تمر الذكرى التاسعة عشرة لوفاة العالم الجليل, والداعية البصير, فارس المنابر وحكيم العلماء فضيلة الشيخ محمد الغزالى السقا, رحمه الله رحمة واسعة, وأجزل له العطاء, وعوض الأمة فيه خيراً, وفى هذه المناسبة نستذكر طرفاً من حياة الشيخ المجاهد عسى الله أن ينفعنا بها.
ولد الشيخ محمد الغزالى في الخامس من ذي الحجة عام 1335هـ/ الموافق 22 من سبتمبر 1917م, فى قرية "نكلا العنب" إحدى قرى مركز إيتاي البارود، بمحافظة البحيرة, وكان أبوه تاجراً صدوقاً يحب الدين، فسماه تيمنا باسم الامام "أبو حامد الغزالى", وكان أكبر أبنائه, وفى العاشرة أكمل "محمد الغزالى" حفظ القرآن الكريم، فانتقل به والده إلى مدينة الإسكندرية, ليلتحق بالمعهد الدينى الأزهرى , وأكمل تعليمه ليلتحق بجامعة الأزهر وليحصل على العالمية فى عام 1941, ثم اشتغل خطيبا فى مساجد مصر, وتأثر بالشيخ محمود شلتوت, استاذه فى المعهد, والذى أصبح شيخاً للأزهر فيما بعد, وكان تأثره الأكبر بالشيخ حسن البنا, حيث ظل وفياً لمدرسته فى الاعتدال ولمنهجه الوسطى.. كان الشيخ محمد الغزالى شغوفاً بالقراءة منذ الصغر, ومحبا للتأليف فى تلك السن المبكرة , فكتب العشرات من الكتب منها: خلق المسلم ـ عقيدة المسلم ـ فقه السيرة ـ الاسلام فى مواجهة الزحف الأحمر ـ ظلام من الغرب ـ قذائف الحق ـ دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين وغيرها بالاضافة إلى آلاف المقالات فى الصحف والمجلات ومئات الخطب والمحاضرات واللقاءات الصحفية والاذاعية والتلفزيونية.
زار الشيخ الغزالي رحمه الله عشرات الدول, استاذاً فى جامعاتها, ومشاركاً فى مؤتمراتها وندواتها, وأسس جامعة الأمير عبد القادر الاسلامية فى قسنطينة بالجزائر والتى أصبحت منارة للاسلام فى شمال افريقيا, وظل يديرها حتى ضعفت صحته فاعتذر عنها, وكان له دوره الكبير فى ترشيد الصحوة الاسلامية هناك.
اشتهر الشيخ الجليل بعلمه الغزير, وأفقه الرحب, وقلمه الّسيال, وعباراته المتدفقة, وحماسته المخلصة, وجرأته فى عرض ما يقتنع به, وتشخيصه الدقيق لأمراض الأمة, ومهارته فى الدفاع عن الحق الذى يعتقده, وتقريع المخالفين له, وحدته فى مواجهة الخصوم وأعداء الاسلام.
كان رحمه الله موسوعى الثقافة , يتابع الأحداث فى العالم, ويقرأ لكبار الكتاب والمفكرين, حتى كأنه عالم فى السياسة وفى الاقتصاد وفى الاجتماع, مثلما كان فقيها فى العقيدة والشريعة وأصول الدين.. كان يرى أن الداعية يجب أن ينهل من كل المعارف والثقافات, ويناقش كل الأفكار والاتجاهات, حتى يعمق رؤيته, ويخدم دعوته.. كان فارساً فى الحرب ضد التدين الفاسد, الذى ينشغل بقشور المسائل عن أصولها, وألف عشرات الكتب لتعميق فهم الأمة لدينها وتبصيرها بما يحيط بها .. كان يدرس الواقع وعينه على المستقبل, ينبه الى المخاطر, ويوجه الى الواجبات, لم يعبأ بمغنم, ولا صده مغرم, وماتقرب من سلطان, وأتاحت له وسطيته القبول النسبي عند بعض الرسميين, مما أتاح له فرصة الظهور على شاشات التلفزة وفى الاذاعات, فأقام منهجه على تربية العقل بحسن التفكير, وتربية القلب بحسن الايمان, وتربية السلوك بحسن الخلق, وتربية الوجدان بحسن الأدب.
لم تقعده سنوات الشيخوخة والمرض عن أداء رسالته, حتى خطب عيد الفطر فى مسجد محمود بالمهندسين قبيل وفاته بأيام, وكان يتوافد اليه الآلاف من الشباب, ينهلون من علمه, ويتغذون من حماسته, ولم يكن يمنعه ذلك من انتهاز الفرص لفض الاشتباك بين الحكومات وبين شباب الصحوة الاسلامية.
كان رحمه الله زاهداً فى الدنيا, لا يطرب لمنصب, ولا يحزن لفقده, وعندما عين وكيلاً لوزارة الأوقاف المصرية لشئون الدعوة, وجد أن أعباء المنصب لا تناسبه, فاعتذر عنه, وفى شهر رمضان الأخير فى حياته (رمضان 1416 هـ) اعتكف طوال الشهر فى مسجد صغير بإحدى القرى النائية فى محافظة مصرية وقال "رحم الله أبا حامد الغزالى الذى قال "كلما اعتكفت يوماً عرفت الله أكثر".
أكرمه الله بالعمل لخدمة الاسلام حتى آخر رمق من حياته, حيث لقى ربه مساء السبت 19 من شوال 1416هـ ـ 9 من مارس 1996م, بينما كان يلقى كلمته فى ندوة عن "الاسلام والغرب" ضمن فعاليات مهرجان "الجنادرية" الذى أقيم بالرياض بالمملكة العربية السعودية, حيث فاجأته أزمة قلبية , نقل على اثرها إلى المستشفى, لكنه فارق الحياة, ليطوى بذلك صفحة من صفحات الجهاد والبذل والعطاء, نهلت من معينها الفياض, شعوب الأمة المسلمة فى أرجاء المعمورة, وليكون آخر عهده بالدنيا, وهو الذى قارب الثمانين من عمره, أن يكون فارساً يصول ويجول دفاعاً عن الاسلام وجهاداً فى سبيله, وقد دفن بالبقيع فى المدينة المنورة بناءً على وصيته, وللشيخ الغزالى سبعة من الأبناء: الدكتور علاء والمهندس بهاء وخمسة من البنات احداهن زوجة الكاتب الصحفى محمد عبد القدوس.. رحم الله العالم الجليل وأنزله منازل الأبرار, وإنا لله وإنا اليه راجعون.