مهلا سيدي فعطاؤك مثل زادك
مهلا سيدي
فعطاؤك مثل زادك
أشرف إبراهيم حجاج - إعلامي – القاهرة
حقا مهلا سيدي الدكتور جابر قميحة ( رحمة الله عليه ) .
فلك من العطاء الكثير والوفير ، وكل هذا زخرا لمكتبتك العريقة والتي امتلأت عن أخرها بالكتب القيمة .
ومن هنا كان لي أن أحكي عما بداخلي تجاه عالم جليل ، كثيرا ما شربنا من علمه الوفير ، فكان له من الإيثار الكثير والكثير ، عايشته ، بل عشت معه كثيرا وكان هذا من حُسن حظي فوالله أنا المحظوظ حقا .
كنا نلتقي ، فكان يحب اللقاء في قلب مكتبته الذاخرة والتي امتلأت عن أخرها بأمهات الكتب وكلها كان قد قرأها كاملة ويعلم ما فيها ، فسبحان الله .
سألته ذات مرة كيف تقرأ كل هذه الكتب وعجبا لأمرك فأنت تعلم ما بداخلها وما في صفحاتها كيف يكون هذا ؟
يرد علي بكلمة اهتزلها وجداني فيقول : هل تحب ؟ هل تعشق ؟ هل تنام دون ان يكون لما تحب نصيب من افكارك قبل النوم ؟
أجيب : سيدي كلنا يحب ويعشق فلابد لهذين أن يأتيانا قبل نومنا وهذا من عمل العقل فهو الذي يدبر هذه الأحداث وتجري على هذا الأساس فيكون لها نصيب من التفاعل الذهني قبل الخوض في النوم .
قال لي بعفويته القوية : أنا لم أستطع النوم قبل أن يكتمل كتاب قراءة ونقد .
قلت سبحان الله العظيم .
وذات مرة وأنا معه في جلسة عمل كان هو من عشاقها وكنت أحس أنه ينتظر لقائي به بفارغ الصبر ليس لي أنا بل لما يحب ويعشق وهو كتاباته ونقده الذي كنت أدونه له على الحاسب الألي الخاص به ، وعندما كنا نتفقد الأيميل الخاص به وجدنا رسالة أرسلتها له باحثة رسالة الماجستير ليبدي رأيه فيها وكانت سعودية قمنا بطباعتها كاملة وانتهى يومي معه واللقاء القادم بعد ثلاثة أيام ، وكانت الرساله أكثر من ثلاثمائة ورقة . علما بأن أستاذنا الدكتور كان مريضا وتنبيهات الأطباء له بالراحة لم تتوقف حفاظا على صحته .
عدت إليه بعد ثلاثة أيام وقد نسيت الرسالة التى طبعتها له وعلى حد علمي سوف نكتب تعليقاته عليها بعد شهر على الأقل ليكون قرأها ولكن كانت هناك مفاجأة كبيرة في انتظاري ، حدثني أنه يريد أن يرد على صاحبة الرسالة بالإيميل اليوم فقلت له دعها يا سيدي الآن حتى تنتهي من قراءتها فقال لي وهو يضحك بدعابة يا ولدي قلت لك لم أنام قبل أن أنتهي منها وبالفعل قد انتهيت صباح اليوم من قراءتها بالكامل فعلينا الآن أن نكتب الرد لهذه الباحثة لكي تنهي هذه الرسالة قريبا وفقها الله .
لم اتمكن من أن أرد على أستاذي والحزن يملأ كياني فكيف لك يا سيدي أن تهمل صحتك من أجل رسالة لم يكن لصاحبتها الاستعجال عليها ، قال لي بكلمات كانت كالحجارة التي وقعت على رأسي :
كيف انام وهناك من هي بحاجة الى المساعدة لتستمر في طلب العلم ، فلم أتمكن من النوم بعدما غادرت انت البيت بدأت قراءتها فجذبتني حتى انتهيت منها .
وقام بالتعليق على الرسالة وهو سعيد بما صنع . وأنا في حال غير مرضي لأني كنت أعلم بحالته الصحية فلا يشق على نفسه غفر الله له .
وهناك الكثير والكثير من المواقف التي زادت على طاقته بكثير كان فيها يتعامل بطريقة لا نوم قبل إنتاج علمي أو نقدي غزير جدا ويكون كاف لدرجة كبيرة فيستوفي كل كلمة حقها في الدراسة والتمهل لكي تعطي نتيجة فعالة وكنت دوما ما أقول له سيدي هون عليك ولك ان تستريح أكثر مما تعمل ، فيقول لي وكأنه كان يصارع الحياة من أجل الانتهاء من الكثير من الأعمال قبل مفارقة الحياة يا بني : عليك أن تعلم أن الحياة رسالة لابد وأن توفيها حقها وتعمل على استكمال مالك من هذه الرسالة واعلم أن الدنيا قليلة الوقت فإن تمهلت أنت لن تمهلك هي .
بهذه الكلمات سكت فمي تماما عن الكلام وكنت أسير خلف ما يقول ولا نقاش معه فما يريده نصنعه أول بأول .
وكانت خبرته وتجاربه في الحياة وراء سرعته في آداء أعماله وكتاباته مع العلم أن هذا العالم يمتلك الكثير من الكتب وكان النصيب الأكبر لعشقه وحبه الكبير لجماعة الإخوان المسلمون فكان يدافع عنها بكل ما يملك وتحت أي ظرف وهذا لوجود الدلالات الكبيرة على ما يقدم من كلمات كانت تخرس الأفواه الظالمة والمعادية لفكر الإخوان وكان دوما ما يحارب رموزا كبيرة في الأنظمة الحاكمة ولا يخشى في الله لومة لائم . فجزاه الله خيرا .