شهادات للتاريخ
شهادات للتاريخ
غازي أبو كشك
ولد الشيخ القائد المجاهد شاكر ابوكشك في العوجا قرب يافا (وعوجا اسم النهر القديم المعروف هناك، فنسب هؤلاء العرب إلى النهر، وهم عرب متوطنون مزارعون يقول الباحث عجاج نويهض: والشيخ شاكر (شيخهم ورب كلمتهم وعاقد لوائهم، وهم له أطوع من ا بنانه، وهو في السجايا والخلق من طراز فريد، ففي سنة 1921 احتك اليهود في يافا بالعرب، ووصلت الصرخة إليه) فلبى وهاجم مستعمرة بتاح تكفا، ملبس – وأوقع بالمستعمرة خسائر كبيرة، فجاءته بعد قليل القوات الجرارة واعتقلته ونسفت بيته، وكبلته بفادح الغرامات وسجنته وادعى اليهود أن عرب العوجا انتهبوا لهم 400 رأس غنم، فإذا بالإنكليز يصنعون بالشيخ شاكر من نسف بيوته ونهب محتوياته ما يرضي اليهود، ويسخط الأخلاق والمدنية والمسيحية والإسلام وكل دين على وجه الأرض، وأصدرت المحاكم البريطانية الحكم بسجن الشيخ شاكرخمسة عشرعاما ، ثم أُفرج عنه بعد أن قضى منها مدة سنتين، بعد تدخل أهل البلاد ومشايخ بئر السبع، وبعد أن دفع ألفي جنيه غرامة لمستعمرة ملبس، فضلاً عن 700 جنيه و كانت القرية في الأصل مضارب لعرب أبو كشك، منتشرةفي مساحة واسعة. ثم انقلبت المضاب بيوتاً ثابتة، واحتفظت القرية باسمها.
تمتد بيوت عرب أبو كشك فوق رقعة منبسطة من السهل الساحلي الأوسط، ترتفع بين 25 و 50 م عن سطح البحر. وتتألف من تجمعات من البيوت المتناثرة بين وادي فخت (سمارة) غرباً ووادي المهدّل شرقاً،
وهما رافدان لنهر العوجا وتبعد هذه البيوت إلى الشمال من نهر العوجا مسافة 1 – 2 كم. وقد اشتملت القرية على مدرسة ابتدائية تأسست في عام 1925، كما أنها ضمت بعض الدكاكين. ويقع مقام الشيخ سعد في غرب القرية وسط البساتين لمنتشرة بين بيوت عرب أبو كشك وعرب السوالمة.
بلغت مساحة أراضي عرب أبو كشك 18,470 دونماً، منها 398 دونماً للطرق والأودية و901 دونم تملَّكها الاحتلال . وتتميز الأراضي الزراعية بخصوبة تربتها وارتفاع انتاجها وتوافر المياه الجوفية فيها. وأهم المحاصيل الزراعية الحمضيات التي غرست في 2,924 دونماً، والعنب الذي تتركز زراعة أشجاره في الأطراف الشمالية. وكانت القرية تزرع أيضاً الحبوب والخضر بأنواعها المختلفة. وتعتمد الزراعة على مياه الأمطار والآبار التي تروي المزارع والبساتين وتزرع بعضها زراعة كثيفة. ويربي السكان المواشي في المراعي الطبيعية والأراضي التي زرعت فيها النباتات العلفية.
كان تعداد قرية عرب أبو كشك في عام 1931 نحو 1007 نسمات، وقدر عددهم في عام 1945 بنحو 1,900نسمة وقد أبلى هؤلاء العرب بلاء حسناً في كفاحهم ضد الصهيونيين والإنجليز أثناء فترة الانتداب، إذ صدّوا في ثورة يافا (1921) عدوان سكان مستعمرة بتاح تكفا (ملّبس) المجاورة وأوقعوا بالمستعمرة بعض الخسائر.
وفي عام 1948 احتل الصهيونيون أراضي قرية عرب "أبو كشك" ودمروا بيوتها بعد أ طردوا السكان منها، ثم أقاموا مستعمرة "شمون نافيه هدار" على أراضي القرية.
يقول الباحث الراحل اعس أبو كشك
لم تكتف السلطات الاسرائيلية بتهجير عائلة ابو كشك من ارضها عام 1948 ,تلك العائلة التي تشتت شملها بعد ان كانت عائلة مستقرة في وطنها وفوق ارضها التي تقدر مساحتها اكثر من 25 الف دونم وهي من اخصب المناطق الزراعية في وسط فلسطين حيث اشتهرت ببساتينها وبياراتها , وفي عام 1948 قامت المنظمات الصهيونية بالهجوم على قرية ابو كشك وذلك للثأر من العائلة التي قامت بأول ثورة في عام 1921 بقيادة المناضل الشيخ شاكر ابو كشك حيث هاجمت العائلة مستوطنة بيتح تكفا واسمها الفلسطيني ملبس والتي يفصلها عن عائلة ابو كشك نهر العوجا , وقد تكبد المستوطنين خسائر جسيمة في الارواح والممتلكات , فقامت على اثرها سلطات الانتداب البريطاني بأعتقال الشيخ شاكر ابو كشك ,ولم يتم الافراج عنه الا بعد تدخل عشائر بئر السبع الذين هددوا بقطع الطريق الموصل بين فلسطين ومصر.
وكان لهجوم المنظمات الصهيونية والتي روعت الاطفال والشيخ والنساء ان هاجرت العائلة مقط رأسها الى قرى قريبة من رام الله وقلقيلية خوفا من بطش اليهود وبقي عدد قليل من افراد العائلة في موقعهم على امل ان يعود المهجرون من العائلة ,الا ان التهجير القسري استمر وتشتت العائلة فمنهم من اقام في قلقيلية وطول كرم ونابلس ورام الله وعمان واربد والطفيلة والكرك وبيروت والكويت والامارات وقطر وسوريا وامريكا وباتت الاجيال المتلاحقة لا تعرف اقاربها وضعف التواصل بينها الا في التجمعات القريبة من بعضها البعض , ام بالنسبة للذين بقوا في موطنهم فقد تعرضوا لحملة من القمع والاضطهاد من قبل سلطات الاحتلال التي هجرتهم من مسقط رأسهم الى موقع بالقرب من مدينة اللد ولم يسمح لهم اطلاقا بالعودة الى قريتهم والتي اقامت عليها سلطات الاحتلال مصانع عسكرية بعد ان هدمت البيوت وجرفت المزارع والبيارات , ولكن افراد العائلة والذين سكنوا في اللد لم يسلموا من بطش الاحتلال فحاصرهم وضيق عليهم الخناق وبدأبسلب اراضيهم واعتفال من يحاول معارضة تلك الاجراءات فقد اصدرت محكمة الصلح الاسرائيلية في "رحوفوت" في شهر اذار الماضي ، قرارها القاضي بإخلاء عدد من المنازل تعود ملكيتها لـ13أسرة من عائلة ابو كشك وجاء القرار ليثير خشية أصحاب المنازل من فتح ملف في دائرة الإجراء، وتنفيذ هذا القرار في كل لحظة الذي سيلقي بـ 60 شخصا إلى الشارع، ذلك بالرغم من أن العائلة تسكن منازلها منذ الستينيات.
وجاء القرار ليثير خشية أصحاب المنازل من فتح ملف في دائرة الإجراء، وتنفيذ هذا القرار في كل لحظة الذي سيلقي بـ 60 شخصا إلى الشارع، ذلك بالرغم من أن العائلة تسكن منازلها منذ الستينيات.
وقال رئيس لجنة دهمش، عرفات إسماعيل: "جاء القرار استجابة لمطلب دائرة أراضي إسرائيل، وأصدرت المحكمة أمرا بإخلاء منازل تأوي 13 عائلة عربية، بادعاء الاستيلاء على مبنى ! علما أن العائلات موجودة في المبنى منذ عام 1969، وعينت العائلة المحامي قيس ناصر من أجل إلغاء القرار".
عائلة أبو كشك هي إحدى العائلات الفلسطينية العريقة التي كانت تملك أكثر25 الف دنم من الأراضي في مركز البلاد قبل عام 1948، وتحديدا الأراضي المقامة عليها بلدات "رمات هشارون " و"هود هشارون" وقسم من "هرتسليا" و "رعنانا".وعلى بعد 21 كيلو متر من الشمال الشرقي لمدينة يافا ,وعلى الشارع الرئيسي الذي يربط ما بين حيفا والجنوب ,على ضفاف نهر العوجا .
بعد مصادرة تلك المساحات الشاسعة من الأراضي وتهجير العائلة من قرية أبو كشك التي قامت على أنقاضها بلدة "هود هشارون اليهودية"، تبقى لعائلة طيب أبو كشك 20 دونماً في اللد، وقد اعتبرت ملكية العائلة عليها تعويضا عن مئات الدنمات التي صودرت. قبل عدة سنوات صودرت تلك المساحة أيضا ووضعت "مصلحة القطارات" اليد عليها وقامت ببناء سكة حديدية تصل منطقة المركز بمستوطنة موديعين.
عام 1954 وحينما وصلت العائلة إلى اللد بعد تهجيرها من قرية أبو كشك، اضطرت لشراء منزل مبني على مساحة دونم ونصف من شركة "عميدار" وهي شركة إسكان حكومية، وفي هذه الحالة تحتفظ "دائرة الأراضي" بالملكية على الأرض، ومع مرور الزمن واتساع العائلة وازدياد عدد أفرادها قامت العائلة بإضافة شقق سكنية في نفس مساحة الأرض التي يقوم عليها المنزل، دون تجاوز المساحة الأصلية.وقبل ذلك تلقى أبناء المرحوم طيب أبو كشك الستة أوامر من "دائرة أراضي إسرائيل" بتفريغ البيوت من الممتلكات الشخصية وإخلائها خلال 30 يوما لتقوم دائرة أراضي إسرائيل بوضع اليد عليها.
العائلة سارعت إلى تقديم استئناف للمحكمة آملة في الحفاظ على المنازل القائمة على مساحة صغيرة من الأرض بعد أن خسرت كل ما كان لديها نتيجة لسياسة سلطة غاصبة تنتهج سياسة التضييق على عرب اللد وتسعى إلى تهجيرهم من منازلهم.وكان المرحوم موسى ابو كشك الذي تلقى اخوته اوامر الاخلاء والذي تم اغتياله قبل عامين قد قال في حينه وبمرارة
عن الحق في الحياة في دولة لا تعير حياته أي اهتمام. هو مدرك تماما لسياسة "تنظيف العرب" في اللد والرملة ودفعهم إلى هجرة ثانية إلى المجهول مرة أخرى. موسى تعهد بأنه لن يكون تهجير بعد تهجير عام 1948 إلى أن يحين يوم العودة.
سيكون الاعتماد على القضاء الإسرائيلي في حالة عائلة أبو كشك ضرب من المجازفة، في دولة تسلب باسم القانون وتصادر باسم القانون وتقتل باسم القانون. تحرك شعبي قد يساهم في خلق قضية رأي عام ويصبح للسلطات الإسرائيلية اعتبارات تحسب لها حساب.
النائب طه: عائلة طيب أبو كشك وغيرها من العائلات العربية في اللد هي ليست رهائن في الدولة أنما هم مواطنون ومن حقهم المسكن.
توجه النائب واصل طه إلى وزير الإسكان وإدارة "أراضي إسرائيل" وطالبهم بوقف عملية إخلاء البيوت التابعة لعائلة أبو كشك في مدينة اللد لأن هذه العائلة وغيرها من العائلات العربية في مدينة اللد هم مواطنون وليسوا رهائن، ومن حقهم المسكن.ويتوجب على وزارة الإسكان ودائرة الأراضي أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار خاصة أن هذه العائلة تعتبر من العائلات العريقة والأصيلة في بلادنا حيث كانت تملك آلاف الدنمات من الأراضي في منطقة المركز، صادرتها مؤسسات الدولة.
كما وتستطيع المؤسسات التي أصدرت أمر الإخلاء التوصل مع أصحاب المنازل إلى حلول مرضية تمنع إلقاء أسر كاملة إلى المجهول.
وحث النائب طه وزير الإسكان وإدارة الأراضي لفض هذه القضية وإيجاد حل لها يرضي العائلة.
ومع اشتداد النضال ضد قرار سلطات الاحتلال استطاعت العائلة الحصول على قرار من محكمة الصلح في 'رحوبوت' بالنقب، قبول طلب المحامي قيس ناصر بإبطال قرار الحكم النهائي الذي استصدرته ما يسمى بدائرة أراضي إسرائيل لإخلاء 13 عائلة عربية من آل أبو كشك من منزلهم في القرية غير المعترف بها دهمش بالقرب من اللد.
واستندت المحكمة في قرارها الصادر يوم أمس الأربعاءفي الخامس عشر من حزيران الماضي على إدعاء المحامي ناصر أنه لم يكن لمحامي دائرة أراضي إسرائيل ساعة إصدار القرار وكالة سارية المفعول من المستشار القضائي لحكومة إسرائيل.
وقال المحامي إن دائرة أراضي إسرائيل أصدرت قبل عدة أشهر إصدار قرار حكم نهائي بإخلاء 13 عائلة عربية من آل أبو كشك بحجة أنهم يسكون في منزلهم دون إذن من دائرة أراضي إسرائيل، وصدر القرار دون أن تمثل العائلات أمام المحكمة وتقدم شهاداتها لصلب القضية.
وأضاف: القرار كان عمليا حكما غيابيا، ادعيت أنه لم يكن لمحامي دائرة أراضي إسرائيل ساعة إصدار القرار وكالة سارية المفعول من المستشار القضائي لحكومة إسرائيل، وهي وكالة مطلوبة في كل ملف في قضايا الأرض تكون فيه دائرة أراضي إسرائيل الطرف المدعي أو المدعى عليه.
وأشار إلى أن محكمة الصلح أبطلت القرار مستندة بالأساس على قبولها للادعاء بخصوص وكالة محامي دائرة أراضي إسرائيل، ومؤكدة في قرارها أن عدم وجود وكالة سارية المفعول من قبل المستشار القضائي لحكومة إسرائيل هو خلل جوهري في إجراء إصدار القرار وليس أمرا شكليا فقط.
وقال المحامي 'لهذا يعتبر القرار تجديدا قضائيا فيما يخص وكالة المستشار القضائي لحكومة إسرائيل وهو يدعو كل المترافعين في قضايا دائرة أراضي إسرائيل بفحص وكالة محامي دائرة أراضي إسرائيل في كل ملف وملف'.
وقال رئيس لجنة قرية دهمش عرفات إسماعيل إن القرار انجازا هاما إذ أنه منع إخلاء 13 عائلة عربية من قرية دهمش من مبنى يسكون به منذ عام 1969، الأمر الذي كان سيسبب كارثة إنسانية كبيره لهذه العائلات. يندرج القرار أيضا في إطار نضال أهالي قرية دهمش بالبقاء على أرضهم وبالاعتراف بقريتهم ضمن المجلس الإقليمي عيمك لود التي يسكنون فيها منذ عشرات السنين على أراضيهم الخاصة.
وأضاف إسماعيل أنه رغم إبطال قرار إخلاء العائلات، إلا أن خطر الإخلاء يتهدد العائلات وذلك على ضوء تصميم دائرة أراضي إسرائيل بإخلائهم من منازلهم 'لن نستسلم وسنعمل كل ما بوسعنا من النواحي القضائية والجماهيرية والسياسية لمنع الإخلاء وللاعتراف بقرية دهمش كقرية ضمن المجلس الإقليمي عيمك لود'.
ان هذا القرار والذي يؤكد على حق العائلة في البقاء في مسكنها انما يؤشر الى ضرورة المطالبة بالعودة الى اراضيهم التي اقتلعوا منها ,وانه ورغم مرور ثلاثة وستون عاما على النكبة الا ان عائلة ابو كشك ومثلها العائلات الاخرى التي شردت من موطنها واراضيها لا يمكن ولا بأي حال من الاحوال ان تنسى حقها التاريخي في العودة الى وطنها سواء طال الزمن ام قصر .
ذاكرة اللاجئ الحاج محمد إسماعيل أبو كشك ابوجواد القيادي في حركة فتح والذي امضى في الاعتقال اكتر من عشرة سنوات
ذو الـ75 عاما لم تقوى على نسيان كلمات ترومان لتعيد الحديث مجددا:" يومها كنت أستمع لجهاز، وتوجه صحفي بالسؤال لترومان حول آليات حل القضية الفلسطينية، فقال ترومان أن عامل الزمن كفيل بإنهاء هذه القضية، فسأله الصحفي مرة أخرى، كيف ذلك، فأجابه الكبار يموتون والصغار ينسون وهكذا تنتهي القضية".
أبو كشك الذي حاورته "شبكة اخباريات" في منزله في مخيم عسكر القريب من مدينة نابلس بالضفة الغربية، يتذكر أيضا كيف كان الرد الفلسطيني على تصريحات ترومان تلك، وتلخص الرد بعبارة "الكبار يموتون حقا، لكن الصغار يثورون".
بعد صمت دام بضعة ثوان، حمل الحاج أبو كشك، كأسا من الشاي، تناول رشفة واحدة، وتابع الحديث :" الزمن أثبت صحة ما نقول، فالكبار ماتوا، لكن الصغار ثاروا، وكنا نحن في ذلك الوقت من الصغار اللذين ثاروا ضد الاحتلال، وأثبت عامل الزمن الذي راهن عليه ترومان فشل المخططات الأميركية".
محمد أبو كشك لاجئء فلسطيني من قرية أبو كشك التابعة لمدينة يافا، واجه كغيره من اللاجئين مأساة تهجير أصطلح الجميع على تسميتها "النكبة"، تدور عجلة الزمان وتتكرر المعاناة لعيش مرة أخرى مع مصطلح جديد أُسمي "النكسة".
حديث أبو كشك عن الحنين إلى بلده لا يتوقف، :" عندما تأتي ساعات المساء، وتريد أن تخلد إلى النوم، تعود بك الذاكرة إلى الوراء، لتتذكر أيام أشجار البرتقال والليمون، تتذكر جلسات الديوان، والحياة الجميلة التي كنا نعيشها".
حديث الشوق ليافا لا ينقطع لدى أبو كشك سوى للتأكيد على حق العودة إلى الديار
ويتابع بعد أن ألقى نظرة على صورة في أحد زوايا المنزل، لشقيق شيخ عشيرة أبو كشك وهي الصورة التي تذكره ببلده: "نحن حلمنا بالعودة، ولم تحن هذه اللحظة حتى الآن، لكن هذه أمانة في أعناق الجميع والكل يتحمل مسؤوليتها".
سنوات التشرد واللجوء
يوم 15/3/1948 يحمل الوجع الأكبر لقلب الحاج أبو كشك الذي يقول:" في هذا اليوم خرجنا من قريتنا، لم يكن أمامنا خيار آخر سوى الخروج، بعد أن تم منحنا فترة سبعة أيام لمغادرة المكان وتركه لليهود المحتلين، وسبق ذلك سقوط لعدد من القرى الواقعة خلفنا، وبدأ سكانها يرحلون نحونا، وباتت كل المناطق الواقعة في الخلف مكشوفة للاحتلال بعد أن احتلوا تلك القرى التي رحل منها سكانها".
وحمل الحاج أبو كشك قادة بعض الجيوش العربية مسؤولية دفع الفلسطينيين إلى ترك قراها وبلداتهم الأصلية. وأضاف:" كان هناك ضابط عراقي اسمه مدلول بيك وهو من ضباط فوج القاوقجي، التابع لجيش الإنقاذ، قال لنا أن علينا أن نغادر المكان لأننا سنكون في وجه المدفعية العربية التي ستقاوم قوات الاحتلال، البعض غادر وبقي آخرون ولم يكن هناك مقاومة عربية، وبعد ذلك تم تهديدنا من قبل اليهود للرحيل خلال سبعة أيام، وكان بمثابة فترة لنقوم بنقل أمتعتنا".
لا مقاومة عربية
لا يتوقف حديث الحاج أبو كشك عن ضعف الجيوش العربية التي كانت متواجدة في فلسطين خلال فترة النكبة. ويتابع قائلا في سياق حديثه مع شبكة اخباريات:" المقاومة الفلسطينية كانت قادرة على دحر الاحتلال، لو لم يكن هناك تدخلا من الجيوش العربية، فالأوامر كانت تصدر بطريقة عشوائية وبشكل أدى إلى الهزيمة الصعبة، لم يكن هناك مقاومة حقيقية، ودخول الجيوش العربية أساء للمقاومة الفلسطينية، فما كانت تقوم به بريطانيا التي كانت تحتل الأرض كانت تقوم به القوات العربية، فبعض القوات تركت اليهود خلفها ووصلت إلى منطقة بيت لحم والخليل بينما كان اليهود يسيطرون بشكل كامل على المناطق الواقعة في الخلف مثل بئر السبع والنقب، الامر الذي أدى لاحقا لانسحاب القوات العربية بعد أن وجدت نفسها محاصرة، كما أن بعض القيادات العربية طلبت من جنودها التراجع بعدما كانت في صفوف متقدمة".
خدع يهودية
ويوضح أبو كشك أن اليهود اعتمدوا على الدعاية والسلاح من أجل ترهيب الفلسطينيين ودفعهم للرحيل عن قراهم، فمثلا في قرية دير ياسين التي استشهد فيها عبد القادر الحسيني في معركة القسطل، مارس اليهود أنواعا مختلفة من الدعاية، إضافة لعمليات القتل الجماعي والمجزرة التي ارتكبوها في تلك البلدة، وقام اليهود ببث الأنباء حول قيام عصاباتهم بقتل النساء والأطفال لدفع سكان العديد من القرى والمدن إلى مغادرة أماكن وجودهم باتجاه الضفة الغربية، وقطاع غزة".
وكان أكثر من 100 فلسطيني استشهدوا في تلك المجزرة، غالبيتهم من النساء والأطفال.
شراء الأراضي
لم يدخر اليهود وسيلة إلا واستعملوها للسيطرة على فلسطين، حتى ما قبل النكبة، معلومات يؤكدها الحاج أبو كشك من خلال حادثة وقعت مع شاكر أبو كشك وهو شيخ العشيرة أنذاك.
يقول الحاج السبعيني ورغم عدم معاصرته لتلك الحادثة إلا أنه حفظها من والده ويقول :" في العام 1921 كان اليهود يقيمون مستوطناتهم فوق الأراضي الفلسطينية، وقام الشيخ شاكر أبو كشك مع مجموعة من المقاومين باقتحام أول مستوطنة يهودية وتم حرقها بشكل كامل، وتدخلت القوات البريطانية واعتقلت الشيخ شاكر، ومن ثم تم احتلال أراضي القرية بشكل كامل، وتم حرق منزل شيخ العشيرة مع كافة محتوياته، كما كان هناك مساع لحرق الشيخ شاكر لكن أحد الجنود يقال أنه هندي يعمل في الجيش البريطاني، قام بسحب الشيخ شاكر من بين النيران".
وأضاف قائلا:" بعد ذلك تم اعتقال الشيخ وحكم عليه بالسجن لمدة خمسة عشر عاما، لكن ومن خلال تدخلات شيوخ العشائر وبعد مفاوضات مع المندوب السامي البريطاني تم الاتفاق على الإفراج عنه بعد سنتين مقابل أن يدفع تعويضات لليهود، وكان ذلك بداية الخطة لبيع الأراضي لليهود بشكل سري، حيث قام الشيخ شاكر ببيع أجزاء من أرضه لمجموعة من المسيحيين ليسدد التعويضات المطلوبة منه، لكن تبين لاحقا أن تلك المجموعة لم تكن سوى وسيط ونقلت الأرض بعد ذلك لليهود، وأعادوا بناء المستوطنات هناك، وأحاطوا المنطقة بأكملها".
اللجوء مرتين
ذاكرة الحاج أبو كشك التي تعود بين الحين والآخر إلى الوراء مرة أخرى لتتحدث عن تفاصيل اللجوء، تروي المزيد من قصص المعاناة بالقول :" بعد أن تركنا قريتنا توجهنا إلى مناطق طولكرم وقلقيلية، وبعدها انتقالنا إلى منطقة الأغوار وكنت أنا ممن توجهوا إلى تلك المنطقة. لكن في العام 1967 بدأ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة ومدينة القدس، وتم السيطرة بشكل كامل على منطقة الأغوار التي كنا نعيش فيها، واضطررنا للخروج مجددا تحت تهديد السلاح، وتوجه جزء منا إلى منطقة نابلس بينما غادر آخرون باتجاه الأردن، ووصل بنا المطاف إلى مخيم عسكر الذي أعيش فيه الآن.
العودة بشكل مؤقت
بعد احتلال إسرائيل للضفة وغزة والقدس، تمكن الحاج أبو كشك من زيارة منزله في قرية أبو كشك، للحظات معدودة، وقال:" عندما ذهبت في زيارة بعد العام 1967 شعرت بمدى الشوق للبيت والمكان، بعض المنازل كانت لا زالت قائمة، والبعض الآخر تم بناء منازل جديدة مكانه لليهود".
وأضاف:" أختي أيضا وصلت إلى بيتنا ووقفت أمامه وأخذت للبكاء، فخرجت عليها يهودية، وسألتها عن سبب بكائها، فأخبرتها أختي أنها تبكي على منزلها، فسارعت اليهودية وطردتها من المكان".
أبو كشك كما بدأ حديث بالحنين إلى البلد الأصلي، يختم حواره مع "شبكة اخباريات" بحنين أكثر ولا زال يصر على أن حق العودة هو أمانة في أعناق الجميع, ويكتفي بالقول:" في 14/5/1948 انسحب آخر جندي بريطاني من فلسطين وبعد ذلك بساعات أعلن عن قيام دولة إسرائيل فوق أرضنا".