الشهيد الفتى ياسر غنّام
الشهيد الفتى ياسر غنّام
نذير علمدار
شاب في مقتبل العمر ، لم يتجاوز الثمانية عشر ربيعا . معتدل الطول ، حنطي اللون ، أسود الشعر أجعده ، لا تفارق ثغره ابتسامة تنمّ عن أدب جمّ ، و تهذيب كبير ، كريم النفس و اليد . و ما زال على هذه الحال حتى جاد بماله و نفسه في سبيل الله .
في الأيام الأولى للمحنة السورية (بداية نيسان : إبريل ) داهمت عناصر المخابرات المعمل الذي كان يعمل فيه الشهيد و اعتقلوا كل من كان معه ، و حققوا معهم على وجه السرعة بحثا عن المجاهد الشهيد عصام قدسي ، و حينما لم يعثروا عليه استدرجوه بالهاتف ، و اتخذوا من الفتى ياسر – الذي خدعهم – دليلا على كل قادم بانتظار عصام ، و عندما حضر عصام – رحمه الله – على دراجته غافلهم ياسر ، و أشار له أن ابتعد ، فأدرك عصام المكيدة ، و توارى سريعا ، و في فرصة أخرى لحق به ياسر ، و كان لهما فيما بعد جولات بارعة في مصارعة الطغيان
مع بداية 1979 م أسفر الحكم الطائفي عن وجهه القبيح ، و أعلنها حربا سافرة على المسلمين ، بعد أن مسخ كل ما يمت إلى الإسلام بصلة في أجهزة التعليم و مناهجها ، و في مؤسسات الدولة الإعلامية و القانون و الجيش . لقد فتح الطغاة سجونا لنخبة كبيرة من الدعاة المخلصين ، و علقوا فئة أخرى من الأبرياء على أعواد المشانق .
و ينطلق ياسر مع إخوانه مجاهدا في سبيل الله واضعا نصب عينيه هدفا من هدفين لا ثالث لهما : إما نصر يكحل عينيه به ، و إما شهادة تدخله جنات عرضها السماوات و الأرض . لقد كان الشهيد على موعد مع ربه في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ، و في العشر الأواخر منه ، و في ليلة الجمعة بالذات حيث جرى اشتباك ضخم بين مجموعة الشهيد ياسر و بين عناصر المخابرات مساء يوم 19 / 8 / 1979 م في حي (باب النصر) بمدينة حلب ، استمر من المساء حتى الصباح ، و استدعى إنزال قوات من (سرايا الدفاع) لتعزيز موقف قوات المخابرات و أمن الدولة و الشرطة و الحزبيين المسلحين ، كما استخدمت القذائف الصاروخية (آر ، بي ، جي ) لدك البيوت التي يتحصن بها المجاهدون .
و انجلت المعركة عن سقوط ما لا يقل عن مائة قتيل من رجال السلطة و استشهاد المجاهدين الخمسة : عصام قدسي ، همام الشامي ، إسماعيل اليوسف ، رامز العيسى ، و شهيدنا ياسر غنام ، صاحب الرصاصة الأولى و الأخيرة في هذه المعركة ، و هو الذي كان يسعى بين إخوانه المقاتلين يحمل الذخيرة أو يقدم الإسعاف ، و يتحامل على جراحه بين الحين و الآخر حتى توهم رجال السلطة أنه قتيل أكثر من مرة ، فكان يصليهم النار كلما اقتربوا منه ، فما كان منهم إلا أن ألقوا بجسمه المخضب بالدماء من البناء الشاهق إلى الأرض و ما زال فيه رمق من روح .
هنيئا لك أيها الشهيد بعد أن نلت أسمى أمانيك ، فاللهم لا تحرمنا أجره و لا تفتنا بعده و اغفر لنا و له.