ذكريات الأستاذ فتح الله كولن مع الدكتور سعاد يلدرم
ذكريات الأستاذ فتح الله كولن
مع الدكتور سعاد يلدرم
حازم ناظم فاضل
تم تعيين الأستاذ «سُعاد يِلدِرِم»(1) مفتياً عاماً على محافظة أدرنة عندما كان الاستاذ محمد فتح الله كولن اماماً في مسجد ( دار الحديث).
والنظام الإداري يومئذ قائم على أن مفتي المحافظة هو المسؤول على جميع الموظفين في إدارة الشؤون الدينية والتابعين لها، كالأئمة، والخطباء، ومدرِّسي القرآن الكريم، وغيرهم. فاستأجر له الإداريون منـزلاً خاصاً .
وكان «فتح الله» ساعتها قد غادر غرفة الإمامة بمسجد «دار الحديث»، واستأجر لنفسه منـزلاً يسكن فيه. لكنه كان منـزلاً خَرِباً سيئاً للغاية!
في أحد الأيام زار الإمام «فتح الله» صديقه المفتي «سعاد يلدرم» ببيته في وقت مبكِّر بُعَيدَ الفجر حتى لا يراه أحد. ففاجأه أن بيت المفتي لا يقل سوءاً عن بيته الخرب. ولذلك ما أن جلس إليه حتى شكا المفتي حاله قائلاً:
«إن هذا البيت تسكنه البراغيث بكثرة.. إنني لا أستطيع النوم بسبب تواتر اللسع والحك!» . فقال له «فتح الله»:
«وإن حالي لكذلك، فإذا رغبتم نستأجر معاً منـزلاً واحداً، تكون فيه غرفتان، كل منا يسكن غرفة؟» فما كان من المفتي إلا أن وافق فوراً! (2).
واستأجرا منزلاً.. كان عبارة عن مسكن سفلي قديم يتكون من غرفتين، دون مرافق أخرى، ومسكن علوي يسكنه رب البيت وأسرته، وكان بناته ونساؤه على حال فظيع من التبرج والتبذل، كعادة أهل أدرنة في ذلك الزمان. وكان للبيت كله مرافق صحية واحد، مبني في إحدى زوايا الحديقة الصغيرة، يشترك في استعماله الجميع.
وقد كان في ذلك من الضيق والحرج على الرجلين الصالحين ما فيه. أما المطبخ فلم يكن له مكان في مسكنهما؛ ولذلك اتخذا فراغاً صغيراً تحت الدرج مكانا لطبخ طعامهما.. ثم كانت تلك فرصتهما الغالية لمدارسة «رسائل النور».
وهناك كان كل منهما يستنسخ ما يشاء منها لجعله مادة وعظه بالمسجد . كان «فتح الله» يجعل ورقةَ دَرسِهِ وسط كتاب «التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح» (3)، وهو مختصر لصحيح البخاري ترجم إلى اللغة التركية، وطبعَته رئاسة الشؤون الدينية بتركيا. وكان أحياناً يكتب بعض الكلمات بأحرف مشفرة، لا يقرأها سواه لما يعلم من الرقابة الشديدة على دروسه. فما كان رجال الشرطة يغادرون باب مسجده إلا بعد نهاية الدرس وتفرق الناس! (4).
يذكر الأستاذ «فتح الله» عن خواطره مع الأستاذ «سعاد يلدرم» فيقول:
«قضينا أيام ودٍ وحبٍ وصداقة. فلا أتذكر بإيذائه لي أو أيذائي له ولو بالشيء القليل. فمكثنا معا ونحن في سن الشباب قبل أيام العسكرية. فأحياناً أسرع إلى البيت لأخذ ملابسه وثيابه وأغسله وأقوم بخدمته وأحياناً أخرى كان هو يُسرع إلى البيت قبلي ويحاول القيام بغسل ملابسي أما الغسل فقد كانت يديوية وليست لدينا الغسالات الكهربائية. أما أنا فقد كنت أخبئ ملابسي في أماكن بحيث لو بحث عنه لا يجده أبداً وهو كذلك يقابلني بنفس الأحاسيس.. هكذا كنا نحن الأثنين. فقد كان يسرع بالمجيء إلى البيت كي يقوم بالطبخ وإحضار الطعام... وإذا بي قد طبخت الطعام قبل وصوله إلى البيت.
والأستاذ كان يتصف بنومه العميق لكنني لم أخل بتربيتي قط. أطرق الباب أولاً، وأنا على علم بأنه لا يستيقظ بطرق الباب أبداً.. فهذا من باب الإحتياط كي يغطي جسمه إن كان مكشوفاً مثلاً... وبعد طرق الباب عدة مرات أفتح الباب وأدخل.. أما إيقاظه فيكون بتحريك وهز سريره. نعم، إنها صداقة لطيفة(5).
الهوامش
(1) الدكتور سعاد يلدرم: ولد في قضاء «أركاني» التابعة لولاية «دياربكر» عام 1941، يعمل أستاذ مشرف في كلية الإلهيات بجامعة مرمرة في إسطنبول.
Ali Ünal, M.F. Gülen Bir Portre Denemesi S.24. (2)
(3) التجريد الصريح للشيخ الإمام زين الدين أبي العباس أحمد الزبيدي المتوفى سنة 893 ، جرد فيه أحاديث صحيح البخاري ، حذف فيه ، ما تكرر وجمع ما تفرق في الأبواب (انظر : كشف الظنون لحاجي خليفة، ج1 ص552 )
Küçük dünyam,S.89-90. (4)
M.Fethullah Gülen, Sohbet , 9.12.1994. (5)