الشهيد الدكتور حسين خلوف
الشهيد الدكتور حسين خلوف
نذير علمدار
مولده ونشأته :
ولد – رحمه الله – عام 1943م في حي [ البارودية ] من مدينة حماة , وتربى في أسرة مؤمنة متوسطة الحال , وقد درس المراحل التعليمية في حماة حتى حاز الشهادة الثانوية عام 1962م , فالتحق بدار المعلمين الابتدائية إلى أن ظهرت نتائج القبول في كلية الطب , فانتسب إلى كلية طب الأسنان بجامعة دمشق , ثم تخرج بها عام 1967م , ثم أدى الخدمة العسكرية , وبعد انتهائه منها استقر في مدينة حماة حتى تاريخ اعتقاله 1979/4/12يوم الخميس , ثم استشهاده – رحمه الله – يوم الخميس في 1979/6/29م
٭ ٭ ٭
لقد كان رحمه الله من المؤمنين الذين فهموا الإسلام فهمًا شاملاً , فآمن وعمل . كان قدوة في التطبيق الإسلامي الشامل في حياته الخاصة والعامة , ولم يقتصر على شكل واحد من أشكال العمل الإسلامي إنما كان ذا صلات حسنة مع العاملين في الحقل الدعوي كلهم , منطلقًا من قول الإمام حسن البنَّا – رحمه الله – [ نعمل في ما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه ] : فهم عميق لمبادئ الإسلام السمحة .
كان من المريدين المقربين للشيخ محمد الحامد – رحمه الله – وهو من هو في علمه وتقواه وروحانيته , يلازمه في دروسه العامة والخاصة ونزهاته وسهراته , كما كان له في قلب الشيخ مكانة خاصة قلما حصلت لأحد إخوانه , وقد كسب الشهيد من الشيخ علمًا واسعًا , وأدبًا رفيعًا وروحانية فياضة , وتمسكًا بالإسلام يخالط شغاف القلب , ويمهد طريق الاستشهاد . وكم كان الشيخ محمد الحامد – رحمه الله – يذكر طلابه قائلاً لهم : [ وطدوا عزمكم أن يحمل كل منكم الإسلام , ويدعو له , ولو بقي وحيدًا في الدنيا وكفر الناس . عضوا عليه بالنواجذ , ولا يؤتين الإسلام من قبلكم ] .
لقد سلك شهيدنا طريق المحبين السائرين إلى الله على يد الشيخ الحامد , وكان يقرأ الأوراد المأثورة , كما كان له في دمشق أثناء دراسته الجامعية جلسة روحية يوم الجمعة بعد صلاة الفجر يتلو فيها مع إخوانه القرآن الكريم والأذكار وأخبار الصالحين .
٭ ٭ ٭
لقد أخذ – رحمه الله – بالإسلام كلاًّ لا يتجزأ , فلم يهمل جزءًا على حساب جزء فانطلق بروح الإسلام مطبقًا عاملاً مجاهدًا . إنه آمن بطريق الدعوة والجهاد , ولو أدى ذلك للاستشهاد , ولقد صدق الله فصدقه .
كان – رحمه الله – يذكر قول خديجة – رضي الله عنها – [ والله إنك لتحمل الكَل وتغيث الملهوف وتصل الرحم , وتعين على مصائب الدهر ] فتأسى بخير الخلق محمد – صلى الله عليه وسلم – فكان يصل رحمه بارًّا بوالديه , محسنًا لإخوته , محببًا لدى أفراد أسرته وأقاربه جميعًا , حسن الجوار ,
لم يدخر وسعًا شخصيًّا أو ماديًّا أو أدبيًّا أمام والديه وأقاربه , حتى يظن بعض الناس أنه متلاف لماله , مضيع لوقته , ولقد ابتنى لأهله بيتًا جديدًا لمّا ينته منه حين داهمته يد الظلم والحقد .
٭ ٭ ٭
في صباح يوم الخميس الموافق 1979/4/12 وحوالي الساعة العاشرة والنصف هاجم رجال المخابرات عيادته ودخلوا عليه , وهو يداوي بعض مرضاه , وتعرضوا له بكلام بذيء كعادتهم فأبى عليه إيمانه وعزة الإيمان أن يؤخذ على هذا الشكل فأشهر مسدسه على الرائد النصيري , رئيس الدورية , فأصاب منهم اثنين , فأطلقوا النار عليه بغزارة , فأصابوه إصابتين بليغتين , ثم راحوا يجرونه على الأرض , - وهو مضرج بدمائه , ورأسه يتدحرج على درجات السلم – وعندما نقلوه إلى المشفى الوطني بحماة مع جرحاهم , وحاول الأطباء في المشفى تقديم الإسعاف الطبي الضروري له رفض زبانية المخابرات ذلك , وتركوا جراحه الطاهرة تنزف أمام زملائه الأطباء , وهو معفر بالتراب .
كان – رحمه الله – شهمًا شجاعًا طوال حياته , وكان كذلك أثناء محاكمته غير العادلة , فحينما قال له القاضي : هل كنت تأخذ الأموال ؟ قال الشهيد : لا [ بل كنت أدفع اشتراكًا شهريًّا ] , وعندما سأله : هل تطلب استرحام المحكمة ؟ قال الشهيد :[ لا : بل أطلب الرحمة من الله عز وجل لا من المحكمة ] . وعندما أعلن حكم الإعدام عليه وعلى إخوانه الآخرين صاحوا بأعلى صوتهم : [ الله أكبر ولله الحمد ] .
وأثناء تنفيذ حكم الإعدام أثبت هو وإخوانه للعالم عزة المسلم وإرادته . قاموا جميعًا للصلاة , فلم يسمح لهم بالوضوء , فتيمموا صعيدًا طيبًا , ثم قدموا الشهيد الدكتور حسين إمامًا فيهم حتى فرغوا من الصلاة , ثم شرعوا بالتكبير الجماعي مما جعل الجنود المحيطين بساحة السجن المركزي في مدينة دمشق يبكون جميعًا من شدة التأثر . ثم تقدم الشهداء بخطى ثابتة مع تقدم الدقائق الأولى من الصباح الباكر , وفي طليعتهم الدكتور باسم الثغر مرفوع الرأس , وضاح الجبين , يتلألأ في عينه فرح سماوي , وتكلله شهادة [ لا إله إلا الله ] لتكون نورًا له وضياء للأجيال من بعده .
رحم الله الشهيد , وطيب ثراه , وجعله قدوة للسائرين على دربه .