محمد كمال الدين السنانيري
المستشار عبد الله العقيل
هو الأخ الحبيب والخل الوفي والتقي الورع المسلم الصادق والداعية المجاهد، والمؤمن
الصابر والرجل الصلب والمعدن النفيس والعامل بصمت، الصوام القوام، التالي الذاكر،
الذي ضرب أروع المثل في الثبات على الأمر، والجرأة في الحق والصبر على البلاء، فكان
المثل لإخوانه الدعاة داخل السجون، يرونه القمة الشامخة والطود الأشم، المعتز بربه
المستعلي بإيمانه على الأقزام المهازيل من الفراعنة الصغار وزبانيتهم المرتزقة
أشباه الرجال ولا رجال.
كان السنانيري التلميذ الوفي لمبادئ شيخه وأستاذه الإمام الشهيد حسن البنا، والذي
وعى الدرس من أول مرة، وأدرك بأن طريق الدعوة محفوف بالمخاطر، ملئ بالأشواك، لأنه
الطريق إلى الجنة، المحفوفة بالمكاره، لقد كان يردد عن ظهر قلب ما كتبه الشيخ
لتلامذته حيث قال: سيقف جهل الشعب بحقيقة الإسلام أمامكم، وسيحاربكم العلماء
الرسميون السائرون في ركاب السلطة، وستحاول كل حكومة أن تحد من نشاطكم وأن تضع
العراقيل في طريقكم، وستستعين بذوي النفوس الضعيفة، والقلوب المريضة والأيدي
الممتدة إليها بالسؤال، وإليكم بالإساءة والعدوان، فتسجنون وتعتقلون وتشردون وتفتش
بيوتكم، وتصادر مصالحكم، ويروع أطفالكم، وتنهب أموالكم، ويثار ضدكم الاتهامات
الظالمة، والافتراءات الكاذبة، لتشويه سمعتكم، والنيل من أقداركم، وقد يطول بكم مدى
هذا الامتحان، وعند ذلك فقط تكونون قد بدأتم تسلكون طريق أصحاب الدعوات... إلخ.
وكان الأستاذ السنانيري يترجم هذا الكلام إلى واقع حي مشاهد، عاشه هو وإخوانه قرابة
ربع قرن في غياهب السجون، وظلمات الزنازين وتحت سياط الجلادين، من عبيد السلطة
وزبانيتها، فلم تلن لهم قناة، ولم ينطقوا ببنت شفة، بل كان ذكر الله على ألسنتهم
دائماً وهم يستشعرون معية الله ورعايته لهم، فيستعذبون العذاب ويتلذذون في السياط،
ويزداد قربهم من الله وشوقهم إلى لقائه.
إن معرفتي بالأستاذ السنانيري كانت منذ وصولي إلى مصر حيث سكنت في منطقة حي عابدين
فكان المشرف عليها والمسئول عن نشاط طلبة البعوث الإسلامية فيها.
وقد أعجبني فيه بساطته وتواضعه، وخدمته لإخوانه، رغم أن معظمهم أصغر منه سناً وأقل
خبرة وتجربة.
لقد كانت رؤيتي له ولأخلاقه وسلوكه، تذكرني بسيرة السلف الصالح، الذين نقرأ عنهم في
الكتب، فقد كان السنانيري رحمه الله صورة صادقة عنهم.
كتب لي مرة قصاصة من السجن وأرسلها لي وكنت وقتها في الكويت وفيها يوصيني بأحد
الأخوة القادمين من مصر إلى الكويت، وتأملت الرسالة، فوجدت فيها روح المؤمن المطمئن
لقضاء الله، المسلّم أمره إليه، الراغب فيما عنده، لم يشر البتة إلى حاله وحال
إخوانه في السجون، ولكن كانت التوصية لهذا المسافر فقط.
وبعد خروجه من السجن كثرت لقاءاتي به في مصر وخارجها فوجدته أكثر مما عرفته أول
مقدمي إلى القاهرة وكأن السجن الذي جاوز العشرين عاماً قد زاده نقاء إلى نقائه
وصفاء إلى صفائه وصلابة إلى صلابته.
وقد عملت معه وتحت إمرته في أكثر من ميدان، وبخاصة ميدان الجهاد في أفغانستان، الذي
أعطاه جهده وطاقته، وبذل أقصى ما يستطيع لدعمه ورفده وإصلاح ذات البين بين قادته
الذين أحبوه جميعاً ودانوا له بالأستاذية فلا يكادون يخالفون له أمراً في وجوده
بينهم.
أما عن جولاته في البلاد العربية والإسلامية وغيرها فالحديث عنها يطول، والأثر الذي
يتركه في نفوس من يلقاهم لا يمكن أن ينسى، لأن كلماته البسيطة تنفذ إلى القلوب
وتوجيهاته المتواضعة يتسارع الجميع إلى تنفيذها.
لقد عرفت عنه أموراً تمنيت أن أظفر بعشر معشارها لأكون من الفائزين، ولكن شتان بين
الثرى والثريا.
إن الأخ الحبيب والرجل الصالح محمد كمال الدين السنانيري، ثمرة من الثمار اليانعة
لمدرسة حسن البنا، ومن إخوان الصدق الذين قل أن يجود بهم الزمان، وإن أمثاله من
إخوانه وتلامذته، هم الأمل المرتجى لهذه الأمة لإنقاذها من كبوتها وإيقاظها من
رقادها وعودتها إلى منهج ربها.
والأمل – بعد الله- في هذه الصحوة الإسلامية المباركة، التي تنتظم العالم الإسلامي
كله، لترد للإسلام مجده، وللمسلمين عزتهم وسيادتهم، تقتص من الطغاة والظلمة، الذين
فجروا في خصومتهم وأذلوا العباد وأفسدوا البلاد، وقربت نهايتهم بإذن الله على يد
عباد الله بقدر الله.
أولئك هم الرجال الذين تفخر بهم الدعوات، وهم الذين يكثرون عند الفزع ويقلون عند
الطمع ويثبتون في الشدائد ويصدقون عند اللقاء.
أذكر مرة أن الأخ السنانيري كان في زيارة إلى الكويت في مهمة دعوية، وشاء الله أن
يبتليني بفقد احد أبنائي وهو في العشرين من عمره بحادث سيارة، فلم يفارقني الأخ
السنانيري وظل يواسيني وكأنه المفجوع بالمصاب.
وحين اعتقل بعد عودته من أفغانستان ظل العذاب يصب عليه من جلاوزة السلطة، ليعرفوا
دوره في الجهاد الأفغاني، ودور من معه، فاستعصى عليهم، ولم يخرجوا بشيء، رغم الأيام
والليالي المتوالية، التي أمضوها وهم ينهالون عليه تقطيعاً وتمزيقاً، حتى لفظ
أنفاسه الأخيرة ولقي ربه شهيداً من شهداء الحق والصدق إن شاء الله.
رحم الله أستاذنا السنانيري رحمة واسعة وألحقنا به مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك
رفيقاً!!