الشيخ عبد الله سراج الدين

عبد الله نجيب سالم

عبد الله نجيب سالم

عرفت حلب - مدينة العلم والعلماء - سليل أسرة علمية دينية عريقة، وداعية إلى الله صادقاً في لهجته، مؤثراً في موعظته جاداً في عمله ومخلصاً فيه.

إنه الشيخ الكبير بقية السلف الصالح: عبد الله بن محمد نجيب سراج الدين الذي لحقت روحه الطاهرة بالملأ الأعلى يوم الاثنين الرابع من مارس الجاري، الموافق 21 ذي الحجة بعد جهاد طويل، وحياة حافلة.

ولد الشيخ عبد الله سراج الدين في مدينة حلب عام 1924م، لأبوين كريمين رعياه خير رعاية، وأعدّاه منذ صغره لطلب العلم والنهل منه والانصراف إليه مع تقوى ودين وأدب وخلق.

نشأ في كنف والده الشيخ الشهير محمد نجيب سراج الدين، العالم المحدث الرباني، حتى إذا شبّ وسعى في طلب العلم على علماء عصره فالتحق بالمدرسة الشرعية العريقة في حلب "الخسروية" ودرس فيها على أساتذتها الكبار، أمثال الشيوخ: إبراهيم السلقيني الكبير، ومحمد السلقيني، وعمر مسعود الحريري، وأحمد الكردي الكبير، وأحمد الشماع، وأسعد عبه جي، وفيض الله الأيوبي الكردي، وعيسى البيانوني .

إلا أن أكثر العلماء تأثيراً في حياته في جميع الجوانب كان والده الشيخ محمد نجيب خاصة في علم الحديث والمصطلح الذي اشتهر به إضافة إلى علم الأخلاق والتصوف الذي كان أبرز صفاته.

صفاته وخصاله

عُرفت عن الشيخ عبد الله سراج الدين جملة من الصفات الكريمة والخصال النبيلة أبرزها بره بوالده طيلة حياته، براً عجيباً قلَّ أن ينقل مثله عن ولد، حتى رُويت عن بره قصص عجيبة.

كان من شمائله البارزة - يرحمه الله- التواضع الجم، ومحبة الصالحين السابقين والمعاصرين والالتزام بالسنة النبوية وسيرة السلف الصالح، ومذاهب العلماء قولاً وعلماً، ورعاية طلبة العلم والحرص على شئونهم والسهر على تحصيل مصالحهم، وكذلك عطفه على الفقراء والمحتاجين، وحرصه الشديد على أسرته وأولاده إصلاحاً وتربية.

وكان من أبرز ما اهتم به: عدم دخوله في منافسات العلماء أو خصوماتهم، أو استعداء أحد منهم حتى عُرف عنه حسن صلته بالجميع من أهل العلم دون استثناء فكان محبوباً منهم جميعاً، يثنون عليه، ويرجعون إليه، ويتفقون على إمامته وجلالة قدره.

ولجميل صفاته وعظيم أخلاقه وحرصه على نفع جميع من حوله - مادياً ومعنوياً - فقد التفَّت حوله القلوب وتعلّقت به النفوس العامة والخاصة، وأصبح مرجع الناس ومآبهم ومصدرهم وموردهم في الملمات والمناسبات والأمور الجلية والمهمة.. وقلَّ أن تجد في حلب وما حولها مَنْ لا يجهر بحبه للشيخ وتعلقه به.

ولشدة حبه للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأدبه معه في مجالسه وكتبه وتعليمه، فقد أكرمه الله سبحانه وتعالى بالمجاورة في المدينة المنورة مدة من الزمن، ابتدأ فيها مرحلة حياته الأخيرة التي اعتزل الناس وتفرغ للتأليف، وانصب على الكتابة، الأمر الذي أتاح له أن يخرج للأمة الإسلامية معظم كتبه التي ألفها، ودرره التي سطرها.

تأليفه ورعايته للمدارس

تزيد مؤلفات الشيخ عبد الله سراج الدين على عشرين مؤلفاً معظمها في جوانب الإيمانية والروحية وبعضها في الأخلاق وبعضها في علم مصطلح الحديث وبعضها في تفسير القرآن الكريم.

وكتبه يرحمه الله تُعدُّ مراجع مهمة للعلماء والباحثين في موضوعاتها وليست مجرد رسائل للعامة، بل إن أسلوبه في الكتابة كأسلوبه في التدريس: يجمع بين القوة العلمية والبساطة التعبير، فيضم إلى العبادة المبسطة السهلة المفهومة للعامة، الأدلة العلمية التخصصية والروايات الكثيرة المؤيدة والنقولات المفصلة الشاهدة، حتى يشبع المسألة التي يتكلم فيها بحثاً وتمحيصاً، وكان يضمِّن المسائل العلمية البحتة لطائف ولمحات وإشارات وفوائد تشد القارئ وتجذبه.

ومن كتبه التي سارت بها الركبان: "شرح المنظومة البيقونية" في مصطلح الحديث، "شهادة أن لا إله إلا الله"، سيدنا محمد رسول الله"، "الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم"، "تفسير سورة الفاتحة"، "تفسير سورة الإخلاص"، وكتاب "الإيمان بعوالم الآخرة"، و"الإيمان بالملائكة"، وغير ذلك من الكتب النفيسة.

وأهم أثر للشيخ سراج الدين - يرحمه الله - بعد الكتب والدروس - رعايته للمدرسة الشرعية الشهيرة في محافظة حلب، وهي المدرسة " الشعبانية" التي أعاد إليها الحياة بعد أن أغلقت ودمجت مع مدرسة أخرى، فأنشأ جمعية التعليم الشرعي بمشاركة أهل الخير من التجار وغيرهم، ثم افتتح تبعاً لها مدرسة التعليم الشرعي "الشعبانية الجديدة" وحافظ على مناهجها الشرعية البحتة بعيداً عن العلوم المعاصرة، وبث في العاملين والدارسين فيها روح الأمل المشرق ونهج الحرص الشديد على إحياء سنة السلف الصالح في العلم والاستمساك به.

لقد خرَّجت هذه المدرسة الشرعية أفواجاً من الشباب الدارس للعلوم الشرعية دراسة عميقة، وكان سجلها في هذا المضمار عامراً بالطلبة النابهين الذين حفظوا كتاب الله تعالى وحملوا سنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأتقنوا فنون المعرفة الإسلامية، والتزموا تعليم المسلمين في المساجد وغيرها، مما تعلموه، كما أنشأ الشيخ " دار الحفاظ " وهي المدرسة الخاصة بتحفيظ القرآن الكريم وتجويده، وتلقين قراءته على أيدي حفاظ متخصصين في القراءات متقنين لروايتها.

يرحم الله الشيخ عبد الله سراج الدين العالم الرباني، والمفسر البارع والمحدث المتقن والمربي الفاضل.