الشهيد عبد الله جبران
الشهيد عبد الله جبران
من أبطال انتفاضة الثمانين
يحيى بشير حاج يحيى
أحقا ما تقول ؟
- نعم يا سيادة النقيب ، فعبد الله جبران لم يمت !
و راح النقيب الطائفي عدنان عاصي مخلوف " يستعيد ذكريات أمسه القريب ، فاسم عبد الله جبران يرتبط باسم منطقة "الدانا" وقراها المحيطة بها ، و مد يده إلى جبينه فلامست أصابعه آثار الجرح الذي لم يشف بعد ، و تذكر كيف كمن له المجاهدون قرب بلدة "سرمدا" و فرّ هو و ثلاث سيارات من عناصره . أيكون جبران هذا بين المهاجمين ؟!
و زفر النقيب زفرة طويلة ، فما أقساها من حياة ، كأنما كتب عليه أن يبقى رهن غرفته في الطابق الثاني من مبنى المخابرات العسكرية بإدلب
إذا ما الفرق بينه و بين المعتقلين في الطابق الأول ؟
لكم يتمنى لو أنه بقي يدرس في الجامعة ،ولكنها الأوامر التي لا يستطيع أبناء الطائفة مخالفتها و إلا ..
أحس بالضيق ، شعر و كأنه يختنق ، فصرف ذهنه عن التفكير بالماضي ، و بما آلت إليه حالته ، فضغط على الزر الكهربائي مستدعيا الرقيب المسؤول عن "المعلومات" و هرول الرقيب ليجد "معلمه" مضطربا متضايقا
- هات إضبارة عبد الله جبران "بنزق"
- و لكنه - يا سيدي - مات !![ باندهاش]
- كلا لم يمت ، إنه حي!
و يعود الرقيب بالإضبارة ، و يتركها بين يدي النقيب و يمضي، و يمد يده إليها و هي ترتعش و يحس كأنه يفتح كفنا أو تابوتا - و هو يكره الموت - ويقلب الصفحات ، و تقع عيناه على آخر صورة لعبد الله جبران ، ويطيل النظر فيها ، فيحس كأن صاحب هذا الوجه الذي علته مسحة من الحزن ، لم يضحك مرة واحدة في حياته .
ثم يمسك أحد التقارير و يقرأ فيه :
[ عبد الله جبران من مواليد - ترمانين - 22 آذار 1959
طالب في دار المعلمين بإدلب ، نشيط كثير الحركة ، يكثر من التردد على مسجد القرية ، يلتف حوله مجموعة من الطلاب
انقطعت أخباره ، راقبنا القرية و منزل أهله ، فلم نجد له أثرا]
و تنقطع أخباره عن السلطة المجرمة ، و عن جلادها الطائفي عدنان مخلوف ، و لكنها لم تنقطع عن إخوانه ، فها هو ذا أبو جعفر بجسمه الناحل و ساقيه الدقيقتين يقطع المسافات الطويلة مشياً على الأقدام في الليلة الشاتية الماطرة ، و قد غاصت رجلاه حتى الركبتين في وحل الطريق ، و حجبه الظلام عن أعين إخوانه ، و لا يكاد يسمع إلا صوته يناديهم أن يبتعدوا عن هذا المخاضة باتجاه اليمين ، فهو يستطيع أن يدبر نفسه .
إنه ليذكر بعبد الله بن مسعود لما تسلق النخلة ، و بدت ساقاه الدقيقتان مما أضحك الصحابة ، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن هاتين الساقين لتعدلان عند الله جبل أحد ذهبا"
و تنقطع أخباره إلا عن إخوانه :
إنه و العشرة الذين انضموا إليه يعيشون أجمل لحظات حياتهم على الرغم من البرد و الجوع و المطر ، لأنها في سبيل الله .
و تنقطع أخباره إلا عن إخوانه :
إن أبا جعفر خطب حورية بسورة من القرآن . كيف ؟ يجيبك : لقد انتهيت اليوم من حفظ سورة البقرة و ختمت بها السبع الطوال . ألم يزوج رسول الله أحد الصحابة بآيات من القرآن ؟
و تنقطع أخباره إلا عن إخوانه :
أبو جعفر لم تغيره الظروف القاسية ، و لم تزده الشدائد إلا صلابة و عزما . فهو كماهو في دماثة أخلاقه ، ورضائه بقضاء الله ، و حرصه على رضوانه ، و نيل الشهادة .
و تنقطع أخباره إلا عن إخوانه :
إن أبا جعفر قادم إليكم فانتظروه .
و يصدق أبو جعفر الله فيصدقه .
ففي يوم الأحد . في الساعة العاشرة صباحا بتاريخ
1981 /2 /15 م شاء الله أن يترجل الفارس بعد ثلاث سنوات تقريبا في معركة حامية الوطيس بمدينة جسر الشغور قرب
[ كراج الانطلاق ] يقف فيها مع أحد إخوانه ، و يقف المرتزقة و عناصر المخابرات في طرف آخر ، و يصرخ المجرمون بهما أن يستسلما فيردان عليهم : اسمحوا للركاب بالنزول من الباص ، و لكن أنى للمجرمين أن يحافظوا على دماء الأبرياء ، و فتح المجرمون النار على من في الباص ، فرد الأخوان و لعلع الرصاص ، و تراكض الحزبيون يتترسون بمطعم قريب ، و شهد كل من كان حاضرا أنها لم تكن معركة متكافئة و لكنها حامية ، فنحن لا نقاتل هؤلاء بعدد و عدة .
ويتساقط الأبرياء و فيهم النسوة و الأطفال صرعى برصاص المجرمين ، و يرد الأخوان دفاعا عن أنفسهم مؤثرين الموت على الاستسلام ، بعد أن اخترقت هيكل الباص آلاف الطلقات.
و مُضي بالجسدين الممزقين إلى [ إدلب ] ليتم التعرف عليهما ، و ينطلق المجرمون إلى [ ترمانين ] المصابرة ليهدموا منزلي الوالدين المفجوعين - و تضاف صفحة جديدة إلى ملحمة الشمال ، و ينضم عبد الله جبران و كمال عرعور إلى ركب الشهداء في جنة عرضها السماوات و الأرض ، و يمضي المجرمون بقتلاهم و جرحاهم و كانوا هم الخاسرين .