الإمام حسن البنا.. الثائر الحق
الإمام حسن البنا.. الثائر الحق
محمود المنير
مدير تحرير جريدة الحركة/الكويت
في مثل هذا الشهر (12 من فبراير 1949م) ومنذ أيام قليلة مرت علينا ذكري اغتيال الإمام الشهيد حسن البنا مؤسس جماعة "الإخوان المسلمون" ، ونحن نستذكر استشهاده ، يصعب علينا الإلمام بأطراف الحديث عن عطاء الإمام الشهيد أو الإحاطة بمشروعه الحضاري لنهضة الأمة ، ولكن حسبنا في هذه السطور أن نلقى الضوء على بعض الملامح في حياة البنا ومشروعه الحضاري لاستنهاض الأمة ، ومدي ارتباط مسيرته بفكرة الثورة ، ولكن ليست بمفهومها الذي نعيشه الآن، فلقد كان البنا – رحمه الله - ثائرا حقا يتطابق فيه وصف الشيخ الشعراوى عن الثائر الحق الذي يثور ليهدم الفساد ثم يهدأ ليبني الأمجاد، لاسيما أن ذكرى استشهاده تتزامن مع أجواء ثورات شعبية و ربيع عربي تشهده الأمة الآن ، فما أحوجنا أن نستلهم من سيرته المفاهيم الصحيحة للتغيير فما أشبه الليلة بالبارحة !!
ثائر جاء على موعد
فقد كانت الأمة العربية والإسلامية تمر بأقسى مراحل حياتها ضعفًا وتفككًا، فقد سقطت الخلافة الإسلامية عام 1924م بفعل دعاة الاستعمار وعملائه من اليهود وأنصار حركة الاتحاد والترقي أصحاب التوجه العلماني في تركيا، وظهرت الدعوات الإقليمية التي تدعو لتأسيس الدولة على أساس وطني لا على أساس ديني، كما دعا البعض في مصر لشعار (مصر للمصريين)، كما ظهرت الأحزاب السياسية المرتبطة بالاستعمار، والعميلة له، والمدافعة عن مصالحه، ففي مصر ظهر الحزب الوطني الحر كحزب عميل للاستعمار البريطاني، واتخذ هذا الاسم لضرب الحزب الوطني الذي لعب دورًا مهمًا بقيادة "مصطفى كامل" و"محمد فريد" في تزكية الشعور بالانتماء الإسلامي، والذي أصابه الضعف بعد موت "مصطفى كامل"، ونفي "محمد فريد"، وسقوط الخلافة الإسلامية، وظهور حزب الوفد صاحب الاتجاه العلماني.
وفي المجتمع المصري انتشرت الأفكار التغريبية التي تنادي بالارتباط بأوروبا والغرب في أسلوب الحياة، فظهرت الدعوة إلى الاختلاط والسفور، وانتشرت حانات الخمور، ودور البغاء الرسمي وألعاب القمار...إلخ.
أما الاقتصاد المصري فقد تعرض للنهب من جانب المستعمر البريطاني، الذي أنشأ العديد من مدارس التبشير لإبعاد الشعب المصري عن هويته الإسلامية، وفي ظل هذا الوضع المتردي جاء الإمام الشهيد "حسن البنا" ليثور على كل هذه الأوضاع المتردية ليعيد للأمة عزتها وتمسكها بهويها ودينها الإسلامي.
مواطن ينشد العزة والكرامة
لابد للثائر الحق والمصلح الذي يريد أن يغير من واقع أمته إلى الأفضل أن يدرك حقيقة ذاته ويعرف من هو ولقد عرف البنا عن نفسه لأحد الصحفيين قائلاً : (أنا سائح يطلب الحقيقة وإنسان يبحث عن مدلول الإنسانية بين الناس ومواطن ينشد الكرامة والحرية والاستقرار والحياة الطيبة في ظل الإسلام الحنيف ... أنا متجرد أدرك سر وجودي) ونادى الإمام قائلا :" إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين" ،، هذا أنا فمن أنت؟
ثورة حقيقية للإصلاح والتغيير
فالإمام حسن البنا بعد دراسته لواقع أمته و التفقه في دينه تبيّن له أن لا سبيل للتغيير الشامل إلاَّ من خلال عمل جماعي منظم قوي له أهداف واضحة المعالم و خطوات مرسومة ودقيقة وفق منهج متزن وشامل وقيادة حازمة موثق بها ومؤمنون عاملون لها، ووفق منهج متدرج لا فوري ، جذري لا جزئي، وعميق لا سطحي، فأعلن بأن مشروعه الحضاري لنهضة الأمة لابد أن تحمله جماعة ذات مرجعية إسلامية تعمل على نشر الدعوة بين الناس و أنها دعوة شاملة شمول الإسلام فهي عقيدة و شريعة أو دين و دولة و ثقافة و اقتصاد و سيف و مصحف وكما قال الإمام (رسالة امتدت طولا حتى شملت أماد الزمن ، و امتدت عرضاً حتى انتظمت آفاق الأمم ، و امتدت عمقاً حتى استوعبت شؤون الدنيا و الآخرة) ومن هنا جاءت فكرة شمولية الإسلام ليعلن بوضوح :{ " لسنا حزباً سياسياً و إن كانت السياسة على قواعد الإسلام من صميم فكرتنا ..."" و لسنا جمعية خيرية إصلاحية و إن كان عمل الخير و الإصلاح من أعظم مقاصدنا و لسنا فرقة رياضية و إن كانت الرياضة البدنية و الروحية من أهم وسائلنا و لسنا شيئاً من هذه التشكيلات فإنها جمعيات تخلقها غاية محدودة لمدّة معدودة ..." }. و لعل من أشهر العبارات اختصارا و دقة التي تعبر عن خصائص دعوة الإخوان وصفه لها أنها: " دعوة سلفية و طريقة سنية و حقيقة صوفية و هيئة سياسية و جماعة رياضية و رابطة علمية ثقافية و شركة اقتصادية و فكرة اجتماعية" .
ثائر مثابر من أجل الحق
ومن يقرأ ويطالع سيرة الإمام البنا - رحمه الله- يدرك أنه ثائر بامتياز ومثابر من أجل فكرته ، ثائر على أوضاع الهيمنة الغربية على تاريخ أمته ومجدها ، وثائر على أوضاع التخلف والبعد عن منهج الله ، وثائر على أروقة الظلمات التي أطبقت على الأمة وأخمدت طاقات نور الإسلام فيها ، وثائر ضد الاحتلال الذي زرع سفاحا في رحم الأمة بذور معاندة روح الفكرة الإسلامية في التعليم والتربية والثقافة والسلوك حتى غدا المسلم المعاصر في غربة تكاد أن تمحو شخصيته ، وتعصف بوجدانه وتذيب هويته.
ولعل أهم سمة تحلى بها الإمام الشهيد كثائر من أجل الحق وفى سبيل الحق هي هذا اليقين الجازم والاعتقاد الدائم في صدق الفكرة، وسلامة المنهج، واستقامة الطريق، وجني الثمرة ، وترقب النصر !
ومن يتابع سيرة البنا يدرك أنه كان ثائر فوق منبر يصدح بالحق مئذنة فينتشر صوته وينفذ إلى قلوب الخصوم قبل الأتباع ، وكان أسلوبه في الدعوة كمزنة تهمي بالماء، فتنزل بردا وسلاما في انعطاف وانسيابية وسلاسة وهل يستطيع أحد أن يمنع تدفق الماء؟!
واثق من نصرة فكرته ودائما ما كان يردد "أيها المجاهدون...: لا تيأسوا فإن فجر النصر قريب، ومن استقام على أول الطريق فلا بد أن يصل إلى غايته" فكان بحق إمامًا انتدب نفسه لإحياء صوت الإسلام في ربوع الأمة من جديد.
فى السياق : قطوف من ثمار البنا :
"إن الزمان سيتمخض عن كثير من الحوادث الجسام , وإن الفرص ستسنح للأعمال العظيمة , وإن العالم ينظر دعوتكم دعوة الهداية والفوز والسلام لتخلصه مما هو فيه من آلام , وإن الدور عليكم في قيادة الأمم والشعوب , وتلك الأيام نداولها بين الناس , وترجون من الله ما لا يرجون , فاستعدوا واعملوا اليوم , فقد تعجزون عن العمل غدا ".