سطور من حياة الداعية الرباني عمر التلمساني ( 16)
سطور من حياة الداعية الرباني
عمر التلمساني ( 16)
بدر محمد بدر
ويضيف الأستاذ عمر: "وأشهد صادقاً أن "البيبة" ( أي الغليون الذي يدخن فيه التبغ) ارتعشت بين شفتيه (تأثراً) وقال: "إنني لم أقصد الإساءة إلى الأستاذ عمر, ولا إلى الإخوان المسلمين, اسحب شكواك (بقى), فأجبته بأنها رفعت إلى من لا أستطيع استرداد ما وضعته بين يديه, وكانت أول مرة يخاطبني بكلمة "أستاذ" طوال خطابه الممل الطويل.. وانتهى الاجتماع, وأرسل لي في أعقابه فوراً الدكتور عبد المنعم النمر وزير الأوقاف والسيد منصور حسن وزير الثقافة والإعلام, يبلغاني أمام من كان موجوداً, أن سيادة الرئيس لم يكن يقصد الإساءة إلىّ, وأنه سيحدد موعداً لمقابلتي.."
كان الملتقى مذاعاً على الهواء مباشرة, في الإذاعة والتليفزيون, وفي شهر رمضان ترتفع نسبة مشاهدة التليفزيون والاستماع إلى الإذاعة بدرجة كبيرة, ورأى الناس ـ لأول مرة ـ رجلاً لا يعرفوه, يقف صامداً أمام رئيس الدولة, ليقول له إني أشكوك إلى الله, والرئيس يتلعثم في الرد عليه ويطلب منه أن يسحب شكواه!.. كان الرئيس السادات وقتها في قمة عنفوانه وصولجانه وزهوه, كيف لا وهو بطل العبور وصانع نصر أكتوبر, وطارد الخبراء السوفيت, ومحطم مراكز القوى التي تضخمت في عهد عبد الناصر, وهو من بدأ بتغيير النظام السياسي عبر "المنابر" (1976) ثم الأحزاب السياسية (1977), فمن هذا ياترى الذي يستطيع أن يقف في مواجهته ؟!.. وتحدث الناس كثيراً عن هذا اللقاء, معجبين بهذا الشيخ (التلمساني) ووقفته الجريئة أمام رئيس الدولة, وكانت فرصة كبيرة للإخوان المسلمين لتحسين صورتهم في أذهان عامة الناس, بعد أن ساهم الإعلام الرسمي في إهالة الغبار عليها, وفرصة أيضاً للتأثير في مجريات الحياة السياسية, وساهم الأدب الذي يتحلى به المرشد العام (التلمساني) في زيادة حب الجماهير للإسلاميين عموما, والإخوان على وجه الخصوص.
لقد تراوحت علاقة الرئيس السادات بالإخوان المسلمين بين الشد والجذب, فهو من سمح بعودة مجلة الدعوة في عام 1976, لكنه أغلقها واعتقل أغلب من فيها في عام 1981, وهو من سمح بإقامة احتفالات للإخوان في المناسبات الدينية (ذكرى الهجرة ـ المولد النبوي الشريف ـ ليلة الإسراء.. الخ), وهو أيضاً من سمح للأمن باعتقال شباب الإخوان وشيوخهم, حتى اعتقل أكثر من ألف وخمسمائة في سبتمبر 1981 أغلبهم من الإخوان, وهو من طلب من الأستاذ عمر أن يلتقي بوزيرة الشئون الاجتماعية ـ وقتها ـ ليتقدم بطلب إشهار "جمعية" الإخوان المسلمين, التي تعمل في مجال الخدمة الاجتماعية وأعمال البر, لكن التلمساني رفض العرض, فإما أن تعود الجماعة كما كانت (شاملة), وإما فلا حاجة لجمعية خيرية بديلاً عنها.
الثورة الإيرانية
وفي فبراير من عام 1979 قامت الثورة الإيرانية ضد حكم الشاه محمد رضا بهلوي, الذي كان أحد أبرز الحكام المستبدين في المنطقة, ويجاهر بعلاقته مع "إسرائيل" ويتمتع بالرضا السامي الأمريكي, واستولى الثوار على مبنى السفارة الأمريكية في طهران واعتقلوا من فيه, ووضعوا الحكومة الأمريكية في حرج شديد, إذ كيف يمكنها أن تحرر "الرهائن" في سفارتها ؟ وبدأت تبحث عن حلول لدى أصدقائها في المنطقة ومن بينهم مصر, وطلبت منها بذل جهدها من أجل إقناع الثوار الإسلاميين بالجلاء عن مبنى السفارة وتحرير الرهائن, وسعى بعض المسئولين في مصر لإقناع الأستاذ عمر التلمساني بالتدخل لدى قادة الثورة الإيرانية, ووافق الأستاذ عمر, وأعلن استعداده للمساهمة في العمل على إطلاق سراح الرهائن الأمريكان من منطلق إنساني بحت, وليس سياسياً, لكن قيادة الثورة الإسلامية سرعان ما أعلنت أن من يتدخل من أجل تحرير الرهائن هو "عميل أمريكي", وانتهى الأمر وتوقف كل شئ.
وبقي الرهائن لمدة 444 يوما (عام وثلاثة أشهر تقريبا) حتى أفرجت عنهم إيران طواعية, بعد أن حاولت أمريكا بكل الوسائل تحريرهم, حتى إنها أرسلت طائرتين عسكريتين متقدمتين لتحرير المحتجزين في مبنى السفارة, فاصطدمتا ببعضهما!, وفشلت المحاولة وزاد موقف الولايات المتحدة حرجاً!.
وكان انتصار الثورة الإسلامية في إيران, قد أنعش الحركة الطلابية في الجامعات المصرية, وأصبحت أملاً يداعب الشباب المتحمس لانتصار الإسلام في النظم السياسية, وزاد من التوتر مع أجهزة الأمن والسلطة تبني الثورة الإيرانية لمبدأ "تصدير الثورة", حيث بدأت الضغوط تتزايد على الأنشطة الإسلامية في الجامعات, وتحدث الرئيس السادات في خطبه السياسية أكثر من مرة, مهاجما شباب الجماعات الإسلامية بالجامعات المصرية, ومهاجما الثورة الإيرانية وزعيمها أية الله الخوميني.
وفي شهر شهر يونيو 1981 وقعت أحداث "الزاوية الحمراء", التي اعتدى فيها مسيحيون على مسلمين في حي "الزاوية الحمراء" بالقاهرة, وقتل وجرح فيها عدد من المسلمين وبعض المسيحيين, في أبرز حوادث الفتنة الطائفية في تلك الفترة, وكادت الأمور تصل إلى حد الكارثة, لكن العقلاء سارعوا بتطويق المشكلة, وكان أحد أبرز هؤلاء هو الأستاذ عمر التلمساني, الذي نجح بحكمته وحنكته في نزع فتيل الأزمة, وشهد اللواء نبوي اسماعيل ـ وزير الداخلية وقتها ـ بدوره المهم في إنهاء الأزمة الطائفية في الزاوية الحمراء.