القائد البطل حسن الخرّاط 4
يا شباب الثورة السورية الأبطال
هؤلاء هم آباؤكم وأجدادكم الكرام
فاقتدوا بهم ، وسيروا على نهجهم
القائد البطل حسن الخرّاط
(شيخ شباب الشاغور) (4)
د. أبو بكر الشامي
ولد حسن الخراط في إحدى حارات الشاغور، ونشأ فيها على القيم الدمشقية الأصيلة ، من حبّ الخير لكل الناس ، ورفض الظلم ، والدفاع عن المساكين ، حتى شاعت تسميته بين الناس ب ( شيخ الشباب ) ، فكان يقصده كل مظلوم ، فلا ينام في بيته قبل أن يأخذ له حقّه ...!!!
وعندما اتجه الغزاة الفرنسيون لمهاجمة دمشق سنة 1920، كان لحسن الخراط دور في حشد المتطوعين لمعركة ميسلون ، وتوفير ما تيسر من الأسلحة لهم ، بالتنسيق مع أهل حيّه ومنهم القادة العسكريين الكبار للجيش السوري الذين أصروا على مواجهة الفرنسيين ، بالرغم من عدم تكافؤ القوى ...
ولكن المعركة انتهت باستشهاد وزير الحربية السوري يوسف العظمة وعدد من أصحابه ، ثم انسحب الباقون من ميدان المعركة انسحاباً منظماً ، كي لا يتم تطويقهم وإبادتهم من قبل الفرق المدرعة الفرنسية والطيران ، لكن ليس قبل أن يثخنوا في الفرنسيين ، فقتلوا منهم قرابة أربعمائة جندي ، وجرحوا ألفاً وستمائة، ثم انسحبت القيادة العسكرية السورية إلى درعا ثم الأردن ومعها ما أمكن حمله من الأسلحة الثقيلة والخرائط والوثائق، وانسحب قادة الأحياء والمتطوعون إلى أحيائهم.
وفي ما بعد، عاودت القيادة العسكرية السورية في الأردن الاتصال بالزعامات السياسية، وزعماء العشائر والأحياء، في مشاورات مستمرة أسفرت عن قيام الثورة السورية الكبرى سنة 1925.
عند قيام الثورة السورية الكبرى، قاد حسن الخراط ثوار ومجاهدي دمشق في معارك أغرب من الخيال ، فهو لم يكتفِ بإنزال الهزيمة بالفرنسيين في عدة معارك في الغوطة الشرقية ، كما فعل في معركة زور المليحة، ومعركةجسر تورا حين قطع جسر تورا ومنع الجيش الفرنسي الضخم من عبوره، بل قام حسن الخراط بهجوم عام لتحرير مدينة دمشق ، فشن هجوماً من ثلاثة محاور على المدينة بمساعدة نسيب البكري وأبو عبدو ديب وقواتهما ، حيث اقتحم مقر الحكم الفرنسي في دمشق (في قصر العظم) في السادسة مساء من يوم الأحد 18 تشرين أول عام 1925وسيطر عليه ، بعد أن تأكد من وجود الجنرال الفرنسي ساراي فيه، وهو المفوض السامي الفرنسي في سورية ولبنان ، فوضع حسن الخراط في مقدمة قواته فرقة استشهادية لا مثيل لها في الشجاعة وإتقان الرماية وعلى رأسها الشيخ عبد الحكيم المنير الحسيني من أبناء حي الشاغور، فتمكنت من اقتحام القصر، وبعد قتال ضارٍ جداً احتل القصر ودمرت بواباته وغرفه، ثم قام عامة الناس بنهبه وإتلاف محتوياته الثمينة وبيع نفائسه..
ولكن الجنرال ساراي تمكن من الهرب بأعجوبة بعد أن لبس ملحفة إمرأة ...!!!
وبذلك استطاع أولئك الأبطال تحرير دمشق من قبضة الفرنسيين لفترة ...
إلا أن المحلين الظالمين ما لبثوا أن قصفوها بالمدفعية والطيران بشدة، وتدمير معظم أحيائها ومبانيها ، وتهجير سكانها منها ، حيث رحل سكانها عنها وبقي كثير منهم بلا مأوى.
ثم دخلت المصفحات الفرنسية المدينة لتقتل كل من تراه أمامها ، مستعملة سياسة الأرض المحروقة ...!!!
واضطر الثوار للانسحاب منها والتمركز في بساتين الغوطة الشرقية.
ولكن البطل حسن الخراط لم يكن ذلك الشخص الذي يهرب ويختبئ، فقد كان في خضم أشد لحظات القتال ينزل إلى دمشق علناً ويسير في شوارعها حيث يحييه الكبار والصغار وتهتف الناس باسمه وتعلو أصوات التكبير، ويزور زوجته وأصدقاءه.. وقد تعرض بسبب ذلك لأكثر من كمين فرنسي عند مداخل حي الشاغور، وكانت أوامر الفرنسيين هي: حسن الخراط شخص مسلح بالغ الخطورة يجب أن يتم قتله فور رؤيته.. وفي كل مرة كان يتعرض فيها حسن الخراط لكمين كانت تعلو أصوات الرصاص والقنابل أحياناً..ويفر الناس خوفاً على حياتهم في حين يهب فتيان الحي لمساندته فلا يجدون إلا جثث جنود فرنسيين منثورة على الأرض والفرنسيون ينقلون الجثث في عربات الإسعاف ويضربون طوقاً حول المكان.. ويقبضون على المارة والجوار، وأما حسن الخراط فكان يفلت منهم كالصقر ...!!!
كان يدخل حي الشاغور ، وجنوده يحيطون به من كل جانب ، والناس يحيونه من الجانبين ، وهو يرد عليهم التحية ويحمّسهم ، ويقول :
(يلا يا رجال .. يلا يا أسود .. يلا يا أهل النخوة والحميّة.. يلا نقاتل الفرنساوي..)
فلا يخرج إلا ومعه مئات المتطوعين ...
كان لحسن الخراط أسلوبه المميز في القتال ، فكان لا ينبطح أبداً على الأرض أثناء المعارك الحربية، بل يعتبر ذلك نوعاً من الجبن ، وكان يستعيض عن عدم اختبائه وانبطاحه ، بسرعة ودقة شديدة في استعمال أسلحته الشخصية، فكان رامياً ماهراً سريعاً لا تخطئ طلقته هدفها ، وكان أيام اشتداد القتال في الثورة السورية الكبرى يحمل بندقية وأكثر من مسدس ، ويرمي بكلتي يديه بدقة متناهية ، وكان أيضاً يجيد ركوب الخيل ، ويقتني أفضل الخيول العربية الأصيلة وأذكاها.
ظل هذا البطل العملاق يقضّ مضاجع الفرنسيين ، ويغير على مراكزهم ، فيقتل من علوجهم ، ويغنم من أسلحتهم، ثم يلوذ هو وجنوده بالغوطة الشرقية ...
إلى أن حاصره الفرنسيون في إحدى قرى الغوطة الشرقية ، وألقوا عليه وابلاً من الحمم فاستشهد في أواخر عام 1925 ، فلما علم الفرنسيون باستشهاده ، فرحوا فرحاً عظيماً ، وقاموا بتوزيع الأوسمة على كافة ضباط الجيش الفرنسي الذين شاركوا في القصف والمعارك في ذلك اليوم ...
رحم الله القائد الشاغوريّ البطل حسن الخرّاط وإخوانه الثوار الأبرار وأسكنهم فسيح جنّاته ... وألهم شباب ثورتنا السورية المباركة ، الاقتداء بهم ، والسير على نهجهم ، حتى تحقيق أهداف الثورة الناجزة في الحرية والعزّة والكرامة ...
والله أكبر ... والنصر للثوار الأبرار ...