عبد المنعم عرفات : المجاهد الخفي
من هو المجاهد عبد المنعم عرفات؟
جمال سعد حسن ماضي
منذ مدة وبعد إجرائه لعملية القلب زرته في بيته بصحبة الحاج مسعود السبحي والدكتور محمود عزت في يوم رمضاني بديع ، لم يكن يسمح له الأطباء إلا بالحركة داخل الغرفة ، ولكن قلبه كان أكثر حركة من أنشط شاب ، حينما سأل عن الدعوة وما تمر به من أحداث ، وقدم عصارة عمره وتجاربه وخبرته في نصائح غالية ، مجدداً عهده ، فأيقنت بأن هذه الدعوة ستظل شامخة برجالها وما يقدمونه من تضحيات ، فمن هو المجاهد الخفي : عبد المنعم عرفات ؟
حينما كان يقال له : إنه من الرعيل الأول ، كان يقول : ( أنا من الرعيل المتوسط ، أنا من جيل الوسط ) :
- إنه من مواليد 6 – 10 – 1934 م ، بمحافظة البحيرة ، حيث أتم دراسته الثانوية بمدرسة طنطا الثانوية الحديثة ، ثم انتقل إلى الإسكندرية في عام 1952 م ، ليلتحق بكلية الآداب قسم الدراسات النفسية والاجتماعية .
- عمل مدرساً بصعيد مصر ثم مدرساً بمدرسة المرقسية الثانوية بالإسكندرية ، حصل على الماجستير في عام 1974 م عقب خروجه من السجن .
- انتقل للعمل محاضراً لمادة الثقافة الإسلامية في كلية العمارة والتخطيط بالسعودية ، ثم انتقل إلى جامعة محمد بن سعود بالرياض حتى عام 1983 م .
- ثم عاد إلى مصر ليعمل بمدرسة العروة الوثقى الثانوية , حتى أُعيرت زوجته رحمها الله إلى الإمارات فاصطحبها حتى عودته في عام 1994 م ، ليتفرغ للعمل في الدعوة حتى مرضه الأخير .
- له من الأبناء ثلاثة قبل الاعتقال ( ولد وبنتان ) ، وأربعة بعد خروجه من السجن ( ولد وثلاث بنات ) .
2 – ( يقول : علاقتي بالإخوان من الميلاد ) ... كيف ؟
* وتفسير ذلك أنه التحق منذ صغره بشعبة الإخوان التي تربى فيها بقريته بالبحيرة ، فقد كان عمه رئيساً للشعبة ، باعتبارهم أسرة العمدة وعائلته ، ولم يكن لهذا الفتي الصغير كما يقول : سوى البيت أو المسجد أو الشعبة .
* وعندما بلغ الرابعة عشرة من عمره ، استيقظ على قضية فلسطين في عام 1948 م ، حيث كان عمه وشقيقه من المتطوعين في حرب فلسطين ، فعاش البيت والعائلة كلها أحداث فلسطين وجهاد الإخوان عام 1948 م .
* بعد عام 1954 م واعتقال قيادات الإخوان آنذاك ، نظم الطلبة لقاءات في مجموعات غير معلنة ، حتى تخرج من الجامعة : فكان نصيبه أن يعمل مدرساً بالصعيد ، أما إجازاته فكان كالطائر الذي يهوي إلى عشه بعد السعي والكفاح ، فكان نصيب الإسكندرية ، هو هذا العش الدافئ مع إخوانه ، يتجمعون على محبة الله ، ويلتقون على طاعته ، دفعاً لدعوته ، ونصرة لشريعته تعالى .
3 – ( كان الإخوان في المحاكمات كأنهم في عرس )
هذه العبارات من كلماته النيرات ، التي طالما كان يرددها على جموع الإخوان ، ومنذ اعتقل من مدرسة المرقسية الثانوية بالإسكندرية ، حيث كان يعمل مدرساً بها ، وكان اسمه في الادعاء الأول الذي كان يحوي 39 أخاً على رأسهم الشهيد سيد قطب .
يروي لنا الأستاذ عبد المنعم قائلاً :
وكانت المحاكمات فرصة للحديث مع الأستاذ سيد قطب ، الذي كان يجلس في الصف الأول ، وكان يبادل الإخوان بنظرات الحب قائلاً لهم : ( لو كنتم تحبونني بمثل ما أحبكم لحرصتم على أن نلتقي في الجنة ) .
وكان الأستاذ سيد قطب هو المتحدث عنهم في المحاكمات ، فإذا قيل له : اتكلم عن الشهداء ، اتكلم عن التعذيب ، يرد عليهم بهدوء الواثق بأمر ربه : ( طوّل بالك هذه الدعوة لم تقدم بعد ما يكفي من الشهداء ) مقارنة بشهداء أُحد السبعين .
4 – من الإعدام إلى الأشغال الشاقة المؤبدة
* سنتان في السجن الحربي من عام 65 إلى 67 ، كان يستعذب الآلام وقسوة التعذيب اللاآدمي ، في سبيل الله تعالى ، راضياً بقدره ، واثقاً في نصره لدعوته .
* ثم رُحّل في عام 68 إلى سجن مزرعة طرة ، وكانت فرصة إلى الالتقاء بالإخوان القدامي الذين أنهوا مدتهم ، ولكن صدرت الأوامر باعتقالهم وفقاً لهذه القاعدة الظالمة : ( يرحل إلى الاعتقال بعد انتهاء مدة الحبس ) .
* يقول الأستاذ عبد المنعم عرفات ، واصفاً سجن مزرعة طرة ، بابتسامة خافتة : ( ملاكي خالص ) ، لما رآه في السجن الحربي من أهوال ، ومع ذلك بدأت مشكلة التكفير في الظهور ، والتي أنهاها فضيلة المرشد حسن الهضيبي بمذكرته التي حددت المفاهيم ، كما روي لنا الأستاذ عبد المنعم عرفات .
* وبصفته كان معلماً ، شارك الأستاذ عبد المنعم في العمل التعليمي داخل السجن ، لكل المستويات : ( محو الأمية – ابتدائي - حتى - الجامعة ) ، إلى أن توقف هذا النشاط مع بدء خروج الإخوان المعتقلين والسنوات الخفيفة ، ولم يبق إلا الأشغال الشاقة المؤبدة ، الذين كان مجاهدنا واحداً منهم .
* ومن الذين تأثر بهم في هذه الفترة اثنين من الإخوان ، يقول : ( لقد تأثرت بجميع الإخوان إلا أن أكثرهم تأثيراً كان الأول : الأستاذ محمد حامد أبو النصر ، لأنه شخصية عملية ، وتنازل عن غناه وثروته في سبيل دعوته ، ولم يستجب لمحاولات عبد الناصر ، حيث كان يتمتع بشخصية قوية ، أما الثاني : كان الأستاذ محمد مهدي عاكف ، حيث كان المدرب الرياضي للإخوان ، فحفظ علينا صحتنا طوال فترة الحبس ) .
5 – الإخوان في خير وإلى خير وعلى خير
* هكذا دائماً كان يردد هذه الكلمات وهويزاول نشاطه الإخواني بالإسكندرية :
حيث كان عضواً بالمكتب الإداري بالإسكندرية ، ومحاضراً في حديث الثلاثاء بمسجد عصر الإسلام ، ورغم التضييق الشديد على دعوة الإخوان ، كانت تأتي كلماته هذه بمثابة القوة الدافعة للإخوان ، في الاستمرار والعمل المتواصل .
وكان حريصاً على تربية الجيل الجديد من الإخوان ، فمن وصاياه للإخوان : ( أوصي إخواني بالصبر والثبات والتقوى وحسن الخلق ) .
وكان يقول : ( الداعية بحسن الخلق أعظم تأثيراً من خطبة رنانة ، فقد انتشر الإسلام بحسن الخلق وليس بالدعاية والإعلان ) ، ثم يقول : ( بتقوى الله وحسن الخلق والصبر والثبات تتقدم دعوتنا ) .
ثم يقول : ( من نافلة القول أن نقول الآن : إن المحن ماهي إلا منح ، فالمجاهدون ذاقوا حلاوة المحن ، ولابد للدعاة اليوم من التربية في مثل هذا الجو ) .
* وطالما كان يخاطب المتسرعين من الإخوان والدعاة بهذه الكلمات التي هي عصارة سنوات حياته من الدعوة والسجن والسفر والتضحيات والجهاد ، قائلاً :
1 - صاحب الدعوة لابد أن يعلم أن هذا الطريق مرسومة خطواته ولن يستبق هذه الخطوات ، ولن يقطف الثمرة قبل نضجها .
2 – التدرج مطلوب في طريق الدعوة ، والصبر هو زادنا في هذه الخطوات ، كان يمكن للنبي صلى الله عليه وسلم ، أن ينتصر بمعجزة ، ولكنه انتصر بجهده وجهود من معه حتى انتصرت الدعوة .
3 - يقول تعالى : ( فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم ) فكن عضواً على هذا الطريق ، مهما تكن عقباته وعراقيله ، فنحن مسئولون عن العمل وليس النتائج .