فكرٌ لامعٌ وإثراءٌ بلا حدود
سالم الزائدي
كان لي شرف معرفة ومقابلة المفكر الدكتور علي فهمي خشيم أثناء إحدى زياراتي الى طرابلس الغرب قبل وفاته في مقابلة في مكتبه في مجمع اللغة العربية حصلت عليها بعد عدة اتصالات شخصية. لفت نظري مكتبه الذي لا يوجد عليه شيء من مشاغل المكاتب لا قلم ولا ملفات، ومن وراء المكتب رأس مليء بالفكر أكسبته التجربة اللون الأبيض وبريق عينين من خلف نظارة يومض ذكاء وألمحية، ناهيك عن الابتسامة الوديعة الهادئة واليد الممدودة بالسلام والترحاب، قضيت معه ساعة كانت من أجمل المواعيد المحببة الى نفسي رحمه الله.
د. خشيم ، صاحب رسالة عاش لها وبذل حياته في سبيلها، يكره الظهور واللقاءات الصحفية، يكره التسجيل والتوقيع ويكره كل ما قد يتهافت عليه الغير من حب للظهور، أديب ومفكر مبدع أحب العيش للعطاء والابداع لا الاستعراض والاستهلاك الاعلامي، أحب وطنه ليبيا وأحب عروبته ويفتخر بدينه الإسلام، يحب المثابرة والاخلاص والاتقان في العمل...أديب لا يمكن أن نفيه حقه من الكتابة فهو لا يكفيه سطور أو صفحات أو كتاب، قمة فكرية كبيرة على مستوى الوطن العربي.
الدكتور علي فهمي خشيم علم من أعلام ليبيا ومفكريها، بحر من العلوم والمعارف، إذا ما اقتربت من علمه فإنه يأخذ بك الى عوالم أكثر اتساعاً، ليبحر بك في فضاءات الشعر والمسرح والرواية والتاريخ والترجمة والتصوف واللغة.
ولد في مصراتة سنة 1936م. حصل على الليسانس في مجال الآداب تخصص فلسفة من كلية الآداب في الجامعة الليبية بنغازي 1962 م، حصل على درجة الماجستير في الفلسفة الاسلامية في كلية الآداب بجامعة عين شمس بالقاهرة 1966م، ثم حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة درهام ببريطانيا 1971م.
الحديث عن الدكتور علي فهمي خشيم مثل الحديث عن البحر يطول ولا ينتهي، فاذا ما ألقيت ببصرك نحو البحر فانه سيمتد إلى ما لاحد له، وإن اقتصرت الحديث عما فيه من مياه فمعنى ذلك أنك تتحدث عن الحياة، ولو تحدثت عن شواطئه فإن حديثك حتماً ينصب على الازدهار والتحضر حيث ضفاف الحياة ولو غصت في أعماقه فقد ظفرت منه بكل شيء.
الأديب والباحث والمفكر والشاعر علي فهمي خشيم من أبرز المفكرين العرب المعاصرين، يحرص على الاستماع أكثر من حرصه على الحديث رغم إنه إذا ما تكلم لا يملك من هم حوله إلا الصمت إعجاباً بلغته وأسلوبه وحرصاً على الاستفادة من قوله الذي ينساب بتلقائية وعفوية بلا تكلف ولا اصطناع.
في كتاباته التاريخية.. يزيد من فخرك بالانتماء الى أعظم الرجال، ويعزز ارتباطك بالوطن، ويقودك الى ما تجهل من أحداث، حتى ليصبح من العسير قراءة تجربة الدكتور خشيم خارج السياقات الثقافية والسياسية والاجتماعية للمجتمع الليبي والعربي، تطرق في مجالات الكتابة الى:
اللغة، اللسانيات، الفلسفة، التاريخ، الرواية، الترجمة وتميزت كتاباته بسيمات ثلاث: الجرأة في الطرح، المغامرة في التفكير، وارتياد الدروب غير المطروقة.
كما عمل في مجالات التأليف على الفلسفة الاسلامية، الأدب والتاريخ.
من مؤلفاته (النزعة العقلية في تفكير المعتزلة، الجبائيان، قراءات ليبية، الحاجية، الحركة والسكون).
من كتبه المترجمة:
حسناء قورينة، تأليف: تينوس ماكيوس بلاوتوس
"نصوص ليبية من هيرودوتس" بليني الأكبر، ديودوروس الصقلي، بروكوبيوس القيصري
"حسان" تأليف جيمس بالروي فلكر
"دفاع سبراطة" تأليف لوكيوس أبوليوس
" نظرة الغرب الى الاسلام في القرون الوسطى" تأليف وليام سذرن
رواية تحولات الجحش الذهبي.
مقالات ودراسات وحوارات صدرت في الكتب (أبو اليوس في ساحة القضاء" أو دفاع صبراتة"، العرب الأمازيغ من أصول كنعانية، ثورة إينارو الفرعون الليبي، حذث ويحذث، مر السحاب، بحثاً عن فرعون العربي، رحلة الكلمات، آلهة مصر العربية، إينارو، سفر العرب الأمازيغ، هل في القرآن أعجمي؟ الفلسفة والسلطة ، هذا ما حدث، القبطية عربية، اللاتينية العربية، التواصل دون إنقطاع ، البرهان.
مؤلفاته الشعرية : ( المِخْلاة ، قصيدة ،شرف .. بالجودة ، علي فهمي خشيم السيرة والمنجز)
المقالات والدراسات العامة منها: مغامر لا يعترف بحدود للتفكير، خشيم : شامبليون العرب، تاريخ العربية وتهيئة المجال، مبدع الحرف والكلمة.
كتب الدكتور محمد الجوادي عن د. علي فهمي خشيم
" أنت في ريادتك لا تقف عند حدود الأرض تذرعها ذهاباً وذهاباً ولا عند حدود السماء تذلل بالطيران فيها عقبة المكان والزمان ولا عند حدود البحار تحاول كما ذكرت في كتابك رحلة الكلمات الثانية أن تنافس بها رحلات السندباد البحري .. لكنك في ريادتك غواص متمرن متمرس يجيد البحث عن اللؤلؤ في أعماق الكتابات العربية وغير العربية المشهورة وغير المشهورة ولا تكتفي بأن تخرج لنا اللآلىء ولكنك ترافق كل لؤلؤة بما تستحقه من تأصيل وتأثيل". واستشهد الجوادي بالعالم البريطاني المسلم مارتن لانجس " عبد الكريم نور الدين" صاحب كتاب ماهو التصوف قوله لك إنه كان يحس أن أعلام التصوف الاسلامي ينتهون عند عبد الكريم الجيلي حتى جئت أنت فكشفت عن شخصية صوفية تضارع أبا حامد الغزالي".
وإذا أنت بعد أن اكتملت لك مفاتيح الفلسفة العقلية والروحية تعود واثقاً الى ذاتك وذات قومك تستكشف لها آفاقها بين آفاق الآخرين وإذا أنت لا تخطي السبيل فنراك تعنى بكتابات المؤرخين والجغرافيين الأغريق وغير الاغريق عن بلادك وإذ أنت تنفض عنها غباراً بعد غبار وإذا أنت توثقها وتوثقها وتخنقها وتحققها وتدققها وتشرحها وتعلق عليها وتعلقها بعد ذلك كله في أعناق قومك قلائد وما كان أحوج أعناق قومك الى مثل هذه القلائد القديمة يعيد نحتها فنان في مثل قدرك وقدرتك واقتدارك.