شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب
شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب
(2-2)
موسى بن سليمان السويداء / السعودية
مجمل دعوة الشيخ :
الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – , هو نتاج المدرسة السنية السلفية ، التي تمتد جذورها إلى شيخ الإسلام ابن تيمية , وطلابه كابن القيم, والحافظ الذهبي, وابن كثير, وابن عبد الهادي إلى الإمام احمد بن حنبل, والشافعي, ومالك, وأبي حنيفة, والثوري, والأوزاعي وغيرهم من أئمة السنة, إلى الصحابة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم . ومن أهم الكتب التي تحكي دعوة الشيخ وتبين عقيدته؛ كتابه " كتاب التوحيد " الذي يحتوي على آيات قرآنية, وأحاديث نبوية, وآثار عن الصحابة, والتابعين, والعلماء الكبار و أيضاً كتاب " كشف الشبهات " يناقش فيه اعتراضات المشركين ويرد عليهم, وله رسالة مهمة صغيرة مسماة ب" القواعد الأربع " أيضاً تبين عقيدته ودعوته, وسوف انقلها من أجل معرفة أدلته العلمية حول التوحيد, والموحدين, والشرك, والمشركين فيقول فيها :
(( اعلم أرشدك الله لطاعته : أن الحنيفيّة ملّة إبراهيم : أن تعبد الله مخلصا له الدين كما قال تعالى ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِِ ﴾[الذاريات:56] فإذا عرفت أنّ الله خلقك لعبادته فاعلم أنّ العبادة لا تسمّى عبادة إلا مع التوحيد، كما أنّ الصلاة لا تسمّى صلاة إلى مع الطهارة، فإذا دخل الشرك في العبادة فسدتْ كالحدَث إذا دخل في الطهارة فإذا عرفتَ أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل وصار صاحبه من الخالدين في النار عرفتَ أنّ أهمّ ما عليك معرفة ذلك، لعلّ الله أن يخلّصك من هذه الشَّبَكة، وهي الشرك بالله الذي قال الله فيه : ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾[النساء:116], وذلك بمعرفة أربع قواعد ذكرها الله تعالى في كتابه .
القاعدة الأولى : أن تعلم أنّ الكفّار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقِرُّون بأنّ الله تعالى هو الخالِق المدبِّر، وأنّ ذلك لم يُدْخِلْهم في الإسلام، والدليل: قوله تعالى : ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾[يونس:31].
القاعدة الثانية : أنّهم يقولون : ما دعوناهم وتوجّهنا إليهم إلا لطلب القُرْبة والشفاعة، فدليل القُربة قوله تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴾[الزمر:3].
ودليل الشفاعة قوله تعالى : ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ﴾[يونس:18]، والشفاعة شفاعتان: شفاعة منفيّة وشفاعة مثبَتة .
فالشفاعة المنفيّة ما كانت تٌطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلاّ الله، والدليل قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ ﴾[البقرة:254].
والشفاعة المثبَتة هي التي تُطلب من الله، والشّافع مُكْرَمٌ بالشفاعة، والمشفوع له من رضيَ اللهُ قوله وعمله بعد الإذن كما قال تعالى : ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾[البقرة:255].
القاعدة الثالثة : أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ظهر على أُناسٍ متفرّقين في عباداتهم منهم مَن يعبُد الملائكة، ومنهم من يعبد الأنبياء والصالحين، ومنهم من يعبد الأحجار والأشجار، ومنهم مَن يعبد الشمس والقمر، وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفرِّق بينهم، والدليل قوله تعالى : ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ﴾[البقرة:193].
ودليل الشمس والقمر قوله تعالى : ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ ﴾[فصلت:37].
ودليل الملائكة قوله تعالى : ﴿ وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا ﴾[آل عمران:80].
ودليل الأنبياء قوله تعالى : ﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾[المائدة:116].
ودليل الصالحين قوله تعالى : ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ... ﴾ الآية[الإسراء:57].
ودليل الأحجار والأشجار قوله تعالى : ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ اللَّاتَ وَالْعُزَّى(19)وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ﴾[النجم:19-20].
وحديث أبي واقدٍ الليثي – رضي الله عنه - قال : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى حُنين ونحنُ حُدثاء عهدٍ بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها " ذات أنواط " فمررنا بسدرة فقلنا : يا رسول الله إجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط... الحديث.
القاعدة الرابعة: أنّ مشركي زماننا أغلظ شركا من الأوّلين، لأنّ الأوّلين يُشركون في الرخاء ويُخلصون في الشدّة، ومشركوا زماننا شركهم دائم؛ في الرخاء والشدّة. والدليل قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴾[العنكبوت:65] )) أه .
أقوال العلماء والمفكرين في الشيخ :
من جملة المفكرين الذين درسوا, أو طالعوا كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب , الشيخ العلامة محمد رشيد رضا, صاحب " مجلة المنار " ,و" تفسير المنار " نزيل مصر . قال في مقدمة بعض الكتب التي تكفل بطباعتها ونشرها : (( لم يخل قرن من القرون التي كثرت فيها البدع من علماء ربانيين يجددون لهذه الأمة أمر دينها، بالدعوة والتعليم وحسن القدوة، وعدول ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، كما ورد في الأحاديث، ولقد كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي من هؤلاء العدول المجددين، قام يدعو إلى تجريد التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده، بما شرعه في كتابه وعلى لسان رسوله خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم ، وترك البدع والمعاصي وإقامة شعائر الإسلام المتروكة، وتعظيم حرماته المنتهكة المنهوكة، فنهدت لمناهضته واضطهاده القوى الثلاث: قوة الدولة والحكام، وقوة أنصارها من علماء النفاق، وقوة العوام الطغام، وكان أقوى سلاحهم في الرد عليه أنه خالف جمهور المسلمين !
من هؤلاء المسلمين الذين خالفهم الشيخ محمد بن عبدالوهاب في دعوته؟ هم أعراب البوادي شر من أهل الجاهلية، يعيشون بالسلب والنهب، ويستحلون قتل المسلم وغيره لأجل الكسب، ويتحاكمون إلى طواغيتهم في كل أمر، ويجحون كثيراص من أمور الإسلام المجمع عليها التي لا يسع مسلماً جهلها،ولا يقيمون ما حفظوا اسمه منها، ولكنهم قد يسمون أنفسهم مسلمين، وأهل حضر، فشت فيهم البدع الوثنية والمعاصي وأضاعوا هدي الشرع في العمل والحكم، فضاع جل ملكهم، وذهب سابق عزهم، وعرف هذا عالمهم وجاهلهم، وصرنا نسمع خطباءهم على منابر الجمعة يقولون : " لم يبق من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه " على ما في كثير من هذه الخطب من تأييد البدع والكذب على الله ورسوله، والتعاليم التي تزيد الأمة جهلاً وضعفاً وفقراً، وهم لها مقترفون، وعليها مصرون، حتى إذا ما ارتفع صوت مصلح بالأمر بالمعروف والهي عن المنكر الذي يشكون منه بالإجمال، مبيناً لهم أسبابه وسوء عاقبته بالتفصيل، هبوا لمعارضته، واستعدوا عليه الظالمين المستبدين للانتقام منه، إذا لم يجد هؤلاء الظالمون باعثاً سياسياً للإيقاع به .
ولم حج ابن جبير الأندلسي في القرن السادس ورأى ما رأى من المنكرات في مصر والحجاز حكم بأن الإسلام قد ذهب من المشرق ولم يحفظ إلا في المغرب ( إلى أن قال الشيخ محمد رضا ) وأنا لم أعلم حقيقة هذه الطائفة إلا بعد الهجرة إلى مصر والإطلاع على تاريخ الجبرتي وتاريخ الاستقصاء في أخبار المغرب الأقصى، فعلمت منهما أنهم هم الذين كانوا على هداية الإسلام دون مقاتليهم، وأكده الاجتماع بالمطلعين على التاريخ من أهلها ولاسيما تواريخ الإفرنج الذين بحثوا عن حقيقة الأمر فعلموها وصرحوا أن هؤلاء الناس أرادوا تجديد الإسلام وإعادته إلى ما كان عليه في الصدر الأول، وإذاً لتجدد مجده، وعادت إليه قوته وحضارته، وأن الدولة العثمانية ما حاربتهم إلا خوفاً من تجديد ملك العرب، وإعادة الخلافة الإسلامية سيرتها الأولى ( إلى أن قال أيضاً ) إن علماء السنة في الهند واليمن قد بلغهم كل ما قيل في هذا الرجل فبحثوا وتثبتوا وتبينوا كما أمر الله تعالى، فظهر لهم أن الطاعنين فيه مفترون لا أمانة لهم، وأثنى عليه فحولهم في عصره وبعد عصره، وعدُّوه من أئمة المصلحين المجدّدين للإسلام، ومن فقهاء الحديث كما نراه في كتبهم، ولا تتسع هذه المقدمة لنقل شيء من ذلك، وإنما هي تمهيد للتعريف بهذا الكتاب في الرد عليه )) [صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان / للسهسواني الهندي ] .
وقال العلامة ابن بدران الدمشقي عن الشيخ : (( ولما امتلأ وطابه من الآثار وعلم السنة برع في مذهب الإمام أحمد وأخذ ينصر الحق ويحارب البدع ويقاوم ما أدخله الجاهلون في هذا الدين الحنفي والشريعة السمحاء ، وأعانه قوم أخلصوا العبادة لله وحده على طريقته التي هي إقامة التوحيد الخالص والدعوة إليه وإخلاص الوحدانية والعبادة كلها بسائر أنواعها لخالق الخلق وحده ، وهب إلى معارضة أقوام ألفوا الجمود على ما كان عليه الآباء وتدرعوا بالكسلِ عن طلب الحق ، وهم لا يزالون إلى اليوم يضربون على ذلك الوتر وجنود الحق تكافحهم فلا تبقي منهم ولا تذر ، وما أحقهم بقول القائل:
كناطح صخرة يوماً ليوهنها=فلم يضرها وأعيا قرنه الوعل
ولم يزل مثابراً على الدعوة إلى دين الله حتى توفاه الله تعالى سنة ست ومائتين وألف ))[ المدخل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل / لأبن بدران ] .
وقال الدكتور الأديب مصطفى الرافعي عنه : (( وبعد وفاة والده عام 1153 للهجرة ، بدأ يظهر دعوته ، ويبعث برسائله إلى نجد ، ناهياً الناس عن التعلق بغير الله ، فاستجاب إليه الناس ، وانتشر أمره ، فوفد إليه كثيرون طلباً للعلم. وتمكن الشيخ محمد من إقناع أمير العيينة عثمان بن معمر بضرورة إزالة الأضرحة والقباب ، فاستجاب الأمير ومعه رجال كثيرون ، حيث تولى الشيخ بنفسه هدم قبة زيد بن الخطاب. وقد أنكر الشيخ محمد بن عبدالوهاب الاعتقاد بالأولياء وزيارة القبور والاستغاثة بغير الله ، إلى ما هنالك من بدع وخرافات ، مما جعله من باب الشرك ،واستشهد على صحة آرائه بالآيات القرآنية والأحاديث المصطفوية . فثار عليه الناس وشكوا أمره إلى الشيخ سليمان بن محمد بن عريعر حاكم الإحساء والقطيف ، فاستجاب لهم وطلب من عثمان بن معمر إخراج الشيخ من البلدة . فغادرها متوجهاً إلى الدرعية قرب الرياض حيث كتب رسالته المشهورة "التوحيد الذي هو حق الله للعبيد " . لا يظن أنه أورد شيئاً جديداً عما أورده ابن تيمية ؛ ولكن مهما يكن من أمر ،فإن الله قيض لهذا الداعية المسلم ، رجلاً يدعى محمد بن سعود بن محمد بن مقرن ، وكانت اعصوصبت حول قبائل " القنوب " و" العنزة " وهي القبيلة التي ينتسب هو إلى أحد أفخاذها من ولد علي ، فتولى زعامتها ولقب بالأمير. وقد قبل الأمير محمد بن سعود دعوة محمد بن عبد الوهاب ، وجعلها شعار إمارته ، واتخذ عاصمة له " قصبة الدرعية " . قال الأمير محمد بن سعود للشيخ محمد بن عبدالوهاب حين لقائه به : أبشر إيها الشيخ بالنصر والمنعة. فقال الشيخ: "وأنا أبشرك إن شاء الله بالأجر والعز ، والتمكين والغلبة ، وهذه كلمة لا إله إلا الله ، من تمسك بها ونصرها ، غنم في الدنيا ، وربح في الآخرة ، وهي كلمة التوحيد الذي دعت إليه الرسل وأنزلت به الكتب ". ويقال إن ولد محمد بن سعود، كان شيخاً على " قصبة الدرعية " فكتب كتائب سلحها بالحراب وبنادق الفتيل، وجعل معها طائفة "المراديف" أي ركاب الذلل – مثنى كل خلف الآخر - وأخذ بعد ذلك يغزو البلاد المجاورة ، ويبث الدعوة لعقيدة السلف الصالح. ومما تجدر الإشارة إليه أن أنصار الشيخ محمد بن عبدالوهاب أطلقوا على أنفسهم اسم " السلفيون " أو المحمديون نسبة إلى محمد صلى الله عليه وسلم. أما اسم "الوهابيون " فقد أطلقه عليهم أعداؤهم لتنفير الناس عنهم والإيهام بأنهم يسعون لإيجاد مذهب خامس يخالف المذاهب الإسلامية الأربعة . إلا أن أنصار الشيخ محمد بن عبدالوهاب اشتهروا باسم " الوهابيون " وسميت حركتهم بالوهابية، التي استبعدتها من هذه الدراسة وجعلت مكانها كلمة " السلفية " التي عرفت به منذ قيامها )) [ الدعوة والدعاة في الإسلام ] .
وقال الأستاذ عباس العقاد : (( ظاهر من سيرة الشيخ محمد ابن عبد الوهاب الوهابية أنه لقي في رسالته عنتا , فاشتد كما يشتد من يدعو غير سميع ومن العنت أطباق الناس على الجهل والتوسل بما لا يضر ولا ينفع والتماس المصالح بغير أسبابها وآتيان الممالك من غير أبوابها وقد غبر البادية زمان كانوا يتكلمون فيه على التعاويذ والتمائم وأضاليل المشعوذين والمنجمين ويدعون السعي من وجوهه توسلا بأباطيل السحرة والدجالين حتى الاستشفاء ودفع الوباء فكان حقا على الدعاة أن يصرفهم عن هذه الجهالة وكان من أثر هذه الدعوة أنها صرفتهم عن ألوان البدع والخرافات )) [ الإسلام في القرن العشرين ] .
وقال خير الدين الزركلي عن الشيخ : (( وكانت دعوته , الشعلة الأولى للنهضة الحديثة في العلم الإسلامي كله , تأثر بها رجال الإصلاح , في الهند ومصر , والعراق , والشام وغيرها )) [ الأعلام للزركلي ] .
وقال الشيخ محمد حامد فقي رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية في مصر في تقديمه لكتاب " فتح المجيد " بعد أن ذكر جهود شيخ الإسلام ابن تيمية ما نصه : (( ثم قام من بعد ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تلاميذ لهما وأتباع في كل عصر ومصر استضاءوا بمشكاة الكتاب والسنة , وجاهدوا في الله حق جهاده , حتى كان شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – ( 1115 – 1206ه ) فقام يجدد للناس أمر دينهم , وما زال يتنقل في البلاد مجاهداً , وداعياً صادقاً محتسباً أجره على الله فيما يلقاه من أذى سدنة القبور والمتاجرين بها , وكلما حاولوا إطفاء نور الله ردّ الله كيدهم في نحورهم , حتى كانت النعمة التامة فضم الله إليه سيف آل سعود , وشدّ بهم أزره ؛ فأعلى الله كلمته بلسان الشيخ محمد , وعلى ظُبى سيوف آل سعود الأمجاد , وأيد الله قوة اللسان الصادق ببأس الحديد الشديد , وأعز كلمة العلم بسواعد السعوديين الأشداء . فتمت كلمة الله ونعمته على الجزيرة , وأشرقت عليها من جديد شمس الإسلام وعز التوحيد وذل الشرك ، وجاء الحق وزهق الباطل ))[ فتح المجيد شرح كتاب التوحيد / لعبد الرحمن بن حسن ] .
وقال الدكتور محمد تقي الدين الهلالي المغربي في أبيات يدافع بها عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعد أن نقل عدة أبيات عن اللنجي الشافعي الفارسي فقال : (( الأبيات التسعة الأولى هي التي بقيت في حفظي من قصيدة للشيخ عمران اللنجى التميمي رحمة الله عليه وتكملتها من نظمي:
إن كـان تـابـع أحـمد أنفي الشريك عن الإله فليس لي لا قـبـة تـرجى ولا وثن ولا أيـضـاً ولـسـت معلقاً لتميمة لـرجـاء نـفع أو لدفع مضرة كـالـشـافعي ومالك وأبي حن هـذا الصحيح ومن يقول بمثله * * * نـسـبوا إلى الوهاب خير عباده الله أنـطـقـهـم بـحقٍ واضح أكـرم بـهـا مـن فرقة سلفية وهـي الـتي قصد النبي بقوله قـد غـاظ عباد القبور ورهطهم عجزوا عن البرهان أن يجدوه إذ وكـذاك أسـلاف لهم من قبلكم سـمـوا رسـول الله قبل مذمماً الله طـهـرهـم وأعـلى قدرهم الله سـمـاهـم بـنـصِ كتابه مـا عـابهم إلا المعطل والكفور ودعـا لهم خير الورى بنضارة هـم حزب رب العالمين وجنده ويـنـيـلهم نصراً على أعدائهم إن عـابـهـم نـذل لئيم فاجر ما عابهم عيب العدو وهل يضي يـا سـالـكاً نهج النبي وصحبه وهـزيـمـة لعدوك الخب اللئي يـا مـعشر الإسلام أوبوا للهدى أحيوا شريعته التي سادت بها الأ ودعوا التحزب والتفرق والهوى فـيـمـيـنها لا يمن فيه ترونه إن الـهدى في قفو شرعة أحمد جـربتم طرق الضلال فلم تروا والله لـو جـربـتم نهج الهدى ولـهـا بـكـم أعائكم وتوقعوا أمـا إذا دمـتـم عـلى تقليدهم وتـوقـعوا من ربكم خسراً على هـذي نـصـيحة مشفق متعتب ومـن البلية عذل من لا يرعوي وزعـمـتـم أن العروبة شرعة لا فـرق بـيـن مصدق لمحمد فـيـصير عندكم أبو جهل ومن مـثـل الـنبي محمد وصحابه بل صار بعضكم يرجح جانب ال ماذا بنى لكم أبو جهل من المجد إلا عـبـادتـه لأصـنـام وإلا وجهالة وضروب خزي يستحى أفـتـعلون ذوي المفاخر والعلى الـلـؤلؤ الكنون يعدل بالحصى بـدلـتـهم نهج الهدى بضلالة ولـقـد أتـيـتكم بنصح خالص واخـالـكـم لا تقبلون نصيحتي | متوهباًفـأنـا الـمـقـر بأنني رب سـوى الـمـتفرد الوهابِ قـبـر لـه سـبب من الأسباب أو حـلـقـة أو ودعـة أو نابِ الله يـنـفـعـني ويدفع ما بي يـفـة وابن حنبل التقي الأوابِ صـاحـوا عـليه مجسم وهابي * * * يـا حـبـذا نسبي إلى الوهاب وهـم أهـالـي فـرية وكذاب سـلـكـت مـحجة سنة وكتابِ هـي مـا عليه أنا وكل صحاب تـوحـيـدنـا لـله دون تحاب فـزعـوا لـسرد شتائم وسباب نـسـبوا لأهل الحق من ألقاب ومـن اقـتـفاه قيل هذا صاب عـن نـبـز كـل معطل كذاب حـنـفـاء رغم الفاجر المرتاب ومـن غـوى بـعبادة الأرباب ضـمت لهم نصراً مدى الأحقاب والله يـرزقـهـم بـغير حساب فـهـو المهيمن هازم الأحزاب فـإلـيـه يرجع كل ذاك العاب ر الـبـدر في العلياء نبح كلاب أبـشـر بـمـغفرة وحسن مآب م وإن يـكن في العد مثل تراب وقـفوا سبيل المصطفى الأواب سـلاف فـهي شفاء كل مصاب وعـقـائـد جاءت من الأذناب ويـسـارهـا يـأتـيكم بتباب وخـلافـهـا رد على الأعقاب لـصـداكـم إلا بـريق سراب سـنـة لـفـقتم جملة الأتراب مـنـكـم إعادة سائر الأسلاب فـتـوقـعـوا منهم مزيد عذاب خـسـر وسـوء مـذلة وعقاب هـل عـندكم يا قوم من إعتاب ولـدى الغوي يضيع كل عتاب وعـقـيـدة تبنى على الأسباب ومـكـذب فـالـكل ذو أحساب والاه مـن حـضر ومن أعراب بـئـس الـجزاء لسادة أقطاب كـفـار مـن سفل ومن أوشاب الـمـخـلـد في مدى الأحقاب وأدهـم لـبـنـاتـهـم بتراب مـن ذكـر أدنـاها ذوو الألباب بـحـثـالـة كـثعالب وذئاب والـنـد والـهـندي والأخشاب وقـصـور مـجد شامخ بخراب يـشـفـيكم من جملة الأوصاب بـل تـتبعون وساوس الخراب | وهابي
وكان الفراغ منه بمدينة مكناس ، طهرها الله من الأدناس ، وصانه من كل بأس ، لعشر خلون من ربيع الأول 1385ه خمس وثمانين وثلاث مائة بعد الألف )) [الحسام الماحق لكل مشرك ومنافق / لتقي الدين الهلالي ] .
أكتفي بهؤلاء الأعلام وغيرهم كثير, و " الحق أبلج والباطل لجلج ", ودعوة الشيخ لا تزال عليها أنوار إيمان, وأمارات الصدق, ويكف دليل على صدق هذه الدعوة, أن خص الله قيامها في جزيرة العرب, بلاد الحرمين من أجل خدمة بيت الله الحرام, ومسجد رسوله صلى الله عليه وسلم, والذب عن أرضيهما كل بدعة وخرافة قد تدنس قدسيتهما . والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .