بشير محمَّد عيون
ترجمة الناشر المحقِّق الأستاذ
(1354-1431هـ = 1936-2010م)
بشير محمَّد عيون |
أيمن بن أحمد ذو الغنى عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية |
هو: أبو بلال، بشير بن محمد بن رشيد بن أحمد عيون، الدمشقي: ورَّاق، وباحث محقِّق، من أهل الدين والاستقامة، اشتُهر في عمله التجاريِّ بالأمانة والمسارعة إلى أداء حقوق الآخرين، وكان لطيفَ المعشر، لينَ الجانب، سليمَ الصدر، هادئ الطبع، صادقَ اللهجة، صريحًا لا يُحسن الخداع والمخاتَلَة.
ولد بدمشق يوم السبت الرابع والعشرين من شوَّال سنة 1354هـ (18/ 1/ 1936م)، في حيِّ باب الجابية، زُقاق الحطَّاب، وفيه نشأ، في رعاية والد فاضل يعمل بدَّالاً([2]).
درس المرحلة الابتدائية في مدرسة (الإمام الغزالي)، والمرحلتين الإعدادية والثانوية في مدرسة (التجارة/ المرستان)، وكان حصوله على شهادة الدراسة الثانوية سنة 1959م.
اضطُرَّ في وقت مبكِّر، بعد إتمامه الدراسة الابتدائية، إلى العمل بدوام مسائيٍّ في طيِّ صحيفة (المنار)([3]) التي كانت مطبعتها في حيِّ باب السريجة.
حُبِّب إليه طلب العلم الشرعيِّ، فحضر مجالسَ بعض علماء الشام والدُّعاة فيها، منهم: الشيخ عبدالكريم المنيِّر المدرِّس في جامع بني أميَّة، والشيخ محمد خير الجلاد، ود. أحمد صدقي الدجاني، وانتفع في علوم اللغة العربية بالشيخ عبدالوهَّاب حمَّامي، واستفاد من صحبة أستاذه د. محمَّد بن لطفي الصبَّاغ.
أما الفقه الشافعيُّ فأخذه عن شيخه المربي عبدالكريم الرِّفاعي رائد الدعوة المسجدية في جامع سيِّدنا زيد بن ثابت بدمشق، وتابع التتلمذَ لبعض طلابه كالشيخ عبدالوهَّاب عزقول، الذي درس عليه ((متن الغاية والتقريب))، وفي السيرة ((نور اليقين)). وقرأ شيئًا من الفقه الشافعيِّ أيضًا على الفقيه الشيخ هاشم المجذوب الملقَّب بالشافعيِّ الصغير.
وفي سنة 1959م انتقل إلى (المكتب الإسلامي) لصاحبه الشيخ زهير الشاويش، للعمل محاسبًا، بترشيح أستاذه الشيخ محمَّد الصبَّاغ. ثم تولى عملاً إداريًّا في المكتب إلى سنة 1964م. وكان اطِّلاعُه على الكتب والمخطوطات هناك فاتحةَ خير له، إذ وجد رغبةً في نفسه للعمل في مجال الطباعة ونشر الكتب النافعة.
ولا ريب أنه أفاد من اتصاله بالأساتذة الأفاضل والشيوخ الجِلَّة القائمين على التحقيق في المكتب الإسلاميِّ، وفي مقدِّمتهم: محمد ناصر الدين الألباني، وعبدالقادر الأرناؤوط، وشُعَيب الأرناؤوط، وعبدالقادر الحتَّاوي الدُّومي، ونزار الخاني، وغيرهم. وتوثقت في هذه المرحلة صلتُه بالشيخ المحدِّث عبدالقادر الأرناؤوط، واستمرت وثيقةً إلى أن فرَّق بينهما الموت.
وفي العام 1965م اشترك مع الشيخ عادل لبابيدي في تأسيس (دار الكتب العربية)، ولكن لم يلبث بعد عامين سنة 1967م أن استقلَّ بنفسه، وافتتح دارًا للنشر باسم (دار البيان) في محلَّة الحلبوني بدمشق، وكان من أوائل أعماله فيها إخراجُ كتاب الحافظ ابن الأثير الجَزَري النفيس ((جامع الأصول في أحاديث الرسول)) في (73) جزءًا، بتحقيق الشيخ المحدِّث عبدالقادر الأرناؤوط، ثم أعاد إخراجه في أحدَ عشرَ مجلدًا. واستمرَّ الشيخ عبدالقادر بعد ذلك في تحقيق الكتب التي تخرجها دار البيان، واشترك مع رفيق دربه الشيخ شُعَيب في تحقيق بعضها.
ثم آثر المترجَم العملَ بنفسه في البحث والتحقيق بدءًا بعام 1985م، واتبع في تحقيق جُلِّ ما نشره المنهجَ العلميَّ المعروف، باعتماد أصول خطية للكتب المحقَّقة، ومعارضة ما يُنسَخ منها بأصله المخطوط، وتخريج أحاديثها تخريجًا متوسطًا دون تطويل ولا إخلال، والتعليق على ما يحتاج إلى تعليق، وإعداد فهارسَ تقرِّب فوائدَ الكتاب لقارئيه، مع الحرص على جَودة الطباعة، والاعتدال في تسعير الكتب، لتكونَ في طَوق طلاب العلم وقدرتهم على اقتنائها.
واعتمد في تخريج الأحاديث والحكم عليها على أحكام العالمين المحدِّثَين محمد ناصر الدين الألباني، وعبدالقادر الأرناؤوط. وكان للمترجَم فضلٌ كبير في تقريب كتب شيخ الإسلام ابن قيِّم الجَوزية إلى العامَّة والخاصَّة في الشام.
هذا، وقد أربت الكتب التي حقَّقها واعتنى بها على مئة كتاب، وخلَّف عددًا منها مخطوطًا غير مطبوع.
أما ما أخرجه ونشره من تحقيقه فهو: (أهوال القبور) و(اختيار الأَولى شرح حديث اختصام الملأ الأعلى)، و(ذمُّ المال والجاه)، و(الخشوع في الصلاة)، و(الفرق بين النصيحة والتعيير)، و(كشف الكُربة في وصف حال أهل الغُربة)، و(كلمة الإخلاص)، و(نور الاقتباس) جميعها لابن رجب الحنبلي، (الكبائر)، و(مختصر سيرة الرسول)، و(مختصر زاد المعاد)، و(مجموعة التوحيد) لمحمد بن عبد الوهَّاب، (التوابين)، و(مختصر منهاج القاصدين)، و(لمعة الاعتقاد) لابن قدامة المقدسي، (العبودية)، و(السياسة الشرعية)، و(التوسل والوسيلة) لابن تيمية، (مكارم الأخلاق)، و(ذمُّ الغيبة والنميمة) لابن أبي الدنيا، (تبيين كذب المفتري)، و(ذمُّ من لا يعمل بعلمه) لابن عساكر، (التبيان في آداب حمَلَة القرآن)، و(الأذكار) للنووي، (تلبيس إبليس)، و(صيد الخاطر) لابن الجوزي، (تتمة جامع الأصول)، و(السيرة الذاتية للعترة النبوية)([4]) لابن الأثير الجَزَري، (قرَّة عيون الموحِّدين)، و(فتح المجيد شرح كتاب التوحيد) لعبدالرحمن آل الشيخ، (نشوة السكران)، و(حُسن الأسوة) لصدِّيق حسن خان، (الحوادث والبدع) للطرطوشي، (الروض المربع شرح زاد المستقنع) للبُهوتي الحنبلي، (الرحيق المختوم) للمُباركفوري، (شرح العقيدة الطحاوية) لابن أبي العزِّ الحنفي، (طوق الحمامة في الأُلفة والأُلاَّف) لابن حزم الأندلسي، (عمل يوم والليلة) لابن السُّـنِّي، (قصص الأنبياء) لابن كثير، (الإبانة عن أصول الديانة) لأبي الحسن الأشعري، (أخلاق النبي وآدابه) لأبي الشيخ الأصبهاني، (أخلاق العلماء) للآجُرِّي، (الآداب الشرعية والمنح المرعية) لابن مفلح المقدسي، (الباعث على إنكار البدع والحوادث) لأبي شامة المقدسي، (القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع) للسَّخاوي، (الكبائر) للذهبي، (النصيحة في الأدعية الصحيحة) للجمَّاعيلي، (الشمائل المحمَّدية) للترمذي، (التذكار في أفضل الأذكار) للقرطبي، (تسلية أهل المصائب) لمحمد المنبجي، (مختصر شُعَب الإيمان) للقزويني.
ومن كتب ابن القيِّم: (اجتماع الجيوش الإسلامية)، (ذمُّ الحسد وأهله)، (إعلام الموقِّعين عن ربِّ العالمين)، (إغاثة اللهفان)، (بدائع الفوائد)، (التبيان في أقسام القرآن)، (تحفة المودود في أحكام المولود)، (تفسير الفاتحة)، (تفسير المعوِّذتين)، (جِلاء الافهام في الصلاة والسلام على خير الأنام)، (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي)، (حادي الأرواح)، (روضة المحبِّين)، (شفاء الصدور في فتاوى الرسول)، (الطبُّ النبوي)، (الطرق الحكمية)، (طريق الهجرتين)، (عِدَةُ الصابرين)، (الفوائد)، (الكافية الشافية)، (مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين)، (مفتاح دار السعادة)، (الوابل الصيِّب).
وأما الكتب التي حقَّقها ولم تُطبع فهي: (لطائف المعارف)، و(تفسير سورة النصر)، و(حديث إنما بُعثت بالسيف) لابن رجب الحنبلي، (الوفا بأحوال المصطفى)، و(المدهش) لابن الجوزي، (الدواء العاجل في دفع العدو الصائل)، و(رفع الريبة عما يجوز وما لا يجوز من الغيبة) للشوكاني، (رياض الصالحين) للنووي، (منازل السائرين) للهروي، (أحكام الذريعة) للسُّرَّمَرِّي الحنبلي، (أحاديث الضيافة) للسمعاني، (كتاب الدعاء) للطبراني، (فضائل الأعمال) لضياء الدين المقدسي، (العُدَّة شرح العُمدة) للهروي، (مكايد الشيطان) لابن مفلح المقدسي، (تيسير الوصول إلى جامع الأصول) لابن الديبع، (تحفة المتعبِّدين) للمنذري، (فضائل القرآن) لابن كثير، (وصول الأماني بأصول التهاني) للسيوطي، و(السحر الحلال) للهاشمي، و(غذاء الألباب).
ومن كتب ابن القيِّم أيضًا: (خصائص يوم الجمعة)، و(ذمُّ الوسواس الخنَّاس)، و(مختصر الصواعق المرسَلة)، و(مناسك الحج والعمرة).
اتصف المترجَم بحسن الخلق، والزهد([5]) والتواضع، وعفَّة النفس واللسان، والصبر على العبادة والطاعة، وعلوِّ الهمة والدأب على المطالعة والبحث والعمل العلمي، فلا تكاد تراه في مكتبته أو بيته إلا منكبًّا على كتب العلم مخطوطها ومطبوعها، ووهبه الله ذاكرة حافظة واعية. وكان يكره الجمودَ والتقليد الأعمى في مسائل الفقه، ويؤثر العملَ بما صحَّ من الدليل. ولا يخرج من بيته إلا متوضِّئًا؛ التزامًا بعهد قديم قطعه على نفسه مع بعض إخوانه، وبقي محافظًا عليه إلى وفاته.
وقد أكرمه الباري سبحانه بالنطق بالشهادتين، وتوجيه المسبِّحة إلى القِبلة عند الاحتضار، وكانت وفاته بعد صلاة العشاء من ثاني أيام ربيع الأول 1431هـ، يوافقه: 15/ 2/ 2010م، عن سبع وسبعين سنة، وأمَّ المصلِّين على جنازته ولدُه الأستاذ محمد بلال، في جامع النقشبندي، ودُفن في مقبرة باب الصغير بدمشق، مخلِّفًا من الأولاد سبعة؛ منهم ذكران يعملان معه في دار البيان هما: محمد بلال وعبدالرحمن. أسبغ الله عليه الرحمات، وجعله في عليِّين.
الأستاذ بشير محمد عيون في مكتبته دار البيان بدمشق
بتاريخ: 5 من المحرَّم 1426هـ
المترجَم مع شيخه د.محمد الصبَّاغ، وولده محمد بلال عيون
بتاريخ: 5 من صفر 1427هـ
المترجَم مع كاتب الترجمة في الرياض
في الخامس من صفر، سنة 1427هـ
الأستاذ بشير عيون في شبابه
الأستاذ بشير عيون مع الشيخ علي عبدالعزيز السامرائي
في مكتبة دار البيان بتاريخ: 11 من شعبان 1430هـ
نموذج لخط الأستاذ المترجَم وتوقيعه من كليمة عن فضيلة الشيخ المحدِّث
عبد القادر الأرناؤوط، كان كتبها بطلب مني رحمهما الله تعالى.
([1]) ) أفدتُّ في إعداد الترجمة من مُشافهَة ولدَي المترجَم الأخوَين الفاضلَين: الأستاذ محمد بلال عيون، وعبدالرحمن عيون، جزاهما الله خيرًا. ومن مقالة الأديب صبحي نديم المارديني: (الأستاذ الشيخ بشير محمد عيون من أعلام الطباعة والنشر والتحقيق في العالم الإسلامي).
([2]) البدَّال: بائع المأكولات؛ من جُبن و عدَس وغيرها، وتسمِّيه العامَّة خطأ: بقَّال. والبقَّال على الصواب هو: بائع البقول، أي الخَضْراوات.
([3]) صدر العدد الأول منها في 22/ 6/ 1946م، وكان مديرها المسؤول الأستاذ بشير العَوف، ورئيس تحريرها د. مصطفى السِّباعي.
([4]) استخلصَه المترجَم من تراجم ((جامع الأصول)) لابن الأثير، وعنوان الكتاب من وضعه هو.
([5]) ذكر صديقُه الأستاذ صبحي المارديني أنه أنكر عليه مرَّة بخسَهُ قيمةَ كتبه، في حين أسعارُ الكتب في دور النشر المجاورة لداره باهظة مرتفعة! فأجابه بقوله: إنما أقصد وجهَ الله تعالى، وما عند الله خيرٌ وأبقى، وإنْ أجري إلا على الله، فهو حسبي ونعم الوكيل.