رحيل عالم جليل في قوص

الشيخ ثابت سعيد إبراهيم

الأسد العويضي

[email protected]

فى عصر يوم الجمعة الموافق السادس من شهر نوفمبر سنة2009 ،  توافدت جماهير قوص وقراها من كل مكان  فى مشهد جنائزي مهيب يتقدمه العلماء والأئمة لتشييع عالم جليل وعلم من الأعلام إلى حيث يوارى جثمانه الطاهر الثرى .

إنه فضيلة الشيخ / ثابت سعيد إبراهيم ، ذلك العالم الذى قضى جل عمره فى الدعوة إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة دون إفراط أو تفريط ...

نشأته وتعليمه :

ولد هذا العالم الجليل فى مدينة قوص كعبة العلماء ، سنة 1946 ميلادية ، وهو من أسرة كريمة ، ترجع جذورها إلى قرية المعرى بقوص ، ويقال إن نسبه يرجه إلى- العباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم- نشأ رحمه الله بمدينة قوص ،  وتلقى تعليمه الأولى  بمدارسها ، ثم حزم حقائبه وارتحل ؛ ليلتحق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر ، واختار قسم تفسير الحديث الشريف .

 رحلته مع الدعوة :

 عقب تخرجه فى الجامعة ، عمل إماما بوزارة الأوقاف، ثم تدرج فى الوظائف حتى وصل إلى درجة كبير أئمة .

 عمل رحمه الله بكثير من مساجد مركز قوص ، ومنها مسجد سيدى أحمد الطواب ، فمسجد سيدى أبى العباس الملثم ، ثم مسجد مصنع السكر ، و المسجد الكبير بقرية الحلة ، وأخيرا استقر به المقام إماما للمسجد الكبير بقرية جزيرة مطيرة ، ولم يقتصر علمه – رحمه الله – على المساجد التى عمل بها ،أو حلقات الدرس التى كان يكلف بها فقط ؛ بل كان كنبع صاف يفيض بعلمه الغزير على كل من حوله ؛ حيث كان فضيلته يلبى كل الدعوات التى توجه له من المدارس و الأهالى فى الاحتفالات الدينية والمصالحات فى الخصومات الثأرية  ، فلم يترك مناسبة دينية إلا وهو يشرح كتاب الله وسنته حتى لبى نداء ربه .

تدينه وصفاته :

كان شيخنا الجليل ، مثالا للتدين والتواضع والحياء والاعتدال، يتمسك بصحيح الدين وأيسره لايحب الغلو أو التشدد ، ولا يغضب إلا لما يغضب الله ورسوله  وكان لين الجانب يألف ويؤلف ، لا تغادر البسمة وجهه الكريم ، يحب أولاده ويعطف عليهم ويزورهم ويسال عنهم ، كما كان – رحمه الله – يصل أقاربه ويتسامح معهم ويذهب إليهم ليرضيهم ويصلهم ، كما كان يحب العمل والاجتهاد و ينبذ الكسل والتواكل .

...... وكان رحمه الله ينبذ فعال الجاهلية ، ويعظ الناس بذلك ، ويحثهم على ترك تلك الفعال كالنواح والعويل على الموتى وشق الجيوب ، لذلك كانت وصيته قبل وفاته

التى أوصى فيها قائلا :

 " أنا العبد الفقير إلى الله – ثابت سعيد – أؤمن أن الجنة حق ، وأن النار حق ،و أن الموت حق ، وأن الله يبعث من فى القبور ، وأنا بريء مما يغضب الله ."

آثاره وكتبه :

أحب شيخنا الجليل العلم حبا جما، وأراد أن يترك شيئا للناس لينتفعوا به؛ عملا بنص الحديث الشريف :

 "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو ولد صالح يدعو له ، أو علم ينتفع به "

 فألف مجموعة من الكتب الدينية التى لم يكن له أجل ليراها تخرج إلى النور ، من هذه الكتب :

1-                     " محمد رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، وهو دفاعا عن النبى الكريم وسردا لمناقبه  الشريفة

2-                     " التدخين "

3-                     "أنابيش عمرية " نسبة إلى الفاروق عمر بن الخطاب – رضى الله عنه –

4-                     " أنابيش بكرية " نسبة إلى الصديق أبى بكر – رضى الله عنه –

5-                     مجموعة من القصص الدينية للأطفال .

وبهذه المناسبة أذكر أن فضيلته – رحمة الله عليه – قد زارنى فى بيتى للسؤال عن كيفية الحصول على رقم الإيداع من دار الكتب ، حيث طرق الباب و إذ بى أجد فضيلته بالباب ولكم كانت فرحتى بتشريفه لى ، ولم يدخل فضيلته البيت إلا بعد أن قرأ الفاتحة لروح المرحوم والدى – فقد كان يعرفه شخصيا – رحمة الله على الجميع - ، وجلست معه وأنست به وبعلمه الغزير ، ولم يلبث معى إلا وقتا قليلا ، استأذن بعده وانصرف كنسمة صيف أو كطيف جميل .

بعض من كلمات  أئمة ومشايخ قوص :

كان رحمه الله محبا لإخوانه وزملائه وتلاميذه من مشايخ الدعوة ، ينصحهم و يحنو عليهم ، يداعبهم ويلاطفهم ولا يبخل عليهم بعلمه ، حيث يقول  عنه فضيلة الشيخ سالم محمد أمين – إمام وخطيب المسجد العمرى بقوص :

 " كان رحمه الله واسع العلم ؛ حيث كنا ندعوه للاحتفال بالمولد النبوى الشريف بمسجد الجهلان بالمخزن منذ عام 1995 ، وكان يأتى فى كل عام  ، ورغم ذلك فلقد كانت خطبته فى كل عام تختلف عما قبلها ، وهذا دليل على سعة العلم وتنوعه  ، كما كان حلو الروح خفيف الظل مع كل الناس على اختلاف شخصياتهم ، محبا للجميع .. ينأى عن ذكر الناس بسوء .. يبتعد عن مجالس النميمة ، متواضعا لأبعد حد ، كما كان – رحمه الله – لا يتسرع فى الحكم على أحد . "

 أما الشيخ شعبان يونس- من مشايخ قوص – فيحكى عنه موقفا طريفا ، فيقول : " كنا فى شهر رمضان فى حفل إفطار جماعى وكان الشيخ ثابت حاضرا، وكان من عادتى أن أتناول قدرا يسيرا كى أستطيع أن أؤدى صلاة التراويح خفيفا ، فداعبنى الشيخ قائلا :يا شيخ شعبان ، كل ماشئت فإن صلاة التراويح تهضم أشد من ذلك ( يقصد شيئا آخر ) .

هذا هو فضيلة الشيخ ثابت سعيد  - رحمه الله – لقد كان مثالا للعلم والتواضع ، وكان إماما لسماحة الدين الحنيف

.... ندعوا الله العلى القدير أن يغفر له ويرحمه وأن يوسع مدخله ، وألا يحرمنا أجره وألا يفتنا بعده

........ ولا نملك إلا أن نقول : "إنا لله وإنا إليه راجعون" .