أحمد ماهر باشا
أحد أهم الداعين إلى استقلال مصر من الاحتلال البريطاني
الذي اغتيل غدرا بيد السلفيين المتشددين
أحمد ماهر باشا |
حسين علي محمد حسنين كاتب وباحث/ عضو إتحاد كتاب مصر |
إسمه الحقيقى احمد محمد ماهر. ولد فى حى العباسية بمدينة القاهرة فى 30 مايو عام 1888 . والده محمد ماهر باشا وكيل وزارة الحربية ومحافظ القاهرة ومن أعيان شراكسة مصر. إلتحق احمد ماهر بمدرسة الحسينية الابتدائية ، ثم بمدرسة الناصرية وحصل منها على شهادة اتمام الدراسة الابتدائية عام 1902 . وعندما توفى والده فى عام 1903 قام عمه عبد الرحمن فهمى بك بالاشراف على استكمال تعليمه، فحصل على شهادة اتمام دراسته الثانوية بالمدرسة الخديوية عام 1905 . والتحق بعد ذلك بمدرسة الحقوق الخديوية وحصل منها على اجازة الحقوق عام 1908 . بعد تخرجه انتظم فى عمل المحاماة ، وافتتح له مكتبا للمحاماة بمدينة الفيوم وكان زميله بالمكتب على كمال حبيشه .
لكن أحمد ماهر لم يمكث بالمحاماة سوى فترة التمرين ثم أوفدته وزارة المعارف المصرية عام 1910 الى فرنسا فى بعثة نظرا لتفوقه فى دراسة الحقوق ، واستمر بفرنسا حتى عام 1913 عندما حصل على درجة الدكتوراه فى الاقتصاد السياسى ، ثم عاد الى القاهرة وعين مدرسا للاقتصاد بكلية التجارة . يذكر أنه خلال وجوده بفرنسا وطد علاقته بالزعيم سعد زغلول ، وفى تلك الفترة كان هناك ترويج لفكرة الـ بان أرابيزم ( تحالف الشعوب العربية)، لكن ماهر باشا لم يكن من مؤيدى هذه الفكرة التى ظهرت فى عام 1911، بل كان من مؤيدى مقترح أحمد لطفى السيد الذى طالب فيه بضرورة إستقلال الشعوب العربية أولا من الإحتلال الأوربى والتركى، ثم النظر فى مقترح الإتحاد العربى بما لا يضر بمصالح مصر .. فمصر أولا .
فى تلك المرحلة شهدت مصر تحركات واسعة النطاق من قبل الجمعيات الصهيونية التى توالى إنشائها بتصريح من الحكومة الإنجليزية وبدعم وحماية المعتمد البريطانى فى مصر ، وقد بلغ عددها فى أوائل عام 1917 نحو 14 جمعية أغلب أعضائها من اليهود الأشكناز القادمين من أوربا تحت حماية بريطانيا وفرنسا وكانت منتشرة فى مدن مصر(القاهرة، الإسكندرية ، المنصورة، دمياط ، بورسعيد، الشرقية وغيرها) . وفى نفس العام ( 1917) خرجت أول مسيرة يهودية فى مصر تحت حماية قوات الإحتلال البريطانى وبمساندة المعتمد البريطانى، وقد بلغ تعدادها نحو ثلاثة آلاف يهودى مقيمين فى مصر تحية لوعد بلفور ، وكانت تلك أول مظاهرة غير مصرية تجوب شوارع مصر مما أوجد نوع من القلق والإضطراب داخل الحركات الوطنية المصرية ، وكان ذلك أحد أهم مناقشات التيارات الوطنية المستقلة الغير حزبية خاصة جماعة الإخوان المسلمين والتيارات اليسارية المنشقة . وفى عام 1918 قام حاييم وايزمان بزيارة القاهرة على رأس بعثة صهيونية كانت مسافرة إلى فلسطين بدعوة من المعتمد البريطانى فى مصر . كل ذلك دفع الحركات الوطنية (ومنها أحمد ماهر ورفاقه) إلى سرعة إتخاذ خطوات متسارعة للإستقلال عن بريطانيا والتخلص من الإحتلال البريطانى ، وقد ساهم ذلك التوتر بشكل كبير فى المطالبة بالإستقلال عن إنجلترا.
مع بدايات عام 1918 بدأت مطالب الخمسة(سعد زغلول، عبد العزيز فهمى، على شعراوى، محمد محمود، أحمد لطفى السيد) بالإستقلال التام لمصر ، وقد إرتكزت مطالبهم على ما أعلنه الرئيس الأمريكى ويلسون فى حق تقرير مصير الشعوب . وفى نوفمبر عام 1918 تم تشكيل الوفد المصرى من أولئك الخمسة وعدد آخر ممن آمنوا بضرورة الإستقلال وتحرير مصر وفرض سيادتها على جميع أراضيها . لكن بعد نفى كل من سعد زغلول ومحمد محمود وإسماعيل صدقى وحمد الباسل إلى مالطة إجتاحت البلاد ثورة عنيفة فى كل أرجائها وذلك فى أوائل عام 1919.
ولما قامت ثورة 1919 ومنع سعد زغلول ورفاقه من السفر الى أوربا للمطالبة بإستقلال مصر، قام عبد الرحمن فهمى الذى تولى سكرتارية الوفد تنظيم العمل الوطنى وتعاون معه أحمد ماهر وعدد من شبان جيله منهم محمود فهمى النقراشى بتشكيل لجان الموظفين وقرروا الاضراب العام . هذا بالاضافة الى الخطابة فى الاندية ودور العبادة لاذكاء الروح الوطنية لدى العامة خاصة بعد نفى سعد زغلول ورفاقه الى جزيرة مالطه . لكن العمل الوطنى الذى قام به احمد ماهر والنقراشى جعل سلطات الاحتلال الانجليزى تضع ماهر على قوائم المشتبه فيهم وهو ما حدث بالفعل عام 1922 حين تم القبض على الشاب أحمد ماهر وآخرين فى قضية اغتيال حسن باشا عبد الرازق واسماعيل بك زهدى ، لكن تم الافراج عن احمد ماهر لعدم كفاية الادلة .
عندما اطلق سراح سعد زغلول وعاد الى مصر ومعه رفاقه قرر سعد باشا ضم احمد ماهر والنقراشى الى مجموعته . وحينما بدأت الانتخابات البرلمانية فى عام 1923 انتخب أحمد ماهر عضوا بمجلس النواب عن دائرة الدرب الاحمر ، كما انتخب النقراشى عضوا عن دائرة الجمرك . وفى مجلس النواب أختير أحمد ماهر مقررا للجنة المالية وسكرتيرا برلمانيا ، كما عهد اليه رئيس مجلس النواب أحمد مظلوم باشا بإدارة شئون المجلس الإدارية تقديرا منه لكفايته وشجاعته . يذكر فى هذا الخصوص أن أحمد ماهر طالب بفرض الضريبة على جميع المصريين والأجانب دون استثناء ، كما قام بدور كبير فى الافراج عن المحكوم عليهم سياسيا . وفى عام 1924 استصدر سعد باشا زغلول مرسوما بتنصيب أحمد ماهر وزيرا للمعارف بدلا من محمد سعيد باشا، وكان ماهر فى السادسة والثلاثين ، لكن زملائه ثاروا على تنصيبه وزيرا ، ومع ذلك اصر سعد زغلول على رأيه . كما قام سعد باشا بتنصيب النقراشى وكيلا لوزارة الداخلية .
فى يونيو عام 1925 ألقى القبض على النقراشى وأحمد ماهر بعد مقتل السردار الانجليزى لى ستاك ، واستقال سعد زغلول وقدم الجميع للمحاكمة فى قضية الاغتيالات السياسية وظل أحمد ماهر والنقراشى بالسجن قرابة عام كامل . يذكرأن سعد باشا زغلول كان يراقب المحاكمة وينظم الدفاع عنهما وعن غيرهما حتى قضى ببراءتهما فى 25 مايو عام 1926، واستقبلهما سعد زغلول بحرارة بالغة . فى نفس العام(1926) أعيد انتخاب أحمد ماهر عن دائرة الدرب الاحمر ، وفى ذلك المجلس النيابى ناقش ماهر سلطات الازهر بمناسبة عرض ميزانية الازهر( وكان له موقفا حازما مما أثار غضب التيار الإسلامى الأصولى عليه، وعرف بعد ذلك بأنه معاد للإصولية السلفية خاصة القادمة من الخارج ، وكان المقصود بذلك تلك العلاقة بين الأزهريين وجماعات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر التى قدمت من الجزيرة العربية وكانت تشكل خلايا نائمة فى مصر فى ذلك الوقت) ، كما ناقش سلطات رئيس مجلس النواب على الرغم من أن سعد باشا زغلول كان رئيسا لمجلس النواب فى ذلك الوقت. أيضا هاجم أحمد ماهر الانتخابات التى أجراها رئيس الوزراء اسماعيل صدقى فى ظل دستور 1930 الفاقد للشرعية ، وطالب ماهر بمقاطعة تلك الانتخابات والعمل على عودة دستور 1923 الذى إعتبر المظلة الحقيقية لشعب مصرى فى ذلك الوقت. وفى 7 فبراير عام 1928 إحتفلت الجامعة الأهلية(جامعة الملك فؤاد.. القاهرة حاليا) بوضع الحجر الأساسى لمبانيها الحالية بالجيزة بحضور جلالة الملك فؤاد. ويذكر أنه فى منتصف الساعة الثانية عشرة أقيم إحتفال كبير فى المكان الجديد بالجيزة ودعى إليه علية القوم من الأمراء ورجال الدين والوزراء وكبار المثقفين ، وكان أحمد ماهر باشا ضمن هؤلاء المناصرين للجامعة المصرية والذى كان على علاقة جيدة بأحمد لطفى السيد.
فى عام 1934 عهد الوفد المصرى إلى أحمد ماهر بإدارة جريدة كوكب الشرق(التى سميت أم كلثوم بإسمها) ، وفى عام 1935 تكونت الجبهة الوطنية وكان احمد ماهر احد أعضائها البارزين . ومرة ثانية أعيدت الحياة النيانية فى ظل دستور 1923 وأقيمت الانتخابات البرلمانية عام 1936 وإنتخب احمد ماهر عن دائرته بالتزكية ، ثم انتخب رئيسا لمجلس النواب بالاجماع . واستطاع ماهر إدارة المجلس فى دستورية وتطبيق دقيق للوائح والقوانين وهو ما إشتهر به ماهر فى ذلك الوقت. فى نفس العام(1936) اختير عضوا فى المفاوضات التى عقدت فى لندن بين مصر وبريطانيا وتم التوصل الى معاهدة شرف الإستقلال ، وقد أعلن ماهر فى مجلس النواب أن ما وصلوا اليه فى لندن هو خطوة فى طريق الاستقلال يجب البناء عليها والإلتفاف حولها.
فى عام 1937 سافر الى مؤتمر مونتريه للبحث فى الامتيازات الاجنبية التى كانت مفروضة على مصر والاتفاق على الغائها والغاء نظام المحاكم المختلطة، وقد تم التوصل الى الغاء الامتيازات وتقصير أمد المحاكم المختلطة (التى ألغيت بعد ذلك فى عام 1949). وبعد الغاء الامتيازات فى عام 1937 أخذ يدعو الى السياسة القومية وتأليف الجهود بين الجبهات المختلفة ، لكن فى أغسطس عام 1937 حدث خلاف حاد بين النقراشى باشا والنحاس باشا حول أسس الحكم وأصوله، وهنا قرر الوفد برئاسة النحاس فصل النقراشى ، لكن احمد ماهر وقف بجانب النقراشى وتصدى لقرار النحاس باشا مما أدى بالنهاية الى فصل أحمد ماهر أيضا. ومع تصاعد الخلافات داخل النظام وقع خلاف قوى بين وزارة النحاس باشا والقصر الملكى فى نفس العام(1937) ، على أثره أقيلت وزارة النحاس. وهكذا اشتد الخلاف بين النحاس باشا من جهة وبين احمد ماهر والنقراشى من جهة أخرى وانتهى الامر بتكوين حزب جديد برئاسة أحمد ماهر ووكالة النقرشى أطلق عليه اسم (الهيئة السعدية). وفى أوائل أكتوبر سنة 1937 إشتد الخصام بين طلبة جامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليا) على المسائل الحزبية حيث عملت الأحزاب على خلق كوادر لها من طلبة الجامعة مما أضر بالإخاء الجامعى ، وهنا طلب مدير الجامعة أحمد لطفى السيد من وزارة الداخلية تعيين كونستبلات لحفظ النظام ولكن من خارج أسوار الجامعة لأنه لم يسمح للبوليس بدخول الجامعة فى ذلك الوقت حفاظا على إستقلاليتها، لكن وزارة الداخلية لم تجب لطلب أحمد لطفى السيد ، فقدم إستقالته خاصة بعد إشتداد الخصام بين الطلبة الحزبيين.
وفى عام 1938 اجريت الانتخابات البرلمانية فنزلت الهيئة السعدية الانتخابات واستطاعت أن تفوز بمقاعد كثيرة بقيادة أحمد ماهر والنقراشى ، وعليه تولى أحمد ماهر زعامة المعارضة بمجلس النواب الجديد ، ثم اشتركت الهيئة السعدية فى الحكم وتولى أحمد ماهر وزارة المالية فى حكومة محمد محمود باشا فى يوليو عام 1938 -1939.
فى عام 1940 أعيد انتخاب أحمد ماهر رئيسا لمجلس النواب وظل فى رئاسته حتى فبراير عام 1942 عندما أجبرت سلطات الاحتلال الانجليزى الملك فاروق على تنصيب مصطفى النحاس رئيسا للوزراء بإعتباره زعيما للأغلبية حتى يمكن تهدئة البلاد أثناء خوض الانجليز المعارك الحربية فى الحرب العالمية الثانية ضد الالمان فى شمال أفريقيا.(يذكر فى هذا الخصوص ان أحمد ماهر قال لـ مصطفى النحاس: لقد جئت لرئاسة الوزارة على أسنة الحراب الانجليزية) ، وتلك كانت عبارة شديدة القسوة على الوفديين فى ذلك الوقت. وعليه اشتدت حملة أحمد ماهر وحزبه على النحاس باشا أثناء توليه الحكم وتحديدا فيم يخص التدخل الاجنبى فى نظام الحكم بمصر وعلى حملة الاعتقالات التى قامت بها الحكومة الوفدية خاصة عندما تم إعتقال شقيقه على ماهر باشا وعدد من السياسيين تحت بند تكدير السلم الاهلى ، وهو ما أثير علامات إستفهام كثيرة حول حكومة الوفد.
فى سنة 1944 قام أحمد ماهر باشا بتشكيل هيئة لدراسة مقترحات الحلفاء لإنشاء منظمة دولية جديدة تحل محل عصبة الأمم(أصبحت فيما بعد هيئة الأمم المتحدة)، وقد دعا أحمد ماهر صديقه أحمد لطفى السيد ليكون عضوا فى تلك الهيئة نظرا لخبراته المتعددة فى الشأن الدولى عامة والمنظمات الدولية خاصة .
وفى 8 أكتوبر عام 1944 أقيلت وزارة النحاس وعهد بالوزارة الى أحمد ماهر الذى ألفها من حزبه وحزب الاحرار الدستوريين وحزب الكتلة الوفدية بزعامة مكرم عبيد باشا الذى انشق عن حزب الوفد وحافظ رمضان باشا عن الحزب الوطنى ، وقد أطلق على تلك الوزارة " بالحكومة الإئتلافية" ، وكان هدفها خلق جو عام من التسامح والبحث عن المكاسب لمصر من الطرف المنتصر فى الحرب العالمية التى بدت واضحة فى صالح الانجليز . وإفتتحت الدورة البرلمانية فى 18 يناير عام 1945 وكان أحمد ماهر رئيسا للحكومة ( يذكر فى هذا الصدد أن أحمد ماهر كان مؤيدا للحلفاء عام 1940 على الرغم من أن بقية الأحزاب الأخرى وعلى رأسها حزب الوفد كانت تؤيد الجانب الألمانى نكاية فى الانجليز ) . بعد انتهاء الحرب وإنتصار الحلفاء جاء وزير خارجية بريطانيا أنطونى ايدن إلى مصر وإلتقى بأحمد ماهر وعقد مباحثات مطولة معه ، خرج بعدها أحمد ماهر ليعلن رسميا إنضمام مصر للحلفاء وإعلان الحرب (شكلا وليس موضوعا)على دول المحور ("المانيا وايطاليا واليابان) رسميا . وكان هدف أحمد ماهر من ذلك هو الحصول على المكاسب التى سيأخذها كل من تحالف مع الحلفاء . وجاءت أول مبادرة لمناصرة الديمقراطية عندما أعلن أحمد ماهر قبول مصر عضوا بجماعة الأمم المتحدة . لكن فى ذلك الوقت قامت بعض الأحزاب المعارضة لسياسة أحمد ماهر بإثارة وتحريض طلبة الجامعة ضد أحمد ماهر بشكل فج ومستفز ، ومن ثم التظاهر ضده وضد حكومته ، وحاول أحمد ماهر بمفرده ودون حرسه الخاص تهدئة الوضع مع الطلبة . ويذكر أنه كان على رأس الرافضين لأحمد ماهر جماعات الإخوان المسلمين التى كانت تضم بينها بعض أصحاب الفكر السلفى . وقد بذل أحمد ماهر جهدا كبيرا مع زملائه لإقناعهم ، لكن دون جدوى ، ثم طلب من رجال الأمن إبعادهم عن البرلمان والمقر الحكومى أيضا لكن من دون جدوى. كان العناد واضحا خاصة بعد ما أعلن أحمد ماهر عن تلك العلاقة التى كانت بين التيار الأخوانى المصرى والتيار السلفى الوهابى المتشدد القادم من الجزيرة العربية (جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر التى بدأت تكوينها فى الدولة السعودية الحديثة عام 1902 وكان لهم مناصرين من الأزهر والإخوان المسلمين)، والذى كانت لهم خلايا فى مصر تنادى بتبنى مشروع أرض الإسلام هى أرض كل المسلمين . وهو المشروع الذى تصدى له أحمد لطفى السيد وحاربه من البداية .. وقال عنه أنه مشروع قادم من الجزيرة العربية وقائم على فكر إستعماري يطالب كل أمة إسلامية بأن تسعى إلى توسيع أملاكها ونشر نفوذها فيما حواليها من البلاد ، وهى قاعدة تتمشى مع العنصر الذى يعتمد على العنف الذى يفتح البلاد بإسم الدين ، ومن ثم تستطيع القضاء على الحركات الوطنية التى تسعى إلى إستقلال بلدها والحفاظ على سيادتها على أراضيها..بينما مصر فى ذلك الوقت كانت تسعى للإستقلال أولا من الإستعمارين البريطانى والتركى.
وفى 24 فبراير 1945 عقد البرلمان المصرى جلسته الشهيرة لتقرير إعلان الحرب على المحور والوقوف بجانب الحلفاء وإنضمام مصر للأمم المتحدة ، ومع إرتفاع حدة المعارضة بين مؤيد للمحور ومساند للحلفاء أضطر أحمد ماهر إلى عقد جلسة سرية مع مجلس النواب شرح لهم فيها المكاسب التى ستحصل عليها مصر فى حال الإعلان الرسمى للحرب ضد المحور ودعم الحلفاء . وأخيرا إقتنع مجلس النواب بما أوضحه أحمد ماهر لهم من بيانات وحجج وأسانيد ، وأستطاع ان يحصل على تأييد شبه جماعى لإعلان الحرب على المحور. وبعد الحصول على الموافقة الرسمية للبرلمان قرر ماهر التوجه مباشرة الى مجلس الشيوخ لطرح حجته عليهم (يذكر أن المسافة بين البرلمان ومجلس الشيوخ قريبة جدا) ، وبينما هو فى طريقه إلى البهو الفرعونى بمبنى مجلس النواب متجها إلى مجلس الشيوخ فاجأه محام شاب يدعى محمود العيسوى أطلق عليه أربع رصاصات صوبها الى قلبه وصدره أردت أحمد ماهر قتيلا فى الحال .
يبقى السؤال حتى الآن : من هو القاتل ؟ تشير بعض التقارير إلى أن القاتل حسب الأوراق الرسمية كان ينتمى الى الحزب الوطنى ، وقبل ذلك إلى حزب مصر الفتاة ، وكان يؤمن بالتحالف مع المانيا وايطاليا واليابان وذلك لمجرد النكاية ببريطانيا وامريكا .
لكن هناك تقارير أخرى تشير إلى أن القاتل الذى كان يحمل أوراقا تشير إلى أنه ينتمى إلى الحزب الوطنى ، كان فى حقيقة الأمر أصوليا ينتمى شكليا إلى جماعة الأخوان المسلمين لكنه من مصرى من جذور عربية قادمة الجزيرة العربية أنه تم تمويله من الدولة السعودية الحديثة التى أكتشف فيها البتورل منذ عام 1924 وتم لإقناعه بإسم الحفاظ على الدين الإسلامى بضرورة التخلص ممن هم يعملون ضد الإسلام . وكبقا لتلك الرواية وهى الأقرب للتصديق (نظرا لمواقف أحمد ماهر الرافضه للفكر السلفى والتى ظهرت فى أكثر من مناسبة) . نخرج من ذلك أن قضية الاغتيال جاءت بفكر سلفى خارجى وليس من داخل الأزهر كما صور البعض .. كما لم تكن متعلقة بالأساس فى تحالف مصر مع دول المحور، لذلك كانت الحسابات خاطئة وكانت لغة الإغتيال هى الأسرع لدى بعض المتشددين السلفيين وبفكر وتمويل خارجى ترجع جذورة إلى بداية الإنتعاش البترولى فى الجزيرة العربية .. كل ذلك بدلا من لغة التفاوض والحوار الديمقراطى.
وهكذا أغتيل غدرا أحمد ماهر فى مساء 24 فبراير عام 1945 الذى دافع دفاعا مستميتا عن إستقلال مصر مع أخوانه الليبراليين ... قتل الرجل ضحية لفقدان الحوار الديمقراطى وللغة الخشبية الغير ديمقراطية لدى بعض المتشددين السلفيين فى ذلك الوقت.