المفكر وعالم النفس السوري الدكتور فاخر عاقل
د. فاخر عاقل |
محمد فاروق الإمام |
ودعت مدينة حلب واحداً من أهم علماء وأساتذة علم النفس في سورية والعالم العربي؛ الدكتور فاخر عاقل عن عمر ناهز 92 عاما، وشيع جثمانه من جامع قتيبة بن مسلم قرب دار السعادة للمسنين، حيث كان يقيم، إلى المقبرة الحديثة في حلب.
ولد فاخر عاقل عام 1918م في بلدة صغيرة شمال غربي سورية اسمها كفر تخاريم تابعة لمحافظة ادلب شمال البلاد، تلقى تعليمه الابتدائي في مدينة الباب التابعة لمحافظة حلب، قبل أن ينتقل إلى مدينة حلب ويلتحق بمدرسة الروم الكاثوليك طالباً داخلياً مدة سنتين لينتقل بعدها إلى مدرسة التجهيز لينال منها الثانوية العامة، ومن ثم غادر إلى دمشق لدراسة الطب، وتم إيفاده إلى الجامعة الأميركية في بيروت وهناك درس التربية وعلم النفس. تتلمذ على يد الأستاذ المفكر قسطنطين زريق، ونال شهادتي البكالوريوس والماجستير. ليعود إلى سورية حيث عمل مدرساً في دار المعلمين قبل أن يوفد إلى لندن حيث أمضى ثلاث سنوات نال بعدها الدكتوراه ليعود إلى العمل في جامعة دمشق أستاذاً مساعداً ورئيساً لقسم علم النفس. أثناء عمله بجامعة دمشق عمل أيضاً مع اليونسكو مدة سبع سنوات متفرقة، في مصر والأردن والسعودية. وخلال وجوده في الأردن ساهم في تأسيس الجامعة الأردنية وعلّم فيها ثلاث سنوات، عاد بعدها إلى جامعة دمشق حتى عام 1983م حين طلب إحالته إلى التقاعد.
رحل فاخر عاقل بعد أن وصل إلى مرحلة وجد فيها (أن الحياة لم تعد ذات فائدة) مع أن قناعته أن (الإنسان يميل إلى البقاء) لكن العقد الأخير من عمره الذي قضاه بعد رحيل زوجته عام 1999م، في بيت السعادة للمسنين منحه الإحساس بالاكتفاء من الحياة، ويقول: (حياتي أصبحت خلفي، وليست أمامي، لم يبق لي مطلب في الحياة.. كل ما أريده عانيته) فقد ربى ثلاثة أولاد يعدون بين البارزين في ميدان العلم، أكبرهم أستاذة في جامعة ميشغن، وترأس مؤسسة للعلوم النفسية، وابن طبيب متخصص في مرض الإيدز في لوس أنجليس وقد أصبح خبيراً عالمياً في هذا المجال. وابنة ثالثة طبيبة نفسية وأستاذة في واشنطن. وقد فضل فاخر عاقل العودة إلى سورية والعمل فيها لأنه (أحب سورية ولقيت فيها أحسن المعاملة، كُرّمت في كثير من المناسبات، وقمت بأشياء مفيدة جداً وأحمد الله) بحسب ما قاله في حوار أجراه معه الدكتور جمال طحان عام 2002م. منح الدكتور عاقل وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة، بعد مسيرة طويلة من العطاء أنتج خلالها ما يزيد على 27 كتاباً في التربية وعلم النفس باللغات العربية والإنجليزية، 24منها مؤلفة و3 كتب مترجمة، وأغلب مؤلفاته درست في جامعة دمشق وجامعات عربية أخرى، منها (أصول علم النفس التربوي وتطبيقاته) الذي أعيد طبعه لأكثر من ست مرات. وكتاب (علم النفس وعلم التكيف البشري)، و(رحلة عبر المراهقة)، و(سلوك الطفل)، و(الإبداع وتربيته). و(أسس البحث العلمي في العلوم السلوكية). كما ألف قاموسين هما (معجم علم النفس) و(معجم العلوم النفسية) الذي ضمنه نحو 8000 مصطلح مشروح باللغتين العربية والإنجليزية. اشتغل عليهما لأكثر من سبع سنوات، كما دأب على كتابة المقالات في الصحف والمجلات العربية. كما لم يبخل بمكتبته التي تحتوي على أكثر من 4500 كتاب على أبناء بلده وأهداها للمكتبة الوطنية قبل أن ينتقل للعيش في دار المسنين.
بعد مسيرة طويلة من البحث والمحاولة في تطوير علم النفس في العالم العربي توصل فاخر عاقل إلى القناعة بأن العرب (بعيدون جداً عن علم النفس كما هو في البلاد المتقدمة) ويقول: (علم النفس في البلاد المتقدمة أصبح يتصل بعلم الفسيولوجيا والبيولوجيا وعلم الأعصاب والتشريح وسواها. ونحن ما زلنا نكتفي بالتدريس البسيط للنظريات التي مر عليها زمن طويل.. علم النفس اليوم جزء من العلوم الأساسية وليس علماً نظرياً.. النظريات أصبحت من منسيات القرن العشرين. اليوم طالب علم النفس يجرّب، يدخل إلى مخبر ويجري تجارب ويخرج بنتائج عملية. اليوم الشيء الهام الذي تُعنى به الدوائر العلمية هو الجينات أو المورّثات، وعلاقة هذه الجينات بالأمراض النفسية المختلفة) ولعل أجمل ما توصل إليه فاخر عاقل وبعد مدة طويلة في خدمة علم النفس النظرية التي عارض فيها نظرية فرويد وهي أن (الحاجة الأولى والكبرى للإنسان ليست كما قال فرويد الحاجة الجنسية وإنما الحاجة إلى الحب.. الحاجة إلى المحبة.. حاجة الإنسان إلى أن يحب وأن يُحَب. وهذا ينسحب على كل أشكال المحبة وأنواعها: الأب والأم، الأولاد، الوطن) ويقول: (هذا الحب حين يتخذ الشكل الجنسي التناسلي.. ينقلب إلى شيء مضر إذا لم ترافقه الأخلاق.. لذلك كان من واجب الأخلاق أن توجه الدافع الجنسي توجيها أخلاقيا).