علي محمود طه
فلسطين
علي محمود طه |
إبراهيم خليل إبراهيم عضو نقابة الصحفيين عضو اتحاد كتاب مصر |
هذه القصيدة ( فلسطين ) مشهورة بين الناس بأخى جاوز الظالمون المدى وهى للشاعر على محمود طه وتعد من أعظم ما كتب ولو لم يكتب سواها لكفته ووضعته ضمن قائمة الشعراء الذين ساندوا العروبة والإسلام وقد لحن وغنى الموسيقار محمد عبد الوهاب هذه القصيدة المدوية المستنهضة للعزائم والهمم فكانت نشيداً كاسحاً متوهجاً تردده كل إذاعات العالم العربي .. وتقول كلمات القصيدة :
أخـي .. جاوز الظالمون المدى أنـتـركـهُمْ يغصبونَ العُروبةَ ولـيـسوا بِغَيْرِ صليلِ السيوفِ فـجـرِّدْ حـسـامَكَ من غمدِهِ أخـي .. أيـهـا العربيُّ الأبيُّ أخـي .. أقـبل الشرقُ في أمةٍ أخـي .. إنّ في القدسِ أختًا لنا صـبـرنا على غدْرِهم قادرينا طـلـعْـنا عليهم طلوع المنونِ أخـي، قُمْ إلى قبلة المشرقيْن ِ أخـي .. قُمْ إليها نشقُّ الغمار َ أخـي .. ظمئتْ للقتال السيوفُ أخي .. إن جرى في ثراها دمي فـفـتِّـشْ عـلـى مهجةٍ حُرَّة وَخُـذْ رايـة الـحق من قبضةٍ وقـبِّـل شـهيدًا على أرضها فـلـسطينُ يفدي حِماكِ الشبابُ فـلـسطين تحميكِ منا الصدورُ | فـحـقَّ الـجـهادُ وحقَّ مـجـد الأبـوَّةِ والـسـؤددا؟ يُـجـيبونَ صوتًا لنا أو صدى فـلـيـس لـهُ بـعدُ أن يُغمدا أرى الـيـوم مـوعدنا لا الغدا تـردُّ الـضلال وتُحيي الهُدى أعـدَّ لـهـا الـذابحون المُدى وكـنـا لَـهُـمْ قـدرًا مُرصدًا فـطـاروا هباءً وصاروا سُدى لـنـحـمي الكنيسة والمسجدا دمًـا قـانـيًـا ولـظى مرعدا فـأوردْ شَـبـاها الدم المُصعدا وشـبَّ الـضـرام بـها موقدا أبَـتْ أن يَـمُـرَّ عـليها العِدا جـلاهـا الوَغَى، ونماها النَّدى دعـا بـاسـمها الله واستشهدا وجـلّ الـفـدائـي والمُفتدى فـإمًـا الـحـيـاة وإما الرَّدى | الفدا
والشاعر علي محمود طه ولد في الثالث من شهر أغسطس سنة 1901 بمدينة المنصورة عاصمة الدقهلية لأسرة من الطبقة الوسطى وقضى فيها صباه .
حصل على الشهادة الابتدائية وتخرج في مدرسة الفنون التطبيقية سنة 1924م حاملاً شهادة تؤهله لمزاولة مهنة هندسة المباني واشتغل مهندساً في الحكومة لسنوات طويلة إلى أن يسّر له اتصاله ببعض الساسة العمل في مجلس النواب .
عاش حياة سهلة لينة ينعم فيها بلذات الحياة كما تشتهي نفسه الحساسة الشاعرة وأتيح له بعد صدور ديوانه الأول ( الملاح التائه ) فى عام 1934 فرصة قضاء الصيف والسياحة في أوربا يستمتع بمباهج الرحلة في البحر ويصقل ذوقه الفني بما تقع عليه عيناه من مناظر جميلة .
حصل الشاعر علي محمود طه على مكانة مرموقة بين شعراء الأربعينيات في مصر منذ صدر ديوانه الأول الملاح التائه وفي هذا الديوان نلمح أثر الشعراء الرومانسيين الفرنسيين واضحاً لاسيما شاعرهم ( لامارتين ) وإلى جانب تلك القصائد التي تعبر عن فلسفة رومانسية غالبة كانت قصائده التي استوحاها من مشاهد صباه حول المنصورة وبحيرة المنزلة من أمتع قصائد الديوان وأبرزها وتتابعت دواوين علي محمود طه بعد ذلك فصدر له : ليالي الملاح التائه فى عام 1940 وأرواح وأشباح وشرق وغرب 1942 وزهر وخمر وأغنية الرياح الأربع 1943 والشوق العائد1945 وغيرها.
كان التغني بالجمال أوضح في شعره من تصوير العواطف وكان الذوق فيه أغلب من الثقافة وانسجام الأنغام الموسيقية أظهر من اهتمامه بالتعبير.
قال صلاح عبد الصبور في كتابه على مشارف الخمسين : قلت لأنور المعداوي أريد أن أجلس إلى علي محمود طه فقال لي أنور : إنه لا يأتي إلى هذا المقهى ولكنه يجلس في محل جروبي بميدان سليمان باشا وذهبت إلى جروبي عدة مرات واختلست النظر حتى رأيته .. هيئته ليست هيئة شاعر ولكنها هيئة عين من الأعيان وخفت رهبة المكان فخرجت دون أن ألقاه ولم يسعف الزمان فقد مات علي محمود طه في السابع عشر من شهر نوفمبر سنة 1949 إثر مرض قصير لم يمهله كثيراً وهو في قمة عطائه وقمة شبابه ودفن بمسقط رأسه بمدينة المنصورة .
ورغم افتتانه الشديد بالمرأَة وسعيه وراءها إلا أنه لم يتزوج .
يعد الشاعر على محمود طه من أعلام مدرسة أبولو التي أرست أسس الرومانسية في الشعر العربي.
يقول عنه أحمد حسن الزيات : كان شابّاً منضور الطلعة .. مسجور العاطفة .. مسحور المخيلة لا يبصر غير الجمال ولا ينشد غير الحب ولا يحسب الوجود إلا قصيدة من الغزل السماوي ينشدها الدهر ويرقص عليها الفلك!!
وقال عنه طه حسين : في شخصيته خفة الروح وعذوبة النفس وفيها هذه الحيرة العميقة الطويلة العريضة التي لا حدود لها كأنها محيط لم يوجد على الأرض .
ويرى كل من الدكتور سمير سرحان والدكتور محمد عناني : إن المفتاح لشعر هذا الشاعر هو فكرة الفردية الرومانسية والحرية التي لا تتأتى بطبيعة الحال إلا بتوافر الموارد المادية التي تحرر الفرد من الحاجة ولا تشعره بضغوطها.. بحيث لم يستطع أن يرى سوى الجمال وأن يخصص قراءاته في الآداب الأوروبية للمشكلات الشعرية التي شغلت الرومانسية عن الإنسان والوجود والفن وما يرتبط بذلك كله من إعمال للخيال الذي هو سلاح الرومانسية الماضي.. كان علي محمود طه أول من ثاروا على وحدة القافية ووحدة البحر مؤكداً على الوحدة النفسية للقصيدة فقد كان يسعى - كما يقول الدكتور محمد حسين هيكل في كتابه ثورة الأدب - أن تكون القصيدة بمثابة فكرة أو صورة أو عاطفة يفيض بها القلب في صيغة متسقة من اللفظ تخاطب النفس وتصل إلى أعماقها من غير حاجة إلى كلفة ومشقة .
كان علي محمود طه في شعره ينشد للإنسان ويسعى للسلم والحرية رافعاً من قيمة الجمال كقيمة إنسانية عليا .
ويعد الشاعر علي محمود طه أبرز أعلام الاتجاه الرومانسي العاطفي في الشعر العربي المعاصر وقد صدرت عنه عدة دراسات منها كتاب أنور المعداوي علي محمود طه الشاعر والإنسان ) وكتاب للسيد تقي الدين علي محمود طه حياته وشعره وكتاب محمد رضوان الملاح التائه علي محمود طه وقد طبع ديوانه كاملاًََ في بيروت .