الشهيد سرور برهم

(1903 ــ 1948)

أول استشهادي فلسطيني

خليل الصمادي

 [email protected]

عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين/ الرياض

بالمصادفة اجتمعت مع عدد من الزوار والأصحاب والأصدقاء في إحدى المزارع القريبة من دمشق مساء الأربعاء 22/ 8/ 2007وطلب الداعي من الحضور التعريف حتى يتسنى للجميع معرفة بعضهم  وبدأ التعريف محمد من صفد خالد من صفورية سعيد من الجولان المحتل الشيخ أحمد من الشام أبو ثائر من لوبية  ونزار  من كوسوفو طالب علم في دمشق ويحيى سرور برهم مدرس متقاعد من حيفا.

ذكرني هذا الاسم " سرور برهم " بمجاهد كبير سمعت عنه الكثير وأعادني أربعين سنة للوراء يوم كانت إحدى البقاليات القريبة من منزلي بمخيم اليرموك لمحمود سرور برهم الابن البكر للمجاهد سرور برهم يوم كنا نسمع من كبار السن أن المجاهد سرور برهم فجر سيارة مليئة بالأسلحة حتى لا يستولي عليها اليهود.

سألت الأستاذ يحيى أن يحدثنا عن والده سرور برهم ولكن يبدو أن أمراض الشيخوخة حالت بينه وبين سؤالي فلم يسمعني جيدا فما كان منه إلا أن هز رأسه قائلا " بارك الله فيك" 

ولما رجعت إلى البيت وفي صباح اليوم التالي صبحت على الولد أطال الله عمره أحدثه عن سهرة الأمس وسألته عن المجاهد سرور برهم فأمدني بمعلومات قيمة وطلبت منه كتابا ذكر هذه المعلومات فسرعان ما نزل إلى مكتبته  وبحث في الفلسطينيات فأخرج لي كتابين  الأول للشيخ نمر الخطيب " من أثر النكبة " دمشق 1951 والآخر كتاب الشيخ عبد الرحمن مراد" صفحات عن حيفا ومعركتها الأخيرة دمشق 1991" 

ومما رواه المؤلفان عن الشهيد سرور برهم ومما سمعته من الوالد أدون ما يلي:

ذهب قائد حامية حيفا العربية المجاهد الأردني محمد حمد الحنيطي إلى بيروت ودمشق للاجتماع بالمسؤولين في الهيئة العربية العليا وباللجنة العسكرية العليا التابعة لجامعة الدول العربية كان برفقته سرور برهم وزوجته وعدد من المجاهدين وطلبوا إرسال أسلحة وذخائر ومتطوعين إلى حامية حيفا التي كانت تشكو من قلة الذخيرة والسلاح وأخيرا وبعد محادثات مضنية استطاعوا الحصول على شاحنتين كبيرتين مجموع حمولتهما 12 طنا وسارت السيارتان برفقة الحنيطي الذي أصر على المرافقة بالرغم من نصائح الشيخ نمر الخطيب على السير في طريق آخر يسبق القافلة حفاظا على سلامته وسارت السيارتان ورافقهما القائد الحنيطي بسيارة خاصة وسيارة بها سرور برهم وزوجته من بيروت لصيدا حيث انضمت إلى القافلة شاحنة مملوءة بأسلحة مرسلة من الهيئة العربية العليا لفلسطين واستمرت القافلة بالمسير حتى رأس الناقورة مركز العبور بين لبنان وفلسطين والذي كان تحت السيطرة الانجليزية  وتحت أعين ضباطها وجنودها الذين كانوا عيونا لليهود وأخيرا وصلت القافلة إلى عكا فاقترح سرور برهم على الحنيطي المبيت في عكا ونقل الأسلحة إلى حيفا عن طريق البحر فرفض الحنيطي وأصر على متابعة المسير وكذا نصحه بعض وجوه عكا، ولكنه أصر على المسير لأنه اعتبر أن المبيت في عكا نوع من الجبن والهزيمة ، وتابعت القافلة سيرها بعد أن انضم إليها عدد من المجاهدين العكاويين وعند وصول القافلة مدخل مستعمرة " موتسكين " الواقعة في منتصف الطريق بين حيفا وعكا كانت قد تنامت لليهود عن طريق جواسيسهم وربما عن طريق مركز الناقورة أخبار القافلة ، يقول الشيخ محمد نمر الخطيب " وقبل وصولها ب (7)  كيلو مترا شاهد أحد رجال القافلة أن يهوديا كان يراقب وصول القافلة فلما رآها امتطى دراجته النارية وعدا أمامهم  ،ففوجئ المجاهدون بإغلاق الطريق ببراميل كثيرة أو دبابة ، وعند توقف القافلة انهمرت عليها النيران من كل حدب وصوب فتسلل بعض المجاهدين واشتبكوا مع اليهود وقد استطاع سائق إحدى السيارتين المملوءة بالسلاح أن يفلت من الطوق اليهودي ويعكس سيره وينجو بالسيارة كما استطاعت سيارة صغيرة رافقتهم من عكا بالإفلات وكان باستطاعة سرور برهم أن يفلت أيضا إذ كانت سيارته بالمؤخرة ولكن عز عليه أن يرى صحبه في المعركة ويتأخر عنهم فما كان منه إلا أن فتح باب السيارة وخلع سترته وطربوشه وسلمها لزوجه أم محمود قائلا لها ( اشهدي لي، اشهدي لي  يا أم محمود) وتناول سرور بندقيته وأخذ يزحف على الأرض حتى وصل إلى قرب القائد الحنيطي وصحبه المنبثين في ميدان القتال  فوجده قد استشهد ، ونظر إلى شاحنة الأسلحة فوجد اليهود قد صعدوا فوقها للاستيلاء عليها فعز عليه ذلك فتناول قنبلة كانت في جيبه واقترب من السيارة وألقى بها على مبدأ " علي وعلى أعدائي يا ربي  " فخر الجميع صرعى بما فيهم الشهيد سرور برهم وقد احترقت جثته، وقد دوى شمال فلسطين بالانفجار وقد سمع من الحدود اللبنانية ورجت حيفا وعكا وما جاورهما ، لقد أفتك هذا الانفجار بمئات من اليهود كما دمرت العشرات من المنازل اليهودية ومن شدة هول الانفجار أحدث حفرة عميقة على مسافة بعيدة، كانت هذه المعركة في 17/3/1948.

  ولم ينج من المجاهدين في هذه المعركة إلا مجاهد واحد في قصة عجيبة بل معجزة فقد كان مستلقيا على ظهره وإذا بالهواء الشديد من شدة الانفجار يرفعه إلى مئات الأمتار ويلقي به فوق إحدى عربات القطار المتجهة إلى عكا وهذا الرجل معروف باسم أبي طوق وكان سائقا للقائد محمد الحنيطي ، وكان مجموع الشهداء العرب 14 شهيدا صلي عليهم جميعا في الجامع الكبير ودفنوا في مقبرة الياجور بحيفا أما القائد محمد الحنيطي فلف بالعلم الأردني ووضع في سيارة متجهة إلى شرقي الأردن حيث دفن هناك في بلده رحمه الله  .

لم أكتف بهذه المعلومات وأصررت على زيارة الأستاذ يحيى في مخيم اليرموك علني أسمع المزيد عن حياة والده

قرعت الباب ففتح لي ابنا الأستاذ عمر وعمار اللذان  كانا معنا في سهرة أمس فرحبا بي أشد ترحيب وبعد دقائق دخل الأستاذ يحيى ولما عرفوا مطلبي قدموا لي ما أريده

قال الأستاذ يحيى وهو من مواليد حيفا 1938 وخريج جامعة دمشق قسم الجغرافيا :ولد الشهيد سرور برهم عام 1903 وقد أعقب ذكرين محمود ويحيى وست بنات هن ظريفة وفاطمة ونعمات ومنيفة وكوثر ونصرة أردف قائلا كان والدي وغيره من المجاهدين شغلهم الشاغل الجهاد في سبيل الله وطرد اليهود شذاذ الأفاق الذين استولوا على البلاد ، ولكن كما يقولون العين بصيرة واليد قصيرة لم تكن الأموال متوفرة عند الناس كان الوالد يبيع فراش الصوف والأغراض الثمينة من أجل شراء السلاح ، كان بيتنا  الواقع في وسط حيفا في شارع الناصرة مركزا للثوار ومخبأ للأسلحة أذكر كبار القادة وهم يزوروننا والوالدة تعد لهم الأكل والشرب يسهرون ويتناقشون في أمور الثورة ، اشترك الوالد في عمليات فدائية جريئة كما أنه تزعم جماعة الكف الأسود في حيفا التي كانت تلاحق لعملاء والخونة ،كما أنه كان معاون قائد حامية حيفا  ويردف الأستاذ يحيى قائلا أذكر يوما أنني شاهدت كفيه محروقتين ولما سألت عن السبب أجابتني الوالدة رحمها الله لقد كان يستعمل مدفع هاون جديد وقد حرقت كفاه من حمم النار ، سألته عن العملية البطولية التي قام بها الوالد إن كان يذكرها قال: كنت يومها في صيدا مع أخواتي البنات لاجئين مشردين لأن المعارك كانت على أشدها بين المجاهدين واليهود  وقد ودعنا الوالد والوالدة مصاحبين قافلة الأسلحة ولم أنس يومها في صيدا عندما سمعت دوي الانفجار من هناك ولم أدر باستشهاد الوالد إلا بعد قدوم الوالدة إلينا وحدثتنا بما جرى .

مكثنا في صيدا مدة ثم انتقلنا إلى دمشق وسكنا مخيم اليرموك ، توفيت الوالدة أم محمود في الأردن لدى زيارتها لإحدى بناتها هناك ونقلت إلى مخيم اليرموك ودفنت في مقبرتها.

خرجت من بيت الأستاذ يحيى وأنا معجب بأن روح الجهاد والاستشهاد ما زالت تسري في بيته فولداه عمر وعمار حدثاني كذلك عن جدتهم أم محمود رحمهما الله وعن عمهم محمود أبي أحمد الذي توفي في اليرموك عام 1990 وعما كانا يحدثانهما عن جدهما وعن المجاهدين أمثال رشيد الحاج إبراهيم وفخري البرد وأحمد عمورة وسعيد عطية وغيرهم من المجاهدين والشهداء ، خرجت وكلي ثقة بأن الخير في أمتنا إلى يوم القيامة ويممت شطري نحو منتصف المخيم لأنني أذكر أنني عندما كنت في العاشرة من عمري رأيت شارعا باسم " سرور برهم " متفرعا من شارع صفد ، ذهبت هناك لأتأكد من أن الشارع  ما زال يحمل اسمه القديم  فوجدته كما هو عندها شكرت بلدية المخيم التي ما زالت على عهدها القديم.