عائشة عبد الرحمن - بنت الشاطئ
المفكرة والباحثة المصرية
بنت الشاطئ |
محمد فاروق الإمام |
هي عائشة محمـد عبد الرحمن الكاتبة المصرية والباحثة والمفكرة والأستاذة الجامعية في الأدب العربي، ولدت في السادس من تشرين الثاني عام 1913م، وذلك في المكنات ببنت الشاطئ، مدينة دمياط بشمال دلتا مصر، وهي من بيت علم وعلماء، فقد كان والدها عالماً من علمــاء الأزهر، وقد تربت على يديه تربية إسلامية صحيحة، فنهلت من جلسات الفقه والأدب التي كان يقيمها والدها كما حفظت القرآن الكريم في مدارس القرآن المسماة بالكتاتيب والتي كانت منتشرة في القرى آن ذاك.
لم يكن تعليم الفتاة متاحاً في ذلك الوقت، وقليلات هن الفتيات اللواتي استطعن اللحاق بركب التعليم وكانت عائشة واحدة من المحظوظات، على الرغم من أن والدها لم يتقبل الفكرة في البداية إلا أن عائشة استطاعت الالتحاق بمدرسة اللوزي الأميرية للبنات وذلك بمساعدة جدها لأمها الشيخ إبراهيم الدمهوجي، ومن هنا بدأت مرحله أخرى من مراحل حياة الكاتبة عائشة بنت الشاطئ حيث أخذت بتخطي مراحل التعليم مرحله تلو الأخرى تنهل من عباب هذا البحر الكبير، حتى حصلت على شهادة الكفاءة للمعلمات عام 1929م، وذلك بترتيب الأولى على القطر المصري. ومن ثم حصلت على الشهادة الثانوية عام 1931م. ولم تتوقف مسيرتها التعليمية عند هذا الحد بل التحقت بجامعة عين شمس وتخرجت من كلية الآداب قسم اللغة العربية، تلا ذلك حصولها علي شهادة الماجستير بمرتبة الشرف الأولى عام 1941م، وفي خلال فترة دراستها الجامعية تزوجت عائشة من أحد فحول الفكر والثقافة في مصر آن ذاك آلا وهو الأستاذ الجامعي أمين الخولي، وقد أنجبت منة ثلاثة أبناء ، ولم تشغلها مسؤولياتها الجديدة كزوجة وأم عن طلب العلم، ففي عام 1950م حصلت على شهادة الدكتوراه في النصوص بتقدير ممتاز، وقد نوقشت الرسالة من قبل عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين.
وعملت عائشة في عدة وظائف وتبوأت عدة مناصب مهمة، فعملت أستاذة للتفسير والدراسات العليا في كلية الشريعة بجامعة القرويين في المغرب، وبعد ذلك أستاذ كرسي اللغة العربية وآدابها في جامعة عين شمس من (1962-1972م) بجمهورية مصر العربية، كما عملت أستاذة زائرة لجامعة أم درمان عام 1967م، ولجامعة الخرطوم وجامعة الجزائر عام 1968م، ولجامعة بيروت عام 1972م، ولجامعة الإمارات عام 1981م، وكلية التربية للبنات في الرياض( 1975-1983م). ودرّست ما يقارب العشرين عاماً بكلية الشريعة في جامعة القرويين بالمغرب في وظيفة أستاذة للتفسير والدراسات العليا. كما شغلت عائشة عضوية مجموعة من الهيئات الدولية المتخصصة ومجالس علمية كبيرة مثل المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، والمجالس القومية المتخصصة، والمجلس الأعلى للثقافة، كما كانت أيضاً أحد أعضاء هيئة الترشيح لجوائز الدولة التقديرية بمصر.
إلى جانب كل هذا كانت الدكتورة عائشة أديبة وناقدة وهي صاحبة إنتاج أدبي غزير ومتنوع في الدراسات القرآنية مثل (التفسير البياني للقرآن الكريم) و(الإعجاز البياني للقرآن) و(تراجم سيدات آل البيت النبوي) ومنها (بنات النبي، نساء النبي، أم النبي، السيدة زينب، السيدة سكينة بنت الحسين). كما تطرقت لدراسة الغزو الفكري من خلال (الإسرائيليات في الغزو الفكري) وهي إحدى مؤلفاتها، كما قامت بتحقيق الكثير من النصوص والوثائق والمخطوطات، ولها أيضاً دراسات شتى في المجالات اللغوية والأدبية مثل: نص رسالة الغفران للمعري، والخنساء الشاعرة العربية الأولى، ومقدمة في المنهج، وقيم جديدة للأدب العربي، وقد نشر لها العديد من البحوث المنشورة ومنها المرأة المسلمة، ورابعة العدوية، والقرآن وقضية الحرية الشخصية الإسلامية، ومن الأدبيات والقصص لها ذخيرة كبيرة، مثل: على الجسر، الريف المصري، سر الشاطئ، وسيرة ذاتية وقد سجلت فيه طرفًا من سيرتها الذاتية فتحدثت فيه عن طفولتها على شاطئ النيل ونشأتها وأيضاً جاءت على ذكر زوجها الراحل ونعته في هذه السيرة الذاتية بكلمات رقيقة. ولم يتوقف الإنتاج الأدبي للدكتورة عائشة عند هذا الحد بل كانت أيضاً تكتب للصحف والمجلات، فبدأت الكتابة، وهي في سن الثامنة عشر في مجلة النهضة النسائية وقد كانت تكتب تحت اسم (بنت الشاطئ)، وهو اسم مستعار مستمد من ذكرياتها و لهوها علي شاطئ النيل وقد فضلت كاتبتنا آن تستتر وراءه نظراً لشدة محافظة عائلتها آنذاك، وبعد ذلك بعامين فقط بدأت الكتابة في جريدة الأهرام المصرية، وهي تعتبر من أعرق الصحف اليومية العربية، فكانت بنت الشاطئ ثاني امرأة تكتب بها بعد الأديبة مي زيادة، وكانت لها مقالة طويلة أسبوعية حيث بقيت تكتب للأهرام حتى وفاتها فكانت آخر مقالة نشرت لها في تاريخ 26 تشرين الثاني 1998م، وكانت بعنوان (علي بن أبي طالب كرم الله وجه). وقد تبنت الدكتورة عائشة عدة قضايا في حياتها خاضت بسببها العديد من المعارك الفكرية، فأخذت على عاتقها الدفاع عن الإسلام بقلمها فوقفت ضد التفسير العصري للقرآن الكريم، كما دعمت تعليم المرأة بمنطق إسلامي.
حصلت الدكتورة عائشة على الكثير من الجوائز منها جائزة الدولة التقديرية للأدب في مصر والتي حازت عليها عام 1978م، كما حصلت أيضاً على جائزة الحكومة المصرية في الدراسات الاجتماعية، والريف المصري عام 1956م، ووسام الكفاءة الفكرية من المملكة المغربية، وجائزة الأدب من الكويت عام 1988م، وفازت أيضا بجائزة الملك فيصل للأدب العربي مناصفة مع الدكتورة وداد القاضي عام 1994م. كما منحتها العديد من المؤسسات الإسلامية عضوية لم تمنحها لغيرها من النساء مثل مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة، والمجالس القومية المتخصصة، وأيضاً أَطلق اسمها على الكثير من المدارس و قاعات المحاضرات في العديد من الدول العربية.
وفي الأول من شهر كانون الأول عام 1998م رحلت عنا الدكتورة بنت الشاطئ بعد إصابتها بأزمة قلبية أدت إلى حدوث جلطة في القلب والمخ وهبوط حاد بالدورة الدموية، وقد تركت خلفها ثروة هائلة من الكتب والمؤلفات الأدبيه التي وإن عبرت عن شيء فستعبر عن جهاد هذه المرأة المسلمة والتي بذلت في سبيل علمها وقلمها الذي كان كالسيف البتار. لذلك ستبقى كتاباتها وذاكرتها قدوة لمن بعدها وعلماً يشير إلى المكانة السامية التي وصلت إليها المرأة المسلمة، وستبقى ذكراها خالدة في أذهان طلابها المنتشرين في كل بقعة من بقاع عالمنا العربي والذين صاروا أعلاماً في الفكر والأدب.