الأمام المُزَني
صاحب الشافعي وخال الطحاوي
نبيل عواد المزيني
باحث- الولايات المتحدة
مقدمة البحث والترجمة
في سيرة العلماء دروس وعظات ، وأسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ، وقد قيض الله لكل زمان رجالا ينتفضون دفاعًا عن الحق وذودًا عن حياض الإسلام , ورزقهم من علمه وأضفى عليهم من نوره ، ومن هؤلاء العالم الجليل والقدوة الصالحة في العلم والزهد والتواضع والورع ، أمام الفقه و التفسير والعقيدة والسيرة النبوية والأصول والنحو ، الذي انتفع بعلمه المسلمون في شتى أنحاء العالم الإسلامي ،إنة الامام والفقيه العالم أبو ابراهيم إسماعيل المزني .
وحيث أن سيرة هذا الامام الفقية والعالم الجليل غنية بالعلم والتقوي لرب العالمين ، والسير علي نهج خير المرسلين , تعتبر حافزاً إيمانياً للتأسي بة واقتفاء آثاره والاستفادة من دروسه التي تزخر بها كتبه الي يومنا هذا , فقد حاولت عمل هذا البحث والترجمة بصفة مختصر عن الامام أبو ابراهيم إسماعيل المزني رحمه الله وذلك بعد ان ترجمت بتوفيق اللة وفضلة لأختة الفقيهه في بحث سابق بعنوان " أخت الامام المزني وأم الامام الطحاوي " واللة من وراء القصد .
اسمه وكنيتة ونسبة
هو الامام العلامة ، فقيه الملة ، علم الزهاد ، أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن إسحاق بن مسلم بن نهدلة بن عبد الله المزني المصري الشافعي , وكنيتة أبو ابراهيم وهو ولدة الأكبر , والمزني - بضم الميم وفتح الزاي وبعدها نون - نسبة الي قبيلة مزينة العدنانية الكبيرة ذات التاريخ العريق في الجاهلية والاسلام .
فالإمام الفقية المزني ينتسب الي قبيلة مزينة العدنانية وهي من عمود النسب الشريف نسب النبي صلى الله عليه وسلم اذ تلتقي معه في الياس وهو جد لرسولنا الكريم . وقد شرف اللة قبيلة مزينة وأعزها بإعلاء دينة وبنصرة نبيه منذ فجر الإسلام ، فمن أبنائها أكثر من 103 صحابي جليل وقد أثنى عليها النبى صلى الله عليه وسلم فى أكثر من موضع ودعا لها، ومن رجال هذة القبيلة قبل الاسلام الشاعر كعب بن زهير بن أبى سلمى، والفارس المشهور بشر بن المحتفر المزنى ، ومن نساء هذه القبيلة العريقة أيضا الشاعرة خنساء بنت زهير وغيرهم الكثيرمما لا مجال لذكرهم ، ومن مزينة ايضا الصحابي الجليل بلال بن الحارث أبو عبد الرحمن المزني - رضي الله عنه- الذي قدم على النبي الكريم علية افضل الصلاة والتسليم مع أربعمائة من قومه مُزَيْنَة في رجب سنة خمس ، فاهتزت المدينة فرحًا بهم ، واستبشر بهم المسلمون ، وقاتلوا معه فى غزوة حنين ، وأقطعه النبي صلى الله عليه وسلم العقيق وكان يحمل لواء مزينة يوم فتح مكة .
وقد جاء في الموطأ عن أبي عبد الرحمن بلال بن الحارث المزني - رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه". رواه مالك في الموطأ والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
ومن مزينة ايضا الصحابي الجليل النعمان بن مقرن المزني - رضي الله عنه-وهو الذي شارك في غزوة الأحزاب مع قبيلتة وحضر بيعة الرضوان , ونزل الكوفة ,وشارك مع قبيلتة في حروب الردة بجانب الصديق ابو بكر يوم تخلت العرب وارتدت بعد ان لحق المصطفي صلي اللة علية وسلم بالرفيق الاعلي , وشارك في معركة القادسية وكان رسول سعد بن ابي وقاص الي يزدجر , وولاة عمر علي كسكر , وهو قائد المسلمين في نهوند , وهو الذي أجاب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- عندما قال لة إني مستعملك ، قائلا أما جابيا فلا ، وأما غازيا فنعم .
وقد اشتهرو بحب الله ورسوله ، والإنفاق في سبيل الله عز وجل ، والتضحية من أجل دين الله سبحانه ، وفيهم نزل قول الحق تبارك وتعالى: {ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول إلا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم} [التوبة: 99] , فرضوان الله عليهم أجمعين.
وإن كان الإمام المزني عربي الاصل و النسب فأنة مصري المولد و النشاءة والممات , وصلة الرحم بين العرب وأهل مصر موصولة منذ فجر التاريخ ، فمن مصر تزوج إبراهيم الخليل هاجر أم اسماعيل و تزوج يوسف من زليخا ، و منها أيضا أهدى المقوقس الرسول عليه الصلاه و السلام ماريا القبطيه فتزوجها و أنجبت له إبراهيم . ولهذا اصبح أهل مصر أخوال عرب الحجاز فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ستفتح عليكم بعدى مصر فاستوصوا بقبطها خيرًا فإن لهم ذمة ورحمًا " قال ابن كثير رحمه الله: والمراد بالرحم أنهم أخوال إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام أمه هاجر القبطية وهو الذبيح على الصحيح وهو والد عرب الحجاز الذين منهم النبي صلى الله عليه وسلم وأخوال إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمه مارية القبطية من سنى كورة أنصنا وقد وضع عنهم معاوية الجزية إكرامًا لإبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم. تفسير ابن كثير.
مولدة ونشأتة
بالنسبة لمولدة رضي اللة عنة , فقد افادت المصادر التاريخية ان الامام اسماعيل المزني قد ولد في عام خمس وسبعين ومائة من الهجرة (175ه) , وهو نفس العام الذي توفي فية الامام الليث بن سعد ، وقد قال أبو الفوارس السندى كان المزنى والربيع رضيعين بينهما ستة أشهر، يعني في المولد.
أما بالنسبة للمكان فقد ولد ونشأ رضي اللة عنة في الفسطاط بارض مصر , حيث ذكرت لنا كتب السيرة ، ان قبيلة مزينة العدنانية قد نزلت وقريش في خطة أهل الراية بالقرب من المسجد الجامع ( جامع عمرو بن العاص رضي اللة عنة ) ، وذلك بعدما قدمت مع الفاتح عمرو بن العاص في عام 20 ه , وقد كان الامام اسماعيل المزني يتردد هو وأختة الفقية والتي قدمنا لها من قبل كما اسلفنا علي المسجد الجامع للعبادة والطاعة وتلقي العلوم والمعارف , وفية ايضا التقي بالامام الشافعي رضي اللة عنة واخد الفقهة هو وأختة الفقية عنة .
ورغم تطور الفسطاط بإنشاء مدينة العسكر التي يعد موقعها الحالي منطقة ( زينهم ) في مصر سنة ( 133 ه - 750 م ) إلا أنها كانت في البداية مقصورة على الجنود العباسيين ، واستمرت كذلك حتى عام (201 ه - 816 م ) عندما تهافت الناس على البناء بالقرب من مقر الحكم ونمت المدينة حتى اتصلت بالفسطاط ، وبعد ذلك أنشأت مدينة القطائع التي ابتناها أحمد بن طولون سنة ( 256 ه - 869 م )
عصر الإمام المزني
ولد الإمام المزني رحمه الله تعالى فى أوائل عهد أبو جعفر هارون الرشيد العباسي (170-193 ه) ، وتوفى فى منتصف عهد أبو العباس أحمد المعتمد على الله (256-279 ه) , ويذكر التاريخ لنا ان الخلافة العباسية استمرت في المشرق من سنة 132 إلى 656 للهجرة أي لمدة 524 سنة، و بقي للعباسيين بعد ذلك الخلافة بمصر إلى سنة 922 للهجرة
وقد شهد الزمن الذى عاشه الإمام المزني رحمه الله تقلبا من الاستقرار الي الاضطراب ومن الازدهار العلمي والثقافي الي الجمود و التقليد , فقد عاش في العصر العباسي الاول (132 إلى 232ه) وهو عصر استقرار وازدهار سياسيا وعلميا والعصر العباسي الثاني (232 إلى 590ه) وهو بداية الاضطرابات.
ومن الجدثر بالذكر ان العصر العباسي الاول كان من أبهي العصور من حيث النهضة الثقافية والعلمية , فقد بدأ الاستقرار فيه و أنتظم ميزان الأمة الاقتصادي ، وتمثلت النهضة العلمية في حركة التصنيف و تنظيم العلوم الإسلامية والترجمة من اللغات الأجنبية , ومن أشهر المصنفين في هذا العصر مالك الذي ألف الموطأ، و ابن إسحاق الذي كتب السيرة، و أبو حنيفة الذي صنف الفقه و الرأي . كما تطورت العلوم في العصر العباسي الأول و انتقلت من مرحلة التلقين الشفوي إلى مرحلة التدوين والتوثيق في كتب وموسوعات.
وكان هذا العصر زاخرا بفطاحل العلماء مثل أئمة الفقه الأربعة أبو حنيفة (150 للهجرة)، و مالك (179 للهجرة)، و الشافعي (204 للهجرة)، و ابن حنبل (241 للهجرة).وظهرت مدرستان علميتان كبيرتان في الفقه الإسلامي هما مدرسة أهل الرأي في العراق، ومدرسة أهل الحديث في المدينة المنورة . كما عاش في هذا العصر أئمة النحو ومنهم أئمة النحاة البصريين عيسى بن عمر الثقفي (149 للهجرة)، و أبو عمرو بن العلاء (154 للهجرة)، و الخليل بن احمد (175 للهجرة)، و الأخفش (177 للهجرة)، و سيبويه (180 للهجرة)، و يونس بن حبيب (182 للهجرة)، و من الأئمة الكوفيين أبو جعفر الرؤاسي، و الكسائي، و الفراء (208 للهجرة).
وقد نشطت في هذا العصر حركة ترجمة كتب العلوم و الآداب من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية بتشجيعا من المنصور , و لم يكتف المسلمون بمجرد الترجمة بل ابدعو وأضافوا إلي العلوم المترجمة , وكان للمسلمين الدور الكبير والفضل الوفير في خدمة الثقافة العالمية , فعن طريق معاهدهم و جامعاتهم و أبحاثهم وصلت هذه الدراسات إلى أوروبا، فترجمت مجموعات كبيرة من اللغة العربية إلى اللاتينية، و قد كان ذلك أساسا لثقافة أوروبا الحديثة، و من أهم الأسباب التي أدت إلى النهضة الأوروبية.
وقد عاصر الامام المزني رحمة اللة جميع ولاة الدولة العباسية علي مصر أبتداء من موسى بن عيسى بن موسى ( 175ه) الي أول أمراء الدولة الطولونية أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية ( 254ه / 270ه ).
ورغم الاضطرابات والقلاقل التي عانت منها الخلافة العباسية في بغداد إلا ان مصرعاشت متنعمة باستقرار ورخاء وهدوء، فقد شهدت البلاد في معظم الاوقات نهضة عمرانية وصناعية وتجارية، كما كانت خزانة الأموال عامرة، وكان المجتمع المصري المسلم فى ذلك الوقت يتمتع بجانب كبير من التدين والصلاح والتقوى ، وذلك لقربه من القرون الفاضلة، ولتوفير أسباب الصلاح فكان يهتم عامة الناس بالعلم، وتقدير العلماء واحترامهم، وقيام العلماء بواجبهم فى الإصلاح والأمر بالمعروف ونشر الفضيلة والإنكار على الطرق المنحرفة فى الدين تفريطا وإفراط، كما كان لصلاح الأمراء وتشجيعهم للعلماء الدافع الكبير لعجلة الإصلاح والإرشاد فى المجتمع آنذاك.
تواضعة وورعة وعبادتة
قال أبو عبد الرحمن السلمي : أخبرنا محمد بن عبد الله بن شاذان، سمعت محمد بن علي الكتاني ، وسمعت عمرو بن عثمان المكي ، يقول : ما رأيت أحدا من المتعبدين في كثرة من لقيت منهم أشد اجتهادا من المزني ، ولا أدوم على العبادة منه . وما رأيت أحدا أشد تعظيما للعلم وأهله منه . وكان من أشد الناس تضييقا على نفسه في الورع ، وأوسعه في ذلك على الناس ، وكان يقول : أنا خُلُقٌ من أخلاق الشافعي . وقيل إنه كان إذا فاتته الصلاة في جماعة صلى منفرداً خمساً وعشرين صلاة استراكا لفضيلة الجماعة، مستنداً في ذلك إلى قوله صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين درجة.
لقد كان المزني إمام الشافعيين وأعرفهم بطريق الشافعي وفتاواه وما ينقل عنه ، كان فقيهًا عالمًا راجح المعرفة، جليل القدر فى النظر، عارفًا بوجه الكلام والجدل وحسن البيان ، وقد صنف كتباً كثيرة ، وكان في غاية من الورع وبلغ من احتياطه أنه كان يشرب في جميع فصول السنة من كوز نحاس، فقيل له في ذلك، فقال: بلغني أنهم يستعملون السرجين في الكيزان والنار لا تطهرها ، وكان من الزهد على طريقة صعبة شديدة ، ولم يكن أحد من أصحاب الشافعي يحدّث نفسه بالتقدّم عليه في شيء من الأشياء .
وكان الامام المزني -رحمه الله- مجاب الدعوة ، ذا زهد وتَأَلُّه ، أخذ عنه خَلْقٌ من العلماء وبه انتشر مذهب الإمام الشافعي في الآفاق وكان يُغَسِّل الموتى تعبدا واحتسابا . وهو القائل: تَعَانَيْتُ غسل الموتى ليرِقَّ قلبي ، فصار لي عادة ، وهو الذي غسل الشافعي -رحمه الله.
وقد حدث عن الشافعي ، وعن علي بن معبد بن شداد ، ونعيم بن حماد وغيرهم ،وهو قليل الرواية ، ولكنه كان رأسا في الفقه ، وقد دخل المزني على الشافعي رحمه الله في مرضه الذي توفي فيه, فقال له: كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟ فقال: أصبحت من الدنيا راحلا, وللاخوان مفارقا, ولسوء عملي ملاقيا, ولكأس المنيّة شاربا, وعلى الله تعالى واردا
أقولا العلماء وثنائهم علية
قال اليافعي :الفقيه الامام أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني المصري الشافعي . وكان زاهداً عابداً مجتهداً غوّاصاً على المعاني الدقيقة ، اشتغل عليه خلق كثير ، وقال الشافعي في صفة المزني : ناصر مذهبي ، وقال المصنف في الطبقات : كان المزني زاهدا عالما مجتهدا مناظرا محجاجا غواصا على المعاني الدقيقة
وقال الشافعي عنة ايضا : لو ناظر المزني الشيطان لقطعه . وهذا قاله الشافعي والمزني في سن الحداثة ، ثم عاش بعد موت الشافعي ستين سنة يقصد من الآفاق وتشد إليه الرحال ، حتى صار كما قال أحمد بن صالح : لو حلف رجل أنه لم ير كالمزني لكان صادقا ، وذكروا من مناقبه في أنواع طرق الخير جملا نفيسة لا يحتمل هذا الموضع عشر معشارها . وهي مقتضى حاله وحال من صحب الشافعي ،
قال البيهقي : ولما جرى للبويطي ما جرى كان القائم بالتدريس والتفقيه على مذهب الشافعي المزني ، وأنشد المنصور الفقيه : لم تر عيناي وتسمع أذني أحسن نظما من كتاب المزني ، وأنشد أيضا في فضائل المختصر وذكر من فضائله شيئا كثيرا . قال البيهقي : ولا نعلم كتابا صنف في الإسلام أعظم نفعا وأعم بركة وأكثر ثمرة من مختصره ، قال : وكيف لا يكون كذلك واعتقاده في دين الله تعالى ، ثم اجتهاده في الله تعالى ، ثم في جمع هذا الكتاب ، ثم اعتقاد الشافعي في تصنيف الكتب على الجملة التي ذكرناها - رحمنا الله وإياهما وجمعنا في جنته بفضله ورحمته .
وذكره ابن يونس في تاريخه وسماه، وجعل مكان اسم جده إسحاق مسلماً، ثم قال: صاحب الشافعي ، وقال: كانت له عبادة وفضل ، ثقة في الحديث ، لايختلف فيه حاذق من أهل الفقه، وكان أحد الزهاد في الدنيا وكان من خير خلق الله عز وجل، ومناقبه كثيرة. وقال ابن أبي حاتم : سمعت من المزني ، وهو صدوق ، وقال أبو سعيد بن يونس : ثقة ، كان يلزم الرِّباط .
تلاميذ الامام المزني
اخذ عن الامام المزني اعداد كبيرة من طلبة العلم وكان من ابرزهم:
الامام أبي جعفر الازدي الطحاوي : جاء الامام الطحاوي من الصعيد الى مصر لطلب العلم واشتغل به عند خاله ابي ابراهيم المزني الشافعي وهو من اجل تلاميذ الامام الشافعي فكتب عنه وكان قد سمع منه كتاب السنن روايته عن الامام الشافعي رضي الله عنه. ثم انتقل من عنده وتفقه على مذهب ابي حنيفة رضي الله ، ومن جلة تلامذته العلامة أبو القاسم عثمان بن بشار الأنماطي شيخ ابن سريج ، وشيخ البصرة زكريا بن يحيى الساجي ، ولم يل الامام المزني القضاء ، وكان قانعا شريف النفس .
هذا وقد تفقه بالمزني خلق لا يحصون عدداً كأبي بكر الخلالي، وأبى سعيد الفريابي، وأبي يعقوب الاسفراييني، وأبي القاسم الأنماطي، وأبي محمد الأندلسي وغيرهم من أصحابنا. وتردد اسمه في كل كتب المذهب حتى صار من ابرز أعلامه ، وقد قال الذهبي وأيده الطحاوي: حدثنا المزني سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول: دخل ابن عباس على عمرو بن العاص وهو مريض فقال: كيف أصبحت قال: أصبحت وقد أصلحت من دنياي قليلًا وأفسدت من ديني كثيرًا ، فلو كان ما أصلحت هو ما أفسدت لفزت ، ولو كان ينفعني أن أطلب لطلبت ولو كان ينجيني أن أهرب لهربت ، فعظني بموعظة أنتفع بها يا بن أخي فقال: هيهات يا أبا عبد الله! فقال: اللهم إن ابن عباس يقنطني من رحمتك فخذ مني حتى ترضى.
وقد حدث عنة إمام الأئمة أبو بكر بن خزيمة ، وأبو الحسن بن جوصا ، وأبو بكر بن زياد النيسابوري ، وأبو جعفر الطحاوي ، وأبو نعيم بن عدي ، وعبد الرحمن بن أبي حاتم ، وأبو الفوارس بن الصابوني ، وخلق كثير من المشارقة والمغاربة . كما وقد ورد ايضا " أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن الحنبلي غير مرة ، أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن الحسن بن البُنِّ الأسدي سنة ثلاث وعشرين ، أخبرنا جدي الحسين ، أخبرنا علي بن محمد بن علي الشافعي سنة أربع وثمانين وأربع مائة ، أخبرنا محمد بن الفضل الفراء بمصر ، حدثنا أبو الفوارس أحمد بن محمد الصابوني سنة ثمان وأربعين ، وثلاث مائة ، أخبرنا المزني ، حدثنا الشافعي ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الوِصَال . فقيل : إنَّك تُواصِل؟ فقال: لسْتُ مثلكم إنِّي أُطْعَمُ وأُسْقَى . وبالإسناد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذَكر رمضان ، فقال: لا تصوموا حتى تَرَوُا الهِلالَ ، ولا تُفْطِرُوا حتى تَرَوْهُ. فإن غُمَّ عليكم فَاقْدُرُوا لَه . وبه أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فَرَضَ زكاة الفِطْرِ من رمضان على الناس ، صَاعًا من تَمْرٍ ، أو صَاعًا من شَعِيرٍ على كلِّ حُرٍّ وعَبْدٍ ، ذَكَرٍ أو أُنْثَى من المسلمين متفق عليها .
كتبة ومصنفاته
للإمام المزني رحمه الله مصنفات كثيرة، مهمة ومشهورة، منها:
1 -الجامع الكبير.
الحاوي الكبير وهو شرح مختصر المزني
2 -الجامع الصغير.
3 -المنثور.
-المبسوط
4 -المسائل المعتبرة.
5 -الترغيب في العلم.
6 -كتاب الوثائق.
7 -الدقائق والعقارب وسمي بذلك لصعوبتة
8 -نهاية الاختصار.
9 -المختصر الذي اشتهر باسمه "مختصر المزني" والذي سار في الناس سير الشمس في الآفاق، فبلغ من الشهرة أن المرأة عندما كانت تزف إلى زوجها كان لابد من وجود مختصر المزني في جهازها.
ولقد اشتهر المختصر وسارفي الناس سير الشمس في الافاق فبلغ من الشهرة أن المرأة عندما تزف إلي زوجها كان لابد من وجود مختصر المزني في جهازها . ولقد كثرت شروحه وتعددت ، ومعظم شروحه يعتبر من الموسوعات الفقهية في المذهب والخلاف كالحاوي للماوردي والتعليقة لأبي الطيب الطبري، والنهاية لإمام الحرمين.
وقد حكى القاضي حسين عن الشيخ الصالح الإمام أبي زيد المروزي - رحمه الله - قال : من تتبع المختصر حق تتبعه لا يخفى عليه شيء من مسائل الفقه ، فإنه ما من مسألة من الأصول والفروع إلا وقد ذكرها تصريحا أو إشارة ، وروى البيهقي عن أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة إمام الأئمة قال : سمعت المزني يقول : مكثت في تأليف هذا الكتاب عشرين سنة ، وألفته ثماني مرات وغيرته ، وكنت كلما أردت تأليفه أصوم قبله ثلاثة أيام وأصلي كذا وكذا ركعة .
وقال أبو العباس أحمد بن سريج: يخرج مختصر المزني من الدنيا عذراء لم تفض، وهو أصل الكتب المصنفة في مذهب الشافعي رضي الله عنه، وعلى مثاله رتبوا ولكلامه فسروا وشرحوا ، كما صنف الامام المزني كتابا مفردا علي مذهبة هو لا علي مذهب الشافعي , كذا ذكرة البندنيجي في تعليقة المسمي ب " الجامع" في اخر باب الصلاة.
نوادر الامام المزيني مع الشافعي
لقد طالت ملازمة المزني للشافعي، كما طال تمرسه به، ولذلك كثرت أخبار الشافعي عنده ، مما لا سبيل لحصره، ومن نوادر رواياته عن الشافعي:
-قال: كنت يوما عند الشافعي أسأله عن مسائل بلسان أهل الكلام، قال: فجعل يسمع مني، وينظر إلي، ثم يجيبني عنها بأخصر جواب، فما اكتفيت قال لي: يا بني أدلك عل ما هو خير لك من هذا ؟ قلت: نعم، فقال: يا بني هذا علم إن أنت أصبت فيه لم تؤجر، وإن أخطأت فيه كفرت، فهل لك في علم إن أصبت فيه أجرت، وإن أخطأت لم تأثم، قلت: وما هو ؟ قال: الفقه فلزمته، فتعلمت منه الفقه، ودرست عليه.
-قال المزني: سمعت الشافعي يقول: ما رفعت أحداً فوق منزلته، إلا حط مني بمقدار ما رفعت منه.
-وقال ايضا : سمعت الشافعي يقول: من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن نظر في الفقه نبل قدره، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن نظر في اللغة رق طبعه، ومن نظر في الحساب جزل رأيه، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه.
-قال المزني: وسمعت الشافعي يقول: أظلم الظالمين لنفسه من تواضع لمن لا يكرمه، ورغب في مودة من لا ينفعه.
وجاء عن الإمام إسماعيل إبن إبراهيم المزني أنه رأى شيخه الإمام الشافعي في المنام فسأله كيف فعل الله بك ؟؟ فقال الإمام الشافعي : غفر لي وأمرني أن اساق الى الجنة بعزة وإحترام وذلك كله لصلاة على النبي كنت أقولها ..فسأله الإمام المزني وماهي ؟؟ فقال : كنت أقول اللهم صلي على محمد كلما ذكره الذاكرون , اللهم صلي على محمد كلما غفل عن ذكره الغافلون . و أقول سبحان الله يصلي الامام الشافعي اليوم وهو ميت فينال ثواب آلاف من البشر إذا ذكروا رسول الله .
اجتهاد الإمام المزني
لقد كان المزني من كبار مجتهدي المذهب، بل كان صاحب مذهب، والقول الفصل في أقوال المزني وتخريجاته، ما قاله إمام الحرمين في "النهاية " قال: والذي أراه أن يلحق مذهبه في جميع المسائل بالمذهب، فانه ما انحاز عن الشافعي في أصل يتعلق الكلام فيه بقاطع، وإذا لم يفارق الشافعي في نصوصه، فتخريجاته خارجة على قاعدة إمامه، وإن كان لتخريج مْخِّرج التحاق بالمذهب، فأولاها تخريج المزني لعلوا منصبه، وتلقيه أصول الشافعي.
هذا بالنسبة لتخريجاته, وأما بالنسبة لأقواله المطلقة فتختلف باختلاف مكانها وحالها من الموافقة والمخالفة للإمام. فما كان منها في مختصره المشهور، فهي ملتحقة بالمذهب لا محالة، لأنه أخذها من كلام الشافعي، كما أشار إلى ذلك في المقدمة حيث قال: "اختصرت هذا من علم الشافعي، ومن معنى قوله ".
وأما ما كان منها في غير المختصر، من مصنفاته الأخرى، فقد قال ابن السبكي: هي في موضع توقف، وهو في مختصره المسمى " نهاية الاختصار" يصرح بمخالفة الشافعي في مواضع، فتلك لا تعد من المذهب قطعاً.وقال إمام الحرمين: وإذا تفرد المزني برأي فهو صاحب مذهب. والخلاصة، أن ما كان من أقواله موافقاً لأقوال الإمام، وجارياً على قواعده فهو من المذهب لا محالة، وإن كان رأيا له مخالفاً به قول الإمام وقواعده، فهذا من مذهبه، فقد كان كما قال إمام الحرمين صاحب مذهب.إلا انه رغم هذا لم يخرج عن المذهب خروج ابن جرير، وابن خزيمة، وابن المنذر، وابن نصر. لكنه في نفس الوقت لم تقيد العراقيين والخراسانيين من أصحابنا، كما قال ابن السبكي قال: وأما المزني، وبعده ابن سريج فبين الدرجتين، لم يخرجوا خروج المحمدين، ولم يتقيدوا بقيد العراقيين والخراسانيين.
وقد سُئلَ الإمام أبو إبراهيم المُزَني رحمه الله ، فقيل له : ما تقول في الرقص على الطار والشبّابة ؟ فقال : هذا لا يجوز في الدين . فقالوا أَمَا جوّزه الإمام الشافعي ؟ فأنشد رحمه الله تعالى :
حـاشـا الإمامَ الشافعي أو يـتـركَ الـسنّةَ في نُسكه أو يـبـتـدع طـاراً وشبابة الـضـربُ بالطارات في ليلة هذا ابتداعٌ وضلالٌ في الورى ولا حـديـث عن نبيّ الهدى بـل جـاهـلٌ يلعبُ في دينه إيّـاك تـغـتـر بـأفعال من جـهـلٌ وطـيـشٌ فعلُهم كله أنـكـر عـليهم إن تكن قادراً ولا تـخـف فـي الله من لائمٍ | النّبيهأن يـرتـقي غير معاني أو يبتَدِعَ في الدِّين ما ليس فيه لـنـاسـك فـي الدِّين يقتديه والرقصُ والتصفيقُ فِعْلُ السّفيه ولـيس في التنزيل ما يقتضيه ولا صـحـابـي ولا تـابعيه قـد ضـيّـعَ العمرَ بلهوٍ وتيه لا يَـعـرفُ الـعلمَ ولا يبتغيه وكـلُّ مَـنْ دانَ بـه تزدريه فـهـم رجال ابليس لاشكّ فيه وفّـقـك الله لـمـا يرتَضيه | نبيه
وفاته رحمة اللة علية
لقد لبى الامام المزني نداء ربه لست بقين من شهر رمضان سنة أربع وستين ومائتين (٢٦٤ه) بأرض الكنانة مصر، عن عمر يناهز تسعاً وثمانين سنة ، ودفن يوم الخميس آخر شهر ربيع الأول بالقرب من تربة صاحبة الإمام الشافعي ، رحمة اللة عليه، بالقرافة الصغرى بسفح المقطم ولازال قبره هناك. وصلى عليه الربيع بن سليمان المؤذن المرادي . وبعد وفاة المزني سنة (٢٦٤ه) توفي الربيع سنة سبعين ومائتين وكانا رضيعين بينهما ستة أشهر في المولد . رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته ورفع درجته في عليين ... آمين
وزارة الاثار وقبر الامام المزنى في مصر
وم الجدير بالذكر ان قبر الإمام المزني مسجل بوزارة الاثار والسياحة في مصر ، وقد قام الكاتب بزيارة تلك المنطقة في بداية تسعينات القرن الماضي اثناء بحوث تاريخية وميدانية عن قبيلة مزينة والتي يتشرف الكاتب بالانتساب إليها ، واليكم بيانات هذا الاثر كما حصلت عليها في ذلك الوقت .
رقم الأثر : (٦٢٢)
تاريخ الانشاء للأثر : القرن ( ١١ه/القرن ١٧ م ) ،
عصر انشاء الأثر : الدولة العثمانية
اسم المنشيء : اسماعيل بن يحي المزنى
نوع الأثر : قبة
حالة الأثر : قائم
المنطقة الإدارية للأثر : مصر القديمة
المنطقة الأثرية للأثر : مصر اقديمة والفسطاط
شارع الفارس المتفرع من شارع الإمام الشافعى ( جبانة الإمام الشافعى)
المصادر و المراجع
فتوح مصر وأخبارها لأبن عبد الحكم - وفيات الأعيان 1 | 196 , ومرآة الجنان 2 | 177 178, وطبقات الشافعية 2 | 93 109 ,والعبر 2 | 28 وحسن المحاضرة 1 | 307 . , كتاب: الاجتهاد وطبقات مجتهدى الشافعية للمؤلف: د. محمد حسن هيتو، فتح الباري للحافظ ابن حجر , كتاب: الشافعي حياته وعصره - آراؤه وفقهه :للمؤلف أبو زهرة محمد :. دار الفكر العربي - الطبعة الثانية , كتاب: الإمام الشافعي : للمؤلف البوهي محمد لبيب , المدخل لابن الحاج 3/97 , سير أعلام النبلاءج3 , ج 2طبقات الشافعيةج1ص1 , طبقات الشافعية الكبرى ج2 ص76 , طبقات الفقهاءج1ص97 ,الذهبي ج5 ص62 , معجم المؤلفين ج2 299 , معانى الآثار ج1 ص58 , وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ج1 ص217 , موقع اسلام ويب - المكتبة الاسلامية - تراجم , سلسلة الجبال لمن تحدث عن خير الرجال (صلى الله عليه وسلم) ، ابن زولاق في تاريخه الصغير ،هيئة الاثار المصرية ،.